-->

حملة إنتخابية

مع إقتراب إنعقاد المؤتمر 14 للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب
تدخل حركتنا التحريرية منعطفا بالغ الأهمية يتجلى من بين عدة أمور في المحك الهام والمهم الذي تجد نفسها فيه، والمؤسف والذي يحز في النفس هو أننا منذ زمن ليس بالقريب لم نعد نحن الصحراويين نتحدث عن حركة بالمعنى الحقيقي للكلمة بل نتحدث عن اشخاص إختزلوا كل شئ في ذواتهم. وهذا المحك الذي أرغب في تناوله في هذه الحملة الإنتخابية يتمثل في ضرورة أن تخرج الحركة /الأشخاص من الشرنقة على شكل مولود جديد مفعم بالحيوية مملوء بالحياة قادر على العطاء والتجديد أو على الأقل ولحفظ ماء الوجه يعطي صورة مشرقة للحركة وليس للاشخاص بأنها طبيعية ليست عقيمة وبأنها ليست ملكية خاصة. وباليقين لايوجد خلاف بين الصحراويين شملا على ضرورة النضج والبلوغ بعد أن صار عمر الوعي الوطني قد تجاوز الاربعين عاما.
للاسف الموجع مرت الحركة التحريرية بمطبات عديدة لم تُعالج بشكل طبيعي والنتيجة طبعا غير طبيعية، وهي مظهر خداع وجسم منفوخ يعكس قوة مرئية تحتها عظام متهالكة هشة تتشقق كل يوم ألف مرة وتتجه نحو الإنهيار مالم يسعفها الزمن بحقنات طبيعية من الكالسيوم وغيره من الضروريات. ومهما كان المبرر في تلك المعالجات، فإنها عن قصد أو غيره تحولت إلى قانون ضمني يحكم مفاصل التنظيم ويشله عن التقدم وتحقيق الغاية الأساس وهي تحرير الأرض، بل هي (تحرير الارض) سبب وجود هذا التنظيم وهدفه المعلن أصلا. ولايمكن لأي كان القبول بإستمرار ممارسات هذه الحركة/ الأشخاص التي لا تهدف إلى تحقيق تلك الغاية.
كانت المنظمة ـ ولاتزال ـ مع إقتراب كل مؤتمر تتشبع بالأمل ومع إعلان إختتامه تنهار بفعل الألم، كان الإنسان الصحراوي ـ ولايزال ـ يحلم بعلاج طبيعي لمعاناته مع حلول أي ندوة أو إجتماع أو مهرجان سياسي "ليس ثقافي" وتنتهي كل تلك الفعاليات بحقنات مسكنة تخدره أيام ليستفيق على حاله أسوأ مما كان. فالعدو ضده بالطبيعة، والطبيعة ضده، والواقع اليومي بمأساته وبؤسه ضده، والنخبة للأسف ليست معه حتى لا نقول أنها ضده، فالنخبة التي تدافع عنه تتخندق بعيدا عن معاناته. تفكير النخبة يختلف عن تفكير اللاجئ، هو يسعى ويكد في الفيافي ليقول للعالم أنه لاجئ قضية والنخبة أو من تولى منها زمام الأمور يتاجر بالموضوع (أو ولكي لانظلم أحدا -عن غير قصد- هذا ما يقوله جوهر الحال) ويستخدم العبارة الرنانة (حق تقرير المصير) لإستدرار الهبات الإنسانية وهي ليست غاية اللاجئ. الإنسان الصحراوي في المنفى يمضي يومه في الكد والنكد ويشارك في كل الفعاليات المحلية والجهوية والوطنية بإسم الوحدة الوطنية مقتنعا بها معتنقا أياها فعلا لا قولا، والنخبة أو من تولى منها زمام الأمور، وبكل وقاحة وقلة أدب وإنعدام الحياء تُشرف على إختتام تلك الفعاليات وتنزوي بأبناء العمومة لتطعنه (الإنسان الصحراوي ) في الظهر و "بإسم الوحدة الوطنية". والصورة النشاز غير المهضومة التي تتكرر أمام أعيننا كل صباح منذ سنوات خير دليل على تناقض تفكير النخبة وتفكير اللاجئ الصحراوي، وهي صورة ناطقة وبصوت عال تتمثل في خروج أغلب القوم (النخبة من أعضاء الأمانة والحكومة وأغلبية الإطارات العليا والمتوسطة) من مخبأهم في المدينة المجاورة متجهين إلى المنفى المجاور ليعطونا دروسا في النضال و"الصمود" و"الوحدة الوطنية" ثم يعودون مساءا بغير خجل إلى مساكنهم ومدارس أبنائهم في البلد المجاور، والتي تتوفر على قدر كبير من المعايير الكريمة وتتنافى بنسبة مئة بالمئة مع معايير اللجوء. وهذه الصورة هي الاقرب والاقل كلفة للتمعن والتبصر، ووردت في الخاطر للإستدلال فقط ونكتفي بها لمن بالإشارة يفهم. فالصور لا حصر لها وأكثر ايلاما ولاأراها تناسب المقام.
الآن بعد هذا التقديم وجب أن نتساءل من باب البحث عن مخرج هل نلوم النخبة في معناها الضيق (إطارات سياسية وتنظيمية مع صعوبة الفصل بينهما) بممارساتها وتوليها دفة السفينة؟ أم اللاجئين المهروسين والمطحونين تحت وحشية المنفى ورحى الريح والحروالبرد وقلة الحيلة؟ إن الإناء الذي يجمع كل ذلك هو المؤتمرات الشعبية العامة للحركة/التنظيم والذي نسميه قانونا أعلى هيئة سياسية في التنظيم الوطني الثوري، فمن يجتمع في هذا الموعد؟ قطعا لا يجتمع اللاجئين، بل مجموعة ضئيلة منهم تتبلور من خلال الندوات المحلية. النخبة هي التي تجتمع، الأغلبية تشارك تحت بند (الصفة) وهي معنى واضح للإنتماء لقلب وروح الحركة ويراد لها دائما ويوفر لها غطاء شاعري خلاب يلتحف بجلباب "المناضلين". ويخرج هذا الملتقى الوطني كل مرة بنفس الأشخاص/الحركة سواء بصدفة "مدبرة"، أو بأمر دبر بليل، أو بتحريك خيوط في الخفاء مع بهرجة معلنة وأنوار ساطعة تخفي شوائب العملية. لعله إتضح الآن أين يجب إلقاء اللوم.
هذا ليس هو التنظيم الذي كنا نفتخر بالإنتماء إليه، ليست القضية "العيش بفتات الآخرين وإستمرار المنفى" التي كنا نناضل من أجلها ونسعى للموت في سبيلها، ودفنا ثلاثة أجيال في أرض قاحلة لايتمنون الدفن فيها سعيا لتغيير واقع الشعب الصحراوي. التنظيمات والنخب الطبيعية منصهرة في وسط جماهيرها ليس فقط لأن تلك هي وضعيتها الطبيعية بل لأنها من خلال ذلك يمكنها التحرك صوب الهدف المقصود، فالساكن في بيت أسمنتي في بلد مستقل ويسجل أبنائه للدراسة في مدارس بلد مستقل وينعم بنعمة الكهرباء والماء، عليه أن يخجل من نفسه عندما يقف أمام اللاجيئات واللاجئين الذين يسكنون تحت سرابيل الخيم ومربعات من الطين ويصرخ في وجوههم هيا نواصل "الصمود" هيا نواصل الكفاح حتى التحرير. هل وجد اللوم موطنه؟ 
بعد ايام قليلة سيلتم شمل النخبة في إطار أعلى هيئة سياسية في سلم تنظيمنا الوطني الثوري، ستجد الحركة نفسها على المحك، وتجد حالها في المكان الذي يجب عليها منه تحديد ولما لا "تجديد" المسار. فهل سيستجيب المؤتمر – وهذا هو الواجب- ويتعاطي مع روح وجوهر القضية؟ هل ستنتفض النخبة على المهرجانات والبهرجة وصراخ النجدة و"كرامة" المعونات الإنسانية وتستبدلها ببهرجة نغمات التحرير ودق الطبول وتنتفض على الجدران الرملية التي اصبحت تحيط بكل شئ حتى الحلم والتفكير، فكيف يمكننا أن نسعى من أجل التحرير دون تحقيق التغيير؟
النخبة في هذا المؤتمر مسؤولة أمامه كتمثيل لكل الصحراويين وفوق كل ذلك مسؤولة أمام الله أن تستحضر الواقع على مرارته، والطريق على مشقته، وتتخذ ما يلزم من قرارت تعيد القوة والحياة إلى الجسم الوطني، وتدفعه إلى الأمام ليتخلص من المراوحة طويلة الأمد، ولتحقق للجيل الرابع حلم الأجيال والأباء والأجداد. وفي سبيل ذلك عليها أي النخبة أن تؤمن بحقيقة أن التنظيم الذي لايتجدد بالطبيعة سيتعفن هذه سنة الحياة ومن يخالفها يحصد النتيجة.
بقلم: حمادي البشير

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *