انتهاك حقوق الانسان و قمع الصحفيين بالمغرب ..........حليمة تعود الى عادتها القديم
الرباط( وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة ) أثار تعنيف مجموعة من الصحفيين أخيرا أمام البرلمان، بمناسبة تغطيتهم لوقفة "حفل الولاء والكرامة"، جدلا يتجدد باستمرار حول قمع الصحافة بالمغرب، الذي تجاوز كل أشكال الرقابة القبلية والبعدية، ليصل إلى ضرب الصحفيين وتعنيفهم، وهم الذين لا يزاولون سوى عملهم الإعلامي الذي يشمل تغطية جميع المظاهرات حتى تلك التي لا تتوافق مع توجهات الدولة، وذلك في إطار عمل موضوعي يقدم الحقيقة للمواطن ويجعله يدرك بعض ما يجري في بلده..
التقارير الدولية التي تعنى بتقييم حرية الصحافة في بلدان المعمور، تحدثت بكثير من القلق عن القمع المتزايد للصحفيين بالمغرب، حيث صارت مهنة الصحافة واحدة من أكثر المهن خطورة في هذا البلد، فأمنستي "منظمة العفو الدولية" كانت قد أشارت السنة الماضية إلى أن قوات الشرطة المغربية تستخدم الوحشية لقمع المتظاهرين بمن فيهم حتى الصحفيين، ومنظمة فريدوم هاوس أسهبت في الحديث عن المغرب، ووصفته بالبلد الغير الحر في مجال الصحافة، وكذلك فعلت منظمة مراسلون بلا حدود التي من المتوقع أن يتراجع المغرب مرة أخرى في ترتيبها درجات إلى الوراء بعد تزايد عمليات تعنيف الصحفيين في ظل حكومة بنكيران، حيث تشير بعض التوقعات إلى إمكانية حلول المغرب هذه السنة في الرتبة 140 بعدما احتل المرتبة 138 السنة الفارطة من أصل ضمن قائمة 178 دولة..
في هذا التقرير، ستبحر معكم هسبريس في رحلة قصيرة تمتد من بداية الحراك الاجتماعي في المغرب في فبراير 2011، مع التركيز على الإشارة إلى أبرز عمليات قمع الصحفيين بالمغرب..
13 مارس..أمام مقر الاشتراكي الموحد
نظمت حركة 20 فبراير في ذلك اليوم من السنة الماضية مظاهرة مصغرة لها بالدار البيضاء في إطار أنشطتها الأسبوعية، وهو النشاط الذي تلى الخطاب الملكي الشهير لـ9 من مارس، لتقوم قوات الأمن بتفريق المظاهرة بالقوة بشكل غير متوقع، وتعمد بعد ذلك لمطاردة المحتجين في الشوارع والأزقة. التدخل لم يستثن الصحفيين، حيث تعرضت مجموعة منهم إلى اعتداء همجي وثقته عدسات الكاميرا، الصحافية في"الأحداث المغربية" حنان رحاب التي تواجدت هناك في ذلك اليوم، روت كيف أنها تعرضت لضرب عنيف ولمحاصرة من قبل رجال الأمن الذين كالوا لها كل أنواع السب والشتم ، رغم أنها حضرت كصحفية، وكانت رفقة عضو المكتب السياسي لحزب الإشتراكي الموحد فاطمة الزهراء الشافعي التي كانت تحاول إقناع الأمن بإعطاء الشباب المحتج مهلة لفك الاعتصام.
وتعرض أيضا الصحفي أوسي موح لحسن من نفس الجريدة لاعتداء مماثل، فقد تمت محاصرة الصحفي وضربه من طرف 4 رجال أمن، ولم يشفع له إخبارهم أنه صحفي يقوم بمهمته في تغطية الحدث، وهو الاعتداء الذي قالت جريدة الأحداث المغربية في بيان لها إنه تم على مرأى من الجميع، حيث لم تخل قوات الأمن سبيله إلا بعد سلبه أوراقه ومذكراته التي كان يدون فيها الأحداث الجارية.
هذا التدخل العنيف أسال الكثير من المداد في ذلك الوقت، خاصة وأنه أتى بعد خطاب ملكي بشر بعهد جديد قائم على العدل والمساواة، مما جعل السلطات في وضع محرج، وأجبر والي أمن الدار البيضاء السابق مصطفى موزوني على تقديم اعتذاره للصحفيين قائلا:" أقدم اعتذارا رسميا لجميع الإخوان الصحافيين، فالصحافي شريك مهم، ونريد طي تلك الصفحة وبداية صفحة جديدة".
15 ماي 2011..محطة تمارة
قرر شباب 20 فبراير التوجه إلى ما قيل أنه معتقلا سريا بنواحي الرباط، غير أن قوات الأمن كانت لهم بالمرصاد حيث اعترضتهم في المكان الذي قرروا من خلاله تنظيم نزهتهم، التدخل كان عنيفا ومرة أخرى لم يستثن الصحفيين، عبد المجيد بزيوات المصور الصحافي ليومية "الصباح" كان له نصيبا منه، المختار الزياني من يومية الإتحاد الاشتراكي تعرض أيضا للضرب على مستوى عموده الفقري، وكذلك كان حال مصور العربية رضوان روش، ونجاة البوعبدلاوي من جريدة الحركة.
ويروي الصحفي فؤاد مدني عن ذلك اليوم موجها حديثه إلى وزير الاتصال السابق خالد الناصري:"نكل بنا البوليس أيما تنكيل أمام "أسواق السلام" بمدينة تمارة، ونحن نؤدي واجبنا المهني في تغطية "بيكنيك" شباب "حركة 20 فبراير" إلى معتقل تمارة السري. ضربنا البوليس. شتموا أمهاتنا. أهانونا إلى أبعد الحدود، وتأتي أنت في نفس الليلة، لتصرح بصوت لا يخجل: "عناصر الأمن قامت بتفريق المتظاهرين بكيفية حضارية لم تسفر عن أي اعتقال". وهنا سأكرر لك العبارة الأولى، لكي ترن في أذنيك جيدا: أنت تكذب معالي الوزير.. وأنا أكرهك هنا والآن. فلتنزعج إذن. فلتتنرفز. فلتكرهني كما أكرهك".
29 ماي..عملية "سباتة"..
لم توثق عدسات الكاميرا تدخلا عنيفا في حق متظاهري 20 فبراير كما فعلت يوم 29 ماي 2011، حيث انتشرت كالنار في الهشيم مقاطع فيديو وصور تؤرخ لقوة التدخل العنيف الذي أقدمت عليه قوات الأمن لتفريق مظاهرة لحركة 20 فبراير بمدينة الدار البيضاء، العملية التي وقعت بحي سباتة الشهير وتحديدا في شارع الشجر لا زالت مقاطع الفيديو شاهدة عليها خاصة ذلك المقطع الذي تتعرض فيه امرأة مسنة للضرب هي وولدها الصغير، ومحاولة أحد شباب الحركة الدفاع عنها، مما جعله هو كذلك عرضة لعصي رجال الأمن.
من الفيديوهات كذلك التي وثقت لذلك اليوم، الفيديو الذي التقطه الصحفي بجريدة "الوطن الآن"منير الكتاوي، والذي يظهر مراهقا يتعرض لضرب قاس من طرف رجال الأمن، هذا الفيديو كان سببا لتعرض منير الكتاوي بدوره لضرب عنيف يروي تفاصيله قائلا:
"كان الحضور الأمني جد مكثف بشارع إدريس الحارثي "الشجر" ذلك اليوم، ارتديت صدريتي التي تحمل لونا مميزا كباقي الزملاء الصحافيين، وبدأت ألتقط بعض الصور، وفي لحظة من اللحظات، وجدت نفسي وحيدا على بعد أمتار قليلة من مشهد أحد شباب حركة 20 فبراير، وهو ملقى على الأرض في إحدى الأزقة، يصيح بأعلى صوته "يسقط الاستبداد"، ويحيط به عدد كبير من تشكيلة "الصقور"، وبعض عناصر التدخل السريع، كان يتلقى الضرب بواسطة العصي والقضبان في جميع أنحاء جسمه، من الرأس إلى القدمين، وكانوا يتناوبون عليه لأكثر من دقيقة، كنت أوثق بالصورة لهذا المشهد المروع، لأفاجأ فيما بعد بأحد عناصر "الصقور"، يتجه نحوي مخاطبا إياي "أش كاتدير دين موك أنت هنا؟ كاتصور؟ احنا غادي نصوروا دين موك في الحايط"، ولم ينفع صراخي الشديد بأني صحافي وأرتدي صدرية المهنة، في وضع حد لضرباتهم بقبضات أيديهم على مستوى البطن والظهر، إلى أن بدأ بعض الصحافيين يهرولون نحونا، ولم يشف ذلك غليل المعتدين، ليكسر لي أحدهم نظاراتي...
سقطت في شبه غيبوبة، وحملت إلى المستشفى المحلي، وبعد إجراء فحوص الأشعة، "بشرني" الطبيب، بالقول: "على سلامتك، كل أعضائك سليمة، وليس هناك أي كسر، باستثناء بعض الخدوش على مستوى الوجه"، ليطلب من إحدى الممرضات نقلي إلى غرفة خاصة، لأخذ قسط من الراحة، ومراقبة الضغط الدموي، ومد جسمي بقارورة الغذاء السائل".
الفيديو الذي التقطه الكتاوي:
شهر غشت الدامي..
شهر غشت كان الشهر الأكثر صعوبة بالنسبة لرجال الصحافة بالمغرب في هذا العام الذي لم ينقضي بعد.. البداية من تطوان، حيث تعرض مصور المساء أحمد موعتكف يوم السبت 11 غشت خلال تغطيته لإحدى مظاهرات 20 فبراير إلى السب والشتم والضرب، وكذلك إلى تكسير آلة تصويره التي تقدر قيمتها ب 25 ألف درهم واحتجاز ذاكرتها الداخلية، رغم ارتداءه لصدرية تبين أنه مصور صحافي يعمل لفائدة جريدة المساء.
في نفس المدينة، وفي صبيحة اليوم الموالي، تعرض الصحفي المعروف علي لمرابط لاعتداء من طرف رجال الأمن حسب ما أفاد به لهسبريس، والغريب في الأمر أن هذا الاعتداء كان شخصيا ولا علاقة له بأية مظاهرة ما، فقد أفاد لمرابط بأنه كان يشتري التفاح من لدن الباعة المتجولين، ثم طالبه ثلاثة من رجال الأمن أن يتحرك من مكانه، فرد عليهم المرابط بأنه ينتظر "الصرف"، لكن رجال الأمن الثلاثة، يقول المرابط" هجموا علي وأسقطوني أرضا وسرقوا مني 200 درهما من جيبي وبطاقتي الوطنية، وعندما طلبت من رئيس مفوضية الشرطة أن يسجلوا لي محضرا للنازلة رفض، وقال لي "سر تقـ... لأمك الحمار".
غير أن الحادث الأبرز في شهر غشت الماضي، كان هو تفريق حفل الولاء للحرية والكرامة، حيث تعرض المنظمين والصحفيين لتدخل قوي من طرف قوات الأمن، وهو التدخل الذي تسبب في حرج كبير للمغرب خاصة وأنه من بين ضحايا التدخل كان الصحفي عمر بروكسي مراسل وكالة الأنباء الفرنسية مما جعل من أعين العالم تتركز أكثر حول المغرب، حيث نددت عدد الهيأت النقابية والحقوقية بهذا الاعتداء ضد بروكسي، ومجموعة من الصحفيين الآخرين كعبد المجيد ابزيوات ونجاة البوعبدلاوي ووصفته ب"الهمجي" و"الوحشي".
ويرد بروكسي على بيان وزارة الداخلية الذي اتهمه بأنه تعامل بنرفزة مع الشرطة وكان وسط المحتجين قائلا:" عندما يقول البيان بأنني جئت في نفس الوقت الذي أتى فيه المتظاهرون، فلا أدري هل يريدون مني أن أحضر بعد أن تنتهي المظاهرة أم ماذا؟ ذلك أنني لم أصل بعد إلى المكان الذي كان يتواجد فيه المتظاهرون، حيث اعترضتني قوات الأمن بالضرب بالقرب من مقهى باليما المجاور للبرلمان، ولم أكن في البدء متأكدا أنني سأغطي المظاهرة، كنت أريد فقط أن أطلع على حجم المتظاهرين، كما أنني لا أدري إن كانوا يقصدون ضربي تحديدا، ولكن اعتراضهم لي أمر مريب، مع العلم أني لم أسبهم ولم أستفزهم كما قال البيان".
3 أسئلة لرضوان حفياني (الكاتب الوطني لنقابة الصحافيين المغاربة المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل)
كيف ترون عمليات القمع التي يتعرض لها رجال ونساء الصحافة أثناء تغطيتهم لبعض المظاهرات؟
في الوقت الذي كنا ننتظر فيه كنقابة للصحافيين تحقيق مكتسبات فعلية للصحفيين في عهد حكومة جاءت بعد الدستور الجديد، ومنها تأسيس مجلس وطني للصحافة بغية التسيير الذاتي للمهنة ووضع مساطر قانونية دقيقة لتمكين الصحافي من حقه الدستوري في الوصول إلى المعلومة، نفاجأ بسلسلة من الممارسات التي تعود بنا إلى عصر لا تتوفر فيه أي من ضمانات ممارسة حرية التعبير. بل أصبح بعض الصحافيين من خلال أحداث القمع التي تابعناها منذ انطلاقة حركة 20 فبراير والربيع العربي، يمنعون حتى من تغطية مظاهرات ووقفات ومسيرات بسبب تعرضهم للمضايقات والتعنيف من طرف قوات الأمن حتى أثناء إنجاز تقرير عن تغطية حدث في الشارع أو في مكان عمومي أو أمام البرلمان...
هذا الأمر يجعلنا قلقين على مستقبل حرية التعبير في المغرب. وأكثر من ذلك، فإننا عندما نطالب بفتح تحقيق لكشف ظروف وملابسات أحداث تعنيف الصحافيين ومحاسبة المسؤولين عن ما حدث، تسابق وزارة الداخلية مثل ما كان في العهود السابقة، إلى نشر بلاغات تهاجم فيها المعتدى عليهم من الصحافيين وتصفهم بالمتعجرفين والمستفزين... وبأنهم لم يكونوا حين نزول الهراوات على رؤوسهم يحملون أي شارة يمكنها مساعدة القوات العمومية على تمييزهم عن باقي المتظاهرين الصادرة أوامر للاعتداء عليهم... بكل هذه البساطة تبرر وزارة الداخلية في عهد وزير الحركة الشعبية محند العنصر وفي عصر حكومة يقودها الإسلامي عبد الإله بنكيران قمعها للصحافيين ومنعهم عن أداء مهامهم، حتى أصبح من المجازفة تغطية وقفة أو مظاهرة في الشارع...
من له المصلحة في قمع الصحافة؟
برأيي من له مصلحة في قمع الصحافيين هو من له مصلحة في عدم أداء رجال ونساء الإعلام مهمتهم النبيلة كسلطة رابعة في نقل ما حدث وإيصال الوقائع كما هي بتجرد وحياد إلى المواطن، بمعنى أن مسؤولية قمع الصحافيين تتحملها الحكومة بالدرجة الأولى، وبدون محاسبة المسؤولين المباشرين عن ممارسات القمع لا يمكن أن نضمن للصحافيين ممارسة مهنية حرة ومناخ يساعدهم في أداء مهامهم بعيدا عن الأخطار ودون أبسط تأثير.
بماذا تطالبون الدولة؟
الحكومة أصبحت مطالبة أكثر من السابق بفتح حوار مع التمثيليات المهنية التي ما تزال تنتظر نتائج تحقيقات طالبت بفتحها حول أحداث قمع تعرض لها صحافيون، ومحاسبة مرتكبيها أو من أصدر التعليمات بارتكابها.
الدولة مطالبة كذلك بالإسراع في التنزيل الفعلي لما جاء في الدستور الجديد وتمكين الصحافيين من الحق في الوصول إلى مصادر الخبر ومساعدتهم من طرف مؤسسات الدولة على أداء مهامهم لكن في إطار مساطر واضحة، لأنه كيف يعقل أن يطلب من الصحافي وضع شارة أو "علامة مميزة" لتمييزه خلال عمليات القمع عن باقي "المقموعين"، وحتى في هذه الحالة، فقد وقفنا كنقابة للصحافيين المغاربة على حالات بعض الصحافيين تعرضوا للقمع رغم أنهم كانوا يضعون شارة مميزة لهم، بل أن بعض الجهات الرسمية تطلب من الصحفي أشياء أخرى حسب ما يوافق مزاجها، رغم أن البطاقة المهنية تعتبر بمثابة رخصة مفتوحة لمدة سنة لممارسة مهنة الصحافة.
في انتظار واقع أفضل..
الملاحظ أن الصحفيين الذين يتم قمعهم أثناء المظاهرات، ينتمون في الغالب للصحافة المكتوبة خصوصا المستقلة منها، بينما لم تسجل أية حالة اعتداء واحدة على صحفيين ينتمون إلى الإعلام العمومي رغم أنهم قاموا أكثر من مرة بتغطية بعض مظاهرات حركة 20 فبراير مثلا، وهو أمر يطرح أكثر من تساؤل حول هل هناك رغبة من الدولة في تكميم أفواه الصحفيين فيما يتعلق بتغطيتهم لمظاهرات تعادي بعض توجهاتها والاكتفاء بالتغطية الرسمية التي كثيرا ما تكون منحازة لأطروحات الدولة بشكل فاضح نزع عنها الكثير من المصداقية..
التعددية التي ينبني عليها الدستور المغربي تبقى مهددة بشكل كبير إن استمرت مثل هذه الممارسات، ورغبة الخلفي في إصلاح واقع الصحافة المغربية تصطدم بسكوته الدائم عن ما يحدث للصحفيين أثناء هذه المظاهرات، مما يستدعي التدخل بشكل حاسم لحماية الصحفيين ولمحاكمة كل من يتورط في عمليات قمع المواطنين والصحفيين خلال مظاهرة سلمية، خاصة وأن عملية الحجب لم تعد تنفع، وثني الصحفيين عن أداء مهمتهم يؤدي دائما إلى نتائج معكوسة مما تريده القوى الأمنية، فمع تواجد الشبكات الاجتماعية وسهولة تبادل الأخبار والفيديو والصور، صارت كل عملية ضرب لصحفي مادة دسمة تتداولها الملايين على الانترنت، مما يعطي دليلا قويا لكل المنظمات الحقوقية والصحافية الوطنية والعالمية ضد السلطات المغربية، ويفضي إلى تراجع مستمر لحرية التعبير بالمغرب، و التي لم تعد تتحمل مثل هذه المراتب المتدنية..يتزمن هذا التقرير مع صدور قرار مؤسسة روبرت كنيدي لحقوق الانسان الذي فضح انتهاكات حقوق الانسان با لمغرب .
التقارير الدولية التي تعنى بتقييم حرية الصحافة في بلدان المعمور، تحدثت بكثير من القلق عن القمع المتزايد للصحفيين بالمغرب، حيث صارت مهنة الصحافة واحدة من أكثر المهن خطورة في هذا البلد، فأمنستي "منظمة العفو الدولية" كانت قد أشارت السنة الماضية إلى أن قوات الشرطة المغربية تستخدم الوحشية لقمع المتظاهرين بمن فيهم حتى الصحفيين، ومنظمة فريدوم هاوس أسهبت في الحديث عن المغرب، ووصفته بالبلد الغير الحر في مجال الصحافة، وكذلك فعلت منظمة مراسلون بلا حدود التي من المتوقع أن يتراجع المغرب مرة أخرى في ترتيبها درجات إلى الوراء بعد تزايد عمليات تعنيف الصحفيين في ظل حكومة بنكيران، حيث تشير بعض التوقعات إلى إمكانية حلول المغرب هذه السنة في الرتبة 140 بعدما احتل المرتبة 138 السنة الفارطة من أصل ضمن قائمة 178 دولة..
في هذا التقرير، ستبحر معكم هسبريس في رحلة قصيرة تمتد من بداية الحراك الاجتماعي في المغرب في فبراير 2011، مع التركيز على الإشارة إلى أبرز عمليات قمع الصحفيين بالمغرب..
13 مارس..أمام مقر الاشتراكي الموحد
نظمت حركة 20 فبراير في ذلك اليوم من السنة الماضية مظاهرة مصغرة لها بالدار البيضاء في إطار أنشطتها الأسبوعية، وهو النشاط الذي تلى الخطاب الملكي الشهير لـ9 من مارس، لتقوم قوات الأمن بتفريق المظاهرة بالقوة بشكل غير متوقع، وتعمد بعد ذلك لمطاردة المحتجين في الشوارع والأزقة. التدخل لم يستثن الصحفيين، حيث تعرضت مجموعة منهم إلى اعتداء همجي وثقته عدسات الكاميرا، الصحافية في"الأحداث المغربية" حنان رحاب التي تواجدت هناك في ذلك اليوم، روت كيف أنها تعرضت لضرب عنيف ولمحاصرة من قبل رجال الأمن الذين كالوا لها كل أنواع السب والشتم ، رغم أنها حضرت كصحفية، وكانت رفقة عضو المكتب السياسي لحزب الإشتراكي الموحد فاطمة الزهراء الشافعي التي كانت تحاول إقناع الأمن بإعطاء الشباب المحتج مهلة لفك الاعتصام.
وتعرض أيضا الصحفي أوسي موح لحسن من نفس الجريدة لاعتداء مماثل، فقد تمت محاصرة الصحفي وضربه من طرف 4 رجال أمن، ولم يشفع له إخبارهم أنه صحفي يقوم بمهمته في تغطية الحدث، وهو الاعتداء الذي قالت جريدة الأحداث المغربية في بيان لها إنه تم على مرأى من الجميع، حيث لم تخل قوات الأمن سبيله إلا بعد سلبه أوراقه ومذكراته التي كان يدون فيها الأحداث الجارية.
هذا التدخل العنيف أسال الكثير من المداد في ذلك الوقت، خاصة وأنه أتى بعد خطاب ملكي بشر بعهد جديد قائم على العدل والمساواة، مما جعل السلطات في وضع محرج، وأجبر والي أمن الدار البيضاء السابق مصطفى موزوني على تقديم اعتذاره للصحفيين قائلا:" أقدم اعتذارا رسميا لجميع الإخوان الصحافيين، فالصحافي شريك مهم، ونريد طي تلك الصفحة وبداية صفحة جديدة".
15 ماي 2011..محطة تمارة
قرر شباب 20 فبراير التوجه إلى ما قيل أنه معتقلا سريا بنواحي الرباط، غير أن قوات الأمن كانت لهم بالمرصاد حيث اعترضتهم في المكان الذي قرروا من خلاله تنظيم نزهتهم، التدخل كان عنيفا ومرة أخرى لم يستثن الصحفيين، عبد المجيد بزيوات المصور الصحافي ليومية "الصباح" كان له نصيبا منه، المختار الزياني من يومية الإتحاد الاشتراكي تعرض أيضا للضرب على مستوى عموده الفقري، وكذلك كان حال مصور العربية رضوان روش، ونجاة البوعبدلاوي من جريدة الحركة.
ويروي الصحفي فؤاد مدني عن ذلك اليوم موجها حديثه إلى وزير الاتصال السابق خالد الناصري:"نكل بنا البوليس أيما تنكيل أمام "أسواق السلام" بمدينة تمارة، ونحن نؤدي واجبنا المهني في تغطية "بيكنيك" شباب "حركة 20 فبراير" إلى معتقل تمارة السري. ضربنا البوليس. شتموا أمهاتنا. أهانونا إلى أبعد الحدود، وتأتي أنت في نفس الليلة، لتصرح بصوت لا يخجل: "عناصر الأمن قامت بتفريق المتظاهرين بكيفية حضارية لم تسفر عن أي اعتقال". وهنا سأكرر لك العبارة الأولى، لكي ترن في أذنيك جيدا: أنت تكذب معالي الوزير.. وأنا أكرهك هنا والآن. فلتنزعج إذن. فلتتنرفز. فلتكرهني كما أكرهك".
29 ماي..عملية "سباتة"..
لم توثق عدسات الكاميرا تدخلا عنيفا في حق متظاهري 20 فبراير كما فعلت يوم 29 ماي 2011، حيث انتشرت كالنار في الهشيم مقاطع فيديو وصور تؤرخ لقوة التدخل العنيف الذي أقدمت عليه قوات الأمن لتفريق مظاهرة لحركة 20 فبراير بمدينة الدار البيضاء، العملية التي وقعت بحي سباتة الشهير وتحديدا في شارع الشجر لا زالت مقاطع الفيديو شاهدة عليها خاصة ذلك المقطع الذي تتعرض فيه امرأة مسنة للضرب هي وولدها الصغير، ومحاولة أحد شباب الحركة الدفاع عنها، مما جعله هو كذلك عرضة لعصي رجال الأمن.
من الفيديوهات كذلك التي وثقت لذلك اليوم، الفيديو الذي التقطه الصحفي بجريدة "الوطن الآن"منير الكتاوي، والذي يظهر مراهقا يتعرض لضرب قاس من طرف رجال الأمن، هذا الفيديو كان سببا لتعرض منير الكتاوي بدوره لضرب عنيف يروي تفاصيله قائلا:
"كان الحضور الأمني جد مكثف بشارع إدريس الحارثي "الشجر" ذلك اليوم، ارتديت صدريتي التي تحمل لونا مميزا كباقي الزملاء الصحافيين، وبدأت ألتقط بعض الصور، وفي لحظة من اللحظات، وجدت نفسي وحيدا على بعد أمتار قليلة من مشهد أحد شباب حركة 20 فبراير، وهو ملقى على الأرض في إحدى الأزقة، يصيح بأعلى صوته "يسقط الاستبداد"، ويحيط به عدد كبير من تشكيلة "الصقور"، وبعض عناصر التدخل السريع، كان يتلقى الضرب بواسطة العصي والقضبان في جميع أنحاء جسمه، من الرأس إلى القدمين، وكانوا يتناوبون عليه لأكثر من دقيقة، كنت أوثق بالصورة لهذا المشهد المروع، لأفاجأ فيما بعد بأحد عناصر "الصقور"، يتجه نحوي مخاطبا إياي "أش كاتدير دين موك أنت هنا؟ كاتصور؟ احنا غادي نصوروا دين موك في الحايط"، ولم ينفع صراخي الشديد بأني صحافي وأرتدي صدرية المهنة، في وضع حد لضرباتهم بقبضات أيديهم على مستوى البطن والظهر، إلى أن بدأ بعض الصحافيين يهرولون نحونا، ولم يشف ذلك غليل المعتدين، ليكسر لي أحدهم نظاراتي...
سقطت في شبه غيبوبة، وحملت إلى المستشفى المحلي، وبعد إجراء فحوص الأشعة، "بشرني" الطبيب، بالقول: "على سلامتك، كل أعضائك سليمة، وليس هناك أي كسر، باستثناء بعض الخدوش على مستوى الوجه"، ليطلب من إحدى الممرضات نقلي إلى غرفة خاصة، لأخذ قسط من الراحة، ومراقبة الضغط الدموي، ومد جسمي بقارورة الغذاء السائل".
الفيديو الذي التقطه الكتاوي:
شهر غشت الدامي..
شهر غشت كان الشهر الأكثر صعوبة بالنسبة لرجال الصحافة بالمغرب في هذا العام الذي لم ينقضي بعد.. البداية من تطوان، حيث تعرض مصور المساء أحمد موعتكف يوم السبت 11 غشت خلال تغطيته لإحدى مظاهرات 20 فبراير إلى السب والشتم والضرب، وكذلك إلى تكسير آلة تصويره التي تقدر قيمتها ب 25 ألف درهم واحتجاز ذاكرتها الداخلية، رغم ارتداءه لصدرية تبين أنه مصور صحافي يعمل لفائدة جريدة المساء.
في نفس المدينة، وفي صبيحة اليوم الموالي، تعرض الصحفي المعروف علي لمرابط لاعتداء من طرف رجال الأمن حسب ما أفاد به لهسبريس، والغريب في الأمر أن هذا الاعتداء كان شخصيا ولا علاقة له بأية مظاهرة ما، فقد أفاد لمرابط بأنه كان يشتري التفاح من لدن الباعة المتجولين، ثم طالبه ثلاثة من رجال الأمن أن يتحرك من مكانه، فرد عليهم المرابط بأنه ينتظر "الصرف"، لكن رجال الأمن الثلاثة، يقول المرابط" هجموا علي وأسقطوني أرضا وسرقوا مني 200 درهما من جيبي وبطاقتي الوطنية، وعندما طلبت من رئيس مفوضية الشرطة أن يسجلوا لي محضرا للنازلة رفض، وقال لي "سر تقـ... لأمك الحمار".
غير أن الحادث الأبرز في شهر غشت الماضي، كان هو تفريق حفل الولاء للحرية والكرامة، حيث تعرض المنظمين والصحفيين لتدخل قوي من طرف قوات الأمن، وهو التدخل الذي تسبب في حرج كبير للمغرب خاصة وأنه من بين ضحايا التدخل كان الصحفي عمر بروكسي مراسل وكالة الأنباء الفرنسية مما جعل من أعين العالم تتركز أكثر حول المغرب، حيث نددت عدد الهيأت النقابية والحقوقية بهذا الاعتداء ضد بروكسي، ومجموعة من الصحفيين الآخرين كعبد المجيد ابزيوات ونجاة البوعبدلاوي ووصفته ب"الهمجي" و"الوحشي".
ويرد بروكسي على بيان وزارة الداخلية الذي اتهمه بأنه تعامل بنرفزة مع الشرطة وكان وسط المحتجين قائلا:" عندما يقول البيان بأنني جئت في نفس الوقت الذي أتى فيه المتظاهرون، فلا أدري هل يريدون مني أن أحضر بعد أن تنتهي المظاهرة أم ماذا؟ ذلك أنني لم أصل بعد إلى المكان الذي كان يتواجد فيه المتظاهرون، حيث اعترضتني قوات الأمن بالضرب بالقرب من مقهى باليما المجاور للبرلمان، ولم أكن في البدء متأكدا أنني سأغطي المظاهرة، كنت أريد فقط أن أطلع على حجم المتظاهرين، كما أنني لا أدري إن كانوا يقصدون ضربي تحديدا، ولكن اعتراضهم لي أمر مريب، مع العلم أني لم أسبهم ولم أستفزهم كما قال البيان".
3 أسئلة لرضوان حفياني (الكاتب الوطني لنقابة الصحافيين المغاربة المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل)
كيف ترون عمليات القمع التي يتعرض لها رجال ونساء الصحافة أثناء تغطيتهم لبعض المظاهرات؟
في الوقت الذي كنا ننتظر فيه كنقابة للصحافيين تحقيق مكتسبات فعلية للصحفيين في عهد حكومة جاءت بعد الدستور الجديد، ومنها تأسيس مجلس وطني للصحافة بغية التسيير الذاتي للمهنة ووضع مساطر قانونية دقيقة لتمكين الصحافي من حقه الدستوري في الوصول إلى المعلومة، نفاجأ بسلسلة من الممارسات التي تعود بنا إلى عصر لا تتوفر فيه أي من ضمانات ممارسة حرية التعبير. بل أصبح بعض الصحافيين من خلال أحداث القمع التي تابعناها منذ انطلاقة حركة 20 فبراير والربيع العربي، يمنعون حتى من تغطية مظاهرات ووقفات ومسيرات بسبب تعرضهم للمضايقات والتعنيف من طرف قوات الأمن حتى أثناء إنجاز تقرير عن تغطية حدث في الشارع أو في مكان عمومي أو أمام البرلمان...
هذا الأمر يجعلنا قلقين على مستقبل حرية التعبير في المغرب. وأكثر من ذلك، فإننا عندما نطالب بفتح تحقيق لكشف ظروف وملابسات أحداث تعنيف الصحافيين ومحاسبة المسؤولين عن ما حدث، تسابق وزارة الداخلية مثل ما كان في العهود السابقة، إلى نشر بلاغات تهاجم فيها المعتدى عليهم من الصحافيين وتصفهم بالمتعجرفين والمستفزين... وبأنهم لم يكونوا حين نزول الهراوات على رؤوسهم يحملون أي شارة يمكنها مساعدة القوات العمومية على تمييزهم عن باقي المتظاهرين الصادرة أوامر للاعتداء عليهم... بكل هذه البساطة تبرر وزارة الداخلية في عهد وزير الحركة الشعبية محند العنصر وفي عصر حكومة يقودها الإسلامي عبد الإله بنكيران قمعها للصحافيين ومنعهم عن أداء مهامهم، حتى أصبح من المجازفة تغطية وقفة أو مظاهرة في الشارع...
من له المصلحة في قمع الصحافة؟
برأيي من له مصلحة في قمع الصحافيين هو من له مصلحة في عدم أداء رجال ونساء الإعلام مهمتهم النبيلة كسلطة رابعة في نقل ما حدث وإيصال الوقائع كما هي بتجرد وحياد إلى المواطن، بمعنى أن مسؤولية قمع الصحافيين تتحملها الحكومة بالدرجة الأولى، وبدون محاسبة المسؤولين المباشرين عن ممارسات القمع لا يمكن أن نضمن للصحافيين ممارسة مهنية حرة ومناخ يساعدهم في أداء مهامهم بعيدا عن الأخطار ودون أبسط تأثير.
بماذا تطالبون الدولة؟
الحكومة أصبحت مطالبة أكثر من السابق بفتح حوار مع التمثيليات المهنية التي ما تزال تنتظر نتائج تحقيقات طالبت بفتحها حول أحداث قمع تعرض لها صحافيون، ومحاسبة مرتكبيها أو من أصدر التعليمات بارتكابها.
الدولة مطالبة كذلك بالإسراع في التنزيل الفعلي لما جاء في الدستور الجديد وتمكين الصحافيين من الحق في الوصول إلى مصادر الخبر ومساعدتهم من طرف مؤسسات الدولة على أداء مهامهم لكن في إطار مساطر واضحة، لأنه كيف يعقل أن يطلب من الصحافي وضع شارة أو "علامة مميزة" لتمييزه خلال عمليات القمع عن باقي "المقموعين"، وحتى في هذه الحالة، فقد وقفنا كنقابة للصحافيين المغاربة على حالات بعض الصحافيين تعرضوا للقمع رغم أنهم كانوا يضعون شارة مميزة لهم، بل أن بعض الجهات الرسمية تطلب من الصحفي أشياء أخرى حسب ما يوافق مزاجها، رغم أن البطاقة المهنية تعتبر بمثابة رخصة مفتوحة لمدة سنة لممارسة مهنة الصحافة.
في انتظار واقع أفضل..
الملاحظ أن الصحفيين الذين يتم قمعهم أثناء المظاهرات، ينتمون في الغالب للصحافة المكتوبة خصوصا المستقلة منها، بينما لم تسجل أية حالة اعتداء واحدة على صحفيين ينتمون إلى الإعلام العمومي رغم أنهم قاموا أكثر من مرة بتغطية بعض مظاهرات حركة 20 فبراير مثلا، وهو أمر يطرح أكثر من تساؤل حول هل هناك رغبة من الدولة في تكميم أفواه الصحفيين فيما يتعلق بتغطيتهم لمظاهرات تعادي بعض توجهاتها والاكتفاء بالتغطية الرسمية التي كثيرا ما تكون منحازة لأطروحات الدولة بشكل فاضح نزع عنها الكثير من المصداقية..
التعددية التي ينبني عليها الدستور المغربي تبقى مهددة بشكل كبير إن استمرت مثل هذه الممارسات، ورغبة الخلفي في إصلاح واقع الصحافة المغربية تصطدم بسكوته الدائم عن ما يحدث للصحفيين أثناء هذه المظاهرات، مما يستدعي التدخل بشكل حاسم لحماية الصحفيين ولمحاكمة كل من يتورط في عمليات قمع المواطنين والصحفيين خلال مظاهرة سلمية، خاصة وأن عملية الحجب لم تعد تنفع، وثني الصحفيين عن أداء مهمتهم يؤدي دائما إلى نتائج معكوسة مما تريده القوى الأمنية، فمع تواجد الشبكات الاجتماعية وسهولة تبادل الأخبار والفيديو والصور، صارت كل عملية ضرب لصحفي مادة دسمة تتداولها الملايين على الانترنت، مما يعطي دليلا قويا لكل المنظمات الحقوقية والصحافية الوطنية والعالمية ضد السلطات المغربية، ويفضي إلى تراجع مستمر لحرية التعبير بالمغرب، و التي لم تعد تتحمل مثل هذه المراتب المتدنية..يتزمن هذا التقرير مع صدور قرار مؤسسة روبرت كنيدي لحقوق الانسان الذي فضح انتهاكات حقوق الانسان با لمغرب .