-->

لاماب ـ المستقلة ـ / قضية ساخنة / الغزو المغربي للصحراء الغربية ... مسيرة شعب وواقع قضية


جذور نزاع الصحراء الغربية
أصبح النزاع الدائر بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو (الممثل الشرعي للشعب الصحراوي) للسيطرة على إقليم الصحراء الغربية "المستعمرة الإسبانية السابقة " تشكل بين قضايا القارة الإفريقية النزاع الأطول والاهم تلك المشكلة العائدة في أصولها إلى الحقبة الاستعمارية, ولا تزال تنظر الحل النهائي من قبل الأمم المتحدة, وكان ابرز ما حققته المنظمة الأممية في مسعاها السلمي بالصحراء الغربية, تمكنها في العام 1991 من إقناع الطرفين المتحاربين البوليساريو والمملكة المغربية بوقف إطلاق النار واستمر التزامهما به قائما حتى الآن.
هذا وكانت حرب التنازع بين الاثنين قد اندلعت في العام 1975 على اثر انسحاب المستعمرين الأسبان من الصحراء الغربية ... تلك البقعة من الأرض يعتبرها المغرب جزءا لا يتجزأ من ترابه الوطني , بينما تتمسك البوليساريو حركة التحرير الوطني والممثل الشرعي والوحيد عن الشعب الصحراوي بملكيتها لها وتطالب باسم سكانها الأصليين (الصحراويين) بالاستقلال وتقرير المصير, طبقا للقرار الاممي 1514 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في الرابع عشر من كانون الأول ديسمبر 1960, والقاضي بمنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة.
ومن مفارقات القضية, أن المغرب نفسه يطالب بتطبيق ذات القرار لصالحه على الصحراء الغربية معتمدا عليه من بين حججه التاريخية في تأكيد أحقيته باسترجاع المنطقة, حيث يتضمن القرار المذكور بنداً ينص على أن المستعمرة التي كانت قبل فترة استعمارها تشكل جزءا من دولة أخرى لا يطبق عليها مبدأ تقرير المصير , إذ تلحق مباشرة بالدولة الأم ويريد المغرب تطبيق هذا البند على الصحراء الغربية .


وحول هذه النقطة يعلق السيد جوفي مدير الدراسات في المعهد الملكي للشؤون الدولية بلندن في بحث قدمه إلى كلية ((سانت انطوني)) في الرابع عشر من آذار مارس 1997 تحت عنوان (البوليساريو والصحراء الغربية) حيث قال* " إن اعتماد المغرب على القرار الاممي رقم 1514 لتبرير سيطرته على الصحراء الغربية يعني تجاهل المضمون الحقيقي لنص القرار المذكور.. حيث كان الهدف منه أن يطبق فقط على أجزاء صغيرة من الأراضي وليس على منطقة في حجم الصحراء الغربية, وان نظام الحكم الملكي المغربي قبل الاستعمار كان يعتمد في ممارسة نفوذه على فرض السيادة على الشعب وليس على الأرض, ومسألة ما إذا كان الفرد مصنفا باعتباره مغربيا في إطار هذا النظام كانت تعتمد على الولاء للسلطة المغربية وليس بالضرورة على المكان الموجود فيه وهذا يتعارض مع القانون الدولي الحديث الذي تعتمد السيادة فيه مبدأ السيطرة على الأرض ".


وهناك قضية أخرى تجرد المطالب المغربية من قيمتها في نظر القانون الدولي الذي يربط تصفية الاستعمار بمبدأ احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار, ففي قضايا تصفية الاستعمار, يأخذ القانون الدولي دائما بالحدود الترابية الموروثة عن الاستعمار ويرفض مبدأ المساس بها.


ومن سؤ حظ المملكة المغربية أن لإقليم الصحراء الغربية حدوده المرسمة استعماريا والمعترف بها دوليا, وكانت اتفاقية عام 1912 الموقعة بين فرنسا وإسبانيا قد رسمت حدود الإقليم الصحراوي - الصحراء الغربية- مع المملكة المغربية.


وكانت منظمة الوحدة الإفريقية قد تبنت هذا المبدأ وأقرته في المادة الثالثة من ميثاقها وذالك لتفادي المشاكل التي كان لها أن تنشأ عقب خروج الاستعمار الغربي من القارة السمراء.. إذ قلما تخلو دولة إفريقية من مشاكل حدودية مع جيرانها وسبب ذلك يعود إلى أن القوى الاستعمارية قد رسمت خريطة البلدان الإفريقية بفعل تقاسم المصالح فيما بينها دون الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات وحقوق تلك البلدان المستضعفة.


إن ترجيح الحدود التاريخية في قضية تصفية الاستعمار يقتصر على حالة وحيدة, وهي أن يتوافق مطلب الحق التاريخي مع إرادة السكان المعنيين ورغباتهم, فالقانون الدولي يغلب الحق الراهن لشعب المستعمرة في تقرير مصيره على الحق التاريخي.. ورأيه في ذالك هو أن "السكان هم الذين يقرون اليوم مصير إقليم ما, وليس الإقليم هو الذي يقرر مصير سكان ما", وفي ذالك يقول القاضي اللبناني في محكمة العدل الدولية السيد أمون "أن الحجج المتعلقة بمطالب ترابية مهما كان وزنها التاريخي, عليها أن تنحني أمام حق الشعوب في أن تعبر عن نفسها وفق القواعد التي وضعتها الأمم المتحدة"([1])


وفي هذا السياق عرف العالم العربي ثلاث حالات تمثل نموذجا واضحا لهذه القضية يمكن مقاربته والقضية الصحراوية, الحالة الأولى كانت انفصال السودان عن مصر والثانية استقلال جزر القمر عن مدغشقر وأما الثالثة فهي انسلاخ دولة الإمارات العربية المتحدة عن سلطنة عمان.([2])


ففي الحالة الأولى كان السودان يشكل بجميع أقاليمه جزءاً من الدولة المصرية منذ العام 1520 ودامت هذه التبعية طول فترة الحكم الاستعماري البريطاني على مصر والسودان. وقد اعترفت السلطات الاستعمارية بحق مصر في ملكيتها لأقاليم السودان وهو ما عبرت عنه اتفاقيتا (كر ومر) الموقعتين بين السلطات المصرية وسلطات الاستعمار البريطاني وكدليل على السيادة المزدوجة المصرية – الإنجليزية، كان العلم الوطني المصري مرفوعا فوق جميع أنحاء أقاليم السودان إلى جانب العلم البريطاني.لكن عندما أعلن عن انتهاء فترة الحماية البريطانية على مصر، ترك شأن السيادة في السودان بيد سكانه ولم يستطع المصريون فعل أي شيء سوى استنكار النيل من وحدتهم الترابية.. فقد غلب مبدأ تقرير المصير على حجج مصر القانونية الحاسمة وغير القابلة لأي جدال.


وفي عهدها الجمهوري، اعترفت الدولة المصرية بحق تقرير المصير للسودان في اتفاقية القاهرة الموقعة بين الحكومتين المصرية والبريطانية في الثاني عشر من شباط 1953.


وما حدث لمصر والسودان ،ينطبق على حالة جزر القمر ومدغشقر.. فقد كانت جزر القمر قبل خضوعها تحت السيطرة الاستعمارية الفرنسية إحدى توابع مملكة (الهوغا)- مدغشقر- خلال القرن التاسع عشر. وقد منح الفرنسيون سكان الأرخبيل حق تقرير المصير، بموجب اتفاقية (باريس)عام 1973، وهو ما أدى إلى استقلال جزر القمر في 22من كانون الأول (ديسمبر)1974، وأصبحت ذات سيادة مستقلة .


ولا يختلف كثيرا أمر سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة عن الحالتين السابقين.. إذ كانت الإمارات العربية تشكل جزءا حيا من سلطنة عمان، إلا أن الاستعمار البريطاني لدى انسحابه من منطقة الخليج العربي عام 1971، فصل ذلك الجزء نهائيا عن الوطن الأم، ليخلق منه دولة منافسة، وليضعف بالمقابل الدولة العمانية العريقة، كي يفسح المجال أيضا أمام تقوية نفوذ المملكة السعودية - حديثة العهد - في المنطقة الخليجية, وفي عام 1991, تبادلت سلطنة عمان ودولة اتحاد الإمارات العربية السفراء فيما بينهم .


وضمن هذا السياق، نجد أن المملكة المغربية ذاتها قد اعترفت باستقلال موريتانيا وكذلك تعترف باستقلال كل من الجزائر ومالي وقال الملك الحسن الثاني في تصريح له أن الصحراء الغربية إذا نالت استقلالها ستكون المملكة المغربية أول من يعترف بها. 
لقد كان للملك الحسن الثاني من المهارة والذكاء, ما مكنه من فرض إرادته على مسار عملية تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية, على حساب شرائع القانون الدولي, بحيث استطاع تجميد تطبيق مبدأ تقرير المصير والاستقلال على إقليم الصحراء الغربية, عبر قيامه من بعض الإجراءات الناجحة, وكان من بينها إحالة المشكلة الصحراوية إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي للبت بها, وهو بهذا التصرف قد شتت الجهود القائمة لمنح شعب الإقليم الصحراوي استقلاله, ووجه الأمر نحو وضعية جديدة أساسها تفسير وتأويل رأي المحكمة الدولية. وهنا دخلت قضية الصراع الصحراوي في متاهات اللعبة القانونية التي يجيد المغاربة التعامل معها, وقد زاد من تعقيدات المشكلة وتشعباتها طبيعة الأجوبة الفضفاضة التي أعطتها المحكمة في رأيها الاستشاري والتي قالت بعد خمسة شهور من المداولات أصدرت بعدها المحكمة رأيها الاستشاري الخاص بالصحراء الغربية والذي أفشل مناورات المغرب، ففي الإجابة على السؤال الذي مفاده "هل كانت الصحراء الغربية غداة استعمارها من قبل إسبانيا أرضا بدون سيد؟ " أجابت المحكمة بما يلي: "إن المعلومات التي قدمت للمحكمة توضح انه غداة استعمارها من طرف إسبانيا كانت الصحراء الغربية مسكونة من طرف سكان، ورغم أنهم كانوا بدواً إلا أنهم كانوا منظمين سياسيا واجتماعيا تحت سلطة مسؤولين منهم، لهم صلاحية تمثيلهم، وتوضح هذه المعلومات أيضا انه غداة استعمار الصحراء، فان إسبانيا لم تبسط نفوذها على ارض بدون سيد، ففي المرسوم الملكي الصادر في 26 ديسمبر 1984 يؤكد أن الملك الإسباني بسط حمايته على وادي الذهب بنا على اتفاقيات مع مسئولين السكان.
أما السؤال الأخير فكان "ما هي الروابط القانونية لهذا الإقليم مع المملكة المغربية والمجموعة الموريتانية" فأجابت المحكمة بمايلي: " إن الاستنتاجات التي خرجت بها المحكمة بالرجوع إلى المعاهدات الداخلية الخاصة بسيادة المملكة المغربية، وكذا المعاهدات الدولية فإنها كلها بالاتفاق، لم توضح أوجود أية رابطة قانونية في تلك المرحلة بين المملكة المغربية والصحراء الغربية، وفي نفس الوقت فان بعض ما توصلت إليه من وثائق يرى أن هناك ما يشبه رابطة بين القليل والقليل من السكان مع السلطان " وبذلك وانطلاقا من حكم محكمة لاهاي انحرف الاهتمام عن الجوهر إلى الهامش في تلك القضية .
وعلى أساس حكم المحكمة هذا, نفذ المغرب تظاهرته الشهيرة "المسيرة الخضراء" التي اكتسح من خلالها مئات الآلاف من المواطنين المغاربة غالبيتهم عسكريين في زي مدني الحدود بين مملكتهم وإقليم الصحراء الغربية , واجتاحوا العديد من المواقع الصحراوية مطالبين باستعادة الإقليم المحتل إلى وطنهم - المغرب - وبدا الأمر على أنه مطلب شعبي عارم.


وقد أفضت المسيرة الخضراء إلى توقيع اتفاقية بين الحكومتين المغربية والإسبانية عرفت باسم اتفاقية مدريد الثلاثية 14 تشرين الثاني 1975, ودخلت فيها موريتانيا كشريك مؤقت, وبمقتضى هذه الاتفاقية, تخلت إسبانيا للدولتين عن مستعمرتها الصحراوية.


ومن الناحية القانونية فان تلك الاتفاقية لا تحمل الصفة الشرعية الواضحة, باعتبار أن صلاحيات إسبانيا لا تخولها حق التصرف بأرض الإقليم على هذا النحو ولا تملك التفويض بذلك.. إذ تقتصر سلطاتها على الإدارة فقط 


وقد اتخذ المغاربة اتفاقية مدريد الثلاثية كوثيقة رسمية أسسوا عليها المبرر القانوني لدخول جيشهم إلى الصحراء الغربية بقوة السلاح وهذا التصرف من قبل المغرب يعتبر في نظر القانون الدولي عملا حربيا وهو ما ينص عليه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم: 3314المتخذ في 14 من ديسمبر 1974.


أما البوليساريو على الطرف الآخر فلم تكن ذلك الخصم السهل الذي يمكن اعتباره خارج نطاق الحسابات, بل في مواجهتها للمغرب ظهر كند قوي تصعب هزيمته ,واستطاعت بآلية تحرُكِها المنظمة أن تقلق جيش المملكة وأن تخرج دبلوماسيتها المتألقة, وقد حققت البوليساريو نجاحات ملموسة على صعد عدة. حيث أقدمت في 27 فبراير 1976الى قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في توقيت تزامن مع خروج الاستعمار الإسباني نهائيا من المنطقة وقد أعطى هذا العمل الجبهة صفة دولية رسمية, خاصة بعدما حظيت الدولة الوليدة باعتراف عدد كبير من دول العالم فاق أكثر من ثمانيين دولة, وحصلت على عضوية تامة في منظمة الوحدة الإفريقية.


وبعد ذالك أخذت الحرب بين المغرب والبوليساريو بعدا تدميرياً خطيرا إلى أن تم إيقافها من قبل الأمم المتحدة عام 1991 .


وعلى صعيد حرب السياسة والإعلام بين الطرفين كانت الدبلوماسية المغربية قد عمدت إلى محاولة عزل واحتواء جبهة البوليساريو داخل الوسط العربي فتحركت على محورين اثنين.. الأول باتجاه الدول المحافظة والثاني نحو الدول القومية - الوحدوية - وتوجهت لكل طرف منهما بلغة تخاطب خاصة تعرف انه يرغب بها ويسعى إلى تحقيقها.. فأمام المحافظين ركز المغاربة على إظهار البوليساريو باعتبارها جماعة ثورية يسارية تسعى إلى إقامة دولة لها في الصحراء الغربية تكون قاعدة ومنطلقا للمد الشيوعي "المكروه" في المنطقة.


أما إلى القوميين العرب فقد غلبت لهجة التأثير العاطفي على الخطاب المغربي الموجه إليهم.. حيث صورت جبهة البوليساريو على أنها حركة "انفصالية" غايتها الانسلاخ عن المغرب وإنشاء كيان دولة مصطنعة فوق جزء من التراب الوطني المغربي ويأتي هذا العمل بحسب المنطق المغربي تنفيذا لمخطط استعماري تخريبي يجري عبره تفتيت وحدة أقطار الوطن العربي وتجزئتها إلى دويلات صغيرة ومتناحرة .


وقد حازت سياسة المغرب تلك على دعم ومساندة الدول العربية المحافظة لكنها فشلت مع الدول العربية القومية في تحقيق غاياتها رغم البراعة الفائقة التي أدار بها المغاربة حملتهم الاستقطابية الهادفة إلى تشويه صورة خصمهم الصحراوي, بل إن هذه الدول القومية لم تجد حرجا في الاعتراف الجمهورية الصحراوية.. وتأييد توجهاتها الاستقلالية .


هذا من جهة ومن وجهة أخرى فجبهة البوليساريو الممثل الشرعي للشعب الصحراوي ترد على الاتهام المغربي بعدم شرعية دولتها بالقول أن الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية إنما تقوم على كافة الأركان القانونية الشرعية التي تقوم عليها بقية دول العالم .. فللدولة الصحراوية دستور حديث , وبنية سياسية وإدارية تمارس من خلالها سلطاتها كاملة وبمنتهى الاستقلالية من فوق ترابها الوطني "المناطق المحررة من الصحراء الغربية" وان تنظيمها الإداري والسياسي يستقطب الغالبية من أبناء الشعب الصحراوي, ولها حدود معترف بها دوليا, وكذالك تحظى الدولة الصحراوية بمكانة دولية محترمة حيث يعترف بها أكثر من ثمانين دولة تنتمي إلى مناطق جيوسياسية مختلفة ولها علاقات جيدة مع العديد من الدول حتى مع التي لا تعترف بها رسميا, كما وتتمتع الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية بعضوية كاملة في منظمة الوحدة الإفريقية, وهي عضو مؤسس للاتحاد الإفريقي, وتلاقي التقدير والاحترام من كافة المنظمات والهيئات الدولية. 

الصحراء الغربية مشكلة تصفية استعمار 
طبقا لمؤتمر برلين سنة 1884 والذي على ضوءه عملت القوى الأوربية على تقاسم إفريقيا، أصبحت الصحراء الغربية من نصيب إسبانيا، و نشير أنه في ذلك الزمن لم توجد أية سلطة مغربية على الصحراء الغربية بدأت الحماية الأسبانية في سنة 1884 ثم سجلت الصحراء الغربية ضمن لائحة الدول التي لم تتمتع بعد باستقلالها، بموجب الفقرة السادسة من ميثاق الأمم المتحدة ( أ) 1514 ملحق 3 


في تشرين الثاني سنة 1960 أعلن ممثل إسبانيا في الأمم المتحدة أن بلاده مستعدة للإدلاء بجميع المعلومات حول الصحراء الغربية، وفي 18 أيار 1961 قام الملحق بالممثل الإسباني في الأمم المتحدة ولأول مرة أمام لجنة المعلومات حول الدول التي لم تتمتع بعد باستقلالها بإعطاء معلومات حول الصحراء الغربية، و منذ 1961 وبمختلف المجالس المختصة قي الأمم المتحدة تولي اهتماما بملف الصحراء الغربية، على أنه مشكل تصفية استعمار و تعترف بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال، وبموجب قرار الأمم المتحدة 1514 ومن بعد ذلك واظبت إسبانيا على تقديم تقارير بانتظام حول مستعمرتها الصحراء الغربية, فلقد اعترفت إسبانيا بمبدأ تقرير المصير وحق الشعب الصحراوي في ممارسته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ سنة 1963 وذالك بقبولها إدراج إقليم " الصحراء الغربية " ضمن قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالاستقلال وهي القائمة التي أعدتها لجنة تصفية الاستعمار, وبعد ذالك طالبت الجمعية العامة الحكومة الإسبانية بتطبيق حق تقرير المصير للشعب الصحراوي وأصدرت في ذالك عدة قرارات تحثها على ذالك . 


وفي عام 1965 طلبت الجمعية العامة من القوة التي تدير الإقليم اتخاذ الإجراءات الضرورية لإنهاء الاحتلال من الصحراء الإسبانية سابقا أي الصحراء الغربية، إجراءات حددت من خلالها القرارات( 2072 في تشرين الثاني 1966 و 2354 في 15 كانون الأول 1968 و 2591 في 16 كانون الأول 1969 وقرار 2711 في كانون الأول 1970. قرار 2983 في 14 كانون الأول 1972 وقرار 3162 في كانون الأول 1973. و في قرارها في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 1966 اللجنة الخاصة للأمم المتحدة " طلبت من القوة المديرة للإقليم "إسبانيا" العمل على خلق وبدون اجل الشروط الملائمة لتقرير مصير الصحراء الإسبانية (الصحراء الغربية).


وفي كانون الأول من نفس السنة دعت الجمعية العامة " القوة المديرة إنهاء الاحتلال في أقرب وقت" ، وتماشيا مع إرادة ساكنة الإقليم و باستشارة مع الحكومة المغربية والموريتانية بحكم أنهم أطراف معنية، وتنظيم استفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة، يٌمكن سكان الإقليم من التعبير و بحرية في تقرير المصير ولهذا الغرض يجب :


- توفر جو سياسي ملائم للاستفتاء والذي سيجري على أسس حرة و ديمقراطية يسمح بعودة المنفيين من الإقليم .


- أخذ جميع التدابير الضرورية لمشاركة ساكنة الإقليم فقط في الاستفتاء.


- الكف عن أية محاولة لتعطيل تصفية استعمار الصحراء الإسبانية (الصحراء الغربية).


- توفير جميع التسهيلات الممكنة للجنة الأمم المتحدة من أجل المشاركة بفعالية في تنظيم و سير الاستفتاء ".


تجدر الإشارة هنا إلى أن في هذا القرار لم تكن أية استشارة للدولة المغربية حول الصحراء الغربية ، و يجب الإشارة أيضا أن ممثل المغرب " داي ولد سيدي بابا "، قد أعلن أثناء اجتماع اللجنة الخاصة في 17 يونيو 1966 بأديس أبابا ( إثيوبيا) أن "الحكومة المغربية تؤكد على أنه يجب تحرير جميع الأراضي التي تحت هيمنة الاستعمار الإسباني"، مضيفا " أن الحكومة المغربية تقترح استقلالها في أقرب الآجال"[7]، وخلال الدورة التي تلتها لِلجنة الخاصة أكد مفوض المغرب" على أنه منذ 1966 والمغرب يطالب بتقرير مصير سكان الصحراء الغربية وحرية الاستقلال" هذه الإعلانات الصادرة عن الحكومة تكتسي صبغة قانونية ، وكما عبر وزير الخارجية المغربي السيد بوطالب، على أن " المغرب وجيرانه قرروا الاتفاق على تسهيل تقرير مصير سكان الصحراء، وذلك بالتعاون مع المنظومة الدولية والقوة الإدارية، ولهذا فإن إسبانيا مدعوة إلى تنظيم إستفتاء يمكن سكان الصحراء من التعبير بكل حرية عن إرادتهم " ما بين سنة 1967 و 1968 كررت الجمعية العامة الطلب إلى القوة المديرة للصحراء، وفي سنة 1969 تأسفت بأن الاستشارة مع القوة المديرة أي إسبانيا لازالت جارية حيث أكدت هذه الأخيرة على عدم توفر الظروف الملائمة لتنظيم الاستفتاء" وكررت الدعوة لإسبانيا بتنظيم استفتاء تقرير مصير الشعب الصحراوي، وفي سنة 1970 لاحظت الجمعية العامة على أن الاستفتاء لم ينظم بعد، ودعت الدول إلى الكف عن الاستثمارات في الإقليم والاعتراف بشرعية كفاح الصحراويين " ومن أجل تنظيم حق تقرير المصير والتعبير بكل حرية فعلى الدول التعاون بكل ما يلزمها لمروره في ظروف ملائمة" وفي قرارها لسنة 1972، حثت الجمعية العامة على مبدأ تقرير المصير و الاستقلال للشعب الصحراوي، سنة بعد ذلك، وفي قرار آخر عبرت عن تضامنها مع الشعب الصحراوي، وفي 26 تشرين الثاني 1972 صرح ممثل إسبانيا أمام لجنة تصفية الاستعمار وقال بان حكومته ستنظم استفتاء في الصحراء الغربية.. ولابد من العمل على إعداد المناخ المناسب لذالك , وهو الأمر الذي أكدته الدول الثلاثة المجاورة للصحراء الغربية في العام الموالي 1973: المغرب، الجزائر، موريتانيا أكدوا " تمسكهم الغير قابل للتغيير بمبدأ تقرير المصير وأنهم يسهرون على أن يجري هذا المبدأ في جو يضمن لسكان الصحراء الغربية التعبير بكل حرية عن إرادتهم و ذلك طبقا لقرارات منظمة الأمم المتحدة ".


وفي أيلول سبتمبر1973 صرح " الجنرال فرا نكو" أمام الجمعية العامة الصحراوية أي ما كان يعرف " بالجماعة " بأن مبدأ تقرير المصير سيكون تطبيقه عادياً وبإرادة إسبانيا وعلى هذا الأساس أعلنت الحكومة الإسبانية في 20 أيار مايو 1974 في منظمة الأمم المتحدة بان الاستفتاء في الصحراء الغربية سيكون تنظيمه تحت إشراف الأمم المتحدة خلال الفصل الأول من عام 1975 وقد أثار هذا التصريح الأخير ردود فعل لدى المغرب الذي أعلن ملكه الحسن الثاني عن صيغة الاستفتاء التي يجب أن تكون كالتالي " الاختيار مابين البقاء تحت وصاية الأسبان أو الاندماج في المغرب " .


فكان رد فعل الجنرال فرانكو أن أرسل رسالة إلى الجماعة الصحراوية قال فيها "إن الدولة الإسبانية تكرر بان الشعب الصحراوي هو الوحيد الذي يحدد اتجاهه, ولا يحق لأحد أن يغير إرادته والدولة الإسبانية تدافع عن الحرية والإرادة الحرة لقرار الشعب الصحراوي"([8]).


وفي 18 حزيران يونيو 1974 أرسلت الحكومة الإسبانية وهي المستعمرة السابقة للصحراء الغربية إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة رسالة ذكرت فيها بان الشعب الصحراوي هو وحده الذي يملك الثروات الطبيعية التي توجد في أرضه وستكون لهذا الشعب جميع الحقوق التي يتمتع بها مواطنو إسبانيا, وستعمل إسبانيا من جهتها على صيانة وحدة تراب الصحراء الغربية, كما أنها ستمثله في العلاقات الدولية - كمرحلة انتقالية - لحين تطبيق مبدأ تقرير المصير المكفول للشعب الصحراوي.


وفي تموز يوليو من نفس العام أبلغت الحكومة الإسبانية عن طريق وزير خارجيتها سفراء كل من المغرب والجزائر وموريتانيا في مدريد باعتبار أنهم دول مجاورة للصحراء الغربية بقرب الإعلان عن وضع الصحراء الغربية الجديد الذي يهدف إلى وضع حق تقرير المصير حيز التطبيق الفعلي.


وفي أيلول سبتمبر 1974 أعلنت إسبانيا عن فشل الاتصالات التي أجرتها مع الدول المجاورة للصحراء الغربية في التوصل إلى اتفاق وقالت بأنه في ضوء الظروف وعلى أساس هذه النتائج فان سكان هذا الإقليم هم وحدهم الذين يملكون الحق الشرعي في تقرير مصيرهم.([9])


وعلى الرغم من كل هذه القرارات التي تثبت أحقية الشعب الصحراوي في تقرير مصيره والاستقلال وبالرغم أيضا من اعتراف المستعمرة السابقة للصحراء الغربية إسبانيا بذالك وتأكيد ودعم البلدان المجاورة بما فيها المغرب أيضا كمستعمرة لاحقة, لتقرير المصير فضلا عن مناداة الجمعية العامة للأمم المتحدة في العديد من قراراتها بضرورة الإسراع من اجل تمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره, إلا أن إنجاز ذالك اصطدم فيما بعد بجملة من العوائق وحالت دون تنفيذه عدة أسباب ولعل من أهم هذه العوائق أو الموانع التي حالت دون تطبيق مبدأ تقرير المصير في الصحراء الغربية يتمثل في دور الدولة المنوط بها إدارة الإقليم وهي المستعمرة السابقة هذا من جهة ومن جهة أخرى معارضة المغرب لذالك بالإضافة إلى موريتانيا قبل أن تخرج من النزاع في العام 1979 وتعترف بحقوق الشعب الصحراوي, فإسبانيا قد تشبثت طويلا بإقليم الصحراء الغربية بل كانت تعدها المقاطعة الإسبانية رقم واحد وخمسين, ثم وان اعترفت بحق تقرير المصير للشعب الصحراوي إلا أنها لم تعمل على تطبيقه, بل قد نقضت في أكثر من مرة بوعودها باحترام إرادة الصحراويين وحقهم في تقرير المصير , فلقد تبنت إسبانيا اتفاقية مدريد الثلاثية عام 1975وتنكرت لكل وعودها, وسلمت بذالك الصحراء الغربية إلى كل من المغرب وموريتانيا, وهو ما عطل إمكانية تطبيق المبدأ .


أما المغرب وموريتانيا في الفترة قبل انسحابها فقد عملا على تعطيل تطبيق المبدأ حيث حالا دون التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى ذالك كما أشارت وأكدت إسبانيا ذالك في العام 1974, وتوجت هذه المعارضة أيضا لمبدأ تقرير المصير باستخدام القوة من قبل المغرب ضد الشعب الصحراوي سنة 1975 وتم بذلك احتلال معظم أراضيه من قبل المملكة المغربية حيث أن مجلس الأمن قد اصدر قراره رقم (380 s) بتاريخ 16 تشرين الثاني نوفمبر 1975 وكذالك قراره رقم ( 3458 b) بتاريخ 10 كانون الأول ديسمبر من نفس العام يطالب فيه المغرب بسحب فوري للمشاركين في المسيرة الخضراء التي تم من خلالها احتلال الأراضي الصحراوية بطريقة غير مشروعة , وبالإضافة إلى هذه الأسباب يمكن أيضا اعتبار عجز منظمة الأمم المتحدة عن فرض احترام مبدأ تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية عائقا آخر, يتبعه مواقف الدول الكبرى التي لعبت دورا مهما ورياديا في منع تطبيق مبدأ تقرير المصير في الصحراء الغربية ولعل من أول هذه الدول فرنسا التي كانت ولا تزال تؤيد وتدعم الاحتلال المغربي للصحراء الغربية بالإضافة إلى دول عظمى أخرى تكتفي بالتزام الصمت حيال القضية الصحراوية .


وفي الأخير نشير إلى المفارقة في الموقف المغربي من الصحراء الغربية حيث انه مابين العامين 1973 و 1974بحسب ما أسلفنا ذكره في الفقرات السابقة ومن خلال القرارات والتوصيات الأممية يتضح أن الحكومة المغربية كانت متشبثة علنا و رسميا وتدعم الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال غير أنها غيرت رأيها منذ 1974, وذالك نظراً لعدة ظروف ومسببات ولعل أهمها الظرف السياسي الداخلي التي كانت تمر به المملكة آنذاك, حيث أن الملكية كانت في خطر وبالتالي يجب خلق " عدو في الخارج " وذلك لحمايتها وتغيير انتباه الشعب عن العرش، فالحسن الثاني كان حقا ذكيا ، ولكن حسب رأينا من غير الصحيح بل من انعدام الحكمة والذكاء أن نحل مشكل عن طريق آخر، يصعب حتى اليوم إيجاد طريق لحله وهو ما ظل فعلا مستمرا أي " النزاع " منذ ذالك الحين والى حد الساعة والذي ظل الشعبين الصحراوي والمغربي هم وحدهم الذين يدفعون فاتورته من ويلات وتهجير وقسوة ظروف ومن إقصاء وتهميش وانعدام الاستقرار التي كافح الشعبين طويلا من اجلها ومن أجل الاستقرار والسلام والعيش بكرامة في أمن واستقرار .

نزاع الصحراء الغربية من منظور القانون الدولي 


أقرَّ القانون الدولي بضرورة تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية سواء سابقا فيما يتعلق بالمستعمرة السابقة إسبانيا أو لاحقا فيما يخص المملكة المغربية , فإقليم الصحراء الغربية لم يشكل حسب محكمة العدل الدولية جزءاً من " الوحدة الترابية " للمغرب وان الصحراء الغربية مستعمرة يجب تصفية الاستعمار منها من خلال تنظيم " استفتاء لتقرير المصير" يشارك فيه "السكان" الأصليين للإقليم حسب مخطط التسوية السابق أي للعام 1991 وهو ما تم تعديله لاحقا في خطة بيكر الأخيرة للعام 2003 حيث يسمح للمشاركة في الاستفتاء كل من سكن في الإقليم بشكل متواصل من العام 1999 أي انه يحق له التصويت وإن لم يكن من السكان الأصليين للإقليم.


ومع هذا فلا يزال المغرب يدأب إن سابقا أو لاحقا على محاولة تشويه الحقائق التي اقر بها القانون الدولي وحسمت فيها محكمة العدل الدولية , ففي السابق مثلا وبعد الحكم الحاسم لمحكمة العدل الدولية حاول المغرب الاستيلاء على الصحراء الغربية من خلال طريقين: الأولى تتجلى في محاولة الحصول على مبررات قانونية تلغي الحكم وهي مهمة فاشلة حتماً والثانية وهي بكل بساطة فرض الأمر الواقع باللجوء إلى القوة وقد استعمل التكتكين في آن واحد غير أن ذلك أدى إلى تأثير مخالف وغير منتج بشكل كبير لصالح المغرب. و بالتالي فإن المبررات القانونية التي إستخدم لم تضمن له تشريع استعمال القوة وهذا ما أعطى امتيازاً سياسيا أكبر لجبهة البوليساريو من ذلك الذي كانت تتوفر عليه في بداية الصراع .


ولقد تجلى التكتيك المغربي الأول بعد هزيمة لاهاي في غزو الإقليم لفرض سياسة الأمر الواقع، وقد تم ذلك الغزو من مكانين وباستعمال طريقتين مختلفتين في نفس الوقت([10]): احتلال الإقليم عسكرياً انطلاقاً من الحدود الشرقية و في نفس الوقت عن طريق "المسيرة الخضراء" من الحدود الغربية. وقد أصدر مجلس الأمن قرار 6 نوفمبر 1975يشجب هذه المسيرة ويندد بها ويطالب بإيقافها.


ودفع الفشل الجديد المغرب إلى محاولة ربح مبررا قانونيا لاحتلاله من خلال اتفاقية مدريد 


14 نوفمبر 1975. غير أن هذا المبرر الضعيف في أصله يتوفر على ثلاثة ميزات مهمة([11]): 


أولاً لا يحول "السيادة " على الإقليم بل "الإدارة " فقط ، ثانياً، هذا التحويل لا يتم إلى المغرب وحده بل إلى كيان ثلاثي إسبانيا، المغرب وموريتانيا ثالثا , هذا التحويل لا يتم إلا لمدة زمنية محددة إلى غاية 26 فبراير 1976 يصبح بعدها هذا الاتفاق لاغيا حتى ولو تحصل على شرعية دولية محولاً الوجود المغربي إلى وجود مصطنع, غير أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فحسب فممارسة الأمم المتحدة لم تسمح له بذلك , فمن جهة فهي لازالت تعتبر أن نزاع الصحراء الغربية هو مسألة تصفية استعمار وفي الواقع فإن الإقليم يوجد في لائحة الأقاليم الغير المستقلة ووضعيته القانونية تناقش بصفة دورية من قبل لجنة تصفية الاستعمار, ومن جهة ثانية وارتباطاً مع النقطة السالفة وتماشياً مع البند 73 من ميثاق الأمم المتحدة فإنه يتوجب على القوة المديرة للإقليم المستعمر تقديم معلومات إلى الأمم المتحدة بخصوص الأقاليم ذات الطابع. فبالرغم أنه تم تسليم إدارة الإقليم إلى المغرب وموريتانيا تماشيا مع اتفاقيات مدريد ، فإن تقارير الأمين العام للأمم المتحدة (على الأقل ما بين 1976 و 1988 تلمح إلى موقف تخلي إسبانيا عن إدارة الإقليم لكنها لم تشير أبداً إلى موريتانيا(هذه الأخيرة إلى غاية 1979) كقوتين مديرتين للصحراء الغربية دون أن يعني ذلك في أية حالة الاعتراف بالسيادة على ذلك الإقليم ما دام يعتبر مؤهلاً لتصفية الاستعمار, ثالثاً تحدثت عدة قرارات للأمم المتحدة عن "الاحتلال المستمر" للصحراء الغربية من قبل المغرب وهذا يدل على الاعتراف بأن تواجده لا يتوفر على مبررات قانونية بل أساساً على الأمر الواقع, رابعاً يقول بصراحة حكم الأمين العام المساعد المكلف بالشؤون القانونية في الأمم المتحدة وهو في نفس الوقت المستشار القانوني للمنظمة، السيد هانس كوريل في حكمه الصادر بتاريخ 29 يناير 2002، أن " اتفاق مدريد لم يسلم السيادة على الإقليم ولم يعطي لأي من موقعيه صفة القوة المديرة وهو أمر لم يكن بإمكان إسبانيا وحدها التصرف فيه بصفة انفرادية ", وأخيراً فإن كل المخططات التي صادقت عليها الأمم المتحدة سواء مخطط السلام لسنة 1990، اتفاقيات هيوستن المكملة له أو "مخطط بيكر الثاني" لسنة 2003 , وحتى المتضمنة في "مخطط بيكر الأول" تتجاهل الإشارة له كلية. وهذا ما من شانه أن يثبت من وجهة قانونية أي من قبل القانون الدولي بأن النزاع هو مشكل تصفية استعمار لم تكتمل فصوله بعد ولازال ينتظر الحل حتى اللحظة وهذا يتوقف برأينا على مدى تعاون الأطراف المعنية والأمم المتحدة وبمدى ضغط الأخيرة على الطرف المعرقل والرافض لقراراتها
القضية الصحراوية في المنظمات الدولية
الصحراء الغربية والأمم المتحدة
أثار المغرب عام 1957 قضية الصحراء الغربية " والتي كانت تعرف بالصحراء الإسبانية "أمام اللجنة الأممية الخاصة بتقصي الحقائق عن الأراضي غير المستقلة , كما عرض مسالة إقليمي" ايفني " والصحراء الغربية على هيئة الأمم المتحدة عام 1962 مطالبا أن يطبق عليهما قرار تصفية الاستعمار الأممي رقم 1514 (15).


وكانت الأمم المتحدة قد وضعت عام 1963 اسم الصحراء الغربية على قائمة المناطق الواجب تصفية الاستعمار منها .


وفي السادس عشر من كانون الأول ديسمبر 1965 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 2072 (20 ).. وفيه (( طلب بصفة عاجلة إلى الحكومة الإسبانية بوصفها الدولة الحاكمة أن تتخذ وعلى الفور كافة الإجراءات الضرورية لتحرير أقاليم ايفني والصحراء الإسبانية من السيطرة الاستعمارية, وأن تدخل تنفيذا لهذه الغاية في مفاوضات حول المشاكل المتعلقة بالسيادة التي يثيرها هذان الإقليمان )) , وتعليقا على هذا القرار, أبدت الحكومة الإسبانية استعدادا لمعالجة قضية إقليم ايفني المغربي, لكنها رفضت البحث في موضوع الصحراء الغربية.


وبعد ضغوط مغربية ودولية مورست ضد إسبانيا لإجبارها على تنفيذ مضمون القرار الدولي السالف الذكر , قبلت هذه الأخيرة التخلي عن إقليم ايفني.. فوقعت مع الحكومة المغربية معاهدة "فاس" في الرابع من كانون الثاني يناير 1969 أعادت بمقتضاها الإقليم المذكور إلى المغرب.


وكانت الأمم المتحدة قد أكدت عام 1969 على حق شعب الصحراء الغربية ( غير القابل للتصرف) في تقرير مصيره استنادا إلى القرار الأممي 1514 .


وفي الرابع عشر من كانون الأول ديسمبر 1972 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 2982(27).. وفيه تؤكد على الحق الثابت لسكان الصحراء الغربية في تقرير مصيرهم بأنفسهم طبقا للقرار الأممي1514, وتعترف بشرعية كفاحهم ضد الاستعمار وتعرب عن تضامنها وتأييدها للسكان الصحراويين ولكفاحهم المشروع في سبيل ممارسة حقهم في تقرير المصير ونيل الاستقلال, وتعلن إن استمرار الحالة الاستعمارية في الصحراء الغربية ,إنما يهدد بالخطر الأمني وعدم الاستقرار في منطقة شمال غرب إفريقيا.


وتطالب الحكومة الإسبانية بوصفها القائمة بالإدارة على الإقليم باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لخلق جو ملائم يسمح بممارسة حق تقرير المصير والاستقلال على أسس حرة ونزيهة, كما وتدعو الدولة الحاكمة إلى التشاور مع حكومتي المغرب وموريتانيا وأي طرف معني آخر بهدف تحديد آلية لتنظيم الاستفتاء تحت رعاية الأمم المتحدة, مع وضع الضوابط اللازمة لمنع غير السكان الأصليين من المشاركة باستفتاء تقرير المصير, وتطلب إلى إسبانيا استقبال بعثة أممية وتقديم كافة التسهيلات اللازمة لها بما يمكنها بفعالية في تطبيق إجراءات وضع حالة للحالة الاستعمارية في الإقليم, كما تطالب جميع دول العالم بالامتناع عن القيام بأي نشاط اقتصادي واستثماري في المنطقة من شأنه المساعدة على إبقاء الحالة الاستعمارية في الصحراء الغربية.([12])


ثم أصبحت قضية الصحراء الغربية موضوع سلسلة من القرارات الدولية المتلاحقة دون أن يغير ذالك من وضعها بشيء على صعيد إنهاء المشكلة . 


وفي الثاني عشر من أيار مايو 1975 شكلت لجنة الاستعمار التابعة للأمم المتحدة بعثة تقصي حقائق ضمت ممثلين من عدة دول وكُلفت بمهمة وضع دراسة تفصيلية عن مشكلة الصحراء الغربية .. حيث زارت البعثة كلا من الصحراء الغربية والمغرب والجزائر وموريتانيا إضافة إلى إسبانيا والتقت بالسكان الصحراويين في أماكن تواجدهم وبعد خمسة أسابيع من التقصي والبحث المتواصل قدمت البعثة تقريرها الذي جاء فيه([13]) أن البعثة وجدت لدى السكان الصحراويين الذين التقتهم رغبة واضحة في الاستقلال ورفض مبدأ استرداد إقليم الصحراء الغربية من المغرب وموريتانيا وقد اظهر هؤلاء الصحراويين عبر التظاهرات والبيانات عن تأييدهم لجبهة " البوليساريو" التي تحظى بقبول كبير من قبلهم, والتي هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي والمعترف بها من قبل الأمم المتحدة .


وأكدت البعثة الأممية في تقريرها أن إنهاء حالة الاستعمار في الصحراء الغربية يجب أن يأخذ بالاعتبار إرادة جميع الأهالي الصحراويين المقيمين فوق ارض الإقليم أو الموجودين منهم خارجه كلاجئين, واقترحت البعثة على الجمعية العامة للأمم المتحدة السعي من خلال اتخاذ التدابير الضرورية اللازمة لإجراء استفتاء حر في الصحراء الغربية ترعاه الأمم المتحدة ويقرر من خلاله شعب الإقليم مستقبله بنفسه, وفي الرابع عشر من تشرين الأول أكتوبر 1975.. عادة الأمم المتحدة للمطالبة بإجراء استفتاء حر تحت إشرافها في الصحراء الغربية.


ثم شهدت الساحة الصحراوية أحداثا وتطورات متسارعة.. تمثلت بالمسيرة الخضراء المغربية التي اكتسحت فيها الجنود المغاربة وبعض المواطنين الحدود الصحراوية في الواحد والثلاثين من تشرين الأول أكتوبر 1975 وكان هذا التاريخ هو بداية الاحتلال المغربي للصحراء الغربية, وشهد أيضاً توقيع اتفاقية مدريد الثلاثية في 14 تشرين الثاني 1975 التي بموجبها تتخلى إسبانيا المستعمرة السابقة عن الصحراء الغربية وتتقاسمها كل من المملكة المغربية وموريتانيا.. ونتجت عن ذالك وضعية جديدة على الأرض حيث أصبحت موريتانيا والمغرب تمثلان الطرف البديل عن إسبانيا في مواجهة المقاومة الشعبية الصحراوية.


وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الخامس من آب أغسطس 1979 قرارها رقم 3437.. وفيه أدانت الاحتلال المغربي للصحراء الغربية .


وفي تشرين الثاني نوفمبر 1979 صدر عن الأمم المتحدة تصريح يؤكد أن لشعب الصحراء الغربية حقا لا يقبل المساومة في الاستقلال وتقرير المصير ودعا المغرب إلى وضع حد لاحتلاله الإقليم الصحراوي والاعتراف بجبهة البوليساريو كممثل عن شعب الصحراء الغربية.. لها حق المساهمة بأي عمل يجري إعداده ضمن إطار البحث عن حل سياسي منصف للمشكلة الصحراوية .


وكانت الأمم المتحدة قد تقدمت في تشرين الثاني نوفمبر 1980 بطلب إلى المغرب وجبهة البوليساريو حثتهما فيه على الدخول في مفاوضات مباشرة للتوصل إلى اتفاق تسوية نهائية بينهما, كما تبنت أساسيات قرارات منظمة الوحدة الإفريقية المتعلقة بالقضية الصحراوية مركزة فيها بشكل خاص على القرارات الداعية إلى وقف إطلاق النار والتفاوض المباشر وإجراء استفتاء تقرير المصير, بعد ذالك أصدرت الأمم المتحدة قرارا في السابع من كانون الأول ديسمبر 1983 طلبت فيه إلى الأمين العام اتخاذ الإجراءات اللازمة لتامين مشاركة فعالة للأمم المتحدة في عمليات تنظيم وإدارة الاستفتاء في الصحراء الغربية, وتقديم تقرير مفصل بهذا الخصوص إلى الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي .


وتأكيدا على ما كانت أعلنته أصدرت الأمم المتحدة قراراً حمل الرقم 5040 لعام 1985 والخاص بالمشكلة الصحراوية.. وفيه دعوة إلى وقف إطلاق النار في الصحراء الغريبة تمهيدا لتنظيم استفتاء تقرير المصير وطلب إلى طرفي النزاع الشروع في مفاوضات مباشرة يتم الاتفاق من خلالها على شروط الاستفتاء المقترح, كما أكدت الجمعية العامة في الواحد والثلاثين من تشرين الأول أكتوبر 1986 على حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال, وطلبت إلى طرفي النزاع الدخول في مفاوضات مباشرة, بعد ذالك أعلنت الأمم المتحدة في الرابع والعشرين من أيلول سبتمبر 1987 عن إرسال بعثة فنية إلى الصحراء الغربية للإشراف على ترتيبات وقف إطلاق النار وإجراء استفتاء تقرير المصير. 


ثم غدت مشكلة الصحراء الغربية واحدة من أهم الأزمات الدولية إشغالا للأمم المتحدة.. فصدرت بشأنها مجموعة متوالية من القرارات الهامة كان منها: 


القرار "621" الصادر في العشرين من كانون الأول ديسمبر 1988.. وفيه وافق مجلس الأمن الدولي على اقتراح مقدم من الأمين العام للأمم المتحدة يعين بموجبه ممثلا خاصا عنه في الصحراء الغربية ويكلف بمتابعة ملف النزاع المغربي - الصحراوي عن كثب .


القرار " 658" الصادر في السابع والعشرين من تموز يوليو 1990.. وفيه يشكر مجلس الأمن جهود الأمين العام المبذولة لحل المشكلة الصحراوية ويطلب إليه تقديم تقرير مفصل عن خطة التسوية في الصحراء الغربية .


القرار "690 " الصادر في التاسع والعشرين من نيسان أبريل 1991.. ويتضمن مصادقة مجلس الأمن الدولي على مشروع مخطط السلام المقدم من الأمين العام والذي حاز على رضى وقبول طرفي النزاع .. المغرب وجبهة البوليساريو .


القرار المذكور مؤسس على صيغة القرار الإفريقي 104 وعلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 5040 وعلى أساس القرار "690" هذا وضعت الترتيبات الكاملة لتنظيم عمليات الاستفتاء في الصحراء الغربية, والتي تمر بعدة مراحل.. تبدأ بدخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ العملي بين الجانبين اعتباراً من السادس من أيلول سبتمبر 1991 وينتهي بإعلان نتائج الاستفتاء في كانون الثاني يناير 1992 , وحدد القرار أيضا ما يلي([14]): 


أن تكون عبارتا "نعم للاستقلال" أو "نعم للانضمام إلى المغرب" هما صيغتا التخيير النهائي المطروح على المقترعين, وان يتم تنظيم الاستفتاء اعتمادا على آخر إحصاء نظمته الإدارة الاستعمارية في إقليم الصحراء الغربية عام 1974, وتشكيل لجنة تحديد هوية تكون مهمتها مراجعة لوائح المنتخبين طبقا للإحصاء الإسباني, ورصد لهذه العملية مبلغ مالي وغيرها من الأمور الأخرى. 


وفي 19/12/1991 قدم السيد ديكويلار أمين عام الأمم المتحدة آنذاك تقريرا يحمل الرقم 23299س.


يتضمن هذا التقرير معايير جديدة لتحديد هوية المصوتين تتألف من خمس معايير هي: 


- الأشخاص الواردة أسمائهم في الإحصاء الإسباني لعام 1974.


- الأشخاص الذين أقاموا في الصحراء الغربية كأعضاء في إحدى القبائل الصحراوية أثناء فترة إجراء الإحصاء الإسباني ولم يتم تسجيلهم في الإحصاء. 


- أعضاء العائلات القريبون من أشخاص المجموعتين السابقتين: آباء, أمهات, أبناء الأشخاص من آباء صحراويين ولدوا في الإقليم. 


- أشخاص من قبائل صحراوية تنتمي للإقليم وأقاموا في الإقليم لمدة ست سنوات متصلة أو اثني عشرة متقطعة قبل حلول الأول من كانون الأول ديسمبر 1974.


وعلى الرغم من التحفظ الذي أبداه الطرفان فقد قبلا في النهاية التعاون على أساس مقترحات الأمين العام للأمم المتحدة المذكور آنفا, وبناء عليه بدأت لجنة تحديد الهوية عملها في 18/8/1994 وحتى كانون الأول ديسمبر تاريخ توقف العملية حيث تمكنت اللجنة من تحديد هوية حوالي 62 ألف شخص, وما كادت مساعي الأمم المتحدة السلمية في الصحراء الغربية تأخذ منحى الاستقرار حتى اندلعت الخلافات بين طرفي النزاع وهو ما أعاق عمل اللجنة الأممية و أضاع ما تحقق من جهود في هذا المضمار, وفي تشرين الثاني نوفمبر 1996 اصدر مجلس الأمن الدولي قرارا يحمل الرقم 10841 وفيه جدد ولاية المينورصو, لغاية 31/5/1997 وطلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة اقتراح خطوات بديلة في إطار خطة التسوية الموضوعة من قبل الأمم المتحدة, ومع حلول العام 1997 وتولي السيد كوفي أنان منصب الأمين العام للأمم المتحدة دخلت قضية الصحراء الغربية مسارات أكثر مرونة فقد وجه السيد أنان رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي في 17/3/1997 يبلغه فيها عن تعيين السيد جيمس بيكر - وزير الخارجية الأمريكي الأسبق - مبعوثا خاصا إلى الصحراء الغربية ورد مجلس الأمن على رسالة الأمين العام تلك بإصدار بيان في 19 آذار مارس من نفس العام رحب فيه بموافقة الأعضاء الخمسة عشر باختيار السيد بيكر لمهمة مبعوث الأمين العام الخاص إلى الصحراء الغربية وفعلا قام جيمس بيكر بزيارة إلى المنطقة في نفس العام, التقى فيها مع جميع الأطراف على حدة وتباحث مع كل الفرقاء, وبناء على نتائج هذه الجولة قدم الأمين العام للأمم المتحدة تقريره رقم 366 إلى مجلس الأمن بتاريخ 5/5/1997 الخاص بقضية الصحراء الغربية, والذي تمحور حول بعض النقاط الهامة من مخطط التسوية الأممية ذكر منها: 


- تحرير أسرى الحرب. 


- عودة اللاجئين الصحراويين. 


- تجديد مهمة بعثة المينورسو حتى 30/9/1997.


إلا أن السيد جيمس بيكر استقال في العام 2004 من منصبه كمبعوث للامين العام إلى الصحراء الغربية نظرا لتعرض مهمته وهو الدبلوماسي المحنك إلى عدة عقبات واصطدمت بحواجز كبيرة من بعض الأطراف على حد قوله منعته من إيجاد حل للنزاع الطويل وحالت دون مضيه في تطبيق مخطط التسوية الأممي الإفريقي الذي أقرته الأمم المتحدة ووافق عليه الطرفان البوليساريو والمملكة المغربية وهذا ما أكده بيكر بُعيد استقالته في 2004 بقوله أن سبب فشله في تنظيم استفتاء تقرير المصير عائد إلى الطرف المغربي كونه غير واثق من نتيجة الاستفتاء في حالة تنظيمه ولقد عين الأمين العام للأمم المتحدة بعد استقالة بيكر الهولندي بيتر فان والسوم مبعوثا خاص عنه إلى الصحراء الغربية لعله ينجح في ما فشل فيه سلفه جيمس بيكر . تجدر الإشارة هنا إلى أن جيمس بيكر جاء بعدة حلول للازمة كان أهمها وأكثرها وسطية على حد قول المراقبين مشروع تقرير مصير شعب الصحراء الغربية أو ما يعرف بمخطط بيكر الثاني للعام 2003 ويقضي هذا المقترح إلى إقامة حكم ذاتي لسكان إقليم الصحراء الغربية لفترة تتراوح مابين أربع إلى خمسة سنوات يأتي بعدها مباشرة الاستفتاء الذي سيحدد ما إذا كان سكان الصحراء الغربية يريدون الاستقلال عن المغرب أو الانضمام إليه وكان هذا الحل هو آخر الحلول إلى حد كتابة هذه الأسطر, المقدمة من قبل الأمم المتحدة لإنهاء النزاع الطويل في الصحراء الغربية.


إلا أننا ونحن الآن نطوي أشهر من عام 2006 أي بعد حوالي خمس عشرة سنة ونيف من وقف إطلاق النار لم تستطع الأمم المتحدة بعد التوصل إلى حل من شانه إنهاء النزاع وطي ملفه بل لا نرى في الأفق القريب ما يبشر بذالك , وفي المقابل مأساة الشعب الصحراوي تزداد مرارة يوم بعد آخر وأحلامه في العودة إلى أرضه من خلال تقرير مصيره الذي كان قد وعد به مقابل وقفه إطلاق النار في العام 1991 لم تتم بعد, وكأنه بذالك قد عوقب على خياره وقف الحرب والدخول في المسار السلمي الذي لم يضمن له إلى حد اللحظة ابسط حقوقه المشروعة في الحرية والسلام وإنهاء الاحتلال . 






الصحراء الغربية ومنظمة الوحدة الإفريقية






على الرغم من أن هيئة الأمم المتحدة كانت سباقة إلى المطالبة بتمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره بنفسه إلا أن منظمة الوحدة الإفريقية كانت أكثر حزماً في موقفها الداعي إلى تصفية الاستعمار وإلى الوقوف بصرامة أمام العدوان المغربي - الموريتاني الذي مثل خرقا سافراً لواحد من أهم المبادئ التي نص عليها الميثاق التأسيسي للمنظمة ألا وهو مبدأ "احترم الحدود الموروثة عن الاستعمار" بالإضافة إلى مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها وضرورة استكمال تصفية الاستعمار من القارة السمراء.


وقد يكون من سخرية الأقدار أن اجتماع مجلس وزراء الخارجية الأفارقة المنعقدة في الرباط (المغرب) في 12 يونيو - حزيران 1972 أصدر بياناً جاء فيه أن " المجلس يعرب عن تضامنه مع سكان الصحراء الغربية الواقعة تحت الاحتلال الإسباني ويدعو إلى إلزام إسبانيا بضرورة إيجاد مناخ حر وديمقراطي يمكن سكان هذا الإقليم من ممارسة حقهم في تقرير المصير و الاستقلال في أقرب الآجال وفقاً لميثاق الأمم المتحدة". وفي يناير- كانون الثاني 1976 أوصى اجتماع لجنة التحرير التابعة لمنظمة الوحدة الإفريقية في مابوتو (موزمبيق) بالاعتراف بجبهة البوليساريو كحركة تحرير إفريقية و في مؤتمر ليبروفيل (الغابون) في شهر يوليو- تموز 1977 شارك وفد من الجبهة في أشغال مؤتمر الوحدة الإفريقية وهو المؤتمر الذي قرر استدعاء مؤتمر طارئ لمناقشة القضية الصحراوية يعقد خلال الفترة مابين 24-30 مارس -آذار 1978م في العاصمة الزامبية لوساكا غير أن هذا المؤتمر تأجل مرتين. ويعتبر مؤتمر القمة المنعقد في الخرطوم (السودان) في 17 يوليو- تموز 1978 مرحلة هامة في تاريخ التعامل الإفريقي مع الملف الصحراوي حيث أكد المؤتمرون ضرورة وقف العمليات العسكرية في المنطقة من جهة ومن جهة أخرى ضرورة البحث عن حل سياسي للنزاع على ضوء قرارات المنظمة ووفقاً لميثاق الأمم المتحدة. ونتج عن المناقشات المعمقة حول المسألة الصحراوية في هذا المؤتمر إنشاء لجنة حكماء من خمسة رؤساء أفارقة ضمت كل من رؤساء السودان وغينيا ومالي ونيجيريا وتنزانيا لدراسة معطيات الملف الصحراوي بما في ذلك حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير وذلك بقصد تقديم اقتراحات وتوصيات محددة لمؤتمر القمة الإفريقية اللاحق, وانبثق عن لجنة الحكماء لجنة فرعية ضمت الأمين العام لمنظمة الوحدة الإفريقية ورئيسا مالي ونيجيريا قامت بعقد لقاءات مع المغرب و البوليساريو وموريتانيا و الجزائر وإسبانيا للاستماع إلى وجهات النظر المختلفة حول المسألة الصحراوية. وفي نهاية اجتماع لجنة الحكماء الأفارقة في الخرطوم في 23 يونيو- حزيران 1979م تبنت اللجنة قراراً يوصي بالوقف الفوري لإطلاق النار وممارسة الشعب الصحراوي لحقه في تقرير المصير عبر استفتاء حر و عام كما رفعت إلى مؤتمر القمة ملفاً كاملاً حول القضية الصحراوية . هذا وقد تبنى مؤتمر القمة المنعقد في منروفيا (ليبيريا) في الفترة مابين 17 و20 يوليو- تموز 1979م قرار لجنة الحكماء الأفارقة من خلال قراره المصادق عليه بثلاثة وثلاثين صوتاً ضد صوتين والذي جاء فيه على الخصوص ما يلي " باعتبار أن كل الأطراف المعنية باستثناء المغرب متفقة على أن شعب الصحراء الغربية لم يمارس حقه في تقرير المصير ولما كان الاتفاق الثلاثي بين إسبانيا والمغرب وموريتانيا يخص فقط تسليم إدارة الإقليم للمغرب وموريتانيا وهو لا يشكل تسليماً للسيادة فإن اللجنة الخاصة توصي بما يلي


- الإعداد لجو ملائم لتحقيق السلام والمحافظة عليه في المنطقة باحترام وقف إطلاق نار عام وفوري. 


- ممارسة شعب الصحراء الغربية حقه في تقرير مصيره من خلال استفتاء عام وحر يمكنه من تبني أحد الاختيارات التالية: أ. الاستقلال التام 


ب. المحافظة على الوضع الراهن. 


- اجتماع الأطراف المعنية لطلب تعاونها قصد تطبيق التوصيات. 


- تشكيل لجنة من ستة أعضاء في منظمة الوحدة الإفريقية تكلف بتحديد الإجراءات ومراقبة الاستفتاء بالتعاون الكامل مع هيئة الأمم المتحدة. وقد اجتمعت اللجنة السداسية في الأسبوع الأول من ديسمبر- كانون الأول 1979م في العاصمة الليبيرية مع جميع الأطراف والتي حضرت باستثناء المغرب الذي بدأ يشعر بأنه يسبح عكس التيار خاصة أن هذا الاجتماع جاء بعد توقيع اتفاق السلام بين جبهة البوليساريو والحكومة الموريتانية التي انسحبت من الأراضي الصحراوية التي سبق وان احتلتها مناصفة مع المغرب. وفي العاصمة السيراليونية فريتا ون انعقد اجتماعان في يوليو- تموز وسبتمبر- أيلول 1980م .وتميزت هذه اللقاءات بمحاولات المغرب التهرب من المساعي الرامية إلى تنفيذ القرارات الصادرة عن المؤتمرات السابقة غير أن لقاء فريتاون الثاني اصدر توصيات هامة تركزت على ضرورة الإسراع بتنظيم استفتاء حر لشعب الصحراء الغربية وكذلك توجيه نداء إلى الأطراف المعنية لوقف إطلاق النار بصفة فعلية في شهر ديسمبر 1980م وإبقاء القوات العسكرية في ثكناتها وقواعدها وهي التوصيات التي قوبلت برفض مغربي. 


وسعياً من المغرب لمنع قبول طلب الجمهورية الصحراوية الانضمام إلى منظمة الوحدة الإفريقية شارك الحسن الثاني ملك المغرب في أعمال مؤتمر القمة الإفريقية الثامن عشر المنعقد في نيروبي (كينيا) في شهر يونيو 1981م وأعلن في خطابه أمام القمة الإفريقية قبول المغرب أجراء استفتاء مراقب في الصحراء الغربية ولكن ملك المغرب ما أن عاد إلى بلده حتى صرح في ندوة صحفية عقدها يوم 2 يوليو- تموز 1981م أن الاستفتاء - كما يراه- لا ينبغي أن يكون إلا تأكيدياً لضم الصحراء الغربية للمغرب. وكان مؤتمر القمة الإفريقية قد اصدر لائحة أكد فيها على حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير وطالب أطراف النزاع بوقف إطلاق النار كما انشأ المؤتمر لجنة من سبعة أعضاء لتحضير إجراءات الاستفتاء في الصحراء الغربية بالتعاون مع الأمم المتحدة.


في أواخر فبراير- شباط 1982م في الدورة الثامنة و الثلاثين لمجلس وزراء الخارجية الأفارقة المنعقد في أديس أبابا (أثيوبيا) وبناءً على أحكام المادة الثامنة والعشرين من ميثاق المنظمة أعلن عن قبول طلب الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية كعضو كامل العضوية في منظمة الوحدة الإفريقية بعد اعتراف 26 دولة من أعضاء المنظمة به لتصبح بذلك العضو الواحد والخمسين في منظمة الوحدة الأفريقية وهو ما تبعه انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية والتي لم يعد إليها حتى الآن.


بسبب حالة العداء التي أبدتها الإدارة الأمريكية برئاسة ريغان تجاه الجماهيرية العربية الليبية والتي بلغت ذروتها بالقصف الجوي الأمريكي للمدن الليبية سعت الإدارة الأمريكية لمنع تسلم القائد الليبي معمر القذافي رئاسة المنظمة الإفريقية من خلال دعوتها الدول الإفريقية الموالية لها إلى مقاطعة مؤتمر الوحدة الإفريقية الذي كان من المقرر أن ينعقد في طرابلس في أغسطس- آب 1982م واستجابت بعض الدول الإفريقية بعد جولة نائب الرئيس الأمريكي حينها جورج بوش (الأب) و الممثل الأمريكي في الأمم المتحدة كيرباتريك إلى عدد من تلك الدول. (أنظر صحيفة لوموند :10.6.1982) وقد قاد هذا التوجه الداعي لمقاطعة القمة الإفريقية في ليبيا كل من المغرب وزائير(الكونغو الديمقراطية حالياً) والسنغال والسودان والصومال بقصد منع القمة من الانعقاد لعدم توفر النصاب القانوني المتمثل في حضور 34 من الدول الأعضاء. وكان مبرر المقاطعة هو رفضهم المشاركة في القمة في حالة حضور الوفد الصحراوي لجلساتها وهو ما حصل بالفعل وأصبحت منظمة الوحدة الإفريقية على شفا الانقسام على نفسها. ولتفويت الفرصة على أعداء أفريقيا وحفاظاً على وحدة المنظمة قرر الوفد الصحراوي الموفد إلى القمة الانسحاب الطوعي و المؤقت من أعمال القمة الإفريقية, وعلى الرغم من المساهمة الصحراوية في لم الشمل الإفريقي فإن مؤتمر القمة لم ينعقد في ليبيا الشيء الذي يظهر إن حضور الوفد الصحراوي لم يكن إلا ذريعة من الدول التي أتأمرت بتوجيهات واشنطن وباريس لمنع انعقاد القمة في طرابلس وكانت الحجة هذه المرة تمثيل جمهورية تشاد في القمة. وعند ما تبين أن النصاب القانوني لا يمكن أن يحصل عليه لعقد القمة في طرابلس الغرب عقد قادة 30 دولة عرفت باسم "إفريقيا الحرة" مؤتمراً إعلامياً في طرابلس نوقش فيه الوضع في إفريقيا و المخاطر التي تتهدد وحدة المنظمة من جراء التدخل الأجنبي وخاصة الأمريكي- الفرنسي في شؤون القارة السمراء. وأعلن المؤتمرون تضامنهم مع الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في كفاحها العادل من أجل الاستقلال والسيادة كما دعوا الجمهورية الصحراوية والحكومة المغربية إلى البحث عن حل سلمي للنزاع بينهما.


في يونيو- حزيران 1983 التأمت القمة الإفريقية في مقر المنظمة في أديس أبابا (أثيوبيا) وهو ما شكل نجاحاً لإفريقيا بتجاوزها طور الانقسام و تثميناً من القادة الأفارقة لروح المسؤولية العالية التي أبدتها الجمهورية الصحراوية بهدف إنجاح مؤتمر القمة تبنى المؤتمر بالإجماع اللائحة 104 التي تدعو المغرب وجبهة البوليساريو كطرفي نزاع إلى إجراء مفاوضات مباشرة للوصول إلى وقف إطلاق النار وخلق الظروف الملائمة لأجراء استفتاء حر وعادل من اجل تقرير مصير الشعب الصحراوي دون ضغوط إدارية أو عسكرية وتحت إشراف منظمة الوحدة الإفريقية وهيئة الأمم المتحدة. كما تدعو القمة هيئة الأمم المتحدة لإرسال قوة حفظ سلام إلى الصحراء الغربية قبل إجراء الاستفتاء وهذه اللائحة كانت الأساس الذي بني عليه مشروع الأمم المتحدة للسلام في الصحراء الغربية.


لقد وجدت القرارات الإفريقية قبولاً واسعاً من طرف المجتمع الدولي وشكلت بداية العمل المشترك بين منظمة الوحدة الإفريقية والأمم المتحدة سعياً نحو حل سلمي وعادل لنزاع الصحراء الغربية يقوم على تمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره بنفسه والتعبير عن اختياراته بحرية وبضمانات دولية وهو ما يشهد بالدور الجبار الذي بذلته الشعوب والحكومات الإفريقية في مسعاها لحل مشكلة الصحراء الغربية التي تشكل آخر المستعمرات في القارة التي لم تتم فيها عملية تصفية الاستعمار حتى الآن.


في السنوات اللاحقة سعى المغرب ما استطاع إلى تقليص دور المنظمة الإفريقية في حل النزاع وتأكيد ثقته في الأمم المتحدة فقط ومع ذلك لم تتوقف محاولاته الممنجهة وسعي الحكومات اليمينية الفرنسية إلى جر بعض الدول الإفريقية التخلي عن دعمها للقضية الصحراوية وأنفق المغرب وفرنسا أموالاً باهظة لشراء الذمم واستعملوا سلاح الغذاء والمساعدات دون جدوى ولم تفلح تلك الجهود مع منظمة الوحدة الإفريقية ولا مع الاتحاد الإفريقي الذي نشأ كبديل عن المنظمة القارية العتيقة بل أعلنت دول الاتحاد الإفريقي اختيارها للرئيس الصحراوي واحداً من النواب الخمس لرئيس الاتحاد الذي كانت الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية خامس بلد وقع على ميثاقه التأسيسي في حين ظل المغرب يمارس سياسة الكرسي الشاغر ليكون بذلك البلد الوحيد في القارة الإفريقية الذي يقع خارج إطار الاتحاد الإفريقي وهو ما يحرمه من البرنامج التنموي " نيباد" الذي تبنته الأمم المتحدة ومجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى للنهوض بإفريقيا من جهة ومن جهة أخرى يقف المغرب حجرة عثرة أمام التعاون الإفريقي- العربي وهو ما يقطع جسور التواصل بين العرب ومحيطهم الإفريقي التي ظلت قائمةً لعدة قرون وما لذلك من آثار بالغة على مصالح العرب ورسالة الإسلام من جراء الانكفاء العربي عن العمق الإفريقي وهو ما يعني تركه مرتعاً للنشاط الصهيوني و حملات التبشير التي تعتبر أفريقيا الميدان الأول لمعركتها مع الإسلام .


الصحراء الغربية والجامعة العربية 
يعود أول اتصال للجامعة العربية بإسبانية المستعمرة السابقة للصحراء الغربية قبل الاحتلال المغربي لها إلى تاريخ 1946 عندما بادرت الحكومة الإسبانية بإرسال رسالة إلى الجامعة العربية تقترح فيها عقد اتفاقية معها باسم " مراكش الإسبانية " لكن الجامعة العربية اتخذت موقفا واضحا آنذاك فطالبت إسبانيا بمنح الاستقلال لجميع المناطق العربية التي تحتلها بما في ذالك الساقية الحمراء ووادي الذهب أي ( الصحراء الغربية ) وهو ما أكده السعي الدائم للجنرال الإسباني آنذاك "فرانكو" من اجل كسب صداقة الجامعة العربية من خلال إعطاء الكثير من الوعود حول موضوع "منح الاستقلال" خلال أعوام 1952, 1956.([16])
هذا بالإضافة إلى محاولة يتيمة قام بها أمين عام الجامعة العربية السيد محمود رياض أجرى فيها محادثات مع الأطراف الأخرى (الجزائر موريتانيا) ثم مع المملكة المغربية وبعدها التقى بتاريخ 21 شباط 1976 مع قيادة جبهة البوليساريو حيث أجرى محادثات ونقاشات معها, أعقب ذالك بتصريح له في أشغال مجلس وزراء الجامعة العربية المنعقد في القاهرة يوم 4 آذار 1976 قال فيه إن التضامن العربي قد هزته تجارب صعبة في لبنان وفي الصحراء الغربية ثم طلب من مجلس الوزراء أن يتحمل المسؤولية المشتركة .وللإشارة فان الجامعة العربية لم تدرج في أي من قممها في جدول أعمالها قضية الصحراء الغربية اللهم إلا ما قام به الأمين العام الحالي في أول عهدته([17]) حيث أدرج في تقريره المقدم إلى أول اجتماع يترأسه لمجلس وزراء الخارجية العرب فقرة خاصة بقضية الصحراء الغربية وُقبل هذا العمل بالرفض والتنديد من قبل المغرب ودول أخرى, ليبقى موقف الجامعة العربية من قضية الصحراء الغربية والى الآن هو نفسه موقفها التقليدي الذي لا يجرؤ على مناقشتها أو التطرق لها لأسباب أو لأخرى . 


ويظهر من هذا ضعف إن لم يكن انعدام الدور الذي لعبته أو تلعبه الجامعة العربية في قضية الصحراء الغربية, بل اتسم الموقف العربي تجاه القضية الصحراوية بالبرودة على المستويين الشعبي والرسمي, إذا ما استثنينا من ذالك الدول التي سبق وان اعترفت بالدولة الصحراوية وأقامت معها علاقات كسوريا والجزائر، ليبيا, موريتانيا ,اليمن الجنوبي سابقا وتختلف طبعا طبيعة هذه العلاقات من دولة إلى أخرى وتختلف أيضا أدوارها ومساعيها من أجل إيجاد حل لنزاع " الأشقاء – الأعداء ".


ومن هذا يتضح جليا منأى الجامعة من قضية الصحراء الغربية إذا ما اعتبرنا أن النزاع القائم هو نزاع عربي – عربي بالدرجة الأولى مما يلقي على عاتق الجامعة العربية المسؤولية الكبرى بضرورة إيجاد مخرج أو حلا من مقدوره أن يضع نهاية لنزاع عمر أكثر مما ينبغي وجهت إبانه رصاصة العربي إلى صدر أخيه العربي.


إلا أن ما هو قائم على صعيد النزاع يكاد يكون العكس من خلال اكتفاء الجامعة العربية برمي كرة نزاع الصحراء الغربية في ملعب الأمم المتحدة دون ما تبني اقتراح أو تقديم مبادرة لعلها تكون أرحم للنزاع "العربي – العربي" من وضعه على رفوف الأمم المتحدة وبالتالي معالجته من قبلها أي الأمم المتحدة بطريقة أو أسلوب قد لا يرضي الجامعة العربية خاصة إذا ما مَثُل أمامنا نموذج حل الخلاف الكويتي – العراقي في تسعينيات القرن الماضي فالتاريخ قد يعيد ما لا تشتهي الجامعة العربية تكراره. 

الحلول المقترحة لحل نزاع الصحراء الغربية 
مخطط السلام 1991(الاستفتاء)
بعد التوقيع على وقف إطلاق النار رسميا في أيلول 1991 تم التشاور والبحث عن صيغة يمكن من خلالها الوصول إلى حل يحسم الخلاف وهو ما تم التوصل إليه لاحقا من خلال قبول وتوافق الأطراف المتنازعة المملكة المغربية وجبهة البوليساريو بالدخول في مخطط التسوية السلمية ( مخطط السلام ) للوحدة الإفريقية الذي تبنته الأمم المتحدة وصادق عليه مجلس الأمن سنة 1991.


ويتم بمقتضاه وقف إطلاق النار وتحديد هوية المصوتين ثم عودة اللاجئين الصحراويين ومركزة قوات الطرفين وتبادل الأسرى ويختتم باستفتاء لتقرير المصير يختار فيه الصحراويين في النهاية بين الاستقلال أو الانضمام إلى المغرب، على أن يتم كل ذلك في فترة أقصاها ستة أشهر من تاريخ وقف إطلاق النار الذي تم بالفعل يوم 6/9/1991 تحت إشراف بعثة الأمم المتحدة لإجراء الاستفتاء في الصحراء الغربية، المعروفة باسم المينورصو.
فلقد تمت المصادقة على أهم جزء من المخطط سنتي 1990 و1991. وتطالب مختلف قرارات مجلس الأمن التي تصادق على هذه النصوص الأطراف "التعاون كلية" من أجل وضع حيز التنفيذ مخطط السلام الذي قبلته الأطراف, غير أن المغرب تحفظ على مخطط السلام (أكبر جزء منه) بهدف محاولة تحسين موقفه القانوني, محاولة دمج في الإحصاء أكبر عدد ممكن من المغاربة في الوقت الذي يحاول إضعاف موقف الطرف الآخر ضاغطاً من أجل تجميد أو سحب بعض الدول اعترافها بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.([18]) أما فيما يتعلق بالخلافات بشأن المصوتين في الاستفتاء يتضح أنه تم حل تلك الخلافات من خلال نص ثاني يكمل مخطط السلام لسنتي 1990 و1991 وهي اتفاقيات هيوستن لسنة 1997 التي قبلتها الأطراف وصادق عليها مجلس الأمن الذي طلب من الأطراف "مواصلة تعاونها البناء مع منظمة الأمم المتحدة من خلال التطبيق الكامل لمخطط السلام واتفاقيات هيوستن.


استمر مخطط السلام في مواجهة العراقيل خصوصاً من حيث ثلاثة أوجه: الإحصاء، الوضعية القانونية للقوات العسكرية الموجودة واللاجئين, غير أن جولة جديدة من المفاوضات أدت إلى مجموعة ثالثة من النصوص تشكل جسم مخطط السلام وتحل مختلف النزاعات حول الإحصاء. وتتشكل هذه المجموعة الثالثة من النصوص من بروتوكول حول تحديد هوية القبائل المتنازع عليها، توجيهات عملية خاصة بتحديد هوية أفراد هذه القبائل وتوجيهات تتعلق بدراسة طعون الإحصاء.


استمر تطبيق مخطط السلام بنجاح , ففي ديسمبر 1999 أستكمل وضع الإحصاء الانتخابي الجديد , وفي 17 يناير كانون الثاني 2000 نشرت اللائحة المؤقتة للمصوتين التي تبنت([19]) كصحراوين يحق لهم التصويت 86.381 ألف شخص من بين مجموع 198.469 ألف مترشح تقدموا إلى لجان تحديد الهوية, وقد كان الإحصاء الجديد الذي وضعته الأمم المتحدة جد مشابه للإحصاء الإسباني لسنة 1974 مما كذب اتهامات الانحياز التي عبر عنها المغرب ضد الإحصاء الإسباني, فالإحصاء الجديد رفض بشكل قطعي كصحراوين عشرات الآلاف من المغاربة الذين طلبوا دمجهم فيه و هذه النتيجة تعني أن الاستفتاء سيؤدي حتمياً إلى استقلال الإقليم.


ولعل هذا ما أكده أمين عام حزب النهج الديمقراطي المغربي عبد الله الحريف بان المملكة المغربية انقلبت على الشرعية الدولية وبأنها([20]) " ظلت دائما تستعمل خطابين، فحتى في الثمانينيات والتسعينيات، حين كانت تقبل ظاهريا باستفتاء تقرير المصير في الصحراء، كانت توجّه خطابا للاستهلاك الخارجي يركز على احترام الشرعية الدولية وخطابا موجه للداخل يدّعي أن استفتاء تقرير المصير سيكون تأكيديا· وأظن أن الدولة المغربية قد انقلبت على الشرعية الدولية وتراجعت عن استفتاء تقرير المصير في الصحراء حين تبين لها أن سلوك ذلك الطريق لا يضمن أن يكون الاستفتاء تأكيديا لمغربية الصحراء وبالتالي أن فيه نوع من المقامرة تخشى نتائجها وانعكاساتها على أوضاع النظام الذي جعل من الصحراء قضية مقدسة"· 


فلقد حاول المغرب بكل الوسائل تجنب الاستفتاء مقتنعا بأنه سيكون الخاسر, وسعى على أكثر من صعيد أن يغير مذهب الأمم المتحدة الذي يطالب ويسعى إلى تنظيم استفتاء تقرير المصير, وسخر لذالك كل إمكانياته الإعلامية والسياسية, من تقديم للطعون وإقحام للوائح مصوتين لا يشملهم التصويت وتهجير المواطنين المغاربة من المغرب ودفعهم للاستيطان في الصحراء الغربية , كل هذا من اجل عرقلة خيار الاستفتاء الذي تأكد المغرب أن من خلاله لا يمكنه تحقيق أهدافه ومطامعه في الصحراء الغربية وهذا التسويق المغربي للأسف هو ما انصاعت إليه الأمم المتحدة في النهاية وقالت على لسان أمينها العام بأن مسلسل السلام قد تجاوزته الأحداث([21]), فالأمم المتحدة التي بدلاً من معاقبة المغرب على عدم تطبيق قرارات مجلس الأمن التي تشترط عليه "التعاون كلية" من أجل وضع "حيز التنفيذ" مخطط السلام لم ترد على التمرد القانوني المغربي , فبدلاً من التنديد بهذه العرقلة واستعمال الميكانزمات الموجودة في ميثاق الأمم المتحدة لفرض عليه الالتزام بتعهداته، أعطى الأمين العام للنزاع تحولا مفاجئا عندما طالب بالتعليق غير المحدد زمنيا لمخطط السلام (خصوصاً الاستفتاء) وفتح الباب أمام ما سمي بـ"الحل الثالث". وقد قدم الأمين العام في 17 فبراير 2002 في تقريره تفسيراً تميز بتأكيد غير مقبول وهو أنه في حالة تنظيم الاستفتاء فإن "واحد من الأطراف" تلميحا إلى المغرب يرفض النتيجة وأنه لا توجد صيغة قسرية ضده في مخطط السلام , كما يتضح أنه لا يمكن التوفر عليه , فهذا التفسير خاطئ لأنه في حالة ما لا توجد صيغة قسرية في مخطط السلام فإن ذلك راجع إلى سبب بسيط وهو أن ذلك الميكانيزم موجود فعلا في البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يسمح ، بما في ذلك ، باستعمال القوة لضمان احترام النتيجة المحتملة للاستفتاء. وانطلاقاً من هذا الموقف القابل بكل تأكيد للنقاش اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أن مخطط السلام قد فشل واقترح تنظيم مفاوضات مباشرة جديدة بين الأطراف بوساطة من جيمس بيكر قصد التوصل إلى نوع آخر من الحلول, وكان أول هذه الحلول مخطط بيكر الأول للعام 2001.











مخطط بيكر الأول 2001 ( الاتفاق الإطار أو الحل الثالث) 


ولما أقرت الأمم المتحدة أن الاستفتاء أو تقرير المصير أصبح حلة قديمة أو تجاوزته الأحداث على حد قولها سارعت المملكة المغربية إلى مباركة تلكم الخطوة التي طالما سوقت لها , فأصبح من الضروري والحال هكذا إيجاد حل آخر فاقترح الأمين العام للأمم المتحدة تنظيم مفاوضات مباشرة جديدة بين الأطراف بوساطة من جيمس بيكر وهذا ما تم فعلا في برلين غير أن هذه المفاوضات التي نظمت لم تتوصل إلى أي اتفاق إلا أن المغرب استطاع تقديم اقتراحه الخاص بـ"حل سياسي" يتطابق بشكل كبير مع ما سمي "بمشروع الحل الإطار" الذي تقدم به جيمس بيكر لاحقا في 2001 و المعروف تحت اسم " مخطط بيكر الأول" أو " الحل الثالث "‏ والقائم على منح الصحراء الغربية حكما ذاتيا واسعا تحت الإدارة المغربية, فللتاريخ والحقيقة يشكل اقتراح الاتفاق الإطار أو" مخطط بيكر الأول" كما يوصف بذلك , إلحاقا بكل بساطة لإقليم الصحراء الغربية بالمغرب أو بصفة أدق هو الدمج المقنع لكل الإقليم في إطار السيادة المغربية , لأنه لا يقدم سوى ما يفترض أن يكون حكما ذاتيا سيكون حتما ضعيفا و يفتقد إلى أدنى الضمانات و لذلك فليس من الغريب أن ترفضه جبهة البوليساريو بل حتى مجلس الأمن لم يصادق عليه , وأكدت الأيام بعد ذالك بأنه أي خطة الاتفاق الإطار هي تأليف من صنع رجل قانون فرنسي في خدمة المغرب أكثر مما هو من إعداد بيكر نفسه, وبدراسة تحليلية بسيطة في إطار الإجابة عن السؤال التالي لماذا رُفِضَ مخطط السلام وتم إبداله بمخطط الاتفاق الإطار؟ يمكننا تسجيل أو إبراز عدة نقاط غامضة وغير مقنعة جاء بها الأخير([22]) فأولا لأن السبب الذي قدم الأمين العام للأمم المتحدة لتبرير فشل مخطط السلام هو أنه ليس إلا " لعبة مجموع نتيجتها صفر" حيث أن الأطراف إما أن تربح الكل أو تخسر الكل, إلا أنه يمكن التساؤل الآن: أليست تلك هي قواعد اللعبة التي وافقت عليها الأطراف؟ إذن لماذا تغييرها؟ ويمكن الذهاب إلى أبعد من هذا الحد, فإذا كان فشل المخطط يرجع إلى دورانه حول بديلين "مجموعهما صفر" (الاستقلال أو الانضمام) فيجب على عنان وبيكر أن يجيبا على هذا السؤال: اقتراح "الحكم الذاتي" المتضمن في " الاتفاق الإطار" الذي أقترح لتعويض مخطط السلام ألا يعني افتراض قبول أحد البديلين ذات "المجموع صفر" أي الانضمام؟ و إذا كان الأمر هكذا فلماذا ألغي مخطط السلام و قبل " الاتفاق الإطار"؟ هذا من جهة ومن جهة ثانية ورجوعا لما سبق التطرق إليه في تقاريره السابقة ، فإن الأمين العام يشير إلى المغرب ك" قوة مديرة " و من الواضح أن هذا التلميح ليس بريئا ذلك أنه خاطئ ويتسبب في الكثير من التناقضات الخطيرة([23]).


(أ) في البداية فإن تقارير الأمين العام التي تعطي للمغرب الصفة الشرعية " للقوة المديرة" تضعه في تناقض واضح مع مذهب الجمعية العامة للأمم المتحدة كما عبرت أي الأمم المتحدة عن ذلك بوضوح في القرار 3458أ (XXX) الصادر بتاريخ 10 ديسمبر كانون الأول 1975 ( الذي يشير بعد الرجوع إلى اتفاقية مدريد إلى إسبانيا كالقوة المديرة الوحيدة) وكذلك الشأن في القرارات 3734 (1979) و 1935 ( 1980) وهي كلها قرارات للجمعية العامة تعتبر أن ما قام به المغرب هو "احتلال" يجب التنديد به. 


(ب) من جهة أخرى ففي حالة ما يكون المغرب هو " القوة المديرة " للإقليم فلماذا لا يطبق إذن ما ينص عليه البند 73ه) من ميثاق الأمم المتحدة الذي يلزم القوى المديرة للأقاليم المستعمرة التقرير عن الحالة في تلك الأقاليم) و في حالة ما لا يقوم بذلك "كقوة مديرة " فلماذا لا يطالبه عنان بذلك؟ 


(ج) وأخيراً ولكن ليس الأقل أهمية كيف يمكن وصف المغرب بـ" القوة المديرة "لـ"إقليم" في الوقت الذي لا يحتل كل الإقليم؟ ماذا سيحدث مع المنطقة الموجودة شرق الحزام والتي توجد في الوقت الحالي تحت سيادة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية؟ فهل سيدعي كذلك إخضاعها للمغرب؟ 


ومن جهة أخرى ادعى الأمين العام، كمبرر للتخلي عن مخطط السلام، أن سبب فشله يرجع إلى أن الأطراف لم تتقدم بمقترحات وأنه كان على الأمم المتحدة نفسها تقديم مبادرات فاتحة بذلك مسلسل نقاش بينها وبالتالي تخلت عن اللعبة التي حصيلة مجموعها صفر (لا غالب ولا مغلوب). والآن أليس مشروع الاتفاق الإطار هو مبادرة من الأمم المتحدة ؟ وما هي المعجزة وراء عدم سقوط هذه المبادرة في نفس الفشل الذي واجه مخطط السلام ؟ ولماذا " يتضح" أن هذا المشروع هو حصيلة مبادرة من الأمم المتحدة ؟ وإذا لم يكن من الأمم المتحدة فهل هو من المغرب أم الأمين العام ؟ ففي حالة ما نكون أمام مبادرة محتملة من الأمم المتحدة فإننا سنجد أنفسنا أمام أمرا يدفعنا إلى الانشغال كثيرا بالمصداقية، الضعيفة، للأمم المتحدة, ومن المثير للانتباه كذلك التقدير الدبلوماسي الضعيف الذي يعطي الأمين العام لمبادرات جبهة البوليساريو الممثل عن الشعب الصحراوي، الضحية الأولى للاحتلال، خلافا للأهمية التي يحظى بها المحتل (المملكة المغربية) لديه, لقد أكد الأمين العام أن المقترحات المقدمة من قبل البوليساريو للخروج من وضعية المأزق الذي يجتاز مخطط السلام لا يمكن أخذها بعين الاعتبار لأنها تتطلب قبولها من قبل المغرب، ولكن ما الذي حدث مع مشروع الاتفاق الإطار نفسه؟ وفي هذه الحالة ألم يكن هو الآخر يتطلب موافقة البوليساريو؟ نفس الأمين العام يقول نعم وفي هذه الحالة أيضا ألسنا من جديد في حاجة إلى توضيحات لاحقة ؟ ويقول الأمين العام أن المقترح قدم من أجل مناقشته و في هذه الحالة ألم يشترط أن تحقيق الاتفاق الإطار يحظي بدعم عضوين دائمين في مجلس الأمن(الولايات المتحدة و فرنسا) وفي حالة ما يكون كل الأمر هكذا فلماذا يقلل الأمين العام من قيمة مقترحات البوليساريو الخاصة بمخطط السلام في الوقت الذي يقبل مشروع الاتفاق الإطار؟ 


وفي الوقت الذي يثير المسلسل الذي أدى إلى مشروع " الاتفاق الإطار" العديد من الشكوك الغامضة فإن محتوى نفس الاتفاق الإطار المقترح يثير الكثير من الاستغراب, حيث أن المشكلات كانت أساساً اثنتين([24]): تقديم كبداية ما كان يجب أن يكون خاتمة للمسلسل واعتبار كخاتمة للمسلسل ما كان يجب اعتباره بدايته في البداية فإن محتوى كل نص الاتفاق الإطار قدم كشيء تمت مسبقا البرهنة عليه ما يجب حقيقة البرهنة عليه مقدما ك" بداية " ما يمكن أن يكون" خاتمة " أي أنه انطلق من بداية (سابقة) تدعي أنه تمت البرهنة و قبول ( أن الصحراء الغربية هي إقليم خاضع للسيادة المغربية) غير أن هذا إدعاء لم تتم البرهنة عليه أو قبوله (هذه السيادة غير معترف بها لا من قبل الأمم المتحدة ولا من طرف الدول الأخرى) كما لا يمكن كذلك البرهنة عليه مستقبليا إلا بعد تنظيم استفتاء لتقرير المصير يقرر بموجبه الشعب الصحراوي الاندماج مع المغربـ، فلقد ادعى الأمين العام أن الأطراف وافقت على الاتفاق الإطار من خلال مفاوضات مع ممثليها كما أن محتوى نفس الاتفاق الإطار يتضمن الاندماج مع المغرب وهذا يشترط أيضا ممارسة حق تقرير المصير لان الشعب المستعمر كما هو معروف في تجارب تصفية الاستعمار عن طريق تقرير المصير، يتمتع بعدة خيارات: التحول إلى دولة مستقلة وذات سيادة، الاشتراك بصفة حرة مع دولة مستقلة أخرى أو الاندماج الكلي في دولة أخرى مستقلة أو قبول أية وضعية سياسية أخرى أو وضعية قانونية وتجسيد هذه البداية المرتبطة حتميا بهذا المشروع (هذا ما يمكن استخلاصه، بالضرورة، من نقطتين من الاتفاق الإطار) الذي شكل مصدر تناقضات صعبة التجاوز كما ولو كان ذلك هو المخرج الوحيد . 


ومن جهة أخرى أقر المخطط الجديد أن المملكة المغربية ستتوفر على "صلاحية استثنائية" في "حماية الوحدة الترابية للإقليم ضد المحاولات الانفصالية التي قد تصدر من داخل أو خارج الإقليم" إلا أن الصحراء الغربية يمكن فقط أن تشكل جزءاً من "الوحدة الترابية" المغربية إذا لم يكن الإقليم مستعمرا بل إقليم خاضع للسيادة المغربية في حين أن ما يميز "مستعمرة " هو أنها لا تشكل حقيقة جزءا من " الوحدة الترابية" لدولة إلا أنه في حالة ما يشكل ادعاءا استعماريا تهديدا للوحدة الترابية لدولة فإن مبدأ تقرير المصير سيصبح غير قابل للتطبيق في هذه الحالة الخاصة وفي الوقت الذي تم فيه تأكيد حق تقرير المصير في الصحراء الغربية ، في مناسبات مختلفة في العديد من قرارات للجمعية العامة للأمم المتحدة، مجلس الأمن وحكم محكمة العدل الدولية فإن الاتفاق الإطار يعارض كل القانون الدولي المعاصر المعمول به، ويحق لنا التساؤل هنا كيف كان بالإمكان التوفيق من جهة بين تأكيد تقارير الأمين العام الأخيرة أن المغرب هو " قوة مديرة" للإقليم (وهذا ما يعني بالضرورة اعتبار الإقليم مستعمرة) وسابقة الاتفاق الإطار من جهة أخرى والذي يتضمن اعتبار الإقليم جزءا من " الوحدة الترابية " المغربية وبالتالي إقليما خاضعا للسيادة المغربية([25]). 


غير أن الاتفاق الإطار يشكل صعوبة ثانية تتمثل في تقديمه كخلاصة للمسلسل ما يمكن فقط اعتباره بدايته, فالنتيجة النهائية لمسلسل تصفية الاستعمار عن طريق تقرير المصير يمكن أن تكون متنوعة (الاندماج، الاستقلال أو الاشتراك), إلا أن القوانين العامة الخاصة بتصفية الاستعمار تتبنى جميعها طريقة واحدة من أجل تحقيقها وهكذا فإن الاشتراك يجب أن يكون نتيجة " لاختيار حر وإرادي لسكان الإقليم الذي يتعلق به الأمر، معبرا عنه بأساليب ديمقراطية, والاندماج يجب أن ينتج عن " الرغبة المعبر عنها بصفة حرة من قبل سكان الإقليم الواعون بتغيير وضعيتهم القانونية" مع تحقيق ذلك الاختيار عن طريق " أساليب ديمقراطية.. مطبقة بصفة محايدة و تعتمد على الاقتراع العام الذي يشارك فيه البالغون" ما دام بإمكان الأمم المتحدة مراقبة تطبيق هذه الأساليب وخلق دولة مستقلة أو الحصول على أية وضعية قانونية أخرى عن طريق "اختيار حر و مقرر من قبل السكان".


وبقدر ما يقر مشروع الاتفاق الإطار بأن " الوضعية القانونية ستخضع لاستفتاء يمكن أن يشارك فيه الناخبون المؤهلون في التاريخ الذي ستـتفق عليه الأطراف في أجال خمسة سنوات ابتداء من تاريخ دخول الإجراءات الأولية للاتفاق الحالي حيز التنفيذ، حيث أنه لم يتم الاعتراف بأن الوضعية القانونية الجديدة للإقليم لن تكون سواء نتيجة لِلرغبات المعبر عنها بصفة حرة من قبل السكان المحليين للإقليم, الاتفاق الإطار لم يحدد فقط الوضعية القانونية للإقليم واضعا القوانين العامة للقانون الدولي العام في وضعية ضعف فيما يتعلق بهذه الحالة الخاصة بالضبط، بل يقر إستفتاءا يجعل من المستحيل تطبيق حق تقرير المصير وهذا ما تمت البرهنة عليه من خلال تحليل الاتفاق الإطار نفسه, فمن جهة لأنه يؤهل " للتصويت في الاستفتاء السكان الذين قطنوا بصفة مستمرة في الصحراء الغربية خلال السنة السابقة مما ترك الباب مفتوحا أمام التزوير من خلال تبني المستوطنين المغاربة كمصوتين, ومن جهة أخرى فإن اعتبار " أن الوضعية القانونية للصحراء الغربية ستخضع لاستفتاء يمكن أن يشارك فيه الناخبون المؤهلون في التاريخ الذي تتفق عليه الأطراف في هذا الاتفاق في أجال خمسة سنوات ابتداءً من تاريخ دخول الإجراءات الأولية حيز التنفيذ "، سيشكل الكثير من الشكوك الجدية حتى فيما يتعلق بإمكانية طرح اختيار الاستقلال. ولا يمكن الدفاع في الاستفتاء المحتمل، في ظل الاتفاق الإطار والدستور المغربي، إلا عن خيارين: الأول المحافظة على الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية أو "عدم المحافظة على الحكم الذاتي" ولا يمكن اعتبار هذا الاختيار الأخير إلا "اندماجا كليا" إذ يتضح أنه لا يمكن الدفاع عن خيار الاستقلال ما دام يعطي للمغرب الصلاحية الاستثنائية في "حماية الوحدة الترابية ضد المحاولات الانفصالية التي يمكن أن تصدر من داخل أو خارج الإقليم " في وقت يكون فيه الإقليم خاضعا لدستور يمثل فيه الملك " السلطة العليا للأمة، رمز الوحدة وحامي استمرارية الدولة (….) ضامن (….) الوحدة الترابية للمملكة في حدودها الأصلية "، وبصفة قطعية فإن التأكيد الذي قدم الأمين العام في تقريره بأن الاتفاق الإطار المقترح " يهدف إلى التوصل إلى حل سريع دائم ونهائي لنزاع الصحراء الغربية بصفة لا تستثني التعبير الحر بل يسهله، خاطئ, وبالتالي فإن التأكيد المعلن عنه في قرار مجلس الأمن قابل هو الآخر للرفض (ولكن ليس في جزئه القانوني) ما دام يقدم حرية التفاوض حول الاتفاق الإطار (إلا أنه لم يصادق عليه) مادام "يخول تفويضاً مهماً للسلطة ولا يلغي التعبير الحر بل يتضمنه. "وبخلاصة فإن الرفض المغربي " للقانون" (تطبيق الشرعية الدولية المعمول بها أي مبدأ تقرير المصير الذي طالبت به محكمة العدل الدولية، الجمعية العامة ومجلس الأمن) أدى إلى هجوم سياسي هادف إلى تبديل ذلك الحق بـ"حل سياسي" ( بمعنى التوصل إلى اتفاق بين القادة المعنيين دون اللجوء إلى الاستفتاء) قد يعطي حكماً ذاتياً موسعاً في" إطار السيادة المغربية". وقد حظي هذا الهجوم بتواطؤ الأمين العام للأمم المتحدة الذي قدم بتاريخ 31 مايو أيار 2001 هذا "الحل السياسي" المسمى من قبل البعض ب"الحل الثالث" وجسده في "مشروع الاتفاق الإطار" المعروف أيضا بـ "مخطط بيكر الأول" غير أن محاولة المغرب تحريف الشرعية الدولية المعمول بها فشلت عندما رفض مجلس الأمن في قراره 1429 بتاريخ 30 تموز يوليو 2002 "حلا سياسيا" لا يساعد على تقرير المصير, وابتداءً من ذلك التاريخ سدت طريق" الحل السياسي" التي ادعى المغرب، ذلك أن الطريق الوحيد لإبطال مخطط السلام هو" تسوية " عن طريق التوصل إلى صيغة تتضمن الإمكانيتين معا : "اتفاق سياسي" يعطي للصحراء حكما ذاتيا تحت السيطرة المغربية كما تدعي المملكة المغربية و يقدم في نفس الوقت إمكانية تقرير مصير الإقليم كما تريد جبهة البوليساريو وهذا ما تجلي عمليا في "مخطط بيكر الثاني" وان كانت هناك بعض التحفظات عليه إلا انه وحسب بعض المراقبين يعتبر حلا أكثر وسطية للجانبين عن غيره من حلول إذا ما استثنينا منها مخطط السلام .
خيار التقسيم 2002 ( الحل الرابع) 
أقترح هذا الخيار أساسا من قبل الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان بالتشاور مع ممثله الخاص للمنطقة جيمس بيكر ويقر المقترح على أن يكون للمغرب الثلثان ويكون للبوليساريو الثلث من إقليم الصحراء الغربية([26]).
و بصفة ملموسة أكد الأمين العام للأمم المتحدة بأنه يمكن لمجلس الأمن طلب من مبعوثي الخاص تحديد مع الأطراف ولآخر مرة ما إذا كانت مستعدة لدراسة تحت رعايته وعن طريق مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، إمكانية تقسيم الإقليم مع عدم إقرار أي شيء حتى تتم الموافقة عليه و في حالة ما يميل مجلس الأمن لهذا الاختيار وفي حالة ما تكون الأطراف غير مستعدة أو لم تستطيع التوصل، قبل الفاتح نوفمبر 2002، إلى حل حول تقسيم الإقليم سيمكن كذلك طلب من ممثلي الشخصي تقديم لاحقا اقتراحا لتقسيم الإقليم إلى مجلس الأمن. وبعد ذلك يعرض مجلس الأمن الاقتراح على الأطراف على أساس أنه لن يخضع للتفاوض. وهذا الشكل من البحث عن حل سياسي يعطي لكل واحد من الأطراف شيئا مما يريد و لكن ليس الكل ويتماشى مع سابقة التقسيم الماضية ولكن ليس بالضرورة حسب نفس التسويات الإقليمية مثل تقسيم الإقليم في 1976 ما بين المغرب و موريتانيا.


وبالرغم من أن وسائل الإعلام قدمت التقسيم كذلك الذي حدث سنة 1976 بين المغرب وموريتانيا، فإن قراءة لمجمل تقرير الأمين العام تبرز أن الاقتراح الأممي للتسوية الإقليمية لن يتم بالضرورة مثل ذلك الذي حدث سنة 1976 , فتقسيم الإقليم بين المغرب والجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ( البوليساريو) قد يكون غير مرغوب فيه نتيجة لعدة أسباب. فهو يعني أن الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ستخسر كل ما ظلت تطالب بل تناضل من اجله طيلة النزاع وهو الاستقلال التام , بالإضافة أيضا إلى أن التقسيم يمكن أن يزيد من حدة الشعور الوطني الصحراوي الذي جرح بعد معاهدة 1912 التي حرمت الصحراء الغربية من الإقليم الموجود بين خط المستوى 27.40 وواد درعة ومنحته لسلطان المغرب (الذي لم يمتلكه أبداً من قبل), وبالتالي فالتقسيم قد يشكل بترا أخرا لجزء من إقليم الصحراء الغربية, وإن المغرب كذالك سيفقد من خلال التقسيم ما يقول بأنها وحدته الترابية أو السيادية التي لا يرضى تقسيمها ولكن للمفارقة فقط, فقد رَضِيَ المغرب في العام 1975 بتقسيم ما يرفض الآن تقسيمه بينه وبين موريتانيا إبان ما يعرف باتفاقية مدريد, ولذا لم يكن من المستغرب أن يتم رفض فكرة التقسيم من قبل الطرفين نظرا لانتقاصه أو عدم تقديمه لما يسعى إليه كل طرف من أطراف النزاع على حدة0 











إنهاء مهمة الأمم المتحدة ( المينورصو) 2002 






ولما تمت عرقلة مخطط السلام الأممي وبعد أن لم يتم التوافق على الخيارين أو المقترحين الأخيرين - مقترح الحل الثالث وخيار التقسيم - ولم يلقَيا الإجماع التام عليهم من الأطراف المتنازعة المملكة المغربية وجبهة البوليساريو تَم في عام 2000 أن أجرت الأمم المتحدة تقويما شاملا لتسع سنوات من محاولة تنفيذ مخطط التسوية، وخلص تقرير الأمين العام للأمم المتحدة في فبراير/ شباط 2000 إلى أن كافة الجهود التي بذلت من أجل التوفيق بين الجانبين باءت بالفشل, فصرح كوفي أنان أنه بناء على المشاورات التي أجراها مع مبعوثه إلى الصحراء فإن تنفيذ خطة التسوية تعرقلت سنة بعد أخرى على مدى السنوات التسع الماضية بفعل خلافات أساسية بين الطرفين. ومع استحالة تنظيم الاستفتاء فإن اتفاق الإطار أو الحل الثالث مرفوض من طرف البوليساريو، وكذلك خيار التقسيم مرفوض من المغرب ومن البوليساريو. ولذلك يرى أنان أنه أمام الوصول إلى الطريق المسدود يصبح خيار خروج الأمم المتحدة من الأزمة مطروحا. 


وهذا ما سيوصل النزاع برأيي في حال تبني هذه الخطوة إلى أفق خطير، المتضررين منها هم اللاجئون الصحراويون خاصة والشعب الصحراوي عامة من التشريد والتشتت بين أب على جبهة القتال وأم في الأرض المحتلة وابنة بالمهجر وابن بين الثرى وهي وضعية مأساوية لا يخلو منها بيت صحراوي. بل قد تضيف هذه الخطوة إلى مأساة الصحراويين مأساة أخرى أدهى وأمر ذنبه فيها انه أبى العيش تحت الاحتلال وأراد أن يذوق طعم الحرية ونكهة الاستقرار وفسحة السلام من خلال حقه غير القابل للتصرف في تقرير مصيره , الذي تريد الأمم المتحدة معاقبته على التمسك به في حال انسحابها, وتركها النزاع دونما حل أو نهاية . 
مخطط بيكر الثاني 2003(تقرير مصير شعب الصحراء الغربية) 
ويوصف من بعض المراقبين " بالحل الوسط " وهو كان آخر قرار اتخذته الأمم المتحدة بشأن النزاع , ويحمل الرقم 1495 الصادر بتاريخ 30 يوليو/ تموز 2003 ويشكل هذا القرار حلاً وسطاً يجمع بين خطة التسوية التي اقترحها جيمس بيكر كما يدعو إلى مواصلة الجهود مع الأطراف المعنية للتوصل إلى اتفاق عام, وكونه أيضا يرتكز على فكرة الاستفتاء باعتبارها مقبولة من الطرفين وباعتبارها الصيغة الأكثر ديمقراطية لتحديد اختيار سكان الإقليم0


ومضمون هذا القرار انه يدعو إلى حكم ذاتي لسكان إقليم الصحراء الغربية لفترة تتراوح ما بين أربع إلى خمسة سنوات يأتي بعدها مباشرة الاستفتاء الذي سيحدد ما إذا كان سكان الصحراء الغربية يريدون الاستقلال عن المغرب أو الانضمام إليه, كما يدعو هذا القرار أيضا الأطراف الأربعة المعنية بالأزمة الطرفين المتنازعين (البوليساريو والمملكة المغربية) والطرفين المراقبين موريتانيا والجزائر إلى العمل مع الأمم المتحدة والى العمل بينهم باتجاه الموافقة على خطة السلام, ويدعو أيضا إلى أمور أخرى كإطلاق سراح الأسرى وغيرها من نقاط الخلاف, وقد وافق مجلس الأمن على هذا القرار كما وافقت عليه أيضا جبهة البوليساريو كونه يؤدي في نهاية المطاف إلى الاستفتاء في حين ترفضه المملكة المغربية, وهذا المخطط بالأحرى جاء أولا نتيجة تخلي الأمم المتحدة عن مخطط السلام المتفق عليه من قبل الجانبين, وثانيا للفشل القانوني الذي حظي به مخطط بيكر الأول, لان نتيجته هي الدمج المقنع لكل الإقليم وهذا ما أدى إلى فشله وبالتالي عدم موافقة مجلس الأمن عليه وأخيرا لانعدام الجدوائية السياسية من مخططي التقسيم وإنهاء مهمة الأمم المتحدة, وبالتالي جاء وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر الممثل الخاص للامين العام للأمم المتحدة إلى المنطقة, الذي يوصف بحنكته السياسية بهذا المخطط "مخطط بيكر الثاني " كحلاً وسطاً من بين الحلول السابقة, ويعكس "مخطط السلام لتقرير مصير شعب الصحراء الغربية " أو "مخطط بيكر الثاني" عقلية مؤلف تشريع أمريكي جمع فيه ما بين([27]) المخطط المغربي من خلال السيطرة السياسية المغربية على أكبر جزء من الإقليم ولو لفترة محددة والمخطط الصحراوي من جهة أخرى والذي يتمتع، بقوة القانون غير قابلة للنقاش، بحق تقرير المصير, وبالرقم من هذا يمكن إبراز بعض النقاط([28]) التي شابت مخطط بيكر الثاني وخاصة فيما يتعلق بالعملية الإحصائية أي المواطنين الذين يحق لهم التصويت في الاستفتاء كما جاء في الخطة الأخيرة , فأمام إمكانية تنظيم استفتاء حتمي ولا غنى عنه لتقرير المصير شرع المغرب في إدعاء " نفخ " إحصاء المصوتين بإضافة أعدادا من المغاربة إليه ففي سنة 1975 و عندما أرسلت الأمم المتحدة بعثة تقصي الحقائق إلى المنطقة أكد المغرب أن ما بين 30000 و 40000 صحراوي يعيشون في المغرب وموريتانيا كلاجئين فروا من القمع الإسباني و عندما لاحظ الإجماع الصحراوي الملموس على الاستقلال، قرر المغرب مضاعفة عدد من يدعي أنهم "صحراويين" يجب إدماجهم, وقد قدر الحسن الثاني في الرسالة التي بعث بها إلى الأمين العام بتاريخ 15 سبتمبر 1991 أن عددهم يصل إلى 170000 فرد, وأعلن أن المغرب سيشرع في ترحيلهم إلى الصحراء , وقد وضع " مخطط بيكر الثاني" من أجل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الفترة ما قبل الاستفتاء، إحصاءا لمجموع المصوتين يضم فقط كل الأفراد المؤهلين من قبل لجان تحديد الهوية التابعة للأمم المتحدة (86.381) ألف. وإضافة إلى ذلك أقر أنه بالإضافة إلي هؤلاء، سيصوت اللاجئون المسجلون في قائمة العودة المعدة بتاريخ 31 أكتوبر 2000 من قبل المحافظة السامية لغوث اللاجئين وهي القائمة المجهولة من قبل المغرب وكذلك المقيمون بصفة مستمرة في الصحراء حتى 30 ديسمبر 1999في آخر انتخابات تشريعية مغربية يوجد كمقيمين في الإقليم 151696 فرد بما في ذلك 45000 صحراوي معترف بهم كمصوتين من قبل المينورصو وهم يقيمون في الصحراء المحتلة من قبل المغرب, هذا الإحصاء الخاص باستفتاء تقرير المصير يطرح العديد من الشكوك السياسية والقانونية. ويتضح أن الإحصاء الذي أقره " مخطط بيكر الثاني" يميل لصالح المغرب, فهو يتكون من ثلاثة لوائح تتقاطع فيما بينها: لائحة إحصاء الأمم المتحدة، لائحة المقيمين في الصحراء منذ 1999 و لائحة اللاجئين, فلقد تم إعداد اللائحة الأولى خلال مرحلتين. الأولى انتهت في تموز يوليو 1999 وأقرت الأمم المتحدة إحصاء 84.251 مصوت (تم انتقائهم من بين 147.229 ألف مرشح) من بينهم 44.9% 46254 هم مرشحون قدموا من قبل المغرب ويعيشون فيه أو في الإقليم المحتل، 40.1% ( 33.785) هم مرشحون يعيشون في الأراضي المحررة أو مخيمات اللاجئين، و 5% ( 4213) تقدموا في موريتانيا. وبالرغم من أن أغلبية الذين تم انتقاؤهم تقدموا في الإقليم الذي يسيطر عليه المغرب فإن أغلبية الذين تم رفضهم كذلك تتضمن مرشحين قدموا من قبل المغرب أيضا. وقد أنتهي من الإحصاء في ديسمبر 1999 بعد تحديد هوية ما يسمي بالقبائل المتنازع عليها. فمن بين 51220 مرشح تقدموا فإن لجان تحديد الهوية أعلنت 2135 كمصوتين فقط يعيشون كلهم في الصحراء المحتلة. وبالتالي يصبح العدد الإجمالي هو 198.469 ألف مرشح تقدموا للجان تحديد الهوية أعلن أن 86086 هم صحراويون وتم إقصاء 112.083 . وفي نفس الوقت فمن بين الصحراويين 86083 يعيش حوالي 48.389 في المغرب أو في المنطقة التي يراقب , وترتبط الحسابات السياسية بالتقاطع بين اللوائح الثلاثة التي ستؤدي مجتمعة إلي إستفتاء تقرير المصير لأنه يوجد صحراويون معترف بهم كمصوتين (اللائحة الأولى) وهم في نفس الوقت لاجئين ( اللائحة الثالثة) وصحراويون معترف بهم كمصوتين في(اللائحة الأولى) , يقيمون في الصحراء المحتلة من قبل المغرب ( اللائحة الثانية). وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار اللائحتين المعترف بهما سنلاحظ أنه من بين 151.696 ألف من "المقيمين" في الإقليم المحتل من الصحراء فإن 48000 صحراوي معترف بهم كذلك من قبل الأمم المتحدة مما يدل على أن 103000 مستوطن مغربي يمكن أن يصوتوا. و بالتالي و في حالة ما نستثني ما قد ينجم عن لائحة اللاجئين فإننا سنجد أنفسنا أمام حوالي 189000 فرد من بينهم 86000 صحراوي ( 45%) و حوالي 103000 مغربي (55%) . وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن مجموع الأفراد الذين تقدموا أمام لجان تحديد الهوية هو حوالي 198000 فرد و بأن المغرب عرقل الاستفتاء لان الأمم المتحدة تقدر أنه من هذا المجموع فقط حوالي 86000 هم المصوتون فإننا سنلاحظ أن "مخطط بيكر الثاني "أعطي بالضبط للمغرب الإحصاء الذي يريد المغرب نفسه وضعه, غير أنه يتضح أن هذا الأخير يخشى (كما عبر عن ذلك في رده الكتابي على المخطط) أن تتضمن لائحة اللاجئين العديد من الأفراد غير مسجلين في إحصاء الأمم المتحدة لسنة 1999 بشكل يجعل أن لائحة اللاجئين (الغير معروفة) تتحول إلى المصدر الأصلي للتوازن , وهذا ما يفسر إلحاح عمر هلالي([29])، السفير المغربي لدى الأمم المتحدة بجنيف، أمام المحافظة السامية لغوث اللاجئين والذي طالب فيه بقيام الأمم المتحدة " بإحصاء وتسجيل" اللاجئين بصفة أشمل وأدق من اللائحة المعمول بها حاليا. وأدى الضغط المغربي باللجنة التنفيذية للمحافظة إلى المصادقة يوم 3 أكتوبر 2003 على قرار يعترف بأهمية الأنظمة الفعالة وأساليب التسجيل والإحصاء كأساليب للحماية ووسائل لتحديد وتقييم الاحتياجات التغذوية وتوزيع المساعدات الإنسانية, وقانونيا يمكن اعتبار دمج " المقيمين" في إقليم كمصوتين في استفتاء لتقرير المصير، شيئا غير شرعي. ومن المهم الإشارة إلى, أن المغرب لم يعارض هذه النقطة. غير أنه يمكن إبراز عدة انتقادات لها, فمن جهة يجب التذكير بأن محكمة العدل الدولية أقرت بأن السكان المحليين للإقليم هم الذين يشاركون في الاستفتاء وليس"المقيمين" فيه, وقد حددت الأمم المتحدة نفسها عدد السكان "الأصليين" وأقرت سنة 1999 إحصاءا ل" الشعب الصحراوي" الذي يجب أن يمارس حق تقرير المصير. وبالتالي لا يمكنها الآن دعم عكس ما أنجزت هي نفسها. ومن جهة أخرى فإن "الإحصاء" الجديد الذي يقترح جيمس بيكر يعرقل بندا أساسيا أخرا من القانون الدولي([30]). ذلك أن البند الرابع من معاهدة جنيف بتاريخ 12تشرين الأول أكتوبر 1949 المتعلقة بالحماية اللازمة للأشخاص المدنيين خلال فترة الحرب يقر في البند 49 توصية واضحة: " لا يمكن للقوة المحتلة ترحيل أو تحويل جزاء من سكانها المدنيين إلى الإقليم الذي تحتل". وأخيراً وفي حالة ما لم يكن ذلك كافيا فإذا ما كان هؤلاء " المقيمون" المغاربة قد قدموا مع "المسيرة الخضراء" فان مجلس الأمن قد حسم في ذلك الأمر عندما أمر في حينه بسحب من الإقليم كل المشاركين في المسيرة الخضراء, ومن الواضح أن مقترح بيكر يرمي إلى دمج في "الإحصاء الجديد" عددا من المستوطنين تم ترحيلهم من قبل المغرب إلى الإقليم الذي يحتله, كما لا يمكن تقبل تأكيد مثل ذلك الذي قدم المغرب في رده على مقترح بيكر عندما قال أن ما قام به "منصف" ويتماشى مع الممارسة الديمقراطية, لأنه يوجد فرق أساسي في كل ممارسة ديمقراطية وفي ممارسة أي إجراء قانوني بين "المواطنين" وبقية "المقيمين" الذين لا يتمتعون بالمواطنة, ولا يوجد أي بلد في العالم مهما تكن درجة الديمقراطية فيه يمكن لمقيمين أجانب فيه انتخاب مجلسا تأسيسا أو برلمانا عادياً .فهذه الأوجه من المخطط برغم أنه لا يمكن الشك في مخالفتها للشرعية الدولية إلا أنه قد يصعب تجاهلها و يشير القرار 1495 أن المفاوضات بين الأطراف ومع الأمم المتحدة يجب أن تتجه نحو " قبول" النص الموجود و"تطبيقه"، كما أبرز ذلك الأمين العام, غير أنه يتضح أن الباب لم يفتح أمام مفاوضات موجهة نحو تغيير نص المخطط فبقدر ما يصعب من جهة تصحيح نقاط المخطط التي يمكن الشك في شرعيتها، فإنه قد يكون من الصعب على المغرب محاولة " التفاوض من جديد([31])" حول المخطط قصد المحافظة على نقاط أكثر ملائمة له (مبرر قانوني للاحتلال، الإحصاء ومراقبة الإقليم) لاغياً أوجه "أقل ملائمة" (مثل موضوع الفترة الانتقالية، التي يفرض خلالها سلطته على الصحراء الغربية التي من الممكن أن تكون موالية للاستقلال).


فالمفاوضات التي يطالب بها القرار الأممي يجب من جهة أن تتجه نحو ما إذا كانت الأطراف تقبل المخطط، وبعد ذلك "استكماله " لجعله قابلا للتطبيق دون تغيير نصه, ومما أكد عليه قرار مجلس الأمن في جلسته الأخيرة المتعلقة بالنزاع والمنعقدة بتاريخ 28 نيسان/ أبريل/ 2006، التي تبنت المخطط ذاته - مخطط بيكر الثاني - وشدد المجلس في قراره الأخير رقم 1675 في نيسان/ أبريل/ 2006 على كل قراراته السابقة المتعلقة بالنزاع بما فيها القرار 1495 (2003) الصادر31 تموز جويلية، والقرار 1541 (2004) الصادر بـ 29نيسان ابريل بالإضافة إلى القرار 1598 (2005) الصادر يوم 28 نيسان ابريل"، علما بان كل هذه القرارات تؤكد على حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، وقد دعا المجلس أطراف النزاع ودول المنطقة لمواصلة التعاون مع المنظمة الأممية لوضع حد لحالة الجمود الحالية وللتقدم نحو إيجاد حل للنزاع, وأكد على ضرورة إيجاد حل سياسي عادل ودائم، ومقبول من الطرفين، يُمكن شعب الصحراء الغربية من تقرير مصيره ضمن إطار الاتفاقات، الأهداف والمبادئ المتضمنة في ميثاق الأمم المتحدة, كما قرر مجلس الأمن كذلك في قراره الأخير تمديد عهدة البعثة الأممية من اجل تنظيم استفتاء في الصحراء الغربية، المينورصو، لستة أشهر إضافية (إلى غاية 31 تشرين الأول أكتوبر القادم)، وطالب الدول المانحة بسداد مستحقاتها ودعم البرنامج الأممي المتعلق بتبادل الزيارات مابين العوائل الصحراوية الموجودة في المناطق المحتلة, والأخرى بمخيمات اللاجئين الصحراويين. 

الوضعية في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية






بعد اعترافها باستقلال الشعب الصحراوي سنة 1975انسحبت اسبانيا الدولة المستعمرة من الصحراء الغربية بعدما أبرمت اتفاقية مدريد المشئومة مع الدول المجاورة ا لمغرب وموريتانيا والتي بموجبها تم تقسيم شعبنا وخيراته بين البلدين الكن هذه الاتفاقية الغير شرعية لم تعترف بها الأمم المتحدة ولا المجتمع الدولي.


ومنذ ذلك التاريخ واسبانيا تتحمل مسؤولية تاريخية تجاه الشعب الصحراوي كونها تركته وعملية تصفية الاستعمار لم تكتمل مما انجر عنه مأساة الشعب الصحراوي التي لازال يعيشها حتي اليوم.






وقد نحم عن الغزو المغربي – الموريتاني ما يلي:






- تقسيم الشعب الصحراوي إلي قسمين:قسم يعيش ظروف اللجوء القاسية بالمخيمات الصحراوية بالجنوب الجزائري والقسم الآخر يعيش تحت الاحتلال المغربي حيث يعاني من سياسة إبادة ممنهجة تحت تعتيم إعلامي شامل.


- استهداف البدو الرحل وقتل مواشيهم وحرق مساكنهم وتسميم الآبار وتفجيرها وإجبارهم بالقوة على الدخول في المدن المحتلة أو ضواحيها لإحكام السيطرة عليهم. 


- اعتقال مئات الصحراويين وتعرضهم للمعاملات اللاانسانية كرميهم من الطائرات


ود فنهم أحياء في مقابر جماعية او قتلهم تحت التعذيب في السجون المغربية السرية الرهيبة ( قلعة مقونة-اقدز..الخ ¸على يدي الجلادين المغاربة. 






المناطق المحتلة:






ان المناطق المحتلة من الصحراء الغربية هي المنطقة التي تشمل المدن:


العيون – السمارة- الداخلة وبوجدور. 
إن الجماهير الصحراوية التي تعيش في المناطق المحتلة محاصرة من الشمال بالمغرب ومن الغرب بالمحيط الأطلسي ومن الشرق والجنوب الشرقي بالأحزمة الدفاعية المغربة المشهورة والتي هي عبارة:
- حائط رملي ارتفاعه ثلاثة أمتار وعرضه من ثلاث إلى خمسة أمتار.
- تمتد هذه الخطوط الدفاعية العازلة علي مسافة 2700 كم تتمركز بها وتحرسها جميع قوات الجيش المغربي بأصنافها.
- مجهزة بالأسلاك الشائكة وبالألغام المتنوعة كالمضادة للإفراد. 
- توجد بها وسائل رصد متطورة كالرادارات الأرضية والمحمولة علي الطائرات.
لقد تبني المغرب سياسة الأحزمة من اجل إيقاف هجمات الجيش الصحراوي علي القوات المغرية بالمدن المحتلة وجنوب المغرب ومن اجل حصار السكان الصحراويين 
ومنعهم من الاتصال الخارجي لابتلاعهم في المجتمع المغربي .والقضاء علي كل مقومات الشخصية الصحراوية المتميزة.
السكان
إن بنية المجتمع الصحراوي قبل الاحتلال الاسباني كانت بنية قبلية يحكمها مجلس منتحب من الأعيان يدعي مجلس "ايد أربعين"وهو الذي:
- يعلن الحرب والسلم ويعقد الاتفاقيات
- يفض النزاعات ويفرض القانون 
- ويشرف علي توزيع الأراضي والمحاصيل الزراعية 
- تنظيم العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع الصحراوي. 
منذ الوهلة الأولى كان هذا المجلس هدفا رئيسيا للمحتل الاسباني من خلال خلق 
الحلافات بين القبائل وإتباع سياسة"فرق تسد" من اجل السيطرة على السكان .
أما الإدارة المغربية فقد وضعت رمز شخصي لتمييز بطاقات تعريف الصحراويين يتكون من الأحرف الأولي SH للتمكن من مراقبة تحركاتهم سواء في المناطق المحتلة او في جنوب المغرب.






لم يكن الغزو المغربي عسكريا وإداريا فقط بل اغدق المناطق الصحراوية المحتلة بالآلاف من المستوطنين المغاربة الذين جاءوا مع المسيرة السوداء سنة 1975 او قدموا فيما بعد للمشاركة في إحصاء تحديد هوية الناخبين في الاستفتاء الئ نظمته لجنة تجديد الهوية التابعة للمينورسو. 


نظمت الإدارة المغربية إحصاء انتحابي بالمناطق المحتلة سنة 2002


توصلت فيه الي ان عدد سكان المدن الكبري:


- العيون: 217.000


- السمارة:48.000


الداخلة:52.000 

الوضع السياسي:
- في نهاية الستينات بدأت الحركة الوطنية الصحراوية في نشر الوعي في أوساط الجماهير مما نتج عنه في 10ماي 1973ميلا د الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب الممثل الوحيد للشعب الصحراوي.


- 12اكتوبر 1975 نظمت البوليساريو ندوة الوحدة الوطنية الصحراوية رغم كل تهديدات الضم المغربية – الموريتانية. التي تقرر فيها توحيد كل القوي الوطنية تحت قيادة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب من اجل الدفاع عن الوطن.


- وخلال32 سنة من الاحتلال حاول المغرب استعمال نفس طرق التفرقة مع المجتمع الصحراوي للنيل من وحدته وتمرير مشاريعه التوسعية والدفاع عنها, بتوظيفه للخونة وأغنياء الحرب وبعض الأعيان و أخيرا مايسمي بأعضاء" الكوركاس".
إن الاحتلال في حد ذاته خلق وضعية استثنائية عامة ودائمة من اجل شل كل تطور اجتماعي- ثقافي واقتصادي للمجتمع الصحراوي وسنتطرق فيما يلي إلى أهم المحطات في تاريخ مواجهة الاحتلال بالمناطق المحتلة: 
1975-1976 : اختطاف الآلاف من المواطنين و الزج بالبعض منهم فى المخابئ السرية ( عرفوا فيما بعد بمعتقلي اكدز , مكونة ,الريش, اسكورة ) و فرض الحصار على المدن و المد اشر و إدخال المواطنين من البوادي بشكل تعسفي بعد قتل مواشيهم و هدم أبار المياه و انتهاج سياسة الأرض المحروقة. 

1977: تقديم مجموعة من الطلبة الصحراويين لمحاكمة عسكرية لانهم اعلنوا عن انتمائهم للبوليساريو, تلك المجموعة التى أطلق عليها اسم مجموعة 26.


1980-1984: شاهدت المنطقة المحتلة و جنوب المغرب سلسلة اعتقالات متفرقة فى صفوف المناضلين الرافضين للغزو و الاحتلال.


1987: مظاهرة بالعيون المحتلة ابان زيارة بعثة الامم المتحدة تم على اثرها اعتقال مجموعة من المناضلين و المناضلات فى البيسى سيمى سميت بمجموعة البعثة.


1991: إطلاق سراح مجوعة المعتقلين السياسيين المشهورة تحت الضغط الدولي ( قلعة مكونة و البسى سيمى)


1992: انتفاضة أسا و التى تمت مواجهتها بالرصاص من طرف اجهزة القمع و اعتقال مجموعة من المناضلين.


1992: اعتقال مجموعة من المناضلين وتقديمهم للمحاكمة العسكرية و التى سميت مجموعة كلثوم الونات و على اثر ذالك تم توقيف تحديد الهوية حتى اطلاق سراحهم.


1993: اعتقال مجموعة من المناضلين كانوا فى طريقهم للاتحاق بالجبهة.


1995: اعتقال مجموعة اخرى من المناضلين بالعيون المحتلة و تم تقديمهم للمحاكمة العسكرية.


1998: انتفاضة لمسييد التى تم خلالها اعتقال العشرات من المواطنين.


1999: انتفاضة العيون التى شهدت مصادمات دامية بين المواطنين الصحراويين العزل و اجهزة القمع المغربية التى استعانت بمليشيات من المستوطنين المغاربة.


2000: شهدت سلسلة اعتقالات فى صفوف الطلبة و الشباب فى العيون و الرباط و مراكش.


2001: شهدت مظاهرات بمدينة السمارة المحتلة تم على إثرها اعتقال العديد من المناضلين.


ونتيجة لتراكمات المحطات السابقة الذكر والسياسة المتبعة من ظرف المحتل والتي تهدف إلى إقصاء وتجهيل ومنع الصحراويين من الدفاع عن حقوقهم المشروعة تشكلت تنظيمات سرية وعلنية لتصعيد وتيرة المواجهة مع المحتل فى المراحل القادمة.






التنظيم السياسى السري


- لقد شهد تطورا نوعيا خلال العقد الأخير على مستوى التأطير والانتشار بسبب الوضعية الراهنة نتيجة لاشتعال فتيل انتفاضة الاستقلال منذ 2001


فمنذ 2003 إلي الان تم بسط فروع التنظيم السياسي في بعض المدن وتكوين نواة تنظيمية من مجموعة خلايا في مدن أخرى من امحاميد الغزلان شمالا الى مدينة الداخلة جنوبا.


وبموازاة ذلك فقد عرفت اتنظيمات فيضا كبيرا من الانتساب من طرف التلاميد و الطلبة, تأطرت خلاله أعداد كبيرة من الشبان والشابات. 






الحــــــقوقي العلنى






ان المجال الحقوقى يعد فى حد ذاته الواجهة السياسية العلنية فى مواجهة الاحتلال و تجلت سماته الاولى على شكل عمل فردي يتعلق الامر خاصة بالضحايا في وقت اعلنت فيه الدولة المغربية عن انشاء ما اسمته المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، بيد ان التشكيل المنظم الذي يهدف الى الدفاع عن حقوق ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان التي تمارسها الدولة المغربية بالصحراء الغربية لم يظهر الا في النصف الاخير من عقد التسعينيات مع لجنة التنسيق المنتدبة عن الضحايا ولجان عمل محلية باسا و العيون والسمارة . اما العقد الحالي فقد عرف انشاء فرع منتدى الحقيقة والانصاف بالعيون والذي تم التضييق عليه نتيجة العملية


الاشعاعية والنضالية التي اطرها بل والزج بمناضليه الحقوقيين في السجون وفي الاخير حرمانهم من النشاط واغلاق مقر فرع المنتدى سنة 2003.


وقد عرفت الساحة الحقوقية ميلاد عدد كبير من المكونات المختصة في الدفاع عن حقوق الانسان منذ المؤتمر الحادى عشر منها: الجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان بالصحراء الغربية المرتكبة من طرف الدولة المغربية وتجمُع المدافعين الصحراويين عن حوق الانسان ولجنة الدفاع عن تقرير المصير ولجنة عائلات المفقودين ومجهولي المصير ولجنة مناهضة التعذيب بالداخلة واللجنة الصحراوية للدفاع عن حقوق الانسان بالسمارة ولجنة حماية السجناء ولحنة الدفاع عن مخطط التسوية الاممي وحماية الثروات ولجنة عائلات الشهداء ولجان ضحايا الالغام وبعض المكونات النقابية والمعطلين.










انتفاضة الاستقلال:






- إن مرور20سنة على توقيف إطلاق النار و عجز الأمم المتحدة عن فرض مقرراتها و تراجع النظام المغربي الغازي عن التزاماته و محاولة التفافه على الشرعية الدولية وتكريس الواقع الاستعماري. استوجب الانتقال من وضعية الانتظار و مواجهة إدارة الاحتلال و الجهر بالمطالب الوطنية و فى مقدمتها تقرير المصير الاستقلال.


-فقد كان لمناضلي الجبهة في المدن المحتلة و جنوب المغرب الخروج الى العلنية من خلال تنظيم الوقفات الجماهيرية إبان إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وفى محطات استقبالية او تضامنية اخرى ، كما تم تنظيم الإضرابات والاعتصام وتخليد الذكريات الوطنية السياسية والحقوقية والنقابية كمرحلة تحضيرية لتعبئة وتثقيف الجماهير وتأطيرها.






- وفي هذا الخضم شكلت الانتفاضة الجماهيرية تحولا استراتيجييا في اساليب مقاومة الاحتلال وحدثا بارزا تزامن مع ذكرى ميلاد الجبهة الشعبية و انطلاقة الكفاح المسلح و مثلت الصدمة التي زعزعت فرائص النظام المغربي الغازي والتي اربكت كل حساباته وجعلته ينتهج مواقف الرد التصادمية التي سبق وان عمل على تفاديها خلال العديد من السنوات نظرا لخطورة ما يمكن ان يترتب عنها من انعكاسات سلبية على سياسة الضم والابتلاع.






- ومما ميز انتفاضة الاستقلال التي اندلعت منذ 21 ماي 2005 عن كل المراحل النضالية التي سبقتها في مناهضة الاحتلال هو طابعها الشمولي الذي اكتسح جميع تواجدات الجسم الصحراوي من المدن المحتلة الى جنوب المغرب ثم المواقع الجامعية.


الى جانب الاستمرارية بدخولها سنتها الخامسة وانتشارها في كل المدن والمداشر الصحراوية من خلال المظاهرات والوقفات الاحتجاجية والاضرابات عن الطعام والمسيرات والحلقات ورفع الإعلام الوطنية وتوزيع المناشير والملصقات والكتابة على الجدران واستقبال الوفود الصحفية والسياسية والحقوقية والمقابلات ومقارعة العدو بمختلف الطرق والوسائل السلمية والحضارية.






ان الدور الطلائعي الذي لعِبه المناضلون والمناضلات على المستوى السياسي والحقوقي والنقابي والإعلامي بالإضافة الى تعليمات وتوجيه ومتابعة القيادة الوطنية كان له الدور الفعال والحاسم في اتخاذ الانتفاضة طابعها السلمي والحضاري وتحاشي الانزلاقات والخروقات التي لاتتماشى مع التوجهات المرحلية.


وقد اتسمت المفارز الشبانية المقدامة التي تخوض النضالات السلمية اليومية المتواصلة بروح نضالية عالية مملوءة بالاقدام على التضحية من جهة وضبط النفس أمام ما كابدوه من عمليات التعذيب والتنكيل الممنهجة بايدي الترسانة الامنية التي استقدمتها ادارة الاحتلال لمواجهة الانتفاضة من جهة اخرى.


وقد تفوق الحصائل التقديرية الآلاف من المناضلين والمناضلات الذين تعرضوا للاختطاف والتعذيب وما خلف ذلك الفعل الهمجي من حالات استشهاد وجرح وإعاقات مستديمة بالاضافة الى مئات المعتقلين السياسيين في مراحل متفاوتة ومئات انتهاكات حرمات المنازل وتعذيب العائلات بكاملها وتحطيم كل ممتلكاتها ومارافق ذلك من اغتصاب وسرقة خبيثة تترجم الكراهية والبغض اللامتناهي وفشل وارتباك الغزاة. 


ومن خلال الانتفاضة قد برهنت جماهير شعبنا في الداخل وفي مقدمتها الشريحة الشبانية والاجيال الصاعدة انها الاحتياط الذي لاينضب من خلال تضحياتها يوم امس وعطائها اليوم واستعدادها للتضحية يوم الغد ترجمة للعهد وللوعي السياسي العميق والتشبث بالاهداف الوطنية المقدسة المتمثلة في الحرية والاستقلال ضداعلى الروح الانهزامية والتشاؤم والقنوط والسقوط في متاهات بعيدة عنه خدمة الاهداف وفتح الاذان للدعاية المغرضة والحرب النفسية التي تشنها اجهزة العدو الاستخباراتية وشكلت زلزالا على الردة و الخيانة.


ان الانتفاضة شكلت ظفرة نوعية غطت كل مساحات تواجد الصحراويين بخطاب معمم و موحد وواضح المطالب, فلا يكاد طفل صغير يتعلم نطق حرفه الاولى حتى يركب نطق لابديل لابديل عن تقرير المصير أما اطفال المدارس و الاعداديات فأثروا رسم لوحة العلم الوطنى على الكراسات و الكتب و على الجدران و على الطاولات و التظاهر بلاعلام و الشعارات خارج و داخل المؤسسات التعليمية عوضا عن صور ابطال الديجيطال و الكرطون التى لا تستهويهم و فى عقول الكبار من الذكور و الاناث احساس عارم بان القضية الوطنية قد قفزت فى وقت وجيز الى مقدمة اهتمامات المواطن الصحراوي تحت السيطرة و الاحتلال و قوت تشبثه بالحرية و الاستقلال.


الخاتمة:


- نطالب بإطلاق صراح كل المعتقلين السياسيين الصحراويين وحضور دولي لمحاكماتهم.


- نطالب بسجب كافة وحدات القمع المسلحة المنتشرة في المناطق المحتلة


- ندعو الى رفع الحصار الإعلامي والامنى والسماح بدخول وفود الملاحظين الدوليين


- نطالب بالكشف عن مصير المفقودين الصحراويين ودعم الدعوة القضائية المرفوعة ضد مسئولين عسكريين ومدنيين مغاربة.


- نطالب بتنظيم استفتاء تقرير مصير للشعب الصحراوي لإنهاء معاناته الطويلة وتقسيمه بجدار الذل والعار المغربي,


- إيقاف نهب استقلال ثروات الشعب الصحراوي.


- توسيع صلاحيات البعثة الأممية لتسهيل حماية المواطنين الصحراويين.





الصحراء الغربية: 1975 – 2005: تبدل متغيرات نزاع محاصر






نشرة معهد "إيلكانو الملكي": رقم 2005/40 - تحليل (ترجمة مصطفى محمد الأمين)


كارلوس ميغيل رويث (30/03/2005) 






الموضوع: رغم أن الوضع في الصحراء الغربية يبدو متشابها مع ما كان عليه قبل 30 سنة، لكن التغيرات التي حدثت جد هامة، سواء على المستوى الذاتي لطرفي النزاع (المغرب وجبهة البوليساريو) أو على مستوى القوى الدولية الرئيسية.






خلاصة: لفهم الحصار الحالي الذي يعاني منه حل نزاع الصحراء الغربية قد يكون من المفيد القيام بتحليل مقارن بين الوضع في 1975 مع الواقع الحالي، ومن هناك يمكننا تكوين فكرة حول إمكانية تطور النزاع انطلاقا مما يواجهه من حصار.






كما سنرى، عرفت المواقف سواء المغربية أو الصحراوية تغيرات، وفي كلتا الحالتين كان البعض منها أفضل مما هو مؤمل والآخر أسوأ. والنتيجة النهائية هي صراع استنزاف سياسي قد تكون نهايته ليست بانتصار أحد الطرفين وإنما بهزيمة الآخر. 






التحليل: عند التوقيع على اتفاقية مدريد في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 1975، كان وضع الصحراويين بمثابة عزلة شبه تامة.


ولنحاول استعادة الأحداث في الساحة الدولية على مستوى السياسات المغربية، والصحراوية، والإسبانية. 






تنبني استراتيجية العلاقات الدولية في ذلك الوقت على مفاهيم "الحرب الباردة" بين الشرق والغرب، مع مجموعة غير منحازة تحاول تحقيق درجة من الفعالية والتأثير، ولم يكن للصحراويين أي سند أو محام بارز في السياسة الدولية آنذاك، بينما توفرت المكانة الجيدة للمغرب في هذه الساحة لأنه أدرك كيف يلعب بكل أوراقه بطريقة حافظ بها على علاقات حسنة مع القطب السوفياتي (كما سنرى لاحقاً) في نفس الوقت الذي كان يؤدي دوراً "غربيا". 






أما على مستوى العالم الغربي فسنجد تلاقي مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا. وبما أن الأولى (الولايات المتحدة) لم يكن لها وجود محدد في المغرب العربي، لم يكن يهمها سوى أن لا تقع المنطقة في قبضة نظام موال للسوفييت، ولذلك، بناء على واقعية "كيسنجرية" كانت مستعدة للقيام بأي شيء. في حين كانت فرنسا تعنى بتوسيع دائرة نفوذها في المغرب العربي على حساب الجزائر مستعمرتها السابقة التي قاومت باستمرار التبعية للدولة المستعمِرة، وكذلك على حساب إسبانيا. هذا هو العنصر التوضيحي الأول لسبب تسليم المنطقة للمغرب: توافق استراتيجي أمريكي ـ فرنسي على أن لا تخرج الصحراء من الفلك "الغربي"، والقوة الغربية الوحيدة القادرة على تحقيق ذلك هي فرنسا.






أما الاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية عامة، أو ما كان يعرف بالنواة الصلبة للفضاء الشيوعي (حلف وارسو) فقد بقي "محايدا" أمام حيازة المغرب للإقليم. وهنا يجب ان لا يستهان بالحملة التي قادها علي يعته، الأمين العام السابق للحزب الشيوعي المغربي، حليف الحسن الثاني. حيث قام يعته بجولة في أوروبا الشرقية بهدف منع أي معارضة محتملة قد تصدر من تلك البلدان، وقد حقق ذلك بالفعل. لأن بلدان حلف وارسو امتنعت عن التصويت الذي جري في كانون الأول/ ديسمبر 1975 حول قضية الصحراء الغربية في الجمعية العامة للأمم المتحدة. 






لكن إلى جانب الكتلتين الكبيرتين كانت توجد في ذلك الوقت مجموعة عدم الانحياز الصاعدة التي وإن لم تبرز بشكل عام، لأنها تتشكل من ليبراليين وديمقراطيين بالضبط، ولذلك لم يصطفوا دائما إلى جانب الاتحاد السوفياتي. في تلك الحركة يناضل بلدان جاران هما الجزائر وليبيا: وهذين البلدين هما من منعا عزل الصحراويين على المستوى الدولي. واليوم ينوّه في العلن عن الدعم الجزائري لجبهة البوليساريو، لكن الحقيقة هي أن الدعم الليبي طيلة استمراره (حتى 1984/1985) شكل السند الأهم اقتصاديا وعسكريا، لأن ليبيا هي التي فتحت خطا تمويليا غير محدود لجبهة البوليساريو، مما مكن الأخيرة من ابتياع السلاح المتطور من الأسواق التي لم تكن ممنوعة عليها (البلدان الشرقية). ومنذ 1984 بقي الدعم الأهم للصحراويين جزائريا، لأنه في ذلك التاريخ (تم توقيع اتفاق "وجدة" بين المغرب وليبيا) استطاع الملك الحسن الثاني بمهارة دبلوماسية قطع الدعم الليبي عن جبهة البوليساريو، وحتى بعد أن أدان الملك اتفاق وجدة في 1986 لم تعد ليبيا لدعم جبهة البوليساريو كما في السابق. 






أما على المستوى الداخلي المغربي فقد تمت عملية الضم بصورة سلسة نسبياً، لأنه في الوقت الذي قام المغرب بضم الصحراء كان يستخدم يدا من حديد ضد المعارضة، وهو ما سمي بسنوات "الرصاص". وهذا أرهب أو قمع كل المواقف المخالفة. وفي هذا الإطار لم تعرف السياسة المغربية في الصحراء الغربية أي معارضة، لا في المغرب ولا في الأراضي الصحراوية المحتلة. وقد كان الصحراويون منظمين في إطار الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (الإقليمين الشمالي والجنوبي من الصحراء الغربية). وقد وجدت الجبهة نفسها أمام تحد كبير: فمن جهة عليها التصدي لجيشين يفوقانها 12 مرة في العدد (الموريتاني حتى 1979، والمغربي)، ومن جهة أخرى، عليها تنظيم قاعدة خلفية في ظروف حياتية قاسية. 






صحيح أن الجبهة كان لها دعم ليبي مالي وعسكري مفتوح، لكن الأكثر صحة (باستثناء حادثة آمغالا في بداية 1976) هو أن كل العناصر التي واجهت المغاربة والموريتانيين في ساحة المعركة كانوا صحراويين، وقد حققوا نجاحا غير منتظر حتى بناء الأحزمة الدفاعية في سنة 1981، إلا أن الأحزمة الدفاعية سببت في فقدان جبهة البوليساريو لسيطرتها على معظم الأراضي، ومنعتها من الوصول إلى العصب الحساس المتمثل في الشواطئ التي هي قلب النشاط الاقتصادي المتنامي. 






لقد أضعف بناء الأحزمة الدفاعية قدرة الجيش الصحراوي التدميرية ومكن المغرب من توطيد نفوذه في المناطق الاقتصادية الأكثر حيوية، حيث جعلتها الأحزمة عصية على الهجمات البوليسارية.






وفي نفس الوقت الذي كانت تدور فيه رحى المعركة الحربية، قامت النساء ببناء دولة. فقد تمكنت جبهة البوليساريو من إرساء قواعد دولة من أحسن الدول الإفريقية وأكثرها تنظيما وفاعلية. حيث استطاعت بقليل القليل من الإمكانيات محو الأمية بنسبة تقارب 100% 100 وتوفير العناية الصحية الأساسية للمواطنين. هذه المهمة أنجزها شباب مكافح مفعم بالأفكار الثورية، ويشعر بأنه جرد من كل شيء لكن لديه كل أسباب النصر. 


كانت إسبانيا في حالة صدمة. وبالرغم من أن رئاسة الحكومة (آرياس نافارّو) وقيادة الأركان العامة للجيش كانوا يتولون رعاية تسليم المنطقة للمغرب، فقد حاول وزير الخارجية والجيش المتواجد في الصحراء ما استطاعوا لمنع ذلك التنصل. حيث دافع وزير الخارجية الإسبانية بنجاح عن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي. 


وقد اعترفت محكمة لاهاي في 16 تشرين أول/ أكتوبر للشعب الصحراوي بحقه في تقرير المصير، واعتبرت أن الصحراء الغربية لم تشكل جزءا من " الوحدة الترابية" للمغرب. ومازال ذلك الحكم حتى يومنا هذا يشكل العنوان الشرعي الذي يمنع المحاولات المغربية. وقد ذهبت الحكومات اللاحقة (سواريث، كالبو سوتيلّو، غونثاليث، وآثنار) في سياسة قريبة نسبيا من المغرب (غونثاليث) أو من جبهة البوليساريو (آثنار)، لكن مع التمسك بدعم مبدأ الشرعية الدولية المعمول بها وحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. 


ويمكن تعريف الوضع الحالي بالرفض المغربي الصريح (رسميا في نيسان/ إبريل 2004) لقبول وتطبيق "مخطط بيكر الثاني" كما سلم للطرفين. وهناك بعض الأحداث في السياسة الدولية والسياسة المغاربية والسياسة الإسبانية التي قد توضح ذلك، لكنها في نفس الوقت تحدد هذه المرحلة الجديدة التي قد يصعب التنبؤ بنهايتها. 






أما الحدث السياسي الأبرز في الظرف الحالي فهو أن العلاقات الدولية أصبحت لا تحدد انطلاقا من التعارض "الشرق ـ الغرب" وإنما "الجهادية ـ الديمقراطية"، وتاريخ بداية هذا المسلسل كما هو معروف، هو يوم 11 أيلول/ سبتمبر 2001. وقد أدى تطور هذه الاستراتيجية إلى تصدع في الجبهة التي كانت تعرف "بالغرب" بسبب الاختلافات التكتيكية والاستراتيجية (الغرب ضد الغرب: كما أسماها آندري غلوكسمان). تلك التصدعات ظهرت أمثلتها في التعارض الأمريكي الفرنسي. حيث حاولت فرنسا تطوير سياسة استبعاد التوتر مع البلدان الإسلامية مترجمة ذلك "بترك الأنظمة العربية ـ الإسلامية (يفعلون ما يشاءون سياسيا" وتطوير العلاقات الاقتصادية معهم، بينما اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة "المواجهة" مع الأنظمة والجماعات الإسلامية أو ذات التوجه الإسلامي، مترجمة ذلك بمنع الأنظمة الاستبدادية "من الفعل سياسيا" حتى على حساب "ترك الفعل الاقتصادي معهم"، والحقيقة، هي أنه على عكس السياسة الخارجية الفرنسية التي لا ترى أهمية دمقرطة البلدان العربية داخليا، فإن السياسة الخارجية الأمريكية المدفوعة من قبل بوش تعتبر أن هذه القضية جوهرية على الإطلاق، لأنها تعتبر أن الديمقراطية (مع احترام حقوق الإنسان والتجارة الحرة) فقط، هي التي تمكن من الوقاية من مخاطر التطرف الإسلامي وسلاحه الرئيسي المتمثل في الإرهاب، وتحول المغرب العربي إلى ساحة لهذا الصراع، فالجزائر التي فقدت وزنها الدولي بعد تلاشي حركة "عدم الانحياز" بدأت تتقرب من الولايات المتحدة الأمريكية بشكل محسوس دون ان يمنعها ذلك من "مغازلة" فرنسا في انتظار استدراك مناسب.


وقد لعبت الجزائر بالأساس بورقتين، حيث تتقدم على أنها واحد من أهم مصادر النفط "الآمنة" البديلة عن تلك غير "الآمنة" في الخليج، ومن جهة أخرى هي بلد عاش وبشكل مباشر مسلسل القضاء على التطرف الإسلامي بسلاح الديمقراطية، وبالفعل، فإن الجزائر ربما هي البلد المغاربي الوحيد الذي شهد عمليات انتخابية بدون تدخل من السلطة، وبذلك هي ربما البلد المغاربي الوحيد الذي لن يتمكن المتطرفون الأصوليون من الوصول إلى السلطة فيه، على عكس المغرب الذي وإن كان عرف دمقرطة بعض مناحي الحياة فيه، لكنه يشهد تراجعا في جوانب أخرى عما كان قد توصل إليه في السنوات الأخيرة من حكم الحسن الثاني. 


رغم أنه قد حقق فعليا بعض التجارب المهمة مثل، تعديل مدونة العائلة وإطلاق لجنة المصالحة والإنصاف لكن الترجمة العملية لمفاهيم المدونة العائلية الجديدة ناقصة ونظام التعويض والجلسات العامة التي عقدتها لجنة المصالحة والإنصاف أدت إلى انعدام الرضا، يضاف إلى ذلك تمركز صلاحيات كانت لجهات اقتصادية في يد وزارة الداخلية (التي تتبع بشكل مباشر للملك). والواقع أن الدبلوماسية الغربية باتت تتخوف من إمكانية فوز الإسلاميين في المغرب.






أمام هذه الاحتمالات تبدو المواقف الأمريكية والفرنسية مختلفة، ويحاول المغرب الذي عرف كيف يجد توازنا بين مصالح "الشرق والغرب" في 1975، أن يفعل ذلك مجددا بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية. لكن الأمر الان صعب جداً في ظل الاستراتيجية الأمريكية الجديدة المناهضة للإسلاميين، كما أن الجزائر تحولت إلى منافس حيث لم تكن كذلك في 1975. 






وبالإضافة إلى اللاعبين الرئيسيين اللذين هما الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا يوجد آخرون بمستوى أصغر لكن ليس من حيث الأهمية، مثل روسيا والصين. وقد أخلت الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا المجال لدور روسيا عندما رفضتا بيع السلاح للجزائر خلال حربها الأهلية تخوفا من وقوعه في يد الإسلاميين في حالة انتصارهم، وأمام الرفض الفرنسي الأمريكي وجدت روسيا سوقا جيدا لبيع أسلحتها للجزائر. هذه العلاقة الاقتصادية مضافة إلى عامل تصدير النفط المشترك بينهما، تعطي لروسيا دورا نسبيا في المغرب العربي، حيث وقفت إلى جانب الجزائر (صوتت لصالح المقترح الجزائري لحل قضية الصحراء الغربية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول/ ديسمبر 2004). كما أن الصين تمتاز بحضور متنام في إفريقيا، وبالخصوص في البلدان المنتجة للنفط، محاولة بذلك تغطية العجز الصيني الخطير في مجال الطاقة للمحافظة على المستوى المبهر لنموها الاقتصادي، وهذا يفسر تدخل الصين في الأزمة السودانية، كما أنه يوضح بعض التقرب الحاصل مع الجزائر، وإن لم يحل دون التردد في قضية الصحراء لأنها إذا كانت في خريف 2004 قد صوتت لصالح المقترح الجزائري في اللجنة الرابعة فإنها ـ الصين ـ قررت الامتناع عن التصويت في الجمعية العامة.


وكما سبق التنويه: يمر المغرب الآن بظرف سياسي خطير، يتميز بصعوبة العلاقات بين الملك والأحزاب السياسية "التقليدية" والمجتمع.


وأمام تحدي الدمقرطة يروج لبعض الصيغ، حتى وإن كانت لا تقضي بتنازل الملك عن بعض سلطاته. لكن عدم تأطير بعض المطالب الاجتماعية ضمن القنوات السياسية القائمة قد يسبب في إعادة توجيهها إلى أخرى موازية، مثل هيئات المجتمع المدني التي بدأت تطفو على السطح أو الحركة الإسلامية، وهذا المسلسل قد يضر بشعبية الملك، مع ما قد يترتب عن ذلك من مس باستقرار نظام سياسي يدور حول شخصيته.





ويبدو ذلك جليا في الأراضي الصحراوية الواقعة تحت السيطرة المغربية. حيث أول ما يثير الانتباه، وبغرابة، هو أن المجتمع المدني لهذه المناطق بعيد كل البعد عن موجة التحرك الإسلامي التي تغزو المغرب (وهذه خصوصية أخرى)، في حين نجد تلك الموجة منتشرة بين صفوف القوات المغربية المتواجدة هناك. وهذا يعني أن سكان الإقليم بالإضافة إلى القنوات الموجودة حتى الآن (قنوات قبلية بالأساس، حيث يصطف بعض الزعامات الصحراوية إلى جانب المغرب)، يقومون بتأطير مطامحهم ضمن أقنية أخرى خارج إطار المخزن (الأخطبوط السياسي الإداري الزبائني الذي ترتكز عليه السلطة في المغرب) عبر هيئات آخذة في الصعود والانتشار، ولذلك وجهان، فمن جهة، من الإيجابي أن يتجه المجتمع المدني نحو الترتيب والتنظيم، لكن من الجهة الأخرى، هناك الانشغال بعدم قدرة أحزاب وأدوات النظام (المخزن) بالقيام بهذه المهمة، لاسيما إذا صودق في الأخير على قانون الأحزاب السياسية الذي هو على طاولة البحث الآن، والذي يمنع قيام الأحزاب على أساس جهوي أو عرقي أو ديني، وسيضع قانون الأحزاب هذا الألغام تحت مصداقية إمكانية قيام "حكم ذاتي" في الصحراء الغربية. لأنه إذا لم يسمح المغرب بقيام حكم ذاتي ذا مصداقية ولم يسمح بتكوين أحزاب سياسية صحراوية فكل ما سيحصده هو زيادة ابتعاد السكان عن النظام. وسينتج عن ذلك نوع من انعدام الاستقرار السياسي الذي إذا لم يجد إطارا سياسيا للتعبير قد يتجه إلى العنف. 
علاوة على كل ما سبق يجب أن نضيف عاملا آخر رغم أنه ليس بالجديد كلياً، لكنه تفاقم منذ 1975. عندما حاز المغرب الصحراء الغربية في 1975، كان عليه أن يواجه عدة انتفاضات تمردية (في 1958 و 1972) في الأراضي الصحراوية المسلمة للمغرب في 1912 (منطقة طرفاية) لكنها لم تكن منظمة بشكل كاف، وقد عادت تلك الحركات المتمردة للظهور، وهي مرتبة بالمطالب العامة لجبهة البوليساريو. 
هذه الظواهر المنوه عنها تأخذ أهميتها الخاصة انطلاقا من المراهنة الجذرية على الضم التي تبناها الملك محمد السادس أمام الأمم المتحدة، رافضا قبول أي خيار آخر. وبذلك يكون الملك محمد السادس قد أقدم على خطوة لم يتجرأ عليها حتى أباه الملك الحسن الثاني، عندما رفض مباشرة (وليس بالوسائل غير المباشرة كما كان يفعل أبوه) حق الصحراويين في تقرير المصير. هذا الرهان الذي قد يصنف "بالشجاع" في (حالة نجاحه)، و "بالخطير" (إذا فشل)، يحمل في طياته حسابات فيها أكثر من رأي. لأنه حتى إن استطاع الملك محمد السادس أن يحصل على التأييد الدولي للضم، فإن انتصاره سيبقى محدودا على الحفاظ على نظامه الحالي دون أن يعني ذلك إيقاف المد الأصولي (فالضم ليس سوى هزيمة شعب مسلم آخر ـ وهنا الفرق مع 1975 عندما كان القرآن في اليد لطرد الإسبان وليس المسلمين ـ) أو الحد من المطالبات بالدمقرطة. أما إذا فشل الملك محمد السادس في رهانه، فإن ذلك قد يعني الانتقاص من سمعته وسيواجه تقليصا في سلطاته لصالح الحركات الإسلامية أو الداعية إلى الديمقراطية، وستكون الحجة الرئيسية لهؤلاء هي: "لو كنا بنينا ديمقراطية في الصحراء ما كنا خسرناها". لذلك أظن أن الملك محمد السادس كان سيخاطر بشكل أقل لو كان راهن على " مخطط بيكر الثاني " الذي يصر على تجنبه. 


لماذا سيكون مخطط بيكر الثاني أكثر ملاءمة للملك محمد السادس؟ لعدة أسباب. الأول، سيمكنه من اكتساب الاحترام الدولي بحل النزاع طبقا لما تقره الأمم المتحدة، وذلك سيحقق له الكثير من أهداف سياسته الخارجية، والتي من بينها وقد يكون من أهمها الحصول على شراكة مميزة مع الاتحاد الأوروبي، مما سينعكس بتحسن اقتصادي واجتماعي محسوس على مستوى المغرب. السبب الثاني: سيمكنه من أخذ زمام المبادرة في عملية بناء الجهوية والديمقراطية التي يشترطها "مخطط بيكر الثاني"، لأنه بدون دعم دولي لنزاع الصحراء سيكون من الصعب الحصول على امتياز أوروبي، كما أنه بدون جهوية وديمقراطية قد يتدهور الوضع السياسي نحو الأسوأ.
أما الصحراويين فإنهم كذلك يوجدون في حالة جد حساسة. حيث نجد أن باب الحرب شبه مغلق أمام جبهة البوليساريو، لأنه عندما فقدت الدعم المالي الليبي لم يبق لها إلا الدعم الجزائري. ويبدو أن الجزائر لا تدعم استئناف الحرب في الوقت الراهن. إلا إذا حصل تدخل ـ وهو أمر مستبعد ـ من قوة أخرى (الصين أو جنوب إفريقيا) فإن ذلك قد يعني العودة إلى الحرب حتى وإن لم توافق الجزائر. وبما أن الخيار العسكري محاصر، ولم بق سوى خياري الدبلوماسية والقانون، وفي هذين المجالين تبدو الجبهة أقل نشاطا وحيوية، فالدبلوماسية الصحراوية التي عرفت بنشاطها قديما، توجد الآن في حالة دفاع أمام المبادرات المغربية بشكل عام. هذه الظاهرة تتفاقم في روافدها القانونية، حيث لا تملك الجبهة مبادرات قانونية، سواء في المنتديات القانونية الدولية العامة، أو في المنتديات القانونية الوطنية الخاصة. ونتيجة لذلك يلمس تقدم مغربي بطيء ولكنه متواصل ضد المبدأ القانوني الدولي المقر في 1975 من قبل محكمة العدل الدولية في لاهاي . 


وقد مثل التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 من كانون الأول/ ديسمبر 2004 الظرف المأساوي لذلك، حيث لم تصوت سوى 50 دولة (من بينهم روسيا) لصالح حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير في حين امتنعت 100 دولة (بمعنى أبدو عدم الاكتراث بحق الصحراويين أو المطالب المغربية)، وآخرون تعيبوا عن الجلسات حتى لا يجبروا على التصويت، لكن يبدو أن تراجع البوليساريو يحصل بالتوازي مع تنامي حركة صحراوية في الأراضي التي يحتلها المغرب وفي تلك التي عُينت له في 1912. والحدث السياسي المهم في كل ما قيل هو أن ثقل الصحراويين السياسي بدأ ينزاح تدريجيا في اتجاه جمعيات وزعماء في المناطق المحتلة عام 1975 والمعينة في 1912. 


وفي هذا الإطار نجد أن الدور الإسباني بالغ الأهمية، بيد أن مسؤوليتاها استثنائية كذلك، لما لها من تأثير في هذه الساحة بصفتها المستعمِرة السابقة التي ما تزال مسؤولة ـ قائمة على الإدارة ـ (حسب فتوى السيد كوريل مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية في 29 كانون الثاني/ يناير 2002)، والكثير من بلدان المجتمع الدولي يعيرون أهمية خاصة لموقفها في النزاع لتحديد مواقفهم منه، وهذا هو ما يحصل مثلا مع معظم الدول الإسبانو ـ أمريكية (بلدان أمريكا الجنوبية) والاتحاد الأوروبي.
وقد توطد موقف الحكومة الحالية عبر مراحل متتالية، حيث تكلم الرئيس (حوار مع جريدة الموندو الإسبانية في 23 نيسان/ إبريل) ولأول مرة عن أهمية " اتفاق جديد" (مما يعني ضمنيا رفض الاتفاق الحاصل) وعن إمكانية وجود حقوق "للأطراف" الأخرى في النزاع، التي تكشف فيما بعد أنها " البوليساريو والجزائر"، رغم أن الأمم المتحدة تعتبر أنها البوليساريو فقط. 
بعد ذلك قال وزير الخارجية (في مقابلة مع الموندو في 11 تموز/ يوليو) إن " إجراء استفتاء في الصحراء الغربية الآن سيسبب أزمة في المغرب العربي ككل"، معتبرا أن الوضع اليوم مختلف عما كان عليه قبل خمسة عشر عاماً، عندما قبل المغرب إجراء الاستفتاء وعما كان عليه قبل 30 عاما عندما تأهبت إسبانيا لإجرائه، مظهراً ميوله نحو خيار آخر ("حل سياسي يرضي الكل بإعطاء الجميع حقوقهم"). 
وثالثا أكد الرئيس (في مقابلة مع التلفزيون في 19 كانون الثاني/ يناير) أن "الحل الوحيد يمر بالاتفاق مع المغرب" وأن "الاستراتيجيات" المعدة من قبل عناصر خارجية عن النزاع لم تثمر أبداً (كلمات قد تفهم بأنها انتقاد موجه إلى جيمس بيكر).
أما الخطوة الرابعة فقد مهدها كاتب الدولة لشؤون الهجرة (خبر نقلته وكالة أنباء أوروبا في 20 كانون الثاني / يناير) عندما طلب من الاتحاد الأوروبي تمويل نظام مراقبة خاص "للحدود (المغربية) مع الجزائر وموريتانيا "، رغم أن الصحراء الغربية تفصل بين موريتانيا والمغرب.
المرحلة الخامسة هي تواجد خوسي سيكورا مندوب الحكومة الكنارية، في العيون يوم 12 آذار/ مارس مصحوبا بوفد كناري تجاري، وهي المرة الأولى التي يطأ فيها موظف حكومي إسباني سامي أرض الصحراء الغربية منذ أن تخلت إسبانيا عنها. 
كل هذه التصريحات الرسمية بالإضافة إلى بعض المبادرات المروجة لمغربية الصحراء الغربية (مثل: ما يتعلق "بأداة المجاورة" مع الاتحاد الأوروبي)، تم استخدامها من قبل المغرب للتأكيد على أن الصحراء الغربية تشكل جزءا من "وحدته الترابية"، ولعرقلة مسلسل تصفية الاستعمار منها عبر حق تقرير المصير. ومع ذلك تلزم الإشارة إلى تصريح برناردينو ليون كاتب الدولة للشؤون الخارجية وبلدان إيبيرو آمريكا، خلال مداخلته أمام لجنة العلاقات الخارجية للكونغرس الإسباني يوم 16 آذار/ مارس حيث اعتبر أن زيارة سيكورا للعيون مجرد "عمل إداري وليست له أي انعكاسات سياسية"، وأن الأعمال الإدارية في جميع الأحوال " لا تمثل اعترافا بالسيادة المغربية على الإقليم"، أكد على حق سكانها في تقرير مصيرهم.
تأثيرات متوقعة لحالة محاصرة. انشغل الأمين العام الأممي بحالة الحصار حيث صرح في تقريره (S/2005/49 في 27 كانون الثاني/ يناير) "أنا منشغل بما قد ينجم عن الحصار السياسي لأنه إذا لم يتم تجاوزه فإن ذلك قد يؤدي إلى تدهور الوضع في الصحراء الغربية " (الفقرة 27)، وكما قيل فإنه يوجد ضغط جزائري قوي (بإيحاء من الولايات المتحدة الأمريكية) على جبهة البوليساريو حتى لا تستأنف الحرب.


والسؤال هو هل الحصار في إطار غير حربي قد يفضي إلى توطيد التواجد المغربي. أظن ذلك صعبا حسب رأيي، إن نشاط الشركات الخاصة في منطقة نزاع تفتح الباب أمام انتقاد الضم في محاكم أي بلد يوجد فيه مقر للشركات التي لها مصالح في الإقليم، وهنالك أمر آخر مهم جدا، وهو ان الولايات المتحدة الأمريكية حتى اللحظة لا تساند العملية كما أنه لا توجد قرائن تدل على أنها قد تفعل ذلك.


في 20 من تموز/ يوليو 2004 أبلغ روبرت زويليك ممثل الحكومة الأمريكية للتجارة نائب بنسلفانيا جوسيب بيتس "أن اتفاق التبادل التجاري الحر (بين الولايات المتحدة والمغرب) سيطبق فقط على الأراضي المغربية المعترف بها دوليا وأن ذلك لا يشمل الصحراء الغربية "(1). أظن ذلك معبراً لأن زويليك عمل لسنوات عديدة مع بيكر، وهو الآن "الرجل الثاني" في كتابة الدولة الأمريكية. 
في هذه الحالة لن يكون سهلا على إسبانيا أن تحطم الحصار. لأنه ما لم يحصل تنسيق مع الحكومة الأمريكية فمن غير الممكن أن تنجح مبادرة إسبانية في تغيير الموقف الأمريكي، مسألة أخرى إذا كانت فرنسا تستطيع ذلك. رغم ان العلاقات الشكلية قد تحسنت بعد زيارة بوش لأوروبا، لكن لا يوجد ما يدل على أن الولايات المتحدة الأمريكية ستتخلى مجانا لفرنسا عن تأثيرها في الصحراء الغربية (والمغرب ضمن ذلك)، وحتى ذلك الوقت لن يحصل الضم على المباركة، والسؤال ليس هل ستصمد جبهة البوليساريو بقدر ما هو هل سيصمد المغرب؟ 
استخلاصات: حل نزاع الصحراء الغربية يوجد في وضع يشبه الحصار. لكن خلال ستة عشرة عاما من الحرب (1975 - 1991) وأربعة عشرة أخرى من محاولات مجلس الأمن تغيرت أشياء كثيرة، ويبدو أن تحليل تلك المتغيرات يوحي بان الحل المشاد به في 1975 غير صالح اليوم.
رفض " مخطط بيكر الثاني" يفتح بابا على المجهول، قد تتضرر معه ـ حتى وإن كان ذلك غريبا ـ المصالح المغربية، خاصة بعد أن عارضت الرباط مخطط بيكر باعتباره مسا بمصالحها.

كارلوس رويث ميغيل
أستاذ القانون الدستوري في جامعة سانتياغو دي كومبسوتيلا (إسبانيا)

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *