-->

اعلامنا المستقل بين مثالية التصور وإملاءات الواقع

يعتبر الاعلام المستقل او المحايد إن صح التعبير أحد الدعمات الاساسية في معركتنا ضد العدو الى جانب الإعلام الرسمي بمختلف وسائطه، ويعود الفضل في بروز الاعلام المستقل كفاعل اساسي في كفاحنا الى التطور الغير مسبوق فى تقنية انظمة الاتصالات وتعدد مصادر المادة الاعلامية،مما جعله يواكب الاحداث الوطنية والدولية بأريحية تامة بعيدا عن كل الاشكال التقليدية في تقصي المعلومة ومايصاحب ذلك من متاعب جمة حتى سمي الإعلام وقتها بمهنة المتاعب.
ان الحاجة لاحداث تغييرات جذرية في المشهد السياسى الصحراوي من أجل بناء دولة الحق والقانون من جهة ،وفي سبيل كسر إحتكار الاعلام الرسمي لنقل الخبر،هذه العوامل وغيرها دفعت الى تأسيس عدد من المنابر الاعلامية المستقلة بهدف الخروج من حالة الركود السياسي الذي ميز مرحلة مابعد وقف إطلاق النار،ضف الى ذلك الرغبة الجامحة في معالجة الاشكالات المجتمعية وفق رؤية عصرية وإن كانت في بعض الأحيان لاتنسجم مع خصوصية مجتمعنا الذي يقدس موروثه الاجتماعي والثقافي والديني ايما تقديس.

وقد تبنت المنابر الاعلامية المستقلة عند تأسيسها تصورات وشعارات مثالية استطاعت من خلالها أن تستقطب اهتمام القراء الى درجة أنها تجاوزت الاعلام الرسمي بسنوات ضوئية وتركته رهين املاءات الرسميين الذين يوجهون الاعلام وفق مصالحهم الشخصية القائمة على رسم صورة ملائكية للواقع وعدم الخوض في الاخفاقات باعتبارها بداية النهاية للمسؤولين عنها.
فقد شكلت شعارات من قبيل المصداقية والموضوعية والحياد والشفافية في الطرح وخدمة القضية والرأي والرأي الاخر إحدى ابرز التصورات المثالية التي تأسس عليها الاعلام المستقل،وقد نجح الى أبعد الحدود في استثمار هذه الشعارات من خلال الاقبال المنقطع النظير من قبل القارئ الصحراوي على هذه المنابر،ليبقى السؤال المطروح هو:
- هل كان الاعلام المستقل جادا في تجسيد تلك الشعارات والتصورات المثالية التي رفعها على أرض الواقع ام انها كانت بمثابة الطعم الذي يوقع بالفريسة؟
وكما يعلم الجميع ،فقد إصطدم الاعلام المستقل بجملة من الإكراهات المستوحاة من الواقع المعاش كان لها تأثير جلي من خلال الدفع ببعض الصحفيين الناشطين في المنابر المستقلة الى الانحراف عن المبادئ والشعارات التي تأسس عليها الاعلام الحر ،فكثيرا مايظن البعض ان مجمل المعالجات الاعلامية وخاصة التي تهتم بالشأن الداخلي تتم بصورة عفوية أوجدتها ظروفها الأنية ويتناسى انها بضاعة أومشروع كسب تحدد نوعيتة المرامي النهائية من وراء هذا المشروع، وهذا مايدفعنا الى الاقرار مجبرين بحقيقة اصطفافات الاعلام المستقل وفق الاملاءات التي يمليها الواقع الوطني،الشيئ الذي أدى الى وجود ثلاثة إتجهات إعلامية تتقاطع أحيانا في الرؤيا والتحاليل وتختلف أحيانا حسب أجندات كل منبر وإملاءات من يقفون من ورائه - إن وجدوا - والاتجاهات الاعلامية الحرة هي:
1 - : منابر مستقلة تنآى عن الشأن الداخلي: وهي منابر تسخر جهدها وفكرها في التركيز على انتفاضة الاستقلال المباركة،وتناول المكاسب السياسية والدبلوماسية التي تحصدها القضيية الوطنية بكثير من الاسهاب والتحليل،وتنظر الى التناول الاعلامي للشأن الداخلي بأنه يدخل في خانة الشبهات التي قد تضر بالقضية الوطنية اكثر مما تفيدها.
2 - منابر مستقلة تتناول الشأن الوطني برمته وبموضوعية: وهي منابر ترى ان التناول الاعلامي للشأن الداخلي كفيل بالقضاء على الكثير من الممارسات التي تحول دون تحقيق أهداف المشروع الوطني،ولاتخضع في معالجاتها الصحفية لأية إكراهات أو إملاءات مهما كانت طبيعتها،مما جعلها تحظى بالمصداقية في اوساط الشارع الصحراوي،هذا دون إهمالها لمختلف القضايا الوطنية والدولية التي تمكن القارئ من أخذ صورة متكاملة عن مايجري حوله في الساحة الوطنية خاصة والاقليمية والدولية عامة.
3 - منابر مستقلة ذات معايير مزدوجة في التعاطي الصحفي:
وهي المنابر التي تتناول الشأن الوطني الداخلي من خلال الاملاءات الفوقية وفق اجندات اجنحة معينة في السلطة،وعادة ماتعطي لأي خبر ابعادا أخرى من خلال تأويله مما يفقده مصداقيت،ه أين تظهر وبجلاء الخلفيات الحقيقة لهذا المنبر او ذاك ،إضافة الى ذلك يتم نشر اخبار وتحاليل تكون أقرب للبهتان من الحقيقة أو يسمى بالعامية ((اسواغا)).
ونفس الشئ ينطبق على معالجاتها للشؤون الوطنية الاخرى،سواء ماتعلق منها بإنتفاضة الاستقلال المباركة أو بالدبلوماسية الصحراوية أو غيرهما من ساحات الفعل والنضال،فلا يكاد يخلو أي خبر صحفي من تحليل ذاتي يرمي بمصداقيته عرض الحائط لسبب بسيط نابع من نزعة قبلية أو جهوية أو منفعية أدت ببعض المنابر الاعلامية المستقلة الى الهبوط من القمة الى القاع.
إن تجربة الاعلام المستقل الصحراوي لازالت في حاجة الى مراجعة شاملة من قبل القييمين عليه من خلال وضع تشريع ينظم عمل هذه المنابر الحرة بما يخدم حرية التعبير من جهة ومحاربة جميع اشكال التعبير التي من شأنها خلق إنطباعات سلبية داخل الاوساط الشعبية،تلك الانطباعات الكفيلة بإثارة النعرات العرقية أو من شأنها ان تقدم خدمة مجانية للعدو،وهذا ماسيقف له بالمرصاد كل صحراوي غيور على مصيره وقضيته.
بقلم الاستاذ : التاقي مولاي ابراهيم

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *