-->

في الذكرى الثالثة لرحيله القذافي هو الصفحة الأكثر شروقا في تاريخ ليبيا ..

ليبيا (وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة)ـ قال الشاعر الدمشقي نزار قباني في حينه
عن الزعيم الليبي الراحل "إن معمر القذافي ليس زعيما كلاسيكيا ليناقش بطريقة النقد الكلاسيكي، وليس تمثالا محدد القسمات في متحف الشمع العربي. إنه ظاهرة استثنائية، كالبرق، والرعد، ورياح الخماسين".
بهذه الكلمات نحاول في الذكرى الثالثة لرحيل العقيد معمر القذافي وفي الذكرى الثالثة لإشعال الحريق في ليبيا وفي الذكرى الثالثة لما سماه البعض بيوم التحرير بهذه الذكريات نحاول أن نقلّب صفحات مشرقة في تاريخ ليبيا الحديث والمعاصر نبدأها من الصفحة القاتمة في العشرين من أكتوبر قبل عامين حين قامت دول الائتلاف الدولي بتزين سماء ليبيا لذر الرماد في عيون الليبيين وإقناعهم بأن حياة رغيدة ومستقبل مشرق ينتظرانهم بعد أن لزموا الصمت حيال اغتيال الزعيم القذافي.
ولكن ما إن مرت الذكرى الثانية لهذا اليوم حتى بدأت الفرحة تموت في عيون الليبيين وبدأت الحقيقة تتعرى أمامهم حتى في شرقي البلاد خالعة كل أثواب الزينة والبهرجة التي ألبسها الغربيون بأبواق عربية وخليجية ما لم يتوقعه الكثيرون من الباحثين والخبراء في الشأن الليبي الذين عزوا ذلك إلى عدم رضا المواطنين الليبيين عن أوضاع البلاد حاليا جراء الوضع الأمني المتدهور واستمرار الأزمات السياسية والاغتيالات المتكررة التي تشهدها المدن الليبية ما أدى إلى عزوف الآلاف منهم عن المشاركة في هذه الذكرى بل راحوا يتذكرون يوم الفاتح من سبتمبر.
إن تدمير ليبيا ونظامها الذي قدم أعلى المعايير في مستوى المعيشة في آسيا وأفريقيا تدميرا تاما كان مثابة الدرس الذي يحمل تحذيرا من الدول الإمبريالية للشعوب المتمردة عليها في شمال أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية فأي نظام يسعى إلى قدر أكبر من الاستقلال ومن التشكيك بسلطة الأمبراطورية الأمريكية والغربية ينتظره مصير ليبيا.
أراء الخبراء
ويقول جيمس بيترس الخبير بالشؤون السياسية الأمريكية إنه من الواضح تماما أن الحرب ضد ليبيا كانت كلها سواء استراتيجيا أم ماديا حرب حلفاء الناتو وإن تصوير هذا الخليط من أنصار الملكية والأصوليين الإسلاميين المنفيين إلى لندن وواشنطن وكذلك المنشقين عن معسكر القذافي لهذه الحرب بأنها ثورة تحرير هو محض دعاية كاذبة.
ويتابع بيترس فمنذ البداية اعتمد "المتمردون" اعتمادا كليا على قوة الدعم العسكري والسياسي والدبلوماسي والإعلامي من جانب دول حلف شمال الأطلسي ومن دون هذا الدعم ما كان للمرتزقة المحاصرين في بنغازي أن يستمروا حتى لشهر واحد والتحليل المفصل للخصائص الرئيسية للعدوان على ليبيا يؤكد أن كل "التمرد" ليس سوى حرب شنها حلف شمال الأطلسي.
مبادئ القذافي وانجازاته الثورية
هكذا، وقد مر عام كامل على هذا التفاؤل وثلاقة أعوام على ما يسمى التحرير ولم يحدث أي تحسن في ليبيا بل ازدادت الأمور تفاقما وانتشرت الجريمة المبنية على الأسس القبلية والمناطقية وازداد القتل والاضطهاد وتشرد أكثر من نصف الشعب الليبي في دول الجوار حيث يلقى الازدراء والإهانة والكراهية في حين كانت الجماهيرية الليبية تأوي كل مشردي العرب والمسلمين وتطعمهم لأنها كانت تؤمن بما جاء على لسان الزعيم الراحل حين خاطب شعبه في البيان الأول لثورة الفاتح "...هاتوا أيديكم، وافتحوا قلوبكم، وانسوا أحقادكم وقفوا صفا واحدا ضد عدو الآمة العربية عدو الإسلام عدو الإنسانية، الذي أحرق مقدساتنا وحطم شرفنا، وهكذا سنبني مجدا ونحيي تراثا ونثأر لكرامة جرحت وحق اغتصب ."
كان أول قرار اتخذه القذافي هو إجلاء القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية من التراب الليبي، وبعد أقل من سنة كانت القواعد والمطارات الليبية قد فتحت أمام سلاح الجو المصري لتكون مطارات بديلة بعيدا عن ذراع العدو إسرائيل الطويلة ما جعل الغرب يدرك أن الشاب الثوري الذي طرد القواعد الأجنبية من بلاده بدأ يستقطب اهتمام الرأي العام العربي والعالمي أيضا، عبر نشاطه الدؤوب لفضح الاستعمار والاستعداد لتمويل وتسليح وتدريب أي قوة ثورية في العالم تقارع الامبريالية.
كانت بوصلة الرجل واضحة منذ اليوم الأول للثورة ولهذا صنفه الغرب مبكرا على أنه قائد عربي جديد يحمل أحلاما كبيرة ويريد استعادة أمجاد غابرة.. يقول الرئيس الأمريكي السابق ريغان: "إن ما يقلقنا هو أن القذافي يقوم بدور أكبر من حجم ليبيا أضعاف المرات".
ابعاد الحرب الأطلسية على ليبيا
ويقول مراقبون إن الحرب الأطلسية- العربية على ليبيا عام 2011 كشفت للعالم عظمة هذا الفارس العربي البدوي، الذي يسكن الخيمة، ويشرب حليب النوق، ويمشي في الصحراء حافي القدمين، يجالس الناس تحت الشجر، ويسامرهم تحت القمر في ليل ليبيا الصحراوي الهادئ ودفع القذافي شخصيا ثمن مواقفه الثورية عبر 48 محاولة اغتيال موثقة كلها في إرشيف المخابرات الغربية والعربية، لكن الرجل لم يساوم، فقد واصل الطريق التي شقها بنفسه وكأنه كان على موعد مع القدر، فقد اختار أن يرسم بنفسه نهاية المشهد، وقليل من الرجال من يموت كما يشتهي فيما لم تكن رواية أنبوب الصرف الصحي إلا طبعة غير منقحة من قصة حفرة صدام حسين، بهدف محو صورة القائد البطل من أذهان الجماهير التي تعلقت به عقودا، وآمنت بفكره، وقدمت آلاف الشهداء دفاعا عنه.
وإذا كان تدمير واحتلال ليبيا يعنيان زمن العار بالنسبة إلى دول حلف الأطلسي فإنهما أيضا يحييان الأمل في أن يستطيع الشعب أن يقاتل ويصمد في وجه الآلة العسكرية الغاشمة والأقوى في التاريخ ولربما عندما يعي الناس أهمية المثال البطولي للمقاومة الوطنية الليبية وينقشع ضباب الدعاية الكاذبة سيواصل الجيل الجديد من المقاتلين المعركة من أجل التحرير الحقيقي لليبيا ويحولها إلى حرب شاملة ضد الأمبراطورية الاستعمارية من أجل تحرير الشعوب من نير الاستعمار الغربي.
بقلم: سامي إبراهيم ـ إذاعة صوت روسيا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *