-->

اتفاقية السلام بين موريتانيا وجبهة البوليساريو استحضار ذاكرة الالم


الصحراء الغربية 05اغسطس 2020 (وكالة الانباء المستقلة) تمر اليوم 5 اغسطس ذكرى لتوقيع اتفاق السلام بين الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو) وجمهورية موريتانيا الاسلامية والذي بموجبه انسحبت موريتانيا بصفة نهائية من الجزء الذي كانت تحتله من تراب الصحراء الغربية لينتهي بذلك فصل دامي من صراع الأشقاء اختلطت فيه دماء الاشقاء المغرر بهم في حرب توسعية ظالمة.
وبالرغم من كون موريتانيا مثلت حلقة مهمة في معادلة النزاع على الصحراء الغربية، كونها كانت جزء من اتفاقية مدريد الثلاثية التي قسمت الصحراء الغربية، فضلا عن كونها طرفا ثالثا جره المغرب وحليفه التقليدي فرنسا الى حرب الصحراء الغربية، تجرع خلالها الاشقاء من الشعبين الموريتاني والصحراوي علقما قبل توقيع اتفاقية السلام التي وضعت حدا لحجم الخسائر والمعاناة التي تكبدها الطرفان، إلا ان موريتانيا لم تتخذ حتى الان الدور الذي ينتظره منها الشعب الصحراوي في الوقوف الى جانبه في محنة اكلت يوم اكل الثور الابيض، ومناصرة قضيته العادلة بالرغم من الاجماع الافريقي واحتضان الاتحاد الافريقي للقضية الصحراوية والدفاع عنها في كافة القمم الافريقية والمحافل الدولية وفي غمرة الهبة الدولية لمناصرة الصحراويين تبقى الشقيقة موريتانيا ملتزمة بالحياد "الايجابي" الذي يراه الصحراويون سلبيا مالم يعترف بحقهم في الحرية وتقرير المصير وتجاهر موريتانيا بذلك باعلى صوتها.

ولفهم الظروف التي جاءت فيها اتفاقية السلام الموقعة بين جبهة البوليساريو والحكومة الموريتانية في الخامس من شهر اوت سنة 1979 بالجزائر، لابد من معرفة ماكان يدور في دوائر القرار الموريتانية انذاك والتجاذبات السياسية الحامية الوطيس بين جناحين بارزين أولهما يؤيد قيام دولة صحراوية على كامل تراب الصحراء الغربيّة وفق رؤية ومطالب جبهة البوليساريو، وكان يتقدم هذا الجناح ولد هيدالة والمقدّم ولد بوخريص الذي كان وزيرا للداخليّة، والعقيد مصطفى ولد السالك والجناح الثاني مثله بعض كبار الضبّاط والعسكريين من بينهم كادير، وولد بوسيف، وفياه ولد المعيوف ويدعم هؤلاء احتلال المغرب لاراضي الصحراء الغربية، وفي خضم هذه التجاذبات كانت المعركة حامية الوطيس بين الجانبين وحرب المدافع تسقط في كل معركة عشرات الضحايا من الجانبين وتحرق الاخضر واليابس، محدثة تصدعات داخل النظام السياسي الموريتاني الهش الامر الذي زاد من حدة الصراعات السياسية والحزبية داخل النخب السياسية الموريتانية أدىّ في مجمله الى وقوع انقلاب عسكري هو الأول من نوعه في موريتانيا , اطاح بنظام المختار ولد داداه، نفذه العقيد مصطفى ولد سالك في 10 تموز-يوليو – 1978.
وأعلن عندها العقيد مصطفى ولد سالك بأنّه ضدّ سياسة مختار ولد داده المؤيدة للمغرب في قضية الصحراء الغربية, ويؤسس المجلس العسكري للاصلاح الوطني, لكن تلك الجهود لم تتوفق في استتباب الامن والاستقرار في موريتانيا , حيث تفاقمت الصراعات الحادة بين الأجنحة المتنافرة ومراكز القوة داخل المجلس العسكري للاصلاح الوطني، تحت الضغوط المغربية الفرنسية الشديدة ولكن كذلك الضغط الصحراوي الشديد، حيث بلغت ذروتها في 06 نيسان – أبريل – 1979 حين وقع انقلاب مضاد أدّى الى تغيير موازين القوة داخل المجلس العسكري للاصلاح الوطني والذي أصبح يحمل اسم المجلس العسكري للانقاذ الوطني برئاسة العقيد أحمدو لد بوسيف الذي كان رئيسا للحكومة
وشاءت الظروف السياسية المتقلبة في موريتانيا أن لا يدوم حكم أحمد ولد يوسف سوى 50 يوما , اذ قتل في حادث طائرة في 27 أيّار – مايو – 1979 بالقرب من العاصمة السنغاليّة داكار .
وتولّت لجنة دائمة مكوّنة من 14 عضوا منبثقة من المجلس العسكري تسيير الأمور، الاّ أنّ السلطة الفعلية كانت بيد العقيد خونة ولد هيدالة الذي ترأسّ الحكومة .
وفي تلك المرحلة أحبط هذا المجلس محاولة انقلاب قام بها العقيد مصطفى ولد سالك للعودة الى الحكم ثانية، وباءت المحاولة الانقلابية بالفشل الذريع.
في يوليو 1978 كان الانقلاب في نفس الآونة أعلنت البوليساريو عن وقف اطلاق النار احادي الطرف لتسهيل عملية التفاوض والاتفاق مع موريتانيا لكن سنة كاملة مرت بعد ذلك دون الحصول على أي شيء من ذلك، و بعد هذا التماطل الذي اعتبرته البوليساريو بغير المقبول قامت بهجمة شرسة على حامية "تشلة" في يوليو 1979، لتعجيل الملف. وتلقت القوات الموريتانية هزيمة كبيرة في هذه المعركة و تم اسر العديد من الموريتانيين و غنم الكثير من العتاد . أقل من شهرين بعد عملية تشلة وقعت موريتانيا الاتفاقية بحسب تصريح للسيد البشير مصطفى السيد، في لقائه مع وسائل اعلام موريتانية. لتكون عملية تشلة العسكرية التي قادها الجيش الصحراوي 07 يوليو 1979مهدت وعجلت بإبرام اتفاقية السلام بين الحكومة الموريتانية وجبهة البوليساريو التي تحارب من اجل استرجاع الاراضي الصحراوية المحتلة من قبل المغرب وموريتانيا، وهو ما حدث بالفعل بالعاصمة الجزائرية الجزائر يومي 03 و04 غشت 1979 حيث اجتمع وفد موريتاني يقوده المقدم احمد سالم ولد سيدي النائب الثاني لرئيس اللجنة العسكرية للخلاص الوطني , الوزيـر المكلـف بالأمانة الدائمـة ,وبعضوية المقدم احمد ولد عبد الله قائد الأركان العامة للجيش الموريتاني، ووفد صحراوي يترأسه البشير مصطفى السيـد الأميـن العام المساعد لجبهة البوليساريو،عضو مجلس قيـادة الثورة، وبعضوية محمد سالم ولد السالك، عضو المكتب السيـاسي للجبهة وزير الإعلام، ومحمود عبد الفتاح مسؤول قسم أوروبا لجبهة البوليساريو، للتفاوض حول اتفاق سلام بين الجانبين, وخلصت المفاوضات الى اتفاق الطرفين على مجموعة من البنود خرجت بموجبها موريتانيا من الحرب لتعلن فيما بعد اعترافها بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية وهذا نص اتفاقية السلام بين الطرفين الشقيقين:

" إجتمع في أيام 3, 4, 5 من أغسطس 1979 وفد عن موريتانيا يقوده المقدم احمد سالم ولد سيدي النائب الثاني لرئيس اللجنة العسكرية للخلاص الوطني , الوزيـر المكلـف بالأمانة الدائمـة ,وبعضوية المقدم احمد ولد عبد الله قائد الأركان العامة للجيش الموريتاني , ووفد صحراوي يترأسه البشير مصطفى السيـد الأميـن العام المساعد لجبهة البوليساريو , عضو مجلس قيـادة الثورة , وبعضوية محمد سالم ولد السالك , عضو المكتب السيـاسي للجبهة وزير الإعلام , ومحمود عبد الفتاح مسوؤل قسم أوروبا لجبهة البوليساريو , اجتمعا في العاصمة الجزائرية الجزائر للتفاوض حول اتفاق سلام بين الجانبين , وتوصل الجانبان إلى الاتفاق على ما يلي :
أ- اعتبارا لارتباط الطرفين الصحراوي والموريتاني بمبادئ ومواثيق منظمتي الوحدة الإفريقية و الأمم المتحدة المتعلقة بحـق الشعوب في تقرير مصيرها واحترام الحدود الموروثة عن الاستعمار .
ب- اعتبارا لإرادة الطرفين الصريحة في إقامة سلام عادل ودائم بين جبهة البوليسـاريو و الجمهورية الإسلامية الموريتانية وفقا لمبادئ التعيش السلمي , الاحترام المتبادل وحسن الجوار .
ج - اعتبارا للضرورة الملحة لدى الطرفين في إيجاد حل شامل ونهائي للنزاع يضمن للشعب الصحراوي كل حقوقه الوطنية و السلام والاستقرار في المنطقة .
1/ تعلن الجمهورية الإسلامية الموريتانية رسميا انه ليس لديها ولن تكون لها مطالب ترابية او غيرها في الصحراء الغربية .
2 / تقرر الجمهورية الإسلامية الموريتانية الخروج نهائيا من حرب الصحراء الغربية غير العادلة وفقا للإجراءات المحـددة في الاتفاق مع ممثل الشعب الصحراوي جبهة البوليساريو .
3 / تعلن جبهة البوليساريو رسميا انه ليس لديها ولن تكون لها مطالب ترابية أو غيرها في موريتانيا .
4 / جبهة البوليساريو باسم الشعب الصحراوي والجمهورية الإسلامية الموريتانية تقرران حسـب الاتفـاق الحالي توقيع سلام نهائي بينهما.
5 / اتفق الطرفان على عقد لقاءات دورية بهدف تطبيق الإجراءات المعلن عنها في (1 و 2).
6 / يقوم الطرفان بتبليغ هذا الاتفاق مباشرة بعد توقيعه إلى رئيس منظمة الوحدة الإفريقية , أعضاء لجنـة الحكماء , الأمينين العامين لمنظمتي الوحدة الإفريقية والأمم المتحدة وكذلك إلى رئيس منظمة بلدان عدم الانحياز .
وقع في الجزائر في 5 أغسطس 1979" .
بعد اتفاقية السلام مباشرة دخل الغزو المغربي ليبسط سيطرته العسكرية على المناطق التي اخلتها موريتانيا، بعد عملية السلام الموقعة مع جبهة البوليساريو، وبذلك تكون موريتانيا خرجت من حرب ايقنت النخب العسكرية والسياسية الموريتانية انها خاطئية في دخولها، وتجنب الاشقاء من الجانبين نار الحرب التي اكتوو بها طيلة سنوات الحرب، لكن ما يعاب على بعض الاشقاء في موريتانيا هو انهم لم يتجاوزوا بعد عقدة الهزيمة في حرب الصحراء الغربية.
وتدخل جبهة البوليساريو في حربها الحقيقية مع المغرب الذي اوجعته ضربات المقاتلين الصحراويين العارفين بخبايا الصحراء, وقدرتهم على التحمل والمقاومة، وهو ما دفع بالمغرب الى الاحتماء بمظلة الامم المتحدة لوقف الحرب والدخول في مفاوضات سياسية حول تنظيم استفتاء تقرير المصير للشعب الصحراوي ترعاها الامم المتحدة .
بعد انقضاء الحرب وتوقيع معاهدة سلام شاملة التزمت موريتانيا ببناء علاقة حسن جوار مع الصحراويين، لكن مع مرور الزمن شكّل موقف موريتانيا على الصعيد الدولي وخاصة تجاه ما يحدث في الصحراء الغربية خيبة امل لدى الصحراويين، فقد كانت دائما تعمد إلى بناء مواقف تتوسط رغبة الطرفين المتنازعين على الصحراء الغربية، لكن يبقى هذا بالنسبة للصحراويين اداء خارج عن نص المعاهدة التي وقعت مع موريتانيا سنة 1979، ولا يرقى إلى تطلعات الشعب الصحراوي الذي كان دائما إلى جانب الموريتانيين فترة الاستعمار الفرنسي.والزيارات التي يقوم بها دبلوماسين صحراويين تجاه موريتانيا لا تحمل اساسا مضمون كاف من شأنه تلبية تطلعات الشعبين الصحراوي والموريتاني، وانما هي جس نبض يقوم به الصحراويين، بغرض تحديد مستوى العلاقة مع موريتانيا، فالزيارات لا تعتبر اساسا فرصة لتغذية العلاقة مع موريتانيا، لأن مجال المصلحة ضيّق في الوقت الراهن، والرابط المتوفر لا يعلو عن العلاقة التقليدية المبنية على الحياد تجاه النزاع، والدليل هو عدم انخراط موريتانيا في مواقف تخدم الصحراويين، فبما أنها كانت طرف في النزاع يمكنها الاعلان اليوم بصريح العبارة أنها تعتبر وجود المغرب داخل الاراضي الصحراوية احتلال خارج عن نطاق الشرعية ويلزمه حل سريع، وتفعّل اعترافها بالجمهورية الصحراوية من خلال بناء علاقات تراعي مصالح البلدين اقتصاديا، امنيا…. وتتجاوز الاطار التقليدي المبني على علاقة تقتصر فقط على الامن الحدودي.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *