-->

الحالة القانونية للعمال الصحراويين إبان الاستعمار الاسباني بين الحل القانوني والموقف السياسي


يمثل ملف العمال الصحراويين الذين كانوا يعملون في الشركات الاسبانية إبان الاستعمار الاسباني للصحراء الغربية ،و الذين تركوا للمجهول بعد مغادرة الإدارة الاسبانية التي كانت تدير هذه الشركات
بداية المشوار ...أول الغيث قطرة :
باشر الاتحاد العام للعمال الصحراويين الملف سنة 2003 كجهة وصية للخوض فيه و الدفاع عنه و منذ ذلك الحين و الاتحاد يعمل بالتنسيق مع نقابتي اللجان العمالية الاسبانية، و الاتحاد العام للعمال الاسبان و كذا بعض الأحزاب الاسبانية الصديقة على التحسيس بالموضوع و إثارته لدى الرأي العام الاسباني كقضية حقوقية على الدولة الاسبانية تحمل كامل المسؤولية تجاهها ، وقد اسفر العمل في هذا المجال عن انعقاد اجتماع سنة 2003 بين اتحاد عمال الساقية الحمراء ووادي الذهب و المنظمات النقابية الاسبانية المذكورة نتج عنه : الاتفاق على ضرورة الحصول على تقارير الحياة العملية لكافة العمال الصحراويين، التي يتحدد من خلالها المدة التي تعترف بها الإدارة الاسبانية لهذا العامل أو ذاك من أيام عمل .
بعد الاجتماع شرع الاتحاد في إعداد طلبات لكافة العمال الصحراويين الذين لديهم رقم الضمان الاجتماعي الاسباني على أساس أنه دليل لا يمكن نكرانه حيث تقدم بحوالي 2600 ملف عامل للنقابات الاسبانية التي تعتبر الوسيط بين اتحاد العمال الصحراويين و الضمان الاجتماعي " كما شرع الضمان الاجتماعي الإسباني في إعادة تنظيم و ترتيب الأرشيف في جزر الكناري و تطلب ذلك وقتا طويلا حوالي 18 شهرا وبعد الانتهاء من الإجراءات الإدارية شرع الأخير في الاستجابة لطلب النقابات في نقل الملفات إلى العاصمة مدريد و أرشفتها الكترونيا بعد أن كانت بأرشيف ورقي ثم بدأ إتحاد العمال يستقبل تقارير الحياة العملية على شكل مجموعات عن طريق البريد و الموقعة من طرف المدير العام للضمان الاجتماعي مبعوثة للأشخاص وتحتوي على كل المعلومات ذات الصلة بالموضوع حيث تم تسليمها لذويها مباشرة عن طريق المنظمة
وضعية قانونية غريبة وفريدة من نوعها :
يستند المدافعون عن حقوق العمال عادة الى الأسس و القواعد القانونية التي تكفل حقوق العمال وتصنف وضعيتهم القانونية - تقاعد، تسريح أو خروج طوعي... - كضمان لمشروعية الدفاع وورقة ضغط تبين لا مشروعية الإجراءات المتخذة ضدهم، غير أن الوضع هنا يختلف عما سلف فالعمال لم يأخذوا حق التقاعد باعتبار مدة العمل ولم يتم تسريحهم ولا هم خرجوا طواعية من الخدمة في الشركات، فهي إذن حالة خاصة و نادرة في القانون الاسباني لم يصنفها القانون و بالتالي لم يقترح لها حلولا ولا سن لها مواد قانونية تفصل في أمرها عند الضرورة ، فالإدارة هي التي غادرت لتطورات سياسية و تاريخية معروفة .
غرابة الحالة القانونية تستدعي النقاش بين الحل القانوني و السياسي :
في ظل الفراغ القانوني للحالة وغموضها ووجوب الخوض فيها وعلاجها تم الاجتماع بين اللجنة النقابية الاسبانية و الضمان الاجتماعي الاسباني تمخض عنه اعتراف الأخير بضرورة الفصل في المسألة .
و لأن القانون لا يمنح للعمال الصحراويين حق التقاعد - قصر مدة العمل منذ إنشاء نظام الضمان الاجتماعي - بدأ التفكير في الحل السياسي كحل يتماشى مع الوضعية التي عجز القانون عن تسويتها، أمر يتطلب تدخلا من البرلمان لإقرار قانون يمنح للحكومة الحق في حل المشكل.
وعلى الرغم من عدم خوض القانون الاسباني في المسألة كحالة فريدة و نادرة إلا أن ذلك لا ينفي حقوق العمال الصحراويين كونهم لم يوقعوا على خروجهم من العمل فالإدارة هي التي رحلت بعد اتفاقية مدريد في 14 نوفمبر 1975 والتي سلمت بموجبها اسبانيا الصحراء الغربية للمغرب و موريتانيا، مما أسفر عنه ضياع مئات فرص الشغل دون أن تنهي عقود العمل أو تدفع المستحقات المكتسبة من عمل عشرات السنين مع إدارات الشركات المغادرة، و في هذه الحالة يعتبر العمال عمالا تم التفريط فيهم و الخروج عنهم بطريقة فوضوية من إدارة الشركات دون الفصل في مصيرهم مما يترتب عنه حق للعامل على الشركة، وهذا ما تم تضمينه في الطعن الجماعي الذي قدمه إتحاد العمال للحكومة الاسبانية "
و في ظل استحالة الحل القانوني كمرجعية وعدم امتلاك العمال للجنسية الاسبانية التي تفرض حقوقا حسب القانون لم يكن هناك بد من اللجؤ للحل السياسي المتمثل في التعويض كحل يضمن حق العمال "
2008 ... الصراع الحزبي يصد تقدم الملف :
في نهاية سنة 2007 الحكومة الاسبانية تقدم الملف للموازنة السنوية لسنة 2008 بضغط من النقابات الإسبانية و بعض الكتل البرلمانية.
هذا الحل يتم بموجبه رصد مبلغ خاص لتعويض العمال الصحراويين، ضمن في إحدى توصيات تقسيم الموازنة السنوية وهي التوصية رقم139 بتوقيع ثلاث أحزاب كما ينص على ذلك القانون الاسباني – توقيع ثلاث كتل برلمانية على الأقل ليصل إلى الموازنة وقد وقع على الموافقة كل من ( كتل اليسار الموحد ، الخضر و المبادرة من اجل كاتالونيا ) بالتعاون مع اللجنة النقابية و ادرجت المسألة في الموازنة السنوية لسنة 2008.
في هذه الفترة قام الحزب الاشتراكي وبصفته الحكومية بتحويل مبالغ طائلة كتعويض للمتضررين من عهد "فرانكو " تحت مجموعة من العناوين : طرد ، تسريح ، سلب الممتلكات تحت مظلة قانون " الذاكرة التاريخية " وقد تمخض عن هذه الخطوة الحكومية ظهور جدل حاد داخل قبة البرلمان الاسباني وتم اتهام الحزب الاشتراكي من طرف الأحزاب الأخرى و في مقدمتها الحزب الشعبي بإنهاك الخزينة واستنزاف المال العام وبعض التهم الأخرى ...و أثار ذلك أزمة سياسية بين الأحزاب في قبة البرلمان واعتراضا على صيغة توزيع الموازنة ورفضا لسياسة الحكومة بشان الأموال التي تم رصدها للتعويض.
وفي ظل الخلاف المحتدم تم رفع الموازنة من البرلمان إلى مجلس الشيوخ الذي يأخذ عادة صيغة توافقية في الفصل في المسائل الخلافية ، الذي قام في الأخير بإلغاء التوزيع السنوي لسنة 2007 و اعتماد توزيع سنة 2006 في محاولة لفض الخلاف بين الأحزاب وبهذا تكون التوصية الخاصة بالعمال الصحراويين ملغية حتى دون نقاشها في قبة البرلمان مع عشرات التوصيات .
الحزب الاشتراكي و لعنة الموقف السياسي :
بعد إلغاء الموازنة السنوية لسنة 2008 التي تضمنت التوصية الخاصة بالعمال الصحراويين يكون الملف قد رجع لنقطة البداية، ومعه يتم إعادة هيكلة الأهداف، التي تمحورت اساسا حول إرجاع الملف إلى قبة البرلمان .
هذه الخطوة تطلبت نقاشا مكثفا مع الكتل البرلمانية على انفراد لإقناعها بالملف في محاولة لخلق إجماع برلماني لحل المشكل ، وقد نجح الإتحاد واللجنة النقابية الإسبانية في إقناع الكتل البرلمانية وعلى الرغم من كثرة الاجتماعات في هذا الشأن وتوالي الوعود و الالتزامات إلا أن الحزب الاشتراكي وكعادته في الموقف السياسي وقف بالمرصاد أمام الملف بإطالة أمده و انتهاجه لسياسة التسويف باعتباره يمثل الأغلبية حينها و لا وجود لتقدم بدون موافقته ، وبقي الملف أسيرا لإرادة الحكومة الاشتراكية .
2011 نهاية المضمار ... و تأجيل الثمار ؟ !!!:
يونيو / 2011 قامت الحكومة الاسبانية وفي خطوة مفاجئة بتقديم توصية تتضمن ما يلي "على الحكومة في ظرف شهرين إعداد تقرير يتضمن كافة الصحراويين العاملين بالشركات الاسبانية إلى غاية 1976 ، تاريخ الخروج الاسباني من الصحراء الغربية كما يتضمن الكلفة وصيغة التنفيذ و الآجال الزمنية " هذه التوصية تم تمريرها بالبرلمان ووافق عليها كما أنها مرت على مجلس الشيوخ واجازها هو الأخر لتصدر في الجريدة الرسمية الاسبانية العدد 184 الصادر بتاريخ 2/8/2011 و التي تعتبر قراراتها نهائية وقد شكلت الخطوة اكبر انجاز تم تحقيقه في هذه القضية باعتبار إلزامية قرارات الجريدة الرسمية وقوتها القانونية، حيث تعتبر هذه التوصية أعلى سقف وصله الملف ، كونه خرج عن نطاق حسابات الأحزاب و أصبح هما للدولة الاسبانية بغض النظر عمن يديرها و يسيرها وهذا أهم انجاز يتم التوصل له في هذا الموضوع حيث كان من المفروض أن يتم الشروع في تنفيذ التوصية بعد انقضاء المدة المحددة من تاريخ صدور الجريدة ، أي انه بعد شهرين يصدر التقرير النهائي الذي بموجبه يتم تنفيذ القرار"
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن:
بعد صدور التوصية في الجريدة الرسمية لم يكن أكثر المتشائمين ليتوقع أن القرار يمكن تجميده نتيجة لأي ظرف كان، إلى درجة أن الاتحاد اتصل ببعض أعضاء اللجنة النقابية يستفسر عن القرار وهل هناك تخوف من إمكانية عدم تنفيذه ؟ ليأتي الرد بالنفي باستثناء حالة وحيدة وهي إجراء انتخابات مسبقة مما يعطل و يجمد تنفيذ القرار مؤقتا ، ومن الغريب أن هذا ما حدث بالفعل فقد أعلن الاشتراكيون عن انتخابات رئاسية مسبقة فتم تعطيل البرلمان و الحكومة و شرعت لجنة الانتخابات في التحضير... و بالتالي غاب الاهتمام بالقرارات التي كانت تنتظر التنفيذ تأثرا بالمستجدات التي قلبت الموازين و جمدت كل التوصيات في انتظار تفعيلها و العمل على تطبيقها باعتبارها جزءا من برنامج ورد في الجريدة الرسمية الملزمة .
وقد اسفرت هذه الانتخابات عن صعود حكومة الحزب الشعبي إلى سدة الحكم وبالتالي وجب إعادة تذكير البرلمان الجديد واستغلال الأحزاب الصديقة لإثارة الملف والمساءلة بشانه ، وذلك ما فعله حزب " الاتحاد من اجل التقدم والديمقراطية " الذي تساءل عن مدى جدية الحكومة في تطبيق القرار، كما بعثت اللجنة النقابية الإسبانية إثر اجتماعها في شهر يونيو مع ممثل الإتحاد العام للعمال الصحراويين رسالة إلى كاتب الدولة المكلف بالعلاقة مع مجلس الشيوخ يذكرونه فيها بنص القرار ويطالبونه بتفعيله .
مصير القرار... بين الإلزام القانوني و الأزمة الاقتصادية ؟: 
يجمع المتتبعون لهذا الشأن على وصول الملف لنقطة الأمان التي لا تخوف فيها على مصيره، فإلزامية تنفيذه مضمونة قانونا، غير أن الظرف الحالي للدولة الاسبانية لا ينبئ بإنفراج قريب على الأقل، فالدولة الاسبانية تعاني حسب المختصين من ضغط رهيب بفعل تداعيات الأزمة الاقتصادية كإرتفاع معدل البطالة, انتهاج سياسة التقشف، التهديد المحدق بأكبر بنوكها، التي غدت بحاجة لتعزيز احتياطها من السيولة النقدية، التراجع الكبير للأنشطة الاقتصادية في الفترة الحالية و ... كلها عوامل ساهمت في تأجيل و تجميد القرار وغيابه آنيا من اهتمامات الحكومة نظرا لغياب المعطيات المحفزة لذلك .
و رغم إدراك خصوصية المرحلة التي تمر بها الحكومة الاسبانية وما يجره ذلك من تداعيات على الملف إلا أن ذلك لم يمنع الإتحاد من المطالبة المستمرة بالحصول على آجال زمنية لتنفيذ القرار أو التزام أو تعهد يطمئن على مصيره , حيث من المفترض أن تكاتب اللجنة النقابية الإسبانية المكلفة بالملف الضمان الإجتماعي الإسباني لمطالبته بالإسراع بتنفيذ القرار.
المصدر: موقع المؤتمر السابع لاتحاد العمال

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *