-->

ندوة الخارجية الصحراوية الواقع ، والمأمول


يعتبر النشاط الخارجي في حالتنا الصحراوية استثناء للقاعدة فهو نشأ وتطور في ظروف جدا مختلفة و صعبة وبالغة التعقيد ــ حركة تحرر وطني في المنفى ــ الا انه اخذ بالتوسع والتطور، واحتل موقعاً مرموقاً في العملية النضالية والثورة الصحراوية جنبا الى جنب مع العمل العسكري والتنظيمي ، واستطاع عبر عقد ونصف من الزمن ان يحقق انجازات ونجاحات كبيرة على صعيد العلاقات الدولية، من قبيل فتح قنوات الإتصال السياسي والدبلوماسي مع الكثير من شعوب العالم و بناء شبكة علاقات من خلال فتح سفارات ومكاتب تمثيل دبلوماسي في مختلف القارات، وذلك بهدف تأمين اعتراف هذه الدول بحقوق الشعب الصحراوي المشروعة ، وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير و الاستقلال الوطني والسيادة ، كما يسجل للعلاقات الخارجية للبوليساريو كسب تعاطف وتأييد الرأي العام الدولي إلى صف القضية الصحراوية، واثبات عدالتها للجميع بما في ذلك شرائح من القوى الحية في المجتمع المغربي نفسه
وقد كان لخصوصية القضية وعزيمة مناضليها، واندفاعة طاقمها الخارجي، وحسهم العميق بالمسئولية، ووعيهم بطبيعة عملهم، وبالأهداف التي يسعون إلى تحقيقها، ولنطاق المهمات المنوطة بهم، الدور البارز في تحقيق الانتصارات السالفة الذكر، دون أن ننسى دعم الحلفاء والأصدقاء
وغني عن البيان ان البوليساريو ، و ادراكا منها لما يتميز به العمل الخارجي من خصوصية وحساسية، قد عمدت من خلال ما بات يعرف تقليدا بالندوة السنوية للعلاقات الخارجية، أن يظل الفعل الدبلوماسي كوسيلة من وسائل السياسة الخارجية ، دائما محلا للدراسة و التحليل والنقد، والتقييم الشامل والمتكامل ليس فقط للسياسات بل للمؤسسة الوصية نفسها وأداء الأشخاص أيضا، من أجل الوقوف على الحصائل ، وتقييم مناحي الضعف
لكن مع نهاية ثمانينات القرن الماضي عرفت الجبهة الخارجية تراجعا لافتا ، وبخاصة بعد المنعطف الحاد والمتمثل في الواقع الذي فرضه تململ في الساحة الداخلية و ما صاحبه من شروخ في أبنية التنظيم ... اضافة الى وقف اطلاق النار و ما تبعه من تحول ورخوة، سواء من ناحية البرامج التي أصبحت فضفاضة، او الهيكلة التي طالها الغموض، حيث اصبحت الخارجية يتنازع تصريف امورها عدة جهات عليا، ابتداءا من الرئاسة حيث يعتبرالدستور الصحراوي بشكل واضح السياسة الخارجية، من صلاحيات رئـيس الجمهورية بصفة قطعية، فهو الذي يقررها ويوجهها، كما يعين السفراء والممثلين، مرورا باللجنة الوطنية الصحراوية للاستفتاء، ووزارة الخارجية، والوزراء المنتدبون.. وليس انتهاءا باستحداث لجنة الخارجية على مستوى الأمانة العامة للجبهة، وهذا التداخل الوظيفي هو السبب الذي حدّ برأيي من عملية المحاسبة أو المساءلة في حدها الأدنى، الشئ الذي يجب معالجته بالسرعة المستطاعة لتدارك مفعوله السلبي على الأداء الدبلوماسي الصحراوي
ندوة الخارجية التي انعقدت نهاية ديسمبر الماضي، ولمدة خمسة أيام على التوالي {27، 28، 29، 30 ،31 } يحسب لها: حضور الجهات الوطنية ذات العلاقة والتي تتقاطع أنشطتها مع الخارجية ، الى جانب عديد الفاعلين من دبلوماسية برلمانية، ومنظمات جماهيرية وغير حكومية ، حيث يفترض أن تكون فرصة للتشاور الجماعي ووضع الخطط، واستشراف المستقبل واثراء البرامج، والتنسيق بين كافة أطراف "العملية القرارية" وتحديد الآليات والخطوات اللازمة لتنفيذها على نحو يحقق توازناً أفضلا، كما كان للمحاضرات التثقيفية، التي القاها مختصون وأكاديميون صحراويون وأجانب اضافة مفيدة، دون اغفال المداخلة القيمة والمكتوبة للوزارة المنتدبة لافريقيا، والتي كانت ثمرة عمل جماعي انعكس من خلال اشراك المعنيين من الخبرات الوطنية في السفارات و البرلمان الافريقي
و يؤخذ عليها:
ـ غياب تحليل وافي وشافي ، مرتكزعلى تقديرات دقيقة ومستنيرة عن الوضع الراهن عموما ، و المسار التفاوضي وآفاقه خصوصا، ورسم معالم جلية يسير على هديها أعضاء السلك الخارجي للجبهة، ويسترشد بها كل العاملون في حقلها الدبلوماسي
ـ رغم أولوية المعركة مع العدو في افريقيا {قضية الساعة} لم تخصص الندوة وقتا كافيا للتطورات المتلاحقة والسناريوهات المحتملة في حال قبول أو عدم قبول المغرب في الاتحاد الافريقي
ـ عدم برمجة مداخلة لوزارة الاعلام كشريك رئيسي في العمل الخارجي ، خصوصا ان الاعلام نال قسطا وافرا من النقد واللوم من طرف بعض المتدخلين {تم تدارك الخطأ في جلسات لاحقة}
ـ ضعف في بعض جوانب التحضير السياسي للندوة ، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال التغيير المستمر لجدول الأعمال و ما عكسته تدخلات بعض الوزراء المنتدبون تلميحا أوتصريحا "أنا هذا ما كنت عالم به.. الخ"
ـ تكرار وزيرالخارجية لأكثر من مرة وبشكل علني في بعض جلسات الندوة مؤكدا على اجراء حركية فورية على مستوى بعض السفارات والممثيليات، أو في أبعد تقدير مع اختتام الندوة وهو ما لم يحدث ، في وقت لم يتطرق بقية المعنيين للموضوع من قريب أو بعيد
ـ حالة من الحيرة والارباك ، انعكست على التلقائية والارتجال في تسيير الجلسة الأخيرة للندوة التي لم تكن مبرمجة أصلا والتي بدأت وانتهت بدون جدول أعمال، وبدون نتيجة تذكر، رغم ما كان ينتظر منها من حلول أو على أقل تقدير اجابة على انشغالات ومشاكل التسيير االتي طرحت بموضوعية والتي بقيت عالقة ومؤجلة كالعادة الى حين، وليس أقلها حرب الميزانيات
ـ خروقات وتجاوزات في اعداد تأشيرات المندوبين ، و بطريقة تعيد الى الأذهان ما حدث من تأخير للوائح المشاركين من الخارجية في المؤتمر الرابع عشر للجبهة ، حيث حرم المشاركون من جلسات الندوة التحضيرية بسبب عدم تلقي لجنة اثبات العضوية للوائح من يحق لهم المشاركة بالصفة ، وقد تطلب الأمر تدخلا شخصيا من الرئيس الشهيد محمد عبد العزيز لحل الاشكال، علما بأن أهم ما يميز صدور القوانين الصحراوية في المجال الخارجي ويذهب عنها الالتباس ويكسبها قوة الشرعية، هو كونها تصدر عن رئيس الجمهورية حصرا
ثمة اجماعا وطنيا صحراويا، وحاجة تقتضي تحديث الممارسة الدبلوماسية وأدواتها، وتتطلب تغييرا مفاهيميا من أجل النهوض بمؤسسة الخارجية الصحراوية ، وعليه نقترح هذه المساهمة المتواضعة
ـ إصلاح النظام الاداري القائم حاليا وجعله يتماشى و يتناسب مع الظروف الجديدة، ليتسنى له متابعة ورصد القضايا الهامة، ومعالجة المعلومات والتقارير التي ترد إليه، وتزويد البعثات والمكاتب بما يلزم من مواد ونشرات وتقارير إعلامية تتصل بمهامهم ، و رصد ومتابعة ما ينشر في وسائل الإعلام الدولية والوطنية من أمور تتصل بالقضية أو المؤسسة
ـ استحداث قسم خاص بامريكا الشمالية ، وتقوية مكتب نييورك ، وفتح قنوات اتصال جديدة بالأمم المتحدة، وعدم الاكتفاء بتقرير شهر ابريل أواللجنة الرابعة كما هو الحال، والاستفادة من الاتحاد الافريقي ممثلا في مبعوثه الخاص السيد شيسانو
ـ العمل على فتح آفاق جديدة بالوطن العربي
ـ الاستفادة من قدرات الطاقات الشابة بالمركزية وفتح المجال أمامهم
ـ إعداد برامج للتدريب الدبلوماسي والقنصلي في معاهد الدول الصديقة، أو المعاهد الوطنية والاستفادة من التراكم التاريخي في الممارسة للدبلوماسيين الصحراويين المخضرمين
ـ تطوير قاعدة معلومات خاصة بالمنظمات الدولية والإقليمية والقرارات التي تتخذها في الشؤون المختصة بها ، وتزويد متخذ القرار بها على نحو يساهم في ترشيد القرارات وتأكيد الاستفادة من المشاركة الصحراوية في أنشطة هذه المنظمات، و متابعة حصص الجمهورية في وظائف الاتحاد الافريقي
ـ إجراء ما يلزم من التعيينات والتنقلات اللازمة " الحركية" بما يتناغم ويستجيب لمتطلبات المرحلة ، خصوصا على مستوى عواصم التأثير و القرار
ـ اعداد إطار قانوني شفاف ومعلن يحدد الصلاحيات ويبين المهام لتفادي أي تداخل في الاختصاص وللحفاظ على المناخ الايجابي والودي بين اطارات الخارجية الصحراوية
ـ إصدار نشرة متخصصة يتم تعميمها على جميع البعثات
ـ العمل على إعادة فحص كافة الاجراءات التي تتعارض مع أحكام المراسيم الرئاسية الذي تنظم العمل الخارجي
أخيرا يجب أن تكون لدبلوماسيتنا مردودية تبرر ما تكلفه من نفقات ، وأن تترجم الى أرض الواقع خطاب الرئيس فيما يتعلق بالقطيعة مع سنوالت التراخي الماضية، وأن تعتمد مبدأ النقد والنقد الذاتي وإصلاح الخطأ أولاً بأول، وهذا ينبغي أن يأتي في مقدمة الأولويات، وان لا يسمح باجهاضه أو اعاقته من قبل قوى الشد العكسي من داخل وخارج مؤسسة الخارجية
محمد لبات مصطفى

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *