البرلمان الصحراوي تجربة على المحك
الصحراء الغربية 12 يونيو2013 (وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة) يعد المجلس الوطني الصحراوي أحد مكونات الدولة الصحراوية يحمل على عاتقه تطوير هذه المؤسسة التشريعية التي واكبت حرب التحرير التي تخوضها الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب في الصحراء الغربية، كما واكبت المسيرة الوطنية للشعب الصحراوي في مخيمات اللاجئين الصحراويين والمناطق المحررة من الصحراء الغربية.
وخلال سنوات الحرب ظلت هذه المؤسسة واجهة لدعم الكفاح المسلح وجلب التأييد السياسي للقضية الصحراوية، غير ان حالة السلم التي استقر عليها الحال بعد اتفاق وقف اطلاق النار عام 1991 بين جبهة البوليساريو والمغرب برعاية الامم المتحدة، اسست لمرحلة جديدة برزت معها تطورات اجتماعية واقتصادية وسياسية مست كافة مناحي الحياة بمخيمات اللاجئيين الصحراويين مع الانفتاح الكبير وحالة شبه الاستقرار.
بعد المؤتمر الثالث عشر لجبهة البوليساريو صادق المؤتمرون على تقليص مدة المجلس الوطني الى نصف ماكانت عليه العهد السابقة، وبعد اجراء الانتخابات البرلمانية افرزت نسبة تجديد كبيرة وصلت في بعض الدوائر الانتخابية الى نسبة 100% فيما تجاوزت نسبة التجديد بشكل عام 69% على مستوى الدوائر الانتخابية في الولايات و المؤسسات الوطنية و الجيش الوطني، مع تسجيل حضور قوي للمرأة والفيئة الشابة، وهو ما خلق ارتياح لدى القاعدة الشعبية التي باتت تواقة الى اي جديد يحمل بشائر يرى فيها المواطن حلولا لمشاكله وتخفيفا من اعباء همومه اليومية، ويتكون المجلس من 53 نائبا منتخبا من بينهم رئيس المجلس ونائبه وأمين عام يعينه رئيس الجمهورية بالاضافة الى رؤساء لجانه السبعة، ويبلغ عدد النساء مايزيد على 25% فيما تجاوزت نسبة الشباب اكثر من 42% ، بالاضافة إلى نسبة الخريجين التي تجاوزت هي الاخرى 30%، ويتم انتخاب نواب المجلس عن طريق الاقتراع السري والمباشر بعد مرور سنة ونصف و في تقييم سريع نجد ان المجلس الوطني إستطاع ان يفرض نفسه كقوة مؤثرة في المشهد السياسي والاجتماعي الصحراوي ويخلق رأي جيد وذلك بعد اختراقه و تحديه لمجمومة من الملفات التي كانت بمثابة خطوط حمراء و اصراره على محاربة الفساد الحاصل في تهريب المحروقات وإفاد بعثة لتقصي الحقائق في هذا الملف الشائك، والمصادقة على توصيات لضبط أسعار المواد الأولية والحفاظ على تماشيها مع القدرة الشرائية للمواطن، وكذا أسعار سيارات الأجرة، واسعار المحروقات، وغيرها من الملفات الاجتماعية التي تمس حياة المواطن من قريب أو بعيد.
بل ان البرلمان كاد ان يتسبب في ازمة مع الحكومة بعدما رفض المصادقة على برنامجها السنوي 2011/2012 وربط المصادقة عليه بمدى جديتها في تطبيق التوصيات السابقة والمتعلقة بالحفاظ على خفض اسعار المواد الاساسية، وحل مشكلة النقص الحاصل في مياه الشرب.
وهو ما جعل الحكومة تستنفر كل طاقاتها لحل تلك المشاكل التي كانت عالقة وزادت على ذلك بتعهدها بتزويد المخيمات بالكهرباء، وتعبيد الطرق الرابطة بينها، حينها شعر بعض النواب انهم في قلب المسؤولية والثقة التي منحهم اياها الشعب.
لكن المجلس الوطني الذي أصبح يحظى بإهتمام أغلب أعضاء القيادة الصحراوية لم يثنيه ذلك الاهتمام عن رفض مشروع قانون التعدين الذي تقدمت به الحكومة نفسها، في ظرف حساس تطبعه الأزمة العالمية وتقليص الدعم الانساني الموجه للاجئيين، مع رغبة الشركات الاجنبية في الاستثمار في المناطق المحررة، ورغبة الحكومة الصحراوية في تجسيد السيادة على المناطق المحررة وابرام اتفاقيات مع شركات دولية، لكن بعض نواب المجلس الوطني الصحراوي تحفظ على مشروع الحكومة معتبرا ذلك انتهاكا لدستور الجمهورية الصحراوية ومخالف بشكل واضح للدستور الصحراوي الذي يمنع الاستثمار قبل استكمال السيادة الوطنية، فيما راى اخرون ان مؤسسة تشريعية مثل المجلس الوطني لايمكنها بأي حال من الأحوال اختراق الدستور، مع تحفظ البعض على القانون كون الجهة او الهيئة التي ستدير الملف مجهولة وبالتالي ستصبح خارجة عن سلطة الرقابة البرلمانية وطالب هذا الاتجاه باجراء تعديلات على القانون وتضمينه ضمانات للمحاسبة والرقابة، غير ان بعض الاعضاء راى في مشروع القانون واجهة اعلامية وسياسية لقضية الصحراوية و تسويقها للعالم عبر نافذة الإستثمار مطالبين المجلس المصادقة عليه كبعد استراتيجي في دعم مقومات الصمود، وتوظيف ما يمكن توظيفه من الطاقات الشابة التي لم يسعفها واقع اللجوء في ايجاد العمل المناسب وتحقيق الاكتفاء الذاتي، فضلا عن كونه رسالة مفادها أن الحكومة الصحراوية لها سلطة وسيادة على مناطقها المحررة.
لكن مشروع القانون الذي يحتاج الى تصويت ثلثي البرلمان جوبه بالرفض، واحدث شرخ داخل الهيئة التشريعية، لتستمر معركة اقناع النواب الذين تعسر عليهم فهم مضامين القانون الذي تعتبره الحكومة الصحراوية مهما لدعم القضية، ليعود مشروع القانون من بوابة المجلس ويحدث سابقة في تاريخ البرلمان الصحراوي حيث تقدم 09 نواب بإعادة القانون وطرحه للنقاش والتصويت وهو ما وضع مصداقية المجلس الوطني من جديد على المحك كون النقاش اصبح بين اتجاهات داخل المجلس وهو ما شد انتباه الرقابة الشعبية والاعلامية التي باتت ترى في عملية الشد والجذب بين المجلس والحكومة مساحة للديمقراطية والحرية في سماء الدولة الصحراوية الفتية.
لكن عناد النواب المتمسكين بالدستور وقفوا لمشروع الزملاء بالمرصاد ولم يحظى القانون من جديد بالتصويت المطلوب وفاتت فرصة اخرى على الحكومة التي كانت ترى في تمرير مشروع القرار نصرا مؤزرا.
بيد ان مشروع القرار احدث تصدع داخل انسجام الهيئة، وبات بعض النواب ينتظر الفرصة لتصفية الحسابات حتى ولو كانت على حساب مصالح الشعب فغاب الضمير الاخلاقي والوازع الديني الذي يجب ان يحرك النائب الذي اختاره الشعب.
اليوم وخلال مناقشة المجلس لبعض المواضيع المهمة، تتعلق بالاساس بالقطاع الاجتماعي، بعث بعض النواب اسئلة كتابية ـ وهو حق دستوري لكل نائب ـ لبعض الوزراء ومن ابرز تلك القضايا الوضعية الحرجة لبعض المرضى في انتظار الاجلاء والوضع القانوني لمنطقة لكويرة بعد التحركات الموريتانية الاخيرة، وضعف التغطية الاعلامية للاحداث الوطنية الكبرى كتخليد اربعينية الجبهة في 10 ماي و20 ماي.
لكن الاخطر من هذا كله هو رفض بعض النواب وبالاخص "مجموعة قانون التعدين" مناقشة قضية اجلاء الحالات المرضية الخطيرة البالغ عددها 57 حالة حسب احصاءات بعض النواب والتي لم تتمكن من الاجلاء منذ حوالي عام في الوقت الذي تمنح التاشيرات وتباع لاغراض سياحية ومطية للعبور الى الخارج وهو ما ساهم في استنزاف الطاقات الشابة وافراق المخيمات من طاقاتها الحية
ولان القضية دخلت على خط التجاذبات الشخصية وتصفية الحسابات بين النواب، فإن الوضع الانساني للمجموعة المرضية يطرح الاستفهام حول اهلية هؤلاء النواب الذين وقفوا في وجه مصلحة ظاهرة لفيئة مثل هذه الحالات الخطيرة؟ خاصة ان الموت يتهدد اغلبها بعد وفاة حالات منها، كما يظهر الدور السلبي للوزارة المعنية التي عجزت عن التكفل بوضعية هذه الحالات المعدودة.
وهو ما يستدعى اللجان المختصة داخل المجلس للتحرك وفتح تحقيق ومساءلة كل الاطراف ذات العلاقة بما فيهم السفير الذي يبقى بعيدا عن رقابة المجلس كونه يحتمي بوزير الخارجية الذي بدوره اصبح عاجزا عن فرض رقابته ومتابعته للسفراء والممثلين وبقية العاملين في السلك الدبلوماسي الذين يتمتعون بالحصانة ويستغلها بعضهم في أغراض لاعلاقة لها بالقضية ولا بالمصلحة العليا للشعب.
المجلس ايضا ارغم على التصويت ضد مناقشة الوضع القانوني لمنطقة لكويرة والاطلاع على كنه الاجراءات الموريتانية على الحدود الصحراوية الموريتانية، كما ان موضوع الديون على الجولات الصيفية هو الاخر لم يحظى بمصادقة النواب وهو ملف مفتوح منذ 2010.
ومهما يكن من تجاذبات وخلافات يجب ان يراعي نواب الشعب مصالحه، والاهداف التي وجدوا من اجلها داخل قاعة البرلمان، وان يطرحوا الانشغالات الحقيقية للمواطن بدلا من تجيير مقترحات الحكومة وتقديمها في قوالب كما هو الحال مع مجموعة مشروع قانون التعدين ولجنة الدفاع وبعض النواب الذين باتوا اكثر حرصا على مصلحة الحكومة من مصلحة الشعب الذي منحهم ثقته واختارهم كسفراء لطرح مشاكله وانشغالاته.
ومن الغريب داخل المجلس ان بعض النواب الذين رفضوا النظر في الحالات المرضية هم أنفسهم من تقدموا في وقت سابق بطلب زيادة ميزانية الدفاع في الموازنة العامة لتصبح 30 مليار وهو المبلغ الذي سيوجه الى الترميم والتجيير الذي بات شعارا للفساد واستنزاف المال العام، بدلا من صرفه في تحسين ظروف الجيش الصحراوي المرابط على طول الجدار بكل عزم وصبر.
كما ان المجلس الوطني اخفق في حسم ملفات اجتماعية تشغل الراي العام الصحراوي ومن بينها ملف الاحصاء، والرفع من مستوى التحصيل الدراسي رغم تنظيم المجلس ليوم برلماني خصص لدراسة اسباب تدني مستوى التحصيل الدراسي وطرق معالجة الظاهرة المتفاقمة، غير ان اليوم لم يحقق الاهداف المرجوة وتحول من الوقوف على مكامن الخلل في الوزارة المعنية، الى جلسة للثناء والإشادة بعملها "الجبار".
كما اخفق البرلمان في معالجة ملف المحروقات وخفض الاسعار الاولية وملف الخارجية.
وفي ختام هذا التحقيق المؤجز لاهم الاحداث التي تشغل الراي العام الصحراوي والتي تتزامن مع اقتراب انتهاء العهدة البرلمانية الحالية، يبقى للحديث بقية عن التجربة البرلمانية الصحراوية ودورها في التأثير في تحسين الظروف الاستثنائية من واقع شعب يحتاج الى تظافر جهود كل مكونات الدولة الصحراوية لصون المكتسبات وشحذ الهمم ورص الصفوف لمواجهة الخطر الاكبر والمتمثل في الاحتلال، لكن ذلك الخطر لايمكن ان يواجه والفساد مستشري داخل المؤسسات ولا بالشعارات المجردة عن الافعال.