-->

المغرب ومناورة الانضمام الى الاتحاد الافريقي، الجزء الثاني


ان المتتبع للخطوات التي يتبعها المغرب في اطار علاقاته الدولية، سيستنتج دون عناء بأنه يعتمد على دبلوماسية ردة الفعل، و محاولات التشويش و استجداء المواقف، و شراء الذمم عندما يتعلق الامر بالقضية الصحراوية، ولكنه رغم الفشالات و خيبات الامل التي تصاحب كل فعل يقوم به من اجل اجهاض المواقف المتقدمة حيال قضيتنا العادلة، بالرغم من ذلك لم يستوعب الدرس و يكرر نفس الاخطاء، و ما نراه اليوم و بالتحديد في استجدائه و تسوله عند الدول الافريقية من اجل الانضمام الى الاتحاد الافريقي، الا دليل على التخبط و العزلة الخانقة التي يعيشها منذ ثلاثة عقود خارج الفضاء الافريقي، و لكن السؤال المطروح لماذا لم يطلبها من قبل؟و لم هذا الاهتمام في هذا الظرف بالذات؟، هل بنية البناء و التفعيل؟ ام هي محاولات احداث نوع من التشرذم داخل هذا التجمع القاري؟ و لماذا انسحب في 1984؟
لن نفهم الدواعي و الاسباب وراء هذا الطلب، الا اذا عرفنا كيف كانت العلاقة بين المغرب و قارته، و لماذا انسحب منها 1984؟، و في الآونة التي تم فيها تأسيس الوحدة الافريقية، كانت افريقيا تعيش على وقع حركات التحرير، و الكثير من الدول لا يزال يعاني مخلفات الاستعمار، و سنواته الصعبة المظلمة، و قامت المنظمة على مبادى و اهداف اهمها، الدفاع و المرافعة عن حق الشعوب في الاستقلال و المحافظة على سيادتها الاقليمية، تلك المبادي التي لم يحترمها المغرب منذ انخراطه في منظمة الوحدة الافريقية، حيث عمل على شق الصف و احداث نوع من الشرخ في المواقف المؤيدة لتحرير القارة من براثين الاستعمار، فقد اجلت الاعتراف بموريتانيا، و حالت دون لوجها الجامعة العربية، و اججت الخلافات بين الدول، و عطلت عمل أجهزة المنظمة في حماية سلامة الاراضي و سيادة الدول، من خلال عقدة التوسع على حساب الجيران، حيث طالبت بأجزاء من الجزائر و دخلت معها في حرب، و هي لم تندمل جراحها بعد، جراء جلاء الاستعمار الفرنسي، ضم موريتانيا قسريا في حدود وهمية سماها” من طنجة الى نهر السنغال”، اجتاح الصحراء الغربية ،و لا يزال الى حد الآن يسيطر على اجزاء كبيرة منها، بهذا المنطق الموهوم بالتوسع، هل يملك المغرب شهادة حسن السلوك تؤهله للانضمام الى تجمع قاري، يريد ان يجعل من افريقيا قارة للسلم و الاستقرار و التعايش، بعد كل ما عانته من ويلات الاقتتال الداخلي و الحروب الاهلية، التي عطلت عجلة التنمية فيها، ففي تلك الفترة كانت افريقيا في حاجة الى من يداوي جراحها و ينقذها من وحل الصراعات، فأين ذهب المغرب حينها؟، الذي يتشدق الآن بإستثمارات كبيرة للتنمية بإفريقيا، بل نمى الخلافات و عمقها بين دول القارة.
افريقيا التي تخلى عنها المغرب منذ 1984، في اصعب ظروفها، لا يمكن ان تقبل به و هي في احسن احوالها. فلماذا هذا الاهتمام المتزايد بإفريقيا في هذه الآونة بالذات؟ هل بداعي النهوض بالاتحاد؟ ام بنية افشاله و احداث الشرخ بين دوله؟
المغرب و الاتحاد الافريقي…..و مبدأ “ليد الماصبت تكطعها حبها”
لقد اتخذ الاتحاد الافريقي قرارات مصيرية حيال قضية الشعب الصحراوي، ففي السنوات القليلة الاخيرة، تم تعيين مبعوث للاتحاد الافريقي الى الصحراء الغربية، فضلا عن عديد التوصيات و القرارات التي اتخذها القادة الافارقة، من اجل تمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره، هذا الدعم المتنامي زاد من هيستيريا المغرب، خصوصا ان تلك القرارات و التوصيات تعتمد من قبل الفاعلين في المجتمع الدولي( الامم المتحدة، الاتحاد الاوروبي، الدول الكبرى……)، لانها صادرة من اتحاد قاري له قوة تمثيل القارة مع نظرائه من التكتلات العالمية و التنظيمات الدولية، و شكلت قوة المواقف و التأييد للقضية الصحراوية ازعاجا لدى المغرب، مما حذا به الى اتخاذ قرار الانضمام، بعدما استعصى عليه ثني الاتحاد عن قناعاته الراسخة تجاه قضية الصحراء الغربية، و لكن هل ينجح في الانضمام أم سيبقى يتسول المواقف امام مبنى الاتحاد يرفرف عليه علم الجمهورية الصحراوية.
انضمام المغرب.. هل يعني الاعتراف بالدولة و الالتزام بقرارات الاتحاد ام محاولة لإحداث الانقسام ؟
يَعتبر البعض انضمام المغرب، الى الاتحاد الافريقي نصرا، و هو كذلك، لان الحجة التي اخرجته من المنظمة سابقا،*عضوية الجمهورية* لا تزال قائمة، هذا يعني ببساطة و بلغة السياسة أمر واقع لا يمكن تجاوزه، رأى المغرب استحالة تجاوز هذا المعطى ، و الشيء الثاني دخوله الاتحاد بدون شروط مسبقة، و لكن في المقابل لم يقر المغرب عبر خطاب ملكه بإحترام العقد التأسيسي ، و القرارات، و تقديم خريطته و حدوده المعترف بها دوليا، في اعتقادي بأن هذه الاجراءات لم تحترم كاملة أو لم تكتمل ، و ان كان قد تم احترامها ، يكون المغرب قد اقر بإعترافه الضمني و اقراره بأن الدولة الصحراوية حقيقة لا يمكن القفز عليها، و عبر عن حسن النوايا تجاه حل النزاع قاريا، أو ان امر لا يعدو كونه تكتيك سياسي و مناورة دأب المغرب على تطبيقها ” القبول ثم التراجع و التعطيل”، قبِل وقف اطلاق النار و خرقه، قبِل الاستفتاء و لم يطبقه، وقَع اتفاقيات هيوستن و لم يف بوعده. ان الآوان ان نفهم بأن المغرب لا يريد الا ربح الوقت و التأثير على مواقف الدول الافريقية و اخماد صوت الاتحاد الافريقي الصادح بمواقف التأييد و الدعم المطلق لخيار الشعب الصحراوي في الحرية و تقرير المصير، و يتضح ذلك جليا من خلال لغة خطاب محمد السادس، و الذي لم يشر فيه الى السبب الحقيقي في مغادرته المنظمة، بل ركز على الجانب الاقتصادي و التنموي، كمبرر لاستعطاف الافارقة، ايهامهم بأن المغرب يحمل امالا واعدة لتنمية القارة و مستقبلها، القاء الخطاب باللغة الفرنسية له ايضا اكثر من دلالة و يشتم منه رائحة، الايعاز الفرنسي و توجيهه، و بداية الحرب بالوكالة ضد معسكر الممانعة الانكلوسكسوني الداعم لقضيتنا و نية احداث الانقسام بين المعسكرين، بهذا يكون انضمام المغرب مدعاة لتعزيز دبلوماسيتنا و تقويتها داخل القارة الافريقية و دعمها بالكوادر القادرة المؤهلة، لان العدو اصبح يواجهنا في ساحة كانت مفتوحة لنا لسنوات، فلنحصد ما استثمرناه خلال اكثر من ثلاثة عقود من العلاقات مع الدول الافريقية.
بقلم: خطري الزين.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *