-->

انور مالك يكتب: الحروب النجسة في العالم العربي

الجزائر(وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة)ـ يعيش العالم العربي والإسلامي منذ
فترة لا يستهان بها على وقع حروب نجسة بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ وما تحمله من حقائق، وهذه الحروب أدّت إلى تدمير الأوطان والإنسان، وسقط ملايين الضحايا، سواء كانوا قتلى أو جرحى أو مهجّرين أو منفيين أو لاجئين أو معتقلين أو مفقودين، ولحدّ اللحظة لم ينالوا حقهم من العدالة الدولية التي ترافع لها دول العالم تحت شعارات مختلفة ومسمّيات متنوعة.
لو دققنا في أسباب هذه الحروب فسنجد أنها جاءت بسبب الغرب نفسه الذي دعّم ولا يزال يدعّم أنظمة مستبدّة حكمت الشعوب بالحديد والنار، وفرضت نفسها بقوّة السلاح.
وأغلب هذه الحروب النجسة تمرّ عبر إيران التي نجحت في أن تكون الوكيل المعتمد لكل المشاريع المشبوهة في المنطقة العربية، وتمكّنت من زرع بذور الصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية في العالم الإسلامي، وهذا الذي حقّق لها ما تريده من تدمير الوطن العربي وتفتيته إلى بؤر نزاع تسيطر عليها مليشيات متناحرة فيما بينها على خراب قائم.
قبل الحديث عن الحروب النجسة التي يغرق العالم العربي في مستنقعاتها، يجب أن نؤكد أمراً هاماً، هو أننا لسنا من أنصار نظرية المؤامرة المطلقة، والتي دفعت الكثيرين إلى تعليق كل فشلهم وخيباتهم في مشاجبها، بل نحن على يقين أنه لولا القابلية للمؤامرة التي تنتشر بين العرب والمسلمين، ما نجحت أي مؤامرة على ثرواتهم وأوطانهم، كما أن الوطن العربي عانى، في فترات من تاريخه، الاستعمار بشتى أنواعه، لذلك لا يمكن أبداً أن يخرج من دائرة أطماع المستعمرين مهما طال عمر الاستقلال.
لهذا يجب أن نفهم أن بذور المؤامرة جاءت من الغرب وقوى إمبريالية حتماً، ولكن وجدت البيئة الخصبة لدى العرب والمسلمين، حيث رعوها وسقوها بلعابهم ودموعهم ودمائهم وعرقهم، حتى أينعت وتحولت إلى قنابل شر وليس إلى سنابل خير.
المسلمون وحصاد الاستعمار المر
لقد تمكّن المستعمر منذ مطلع القرن الماضي من زرع شتى أنواع بذور الصراعات في العالم العربي، سواء كانت دينية أو قومية أو عرقية أو قبلية، والتي صارت تساعده على العودة من الأبواب بعدما طرد من النوافذ.
نجد في المغرب الكبير التركيز على القبلية خصوصاً في ليبيا، وأيضاً على قضية الأمازيغ والعرب، وهذا متوفر في المغرب والجزائر، ووصل الحال إلى حركات انفصالية تحت شعار أمازيغي، ولكنها لا تزال محدودة وغير مضمون أبداً أن تتوسع لاحقاً وتحقق ما تصبو إليه. لقد تحرّكت جهات استخباراتية في تنفيذ خطة أكثر مكراً ودهاء وخبثاً، من أجل زعزعة كيان المستعمرات السابقة، وتجلّى كثيراً عبر تحريك البعد الديني بعدما فشل لحدّ ما البعد العرقي. والمتابع لشأن التبشير بالنصرانية في الجزائر على سبيل المثال، يجده يتركز في المناطق الأمازيغية، وبالضبط القبائل، حيث إن الأمازيغ يتكونون من عدة أقسام، فيوجد فيهم القبائل والشاوية والتوارق وبني ميزاب والشلوح وغيرهم.
لقد تأكد من خلال معطيات كثيرة، بينها الرسمية، أنه يجري الآن عمل ممنهج لتنصير منطقة القبائل الجزائرية؛ وذلك لصناعة أقلية مسيحية بينهم قد تكون مستقبلاً محل تجاذبات دولية في إطار حماية الأقليات، بل إن ذلك بدأ الترويج له عبر منظمات دولية وبعض التصريحات وحتى تقارير مثل تقرير الخارجية الأمريكية لحقوق الإنسان الذي صدر في أغسطس/ آب 2014 وتحدّث عن التضييق على الحريات الدينية، وخصوصاً من سمّاهم بالمتحوّلين من الإسلام إلى المسيحية في الجزائر، أما في المغرب فتحدث التقرير عن التضييق على المسيحيين والمعاملة التفضيلية بين المسلمين واليهود. أما منظمة العفو الدولية "أمنستي" فقد نشرت وثيقة في 06 أغسطس/ آب 2010 تحت رقم MDE 28/006/2010، وجاء عنوانها "الجزائر: فليحترم حق الأقليات في العبادة"، وهاجمت بشدة تشريعات قانونية حول ممارسة العبادة لغير المسلمين ومتابعة قضائية لمتنصّرين في منطقة الأربعاء بولاية تيزي وزو التي تعتبر عاصمة القبائل في الجزائر.
في مقابل تنصير القبائل نجد نشاطاً إيرانياً مكثفاً يجري في مناطق الشاوية بالشرق الجزائري، حيث إن أكبر عمليات تشييع الجزائريين تتمركز في هذا الجزء الواسع من الأمازيغ. في حين أن العرب محلّ تجاذبات بين مذاهب مختلفة كالمالكية والسلفية وغيرهما.
التنصير للقبائل، والتشيّع للشاوية، والإباضية للمزابيين، والسنّة للعرب، ليس أمر جزافياً أبداً، ولا هو محلّ صدفة كما قد يتوهّم البعض؛ فمثل هذه الأمور تخضع لدراسات معمّقة في مراكز بحث تمتلك الكثير من المعطيات الاستخباراتية والأمنية السرية التي ليست في متناول كل من هب ودب.
إن ما يجري يعتمد على مخطط استراتيجي بعيد المدى، تمّ طبخه في دوائر فرنسية تحديداً، وبذلك ستكون الجزائر على موعد الانفجار في أي لحظة يُصبّ فيها بنزين الفتنة على نار خافتة، عندما تتنصّر منطقة القبائل وتوجد بينهم حركة انفصالية معروفة، وتتشيّع منطقة الشاوية التي تعاني الإقصاء والتهميش، خصوصاً في الآونة الأخيرة منذ وصول بوتفليقة للحكم، أما الميزابيون فهم من الإباضية، ويتمركزون في منطقة غرداية التي تشهد منذ فترة فتنة طائفية ذات أبعاد سياسية، وتوجد أطراف تعمل على أن تتحوّل إلى دارفور الجزائر.
لم يقتصر هذا المشروع الخطير على الجزائر فقط، ففي المغرب يجري الأمر نفسه؛ حيث ينتشر التنصير في مناطق أمازيغية، في حين يركّز التشيّع على العرب، ويمتدّ الآن حتى وصل إلى الصحراويين في الداخلة جنوب الصحراء الغربية المحتلة. وهكذا يلتقي التشيّع وعقيدته التي تنبني على الطعن في مقدسات السنّة والانتقام لـ"مظلمة" تاريخية عمرها أكثر من 13 قرناً، هذا من جهة، ومن جهة أخرى نجد السنّة الذين يدافعون عن مقدساتهم، وبينهم من يصل به الحال إلى التطرف المضاد لمواجهة تطرف شيعي ترعاه إيران الصفوية، كما أن وجود نصرانيين في ظل نزعةٍ نجح الاستعمار في تغذيتها تتعلق بالصراع بين الأمازيغ والعرب.
وللأسف، وصل الحال ببعض الأمازيغ للنبش في عمق التاريخ، وبينهم من صار ينظر للفتوحات الإسلامية التي وصلت المغرب الكبير على أنها مجرّد "احتلال"، وما إلى ذلك من مصطلحات تثير نعرات ستشعل حتماً الحروب النجسة في المنطقة في ظل تصاعد هذه المخططات. العرب بدورهم، وبسبب العقيدة القومية التي غذتها بعض الأنظمة البعثية والناصرية، لعبت دوراً في إثارة الطرف الأمازيغي عندما استهدفت هويته وقيمه وبما يتنافى مع الإسلام الذي لم يأت ليمحو أي عرق أو هوية أو أصل، بل ليدخل الناس في دين الله.
في ظل هذه المتناقضات التي لا تزال تغذّى بطرائق قذرة جداً، مع تناقص متواصل للتعايش القائم، بلا شك ستؤدي إلى وقوع حروب نجسة ستكون على حساب الأوطان حتماً. وهذه بعض أمثلة تعطي صورة مختصرة عن بذور الحروب الطائفية والدينية والمذهبية والقبلية التي تعدّ لها جهات غربية بالتعاون مع إيران الصفوية في منطقة المغرب الكبير.
بالنسبة لسوريا والعراق فالأمر أخطر بكثير، حيث توجد بهما ديانات وأعراق مختلفة، وإن كانت المرحلة التي يمرّ بها المغرب العربي حالياً كانت مرحلة سابقة في سوريا والعراق والبحرين، وحتى إيران نفسها التي كانت سنّية وتحوّلت إلى التشيّع بعد تنفيذ مخططات مناهضة للخلافة العثمانية، ولا تختلف عن تلك التي يجري حالياً تنفيذها في الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا والصحراء الغربية. وما نشاهده الآن من حروب نجسة هي نتيجة حتمية لمشروع مرّ عبر مراحل، وللأسف الشديد لم يجد إلا الأرض الخصبة التي ساعدته على التجذّر في العمق بطريقة سرطانية خبيثة.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *