-->

الاحتلال المغربي أو التجسيد الفعلي لقانون القوة







بقلم سجين الرأي الصحراوي : علي سالم التامك
ملاحظة : هذا المقال كتبته في سنة 2007 عند زيارتي لبريطانيا في فبراير من نفس السنة و أرسلته للنشر في جريدة القدس العربي بطلب من هيئة التحرير و أعيد نشره لراهنتيه.
تسعى هذه المقالة – الرأي- إلى إرساء مقاربة تواصلية منفتحة، في إتجاه بعض الإخوة المغاربة الذين لازالوا مسكونين، عن حسن نية بمقولة " مغربية الصحراء" و"الإجماع الوطني حول الصحراء" و"المغرب من طنجة لكويرة" . إن اشد مايرعب الشعاراتية الإختزالية والتبسيطية، التي تجعلها الأنظمة الإستبدادية سقفا، ل"تفكير" الأفراد، و أداة للتنشئة السياسية المبتذلة، هو إعمال العقل، والمسائلة المتحررة من تنميطاتها المجحفة و المكرسة فوقيا، والإنعتاق من التبسيطية السياسية الدوغمائية المثقلة بالشوفينية واللغط السياسوي، الذي يغتال العقل والإنسان.
كما انها محاولة متواضعة تضع ضمن مبتاغها تنوير الرأي العام العربي، من خلال الوقوف على الدعامات القانونية والسياسية والوطنية لكفاح الشعب الصحراوي. وتسليط الضوء على هذا الجرح النازف في خاصرة الأمة العربية، منذ أكثر من ثلاتة عقود.جرح ضمن باقي جراحنا العربية التي لم تندمل، والتي تستنزف الإنسان والأرض والجهد، وتعطل أحلام الوحدة العربية . الوحدة الإرادية الديموقراطية، وليس " وحدة" الإبتلاعات القسرية والإستئصالات للشعوب المستضعفة، والضم الإستعلائي .إن إحترام إرادة الشعوب في تقريرمصيرها، يعدالمدخل الضروري لكل بناء وحدوي حضاري، يدمج الإرادات الفعلية في صيغة مساواتية بين الأمم كبيرها وصغيرها.الأرضية القانونية والسياسية لكفاح الشعب الصحراوي.
شكل تاريخ الشعب الصحراوي موضوعا للكثير من الدراسات ألأكاديمية. كما دونت محطاته في شهادات لمجموعة من " المستكشفين" الغربيين. وكتابات المجندين، في صفوف الحملات الإستعمارية للصحراء الغربية والتي يتعذر التطرق لها هنا، بالنظر إلى ضيق المجال.
بإيجاز شديد، لقد تعرض هذا الإقليم على غرار باقي الدول العربية والإفريقية للإستعمار الغربي، حيث أحتل من طرف إسبانيا سنة 1884 بعد إنهاك المقاومة الصحراوية ، التي كان فعلها التحرري مسكونا بمقاربة دينية وجهادية، و وقع شيوخ القبائل إتفاقية مع الإحتلال الإسباني يحترم بموجبها، الإسلام والتقاليد الإجتماعية للسكان الصحراء الغربية.
وبعد أن اصبحت المسألة الإستعمارية في صلب إهتمامات الأمم المتحدة تم إدراج إقليم الصحراء الغربية سنة 1965( ضمن الأقاليم المستعمرة، التي يسري عليها القرار1514 . و ظلت الجمعية العامة للأمم المتحدة وفية لنص وروح ميثاق الأمم المتحدة، حيث أن كافة توصياتها وقراراتها منذ ذلك التاريخ إلى اليوم، تؤكد بشكل لايقبل الجدل على حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير.
لكن السؤال المطروح إذا كان المركز القانوني للصحراء الغربية مكرس بشكل واضح في المواثيق الدولية، ماهي الأسباب التي حالت وتحول دون إعمال القرار1514؟ لاشك ان هذا السؤال يشكل مدخلا ضروويا لفهم الحالة الإستعمارية القائمة في الصحراء الغربية من جهة، والعقيدة السياسية التوسعية للنظام المغربي المحكومة بهاجس الإلتفاف والقفز على الشرعية الدولية من جهة أخرى.
عرفت الصحراء الغربية مدا وطنيا صحراويا قويا، منذ نهاية الستينات أربك حسابات الإحتلال الإسباني، مما جعله يشرع، خلال سنة 1974، في إ عداد إحصاء للسكان الصحراويين، بهدف تنظيم إستفتاء لتقرير المصير وفقا للشرعية الدولية. إلا أن النظام المغربي بمعية النظام الموريتاني الداداهي، عملا على إفشال هذا المسار الطبيعي، حيث سارعا إلى طلب رأي إستشاري من محكمة العدل الدولية، والتي أكدت بشكل ملموس في قرارها بتاريخ 16 أكتوبر 1975 غياب أية علاقات قانونية سيادية بين الصحراء الغربية والمغرب من جهة، وبين المجموعة الموريتانية من جهة أخرى، و بالتالي خلصت إلى أن إعمال تصفية الإستعمار من خلال تميتع الشعب الصحراوي في تقرير المصير، يبقى المخرج الطبيعي والقانوني للنزاع. وجاء هذا القرار منسجما نصا وروحا مع توصية بعثة الأمم المتحدة التي زارت الصحراء الغربية بتاريخ 12 ماي 1975، وأصدرت تقريرها، الذي أكد التفاف الشعب الصحراوي حول"البوليساريو" وبكون هذه الأخيرة تعتبر القوة السياسية الوحيدة و المهيمنة على الإقليم.
رغم كل هذه القرارات، التي تؤكد على حق الشعب في تقرير المصير، إلا ان النظام المغربي الذي كان يعيش مجموعة من الأزمات والتمردات المسلحة، والإنقلابات العسكرية والإنتفاضات الحضرية، حاول تجاوزحالة الإنحباس السياسي، من خلال مغامرة توسعية تكفل له إبعاد الجيش المغربي الذي شكل ولايزال مصدرخطر حقيقي لإستقراره وإستمراريته، لذلك شرع في غزوه للصحراء الغربية، مستفيدا من حالة الإرتباك السياسي ،الذي شهدته إسبانيا، في ظل إحتضار" الجنرال فرانكو". حيث قام النظام المغربي، في أكتوبر 1975، بتنظيم مايسمى" المسيرة الخضراء" في تحدي واضح للشرعية الدولية، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة خصوصا القرار 380 بتاريخ 6 دجنبر1975 الذي ندد بهذه الخطوة وطلب من المغرب سحب كافة المشاركين في المسيرة من الصحراء الغربية.
ولشرعنة إحتلاله و تسويغ الأمر الواقع لجأ النظام المغربي الى صفقة سياسية ثلاثية أبرمت في مدريد، ترتب عنها تقسيم الصحراء الغربية، حيث آل جزئها الجنوبي للنظام الموريتاني الداداهي، وشقها الشمالي للنظام المغربي مع إحتفاظ النظام الإسباني بمجموعة من الإمتيازات الإقتصادية و العسكرية والثقافية والتقنية.
المقاومة الوطنية الصحراوية والإحتلال الثابت المتغير :
شكلت المقاومة الوطنية الصحراوية، ثابتا أساسيا، مهما تغير لون وشكل الإحتلال، حيث سارع الشعب الصحراوي خلال سنة 1968 إلى تأسيس" الحركة الطليعية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب"، بقيادة المختطف ومجهول المصير " محمد سيدي إبراهيم بصيري"، وبعد إجهاضها من طرف الإستعمار الإسباني، وإختطاف زعيمها، لجأ الشعب الصحراوي، بقيادة مفجر الثورة الشهيد الولي مصطفى السيد، إلى تأسيس" الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب" بتاريخ 10 ماي 1973 و المعروفة إختصارا بجبهة "البوليساريو". حيث قادت العمل المسلح ضد الإستعمار الإسباني، إلى حين جلائه بعد "الإتفاقية الثلاثية". وأمام الفراغ القانوني والإداري الذي تركه، سارعت إلى إعلان " الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية" بتاريخ 27 فبراير 1976 (معترف بها من أكثر من 82 دولة في العالم).
شكل إحتلال المغرب للصحراء الغربية، بداية مأساوية لحرب ضروس دارت أطوارها في الصحراء الغربية وموريتانيا وجنوب المغرب قادتها جبهة البوليساريو بإحترافية عالية، بالرغم من موازين القوى المختلة بشريا وماديا. حيث أجبرت النظام الموريتاني على الإنسحاب من الشطر الجنوبي من الصحراء الغربية، وتوقيع إتفاقية سلام مع جبهة البوليساريو بتاريخ 5 غشت 1979 والاعتراف بالدولة الصحراوية بعد ذلك،إلا أن النظام المغربي، سارع إلى إحتلال هذا الجزء أيضا.
ولقد إستمرت ضراوة المواجهات العسكرية بين جبهة البوليساريو والنظام المغربي، إلى أن تم الإتفاق على تنظيم إستفتاء تقرير المصير بتاريخ 30 غشت 1988 ،حيث قام الأمين العام للأمم المتحدة بإعداد مخطط أممي إفريقي ، صوت عليه مجلس الأمن بالإجماع في القرار 690 بتاريخ 29 أبريل 1991، ووافق عليه طرفا النزاع المملكة المغربية وجبهة البوليساريو. إتفاق إنتظرته شعوب المنطقة بفارغ الصبر، بالنظر إلى المآسي، التي واكبت سنوات الحرب، حدد تاريخ وقف إطلاق النارفي 06 شتنبر 1991، وأرسى معايير تحديد هوية لوائح المصوتين، وأقر إجراء إستفتاء يختار الصحراويون من خلاله الإستقلال أو ألإنضمام إلى المغرب.
إلا أن النظام المغربي المتأكد من رغبة الصحراويين في الإستقلال، لم يذخر جهدا في عرقلة تنظيم إستفتاء تقرير المصير،من خلال مجموعة من الإجراءات السياسية والإدارية والتقنية. عطلت إشتغال. البعثة الأممية ، حيث كلما تقدمت هذه الأخيرة في تجاوز المشاكل إلا وابتدع النظام المغربي مبررات جديدة.
وخلال سنة 1997 توفق الأمين العام للأمم المتحدة في تعيين المبعوث الأممي الدبلوماسي الأمريكي جيمس بيكر الذي بذل مجهودات كبيرة و أشرف على مفاوضات شاقة بين الطرفين ، توجت بالتوقيع على إتفاقية هيوستن بين الطرفين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو.
خلال فترة الإعداد للإستتفاء ظل النظام المغربي، وفيا لنهجه السياسي، المبني على إعاقة كل الجهود الأممية لتسوية النزاع السياسي. وبعد تنكره لإلتزاماته السابقة، قام السيد"جيمس بيكر" بإعداد تسوية جديدة تحت عنوان" خطة السلام من أجل تقرير مصير شعب الصحراء الغربية" وافق عليها مجلس الأمن بالإجماع من خلال قراره 1495 بتاريخ 30 يوليوز 2003، خطة تمنح النظام المغربي أفضليات سياسية كبيرة، أهمها إخضاع الإقليم للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية لمدة تتراوح بين أربعة و خمس سنوات يتلوها، إجراء إستفتاء يختار من خلاله سكان الإقليم بمن فيهم المستوطنون المغاربة ألإنضمام للمملكة المغربية، الإستقلال، أو الإستمرار في الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
وبالرغم من أن هذه الخطة مسكونة بمجموعة من المخاطر السياسية، خصوصا أن النظام المغربي أثبث بالملموس، أنه لايحترم إلتزاماته الدولية ، بالإضافة إلى غياب تدابير زجرية لكبح كل خرق لمقتضياتها. إلا أن جبهة البوليساريو، وفي ترجمة حقيقية لرغبتها، في عدم تعريض المنطقة المغاربية لعدم الإستقرار، ولإرساء السلام العادل والنهائي في منطقة الصحراء الغربية، وتجاوز حالة الجمود السياسي، سارعت إلى قبول الخطة الأممية في حين رفضها النظام المغربي رغم تكريسها أمميا.
" الحكم الذاتي" أو في الشرعنة القهرية للإستعمار:
كلما أمعن المجتمع الدولي وقواه المدنية في المطالبة بضرورة إعمال الشرعية الدولية بالصحراء الغربية، وتمتيع شعبها بحقه في تقرير المصير إلا وسارع النظام المغربي للترويج للحلول الإستعمارية. ولعل أخر ماتفتق عنه ذهن النظام المغربي، هو مقترح الحكم الذاتي ، البدعة واللازمة الإستعمارية ، التي روجت لها، كل الأنظمة الإستعمارية قبل جلائها واندحارها تحت ضغط الشعوب المستعمرة.
إن مقترح" الحكم الذاتي"، يفتقد إلى السند القانوني، حيث أن اللائحة1514 تنص على ضرورة، تمتيع الشعوب المستعمرة في حقها في تقرير المصير، وليس إلى إختزال مصيرها في خيار وحيد تحدد وعائه وسقفه السياسي مسبقا القوى الإستعمارية . ثانيا أن إقليم الصحراء الغربية مستقل، سياسيا وقانونيا عن المغرب، وبالتالي إطاره الحقيقي هو الترسانة القانونية للأمم المتحدة والقانون الدولي بشكل عام، وليس الضوابط القانونية المغربية. إلا أن السؤال الذي يطرح بقوة ما الذي جعل المغرب يقبل على هذه الخطوة في الظرف الحالي، ويهرول في كل الإتجاهات ، لعله يجد من يقاسمه طعمها السياسي الرديء ؟
إن هذه الهرولة السياسية- الحكم الذاتي- هي نتاج" طبيعي" ورد سياسي لاعقلاني على إنتفاضة الشعب الصحراوي المندلعة في الأراضي المحتلة وجنوب المغرب والمواقع الجامعية منذ 21ماي2005. والتي إلتفت حول ثابتين أساسين لايمكن بأي حال القفز عليهما،. أولا ، "جبهة البوليساريو" هي الممثل الوحيد والشرعي والتاريخي للشعب الصحراوي، وثانيا أن تقرير المصير من خلال إستفتاء حر وديموقراطي، يعد مطلبا جوهريا وأساسيا للشعب الصحراوي.
لاشك أن إستمرار الإنتفاضة والكثافة السياسية والوطنية لشعاراتها، قد أسقطت ورقة التوت عن الخطابية المغربية الرسمية غير المقنعة. والتي ظلت تلوك لغة خشبية بدائية، مثل"الإجماع الوطني" و"الوحدة الترابية" و"تشبت الرعايا الصحراويين بمغربية الصحراء".
إن الإنتفاضة التي تعرفها الأراضي المحتلة من الصحراء الغربية ومناطق جنوب المغرب، ليست معزولة عن سياقها التاريخي والسياسي بل هي محطة، وتراكم ضمن المسيرة الوطنية للشعب الصحراوي. وتبقى الجرائم القمعية التي صاحبتها، كما تشير إلى ذلك، تقارير المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، التي زارت الإقليم في ماي 2006 أكبر دليل على إستماتة الشعب الصحراوي في الدفاع عن حقه في تقرير المصير.
الإحتلال المغربي ووضعية حقوق الإنسان بالصحراء الغربية
يرتبط الإحتلال المغربي للصحراء الغربية ، وألإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان إرتباطا وتلازما عضويا وبنيويا، كما أن أية محاولة للفصل بينهما، تبقى مسكونة بسذاجة غير مبررة أخلاقيا، وغير بريئة سياسيا، عن الإحاطة بالعمق البنيوي للإشكالية الإنسانية في الصحراء الغربية.
لقد تلازم الإحتلال المغربي مع الإنتهاكات الجسيمة في الصحراء الغربية. وكان من نتاج ذلك فظاعات إنسانية وأخلاقية، ستبقي محفورة في الذاكرة والمخيال الجماعي للشعب الصحراوي. بدءا من قنبلة مجموعة من المداشر والتجمعات البشرية الصحراوية بالنبالم والفوسفور الأبيض المحرمين دوليا، في "الكلتة" و "تفاريتي" و"أم دريكة".
كما أقبل النظام المغربي على مجموعة من الأساليب الهمجية، كتسميم الأبار، وإتلاف الثروة الحيوانية (الإبل والماشية) لإجبار الساكنة الصحراوية، على الإنتقال إلى المدن، بدعوى أنهم يساهمون في تموين مقاتلي "جبهة البوليساريو".
ولجأ النظام المغربي كذلك إلى شن حملة إعتقالات وإختطافات عشوائية و اسعة، شملت كل الشرائح الإجتماعية، ترتب عنها قضاء بعضهم مدد تناهز17 سنة في مراكز الإحتجاز السري ب"قلعة مكونة" و"أكدز" و"الريش" ومركز" قوات التدخل السريع" بمدينة العيون المحتلة، توفي منهم 68 صحراويا من ضمنهم إمرأتان. كما لازال 521 مختطفا صحراويا، في أعداد مجهولي المصير، حسب الإحصائيات الرسمية لمنظمة العفو الدولية. ومن ضمن الفظاعات، التي إرتكبها النظام المغربي في الصحراء الغربية، رمي الصحراويين أحياء من طائرات الهيلوكوبتر، و دفنهم في مقابر جماعية بالعشرات، في "أجديرية" و"لمسيد" و"السمارة". بالإضافة إلى الأعداد الهائلة من المحاكمات الصورية، والتهجير الجماعي، والتعذيب ، والإختطافات، وسياسات قطع الأرزاق، والتمييز العنصري وإبادة الهوية الثقافية، من خلال الإدماج القسري،.والحصار الأمني والسياسي والعسكري والإعلامي ، وفي هذا الإطار ولحجب ماجرى ويجري من إنتهاكات لجأ النظام المغربي إلى طرد مجموعة من الوفود الأجنبية، كما هو الحال مع وفد البرلمان الأوروبي، بتاريخ 6 أكتوبر 2006.
إن الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية، تختلف في سياقها التاريخي والموضوعي، عن تلك التي عرفها المغرب. حيث أن الأولى ترتبط بالنزاع السياسي والعسكري في الصحراء الغربية، و لايمكن إطلاقا تجاوزها ،إلا من خلال تمتيع الشعب الصحراوي بحقه الغير قابل للتصرف،في تقرير المصير، أما طبيعة الإنتهاكات الجسيمة التي عرفها المغرب، فقد ظلت محكومة، بالصراع حول السلطة والإشكالية الديموقراطية.
هذه الخلاصة الجوهرية، أكدت عليها المفوضية السامية لحقوق الإنسان، بعد زيارتها إلى الصحراء الغربية، حيث أشارت، إلى أن كل إنتهاكات حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، ترتبط بنيويا وعضويا بمصادرة حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والإستقلال.
الخطاب الرسمي المغربي: أوهام وتناقضات
ظل الخطاب الرسمي المغربي، مؤسسا على مجموعة من المفردات السياسية، تستهدف إعطاء مشروعية لإحتلاله للصحراء الغربية. لعلها أبرزها مغالطة " الإجماع الوطني"، وهنا أريد أن أشير إلى نقطتين:
أولا: أن الإجماعات على ثوابت معينة، هي تقليد ديموقراطي، حيث تقر أطراف الحقل السياسي، من خلال توافقات سياسية، إرساء ثوابت معينة، مثل الجمهورية والعلمانية في فرنسا. وأعتقد أن المغرب لم يكن ديموقراطيا، يوم ما ليفرز هذه الإجماعية الديموقراطية التوافقية.
ثانيا: أن مغالطة" الإجماع الوطني" تكذبها التضحيات الجسيمة (الاستشهاد، الاعتقال، النفي...) والمواقف الشامخة لمناضلي" النهج الديموقراطي"، ومنظمة "إلى ألأمام" سابقا و"الجمعية المغربية لحقوق الإنسان"، الذي قضى بعضهم أكثرمن 17 سنة من الإعتقال السياسي، دفاعا عن قناعاتهم السياسية ومن ضمنها حق الشعب الصحراوي في الوجود.كما أن الخطاب المغربي الرسمي لازال يستبلد، المجتمع المغربي، من خلال الإدعاء أن الصحراويين المتواجدين في المخيمات، هم مجرد" محتجزين". مع العلم أن مخيمات اللاجئين، تشهد كل أسبوع زيارة عشرات المنظمات الإنسانية، والوفود الأجنبية.كما أن الأمم المتحدة تشرف على برنامج لتبادل الزيارات بين المناطق المحتلة و مخيمات اللاجئين. وتتواجد أربعة مكاتب ثابتة بهذه الأخيرة، لمنظمة غوث اللاجئين. وهذه الأكذوبة فندها بجلاء الصحفي المغربي الديمقراطي المعروف "علي لمرابط" ليعاقبه النظام المغربي، بالمنع من ممارسة الصحافة، لعشر سنوات جزاءا لجرأته "الزائدة"، كما أن الصحفي أبو بكر الجامعي وجد نفسه مجبرا، على مغادرة المغرب، بعد الضغوطات التي تعرض لها من قبل النظام المغربي، إثر تكذيبه لتقرير مطبوخ حول "جبهة البوليساريو". إن الإجماعية المبنية بالحديد والنار، هي مجرد إجماعية إستبدادية بدائية فارغة أخلاقيا وسياسيا كما أن الشعاراتية الإختزالية، الممثلة في لغة الإجماعات الكاذبة هدفها الأساسي، التشويش على الطابع التحرري والعادل لنضال الشعب الصحراوي، وشحن الأشقاء المغاربة، بشوفينية قاتلة وعدائية، وتحويرالمواجهة، من صراع بين النظام المغربي والشعب الصحراوي، إلى صراع بين الشعبين الشقيقين. و مع ذلك فإن عبقرية هاذين الأخيرين كفيلة، بإسقاط هذا النوع من المراهنات السخيفة.

إن الحكمة السياسية والأخلاقية تقتضي إحترام الشرعية الدولية، وتجنيب المنطقة المغاربية المآسي الإنسانية، وبناء الخيارات الإستراتجية للمنطقة، من خلال إحترام إرادة الشعوب والأفراد، وليس على "المنطق" الترابي التوسعي، الذي شكل ثابتا في التاريخ السياسي الحديث للنظام الديكتاتوري المغربي.

Contact Form

Name

Email *

Message *