-->

تأملات في الوضع القائم على ضوء الاجتماع القادم لمجلس الامن حول الصحراء الغربية

بقلم: الديش محمد الصالح
كل الانظار تتجه نحو اجتماع مجلس الامن التابع للأمم المتحدة حول الصحراء الغربية شهر ابريل القادم الذي يصفه البعض بانه سيكون حاسما، خاصة انه يأتي بعد اعلان المنتظم الدولي عن عدم رضاه عن الاسلوب المتبع مع طرفي النزاع للتوصل الى حل سياسي توافقي لقضية الصحراء الغربية وفي ذلك اشارة الى التهديد بتحويل القضية الى البند السابع، في الوقت الذي اكد فيه على ضرورة احترام مبدأ تقرير مصير الشعب الصحراوي وكذلك التعبير عن انشغاله بأوضاع حقوق الانسان في المناطق المحتلة ونهب الموارد الطبيعية الصحراوية. وهذا الموقف هو الذي عكر مزاج المملكة المغربية ودفعها الى تعليق وساطة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة السيد كريستوفر روس وتعطيل التحاق السيدة كيم بولدوتش بمهمتها الجديدة كرئيسة لبعثة الامم المتحدة من اجل الاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو). المعطيات القائمة تؤكد ان هناك توجه دولي جاد لحل مشكل الصحراء الغربية طبقا للشرعية الدولية والعرقلة المغربية لهذا المسار دليل على انه ليس في صالح المغرب، وحتى يتسنى لنا قراءة سليمة لما سيحدث، لابد لنا ان نعرج على الوضع القائم ونستحضر مكامن قوتنا فيه ومدى تأثيرها على القرار الذي سيتخذ، لأن ذلك هو الذي سيراعي حينها.
تضاعف قوة الشعب الصحراوي وتصميمه على انتزاع حقوقه المشروعة:
لامجال لمقارنة قوة الصحراويين اليوم، التي تضاعفت مرات كثيرة، بالوضع الذي كانت عليه ابان سنوات الحرب التي مني فيها الجيش المغربي بالهزيمة امام ضربات مقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي البواسل، كما اتسعت رقعة النضال ولم تعد مقصورة على مخيمات العزة والكرامة بل تشمل الان كل تواجد الصحراويين سواء في الارض المحتلة او جنوب المغرب والجامعات المغربية او الجاليات، وتوارثت الاجيال المشعل وتمسكه بقوة واثبتت الاربعون سنة الماضية منذ الاحتلال المغربي استحالة طمس الهوية الوطنية الصحراوية رغم سياسات الابتلاع التي انتهجتها السلطات المغربية. وهذه القوة، التي تنامت عددا وجلها شباب مثقف، ملتفة حول طليعتها وممثلها الشرعي والوحيد الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ومستعدة اكثر من أي وقت مضى للتضحية من اجل انتزاع حقوقها المشروعة في الحرية والاستقلال. 
الدولة الصحراوية حقيقة قائمة:
لقد نجحت الثورة الصحراوية في ارساء دعائم للدولة المستقلة، دولة كل الصحراويين، واستطاعت جلب انظار العالم حول التنظيم المحكم ونظام الحكم والعدالة والحريات والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار بشكل مباشر او من خلال الوسائط المنتخبة، وظلت مكانة الدولة الصحراوية ضمن الاتحاد الافريقي تتوسع وتحظى باحترام كبير، كما تعترف بها اكثر من 84 دولة عبر العالم وتقيم علاقات دبلوماسية مع العديد منها. ورغم شح الامكانيات وصعوبة الظروف الا ان الثورة الصحراوية حرصت على تقديم ادنى حد من الخدمات للمواطنين سواء كان في الصحة، التعليم، التغذية او الأمن ولم تحصل ابدا ازمة خانقة في المناطق الخاضعة للإدارة الصحراوية. وجسدت الثورة الصحراوية سيادة الدولة بكامل معانيها في الجزء المحرر من الوطن، فبالإضافة الى نواحي جيش التحرير الشعبي الصحراوي المنتشرة في المنطقة تم تبني سياسة لتعميرها وتأمينها وتأمين حدودها والمحافظة على اواصر المحبة مع الجيران. لقد اشادت بهذه التجربة الفتية شخصيات ومؤسسات دولية كبيرة وكتاب وصحفيين من مختلف القارات الذين كانت لهم فرصة الاطلاع ودراسة الواقع عن قرب وشهدت عليها بعثة الامم المتحدة من اجل الاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) المتواجدة على الأرض، وتولدت قناعة بأن قيام دولة في الصحراء الغربية سيعزز السلم والامن في المنطقة وسيفتح آفاقا واعدة في العلاقات الدولية والانفتاح الاقتصادي. كل دول المنطقة وخاصة دول الجوار كالمغرب، الجزائر، موريتانيا وإسبانيا ستكون بلا شك في مقدمة المستفيدين والمساهمين في تنمية الدولة الصحراوية وستكون هناك علاقات خاصة تربط الشعب الصحراوي بشعوب هذه المنطقة. والدولة الصحراوية كما يشير الى ذلك دستورها تنبذ العنف والارهاب وتحترم الحريات بما في ذلك حرية المعتقد وتتطلع الى اقامة علاقات مع كل دول العالم على اساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان.
اعتراف دولي بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير:
تدرج الامم المتحدة الصحراء الغربية منذ الستينيات ضمن قائمة الاقاليم التي لا تتمتع بحكم ذاتي، وتعتبر قضيتها قضية تصفية استعمار يكمن حلها في تمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير مصيره واستقلاله طبقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 1514. هذا ما اكد عليه آخر تقرير للأمين العام للأمم المتحدة شهر ابريل 2014 وتبناه مجلس الامن والجمعية العامة في قراراتهما، كما يؤيد هذا الموقف العديد من المنظمات الاقليمية كالاتحاد الاوروبي والاتحاد الافريقي ودول عدم الانحياز...الخ، واصبحت جل المواقف السياسية المعبر عنها تساند هذا الموقف سواء كانت لدول او احزاب او برلمانات او مجتمع مدني. وانطلاقا من هذا، فإن الموقف الدولي قد استقر على تقرير مصير الشعب الصحراوي كقاعدة لأي حل سياسي، وبالتالي فان اشباه الحلول التي يروج لها النظام المغربي مرفوضة لأنها لا تبت بأية صلة للقانون الدولي. 
الاستعداد لخوض غمار الحرب: 
أستطاع مقاتلو جيش التحرير الشعبي الصحراوي الانتصار على الجيشين المغربي والموريتاني معا في بداية غزوهما للصحراء الغربية رغم قلة عددهم وعدتهم، وهو الأمر الذي ادى بموريتانيا الى الانسحاب سنة 1979، اما الذي كان يظن "انها جولة اسبوع" للقضاء على المقاومة الصحراوية اتضح له العكس وراح يبحث عن الخبراء من كل مكان مسخرا لذلك اموالا طائلة لإيجاد مخرج للوقاية من هجمات اسود الجيش الصحراوي، والذين وجدوا له فكرة اقامة حزام الذل والعار الذي يقسم الصحراء الى جزئين. ورغم ان الكثير من مراكز الدراسات العسكرية والباحثين العسكريين يصنفون هذا الحزام ضمن الخطط الاستراتيجية الفعالة في العالم، الا ان ذلك لم يثن عزيمة المقاتلين الصحراوين الذ ين عرفوا كيف يخترقون هذا الحزام وينفذون عمليات نوعية على طولها وحتى خلفه وثبت فشل تلك الخطة من جديد مما دفع بالمغرب الى البحث عن الحلول السياسية لمحاولة ايجاد غطاء للهزيمة العسكرية. ويعتبر الكتاب الذي صدر عن معهد الدراسات الاستراتيجية التابع للجيش الامريكي بداية 2013 اكبر شهادة على ما ذكرنا سابقا. والان لاشك ان الجيش الصحراوي يمتلك من القدرات ما يؤهله لخوض معركة مع خصم يعرفه جيدا ومعنويات جنوده منحطة لعدم قناعتهم بحرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل وبعيدين عن اهلهم وذويهم، خاصة وان الجاهزية القتالية للجيش الصحراوي ظلت ضمن البرامج الاستراتيجية للحكومة الصحراوية والتي لم تتوقف عند العتاد بل وحظي المقاتل بدورات تكوينية بشكل دوري للرفع من مستواه القتالي. اما جانب القوة البشرية فان مئات الشباب الصحراوي تتوافد كل يوم على وزارة الدفاع الصحراوية لطلب الالتحاق بالنواحي العسكرية حتى اصبحت المدارس العسكرية ممتلئة بالمتطوعين للانخراط في صفوف جيش التحرير الشعبي. وهذا يعطي الانطباع، أنه في حالة العودة للكفاح المسلح فإن الجيش الصحراوي قادرا على ان يرد الصاع صاعين للجيش المغربي.
معطاة المناطق المحتلة: 
لطالما عمل النظام المغربي على عزل المناطق المحتلة من الصحراء الغربية في محاولة لقطع اية صلة لها بالمشهد الصحراوي العام عن طريق فرض حصار عسكري واعلامي وذلك بهدف التغطية على الممارسات الوحشية للسلطات المغربية ضد المواطنين الصحراويين من قمع وتنكيل وتعذيب ومحاكمات جائرة، وتسويق للرأي العام العالمي أن هؤلاء يقبلون بالتواجد المغربي وانهم يعيشون حياة كريمة. الا ان هذه السياسة ما فتأت تنكشف ويظهر الاحتلال المغربي على حقيقته مع انتفاضة جماهير شعبنا في المناطق المحتلة التي استطاعت ان تحطم اسوار هذا الحصار بصدورها العارية سلاحها في ذلك هو الايمان بعدالة قضيتها واستعدادها للتضحية من اجلها. فأعطت هذه الانتفاضة بعدا جديدا للقضية الوطنية من خلال تدويل واقعها المعاش بإثارة الوضع القانوني للإقليم ومسألة حقوق الانسان ونهب الثروات الطبيعية الصحراوية، فتوالت تقارير المنظمات المختصة والتحقيقات الاعلامية المدعومة بشهادات حية حول الانتهاكات المستمرة لحقوق الانسان مما فرض على المجتمع الدولي ممارسة ضغوطات قوية على الحكومة المغربية ومنها المطالبة بإنشاء آلية مستقلة لمراقبة والتقرير عن حقوق الانسان والتي اتت من اكبر قوة في العالم وهي الولايات المتحدة الامريكية. لقد فرضت جماهيرنا الرافضة للاحتلال المغربي في المناطق المحتلة، بأسلوبها السلمي الحضاري، نفسها كقوة فاعلة في المشهد السياسي الصحراوي وشكلت جبهة جديدة اربكت سياسات العدو ودفعته الى التناقض مع نفسه. 
النظام المغربي في عزلة خانقة:
الادانة الدولية للغزو المغربي للصحراء الغربية ظلت مستمرة ولم تعترف اية دولة او منظمة بسيادة المملكة المغربية على الاقليم رغم تأثير حلفاءها في القرار الدولي، لأن المسألة تتعلق بتصفية استعمار عن طريق استفتاء لتقرير المصير. وهذا ما قاد الى ما يعرف بخطة التسوية المشتركة الاممية- الافريقية التي وافق عليها طرفا النزاع المملكة المغربية وجبهة البوليساريو بعد ضغوطات تمت ممارستها على الطرفين لتوقيف اطلاق النار والقبول بتنظيم استفتاء حر، عادل وشفاف لتقرير مصير الشعب الصحراوي، ورغم ان الامم المتحدة اعلنت اللائحة المؤقتة للمصوتين الا ان المغرب رفضت السير في العملية إدراكا منها ان النتيجة سوف لن تكون لصالحها. لقد استغل النظام المغربي للتملص من التزاماته انشغال العالم بالمتغيرات الدولية التي حدثت من جراء انتهاء الحرب الباردة وحرب الخليج والحرب على الارهاب، وبالأخص الاوضاع التي عاشتها الجزائر بسبب الارهاب، وحاول جاهدا خلال هذه الفترة ان يحرف مسار الحل لكنه فشل. الآن الاوضاع تغيرت، فالاهتمام الدولي يتجه نحو منطقة شمال افريقيا لما تزخر به من موارد اقتصادية، لكن عدم استتاب السلم والامن بسبب عدم استقرار بعض البلدان وانتشار ظاهرة الارهاب والجريمة المنظمة يحول دون استغلالها وهو ما جعل حل قضية الصحراء الغربية يكون من الاولويات لان بقاءها دون حل سيعيد التوتر من جديد وحينها لا يمكن التحكم في الوضع. هذا الاهتمام الدولي الجديد بالمنطقة يعتمد على الاتحاد الافريقي وعلى الجزائر بالأخص للعب دور محوري نظرا لمكانتها السياسية والاقتصادية التي تحظى بها دوليا وخاصة في القارة الافريقية وبحكم ان حدودها مشتركة مع اماكن التوتر وكذلك لأنها استطاعت ان تهزم الارهاب، وهذا ما ازعج النظام المغربي بل اصبحت علاقاته ومصالحه تتأثر بسبب عدم ابداء ارادة سياسية لحل قضية الصحراء الغربية وتماديه في احتلاله غير الشرعي لها وخروقاته المستمرة لحقوق الانسان بها ونهب خيراتها، فكانت المواجهة مع الامم المتحدة التي دامت لأزيد من ثمانية اشهر ساخنة، ونتمنى ان تكون الحكومة المغربية هذه المرة جادة في تعاملها على اساس قرارات مجلس الامن والجمعية العامة للأمم المتحدة. فالموقف المغربي مرفوض من وجهة نظر القانون الدولي، هذا الاخير الذي يعتبر قضية الصحراء الغربية قضية تصفية استعمار وحلها يكمن في تقرير مصير الشعب الصحراوي عبر استفتاء حر، عادل ونزيه. 
ماذا يمكن احتماله؟
لقد أعرب المجتمع الدولي عن إنشغاله العميق باستمرار قضية الصحراء الغربية دون ايجاد حل لها في الوقت الذي تزداد فيه معاناة الشعب الصحراوي وتكثر فيه التحديات التي تواجه المنطقة، وهذا ما اصبح يفرض على الامم المتحدة ان تتحمل مسؤولياتها لوضع حد للاحتلال المغربي اللاشرعي ولسياسة ادارة الظهر لإرادة المجتمع الدولي التي اجمعت على تطبيق ميثاق الامم المتحدة وقراراتها المتعلقة بتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية وحماية سكان هذا الاقليم وتوقيف استغلال ثرواته التي لا يستفيد منها الا النظام المغربي. فهل المغرب، بقبوله إستمرار وساطة السيد كريستوفر روس الذي لديه مهمة واضحة من مجلس الامن وهي ايجاد حل مبنى على اساس احترام تقرير المصير وباستئناف السيدة بولدوتش مهامها، قد استدرك خطأه وعاد الى جادة الصواب ام هي مناورة من مناوراتها التي عودتنا عليها تريد بها امتصاص غضب المجتمع الدولي؟ هذا ما ستكشفه الايام القليلة القادمة.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *