-->

ورقة عن الخارطة السياسية للاحزاب الموريتانية

نواقشوط (وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة) تعتبر الأزمة السياسية التي عاشتها موريتانيا منذ انقلاب 6 أغسطس/أب عام 2008 تحدياً كبيراً لقدرة 
النخبة السياسية الموريتانية على إدارة الشأن السياسي للبلاد، وتجنب الهزات السياسية والاجتماعية، في بلد هش من الناحية الاجتماعية، نظراً للتنوع العرقي والفئوي الذي يتميز به، فيما لا تزال الدولة في طور التشكل، ولم تترسخ الممارسة السياسية بعد، مقارنة ببقية الدول المجاورة.
وطغت خلال العامين الماضيين، حالة من الاستقطاب السياسي، انعكست في الاحتجاجات التي رفعت شعار "رحيل النظام"، تماشياً مع أجواء الربيع العربي. 
جذور الأزمة السياسية 
ترجع جذور الأزمة السياسية التي تعيشها موريتانيا إلى انقلاب الثامن من أغسطس/آب 2008، الذي أطاح من خلاله الرئيس الموريتاني الحالي، محمد ولد عبد العزيز، بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد، وهو الرئيس سيد محمد ولد الشيخ عبد الله. ومع أن "اتفاق داكار" الذي تم توقيعه في السادس من مارس/آذار 2009، وضع حداً للمواجهة السياسية بين الطرفين، وجرت بموجبه انتخابات رئاسية في 18 يوليو/تموز 2009 فاز فيها قائد الانقلاب محمد ولد عبد العزيز. إلا أن هذه الانتخابات خلفت أزمة جديدة، ولم تحل أزمة الشرعية السياسية التي يعاني منها قادة الانقلاب، إذ رفضت الأطراف الأساسية في المعارضة، باستثناء حزب "تواصل الإسلامي"، الاعتراف بنتائج الانتخابات وظلت تشكك في شرعية ولد عبد العزيز. عوامل عديدة تجعل الأطراف السياسية الموريتانية عاجزة، اليوم، عن الوصول إلى حل ووفاق سياسي يحتاجهما بلد يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية كبيرة. 
العامل الأول: عدم تمكن نظام ولد عبد العزيز، المدعوم من فرنسا، الدولة الأكثر نفوذاً في مستعمرتها السابقة، من تنظيم الاستحقاقات الانتخابية التشريعية والبلدية في موعدها، إذ كان من المقرر أن يتم تنظيمها في أكتوبر/تشرين الأول عام 2011 وكذلك ثلث مجلس الشيوخ الذي كان مقرراً في أبريل/نيسان من العام نفسه. وتم تأجيل الانتخابات من طرف واحد، حتى نوفمبر/تشرين الثاني عام 2013، من دون التشاور مع الأطراف السياسية المعارضة. 
العامل الثاني: يتعلق بالأجواء الثورية التي عاشتها المنطقة بعد أحداث الربيع العربي، فقد رفعت هذه الأحداث من سقف مطالب المعارضة وطموحها نحو تغيير النظام بدل الحوار معه. وذلك تجلى في رفض غالبية أطرافها للحوار الذي دعا إليه النظام والذي قبلت به أطراف أخرى، عرفت فيما بعد بأحزاب "المعاهدة من أجل التغيير". وقد تمخض الحوار عن إصلاحات سياسية ودستورية مهمة. لكن تنسيقية المعارضة رفضته ولم تقبل بمخرجاته، باعتبارها مجرد شكليات لتجميل وجه النظام وتحسين صورته في ظرف محلي وإقليمي ضاغط. هكذا تحولت الأزمة السياسية في موريتانيا، من وجهة نظر المعارضة، إلى أزمة مركبة حول شرعية النظام من ناحية، وحول الشرعية الدستورية لعدد من المؤسسات التشريعية والتنفيذية من ناحية أخرى. أما النظام فيحمّل المعارضة مسؤولية تأجيل الانتخابات، ويقول إنها هي من طالبته بذلك، نافياً وجود أزمة سياسية أصلاً، وإنما رفض المعارضة الاحتكام إلى الآليات الديمقراطية، وما يفرزه صندوق الاقتراع. 
القوى السياسية الموريتانية المؤثرة 
1- الغالبية الحاكمة تتكون الغالبية الداعمة لولد عبد العزيز، من الحزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم، الذي أسسه الجنرال محمد ولد عبد العزيز، في الخامس من مايو/أيار عام 2009، وترأسه قبل أن يتخلى عن رئاسته تطبيقاً لمادة دستورية تحظر الجمع بين منصب رئيس الجمهورية ورئاسة أي حزب سياسي. يرأسه اليوم إسلكو ولد أحمد إيزيد بيه. - 
حصل "الاتحاد من أجل الجمهورية" على غالبية مقاعد المجالس البلدية، كما حصل على 51 في المئة من أعضاء الجمعية الوطنية (البرلمان) خلال الانتخابات التشريعية والبلدية في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2013. يضم الحزب في عضويته غالبية العناصر القيادية في الإدارات الحكومية وزعماء القبائل وعدداً كبيراً من رجال الأعمال، ولا يزال هناك تماهٍ بين مفهوم الحزب الحاكم وحزب الدولة على الرغم من نفي الحزب لذلك، ومحاولاته تقديم نفسه كحزب حاكم لا حزب دولة. وتضم الغالبية الحاكمة أحزاباً أخرى كـ"الحراك الشبابي" الذي أسسته عناصر شبابية في فبراير/شباط عام 2012، قيل إنها محاولة من النظام لامتصاص المبادرات الشبابية المناهضة له، كحركة "25 فبراير" التي بدأت حراكها المناهض للنظام في فبراير عام 2011. وقد حصل "الحراك الشبابي" على ستة مقاعد في البرلمان، و15 بلدية خلال الانتخابات البرلمانية والبلدية الأخيرة. ومن أحزاب الغالبية أيضاً، "الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم" بقيادة الوزيرة الناها بنت مكناس، إضافة إلى أحزاب صغيرة أخرى كـ"الفضيلة"، و"الوحدة"، و"التنمية"، و"الكرامة"، و"الجمهوري"، و"الوحدوي الاشتراكي".
2- منتدى الديمقراطية المعارض
تأسس منتدى المعارضة بعد مؤتمر دعت له قوى المعارضة الموريتانية في مطلع مارس/آذار 2014، بمشاركة منسقية المعارضة وحزب "تواصل الإسلامي"، إضافة إلى شخصيات معارضة مستقلة وبعض منظمات المجتمع المدني. وقد اختير العقيد السابق الشيخ سيد أحمد ولد باب مين، رئيساً للمنتدى. 
تتألف المعارضة في موريتانيا من مجموعة من الأحزاب، بعضها وريث لحركات سياسية وتيارات أيديولوجية، وبعضها الآخر أسسه زعماء سياسيون وقادة اجتماعيون:
ــ حزب "تكتل القوى الديمقراطية"، المعروف اختصاراً بـ "RFD":
هو وريث لحزب "اتحاد القوى الديمقراطية" الذي قاده زعيم المعارضة التاريخي أحمد ولد داداه، شقيق أول رئيس موريتاني بعد الاستقلال الرئيس الراحل المختار ولد داداه. ترشح ولد داداه، للرئاسة في مطلع التسعينيات بمواجهة الرئيس، حينها، ولد الطايع. وقد تم حل الحزب عام 2000 بعد تنظيمه تظاهرات منددة بالتطبيع مع إسرائيل. ثم أسس أنصار ولد داداه، الحزب من جديد تحت اسم "تكتل القوى الديمقراطية".
وبعد سقوط ولد الطايع، في انقلاب 6 أغسطس 2005، وخلال الفترة الانتقالية، لجأ إلى الحزب العديد من أنصار ولد الطايع، في انتظار تشكل الخريطة السياسية التي كانت في حالة ضبابية في ذلك الوقت. وقد حصل الحزب على نتائج مميزة في البرلمان أهلته ليكون الحزب الأكثر تمثيلاً، قبل أن يتمكن النظام من استنزافه وضرب بعض قادته وبرلمانييه.
وفى انتخابات مارس 2007، وصل ولد داداه، إلى الجولة الثانية مع الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله، وقد فاز ولد الشيخ عبد الله بـ52 في المئة مقابل 48 في المئة من الأصوات لولد داداه.
أما شعبية الحزب، فترتكز أساساً على مكانة رئيسه الذي يمتلك شعبية معتبرة، خصوصاً في المناطق الجنوبية الموريتانية.
وقد دعم الحزب "انقلاب أغسطس" في البداية، قبل أن يعارضه بقوة بعدما تأكد من عزم قائد الانقلاب على الترشح للرئاسة.
ويعتبر اليوم من أكثر أحزاب المعارضة راديكالية في "منتدى الديمقراطية" المعارض، فقد رفض المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة مع بقية أحزاب منسقية المعارضة باستثناء حزب "تواصل الإسلامي". كما يتبنى الموقف نفسه من الانتخابات الرئاسية اليوم.
2ـ حزب "تواصل الإسلامي"
حصل حزب "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الإسلامي" المعروف اختصاراً بـ"تواصل" على ترخيص في الثالث من أغسطس 2007، بعد عقود من الحرمان و"المنع السياسي" عانى منه "الإخوان المسلمون" في موريتانيا.
لكن القادة السياسيين لجماعة "الإخوان المسلمين" في موريتانيا حرصوا على المشاركة السياسية ولم يستسلموا لمنعهم من تأسيس حزب خاص بهم، فعملوا من خلال حزب "تكتل القوى الديمقراطية" قبل أن يؤسسوا "مبادرة الإصلاحيين الوسطيين" خلال المرحلة الانتقالية عام 2006، وذلك قبل الحصول على الترخيص الكامل لحزب "تواصل" في بداية حكم الرئيس المدني المنتخب، سيدي ولد الشيخ عبد الله، الذي لم يكتف بذلك، بل أدخلهم في حكومته الائتلافية قبل أن يتراجع عن ذلك تحت ضغط العسكر. ورفض الحزب "انقلاب أغسطس" ودخل في "الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية" التي تأسست لمناهضته. غير أن قبوله بنتائج انتخابات عام 2009، وقبوله المشاركة في برلمان 2013، على الرغم من مقاطعة زملائه في المعارضة، أحدث حالة التباس في مواقفه، لا يجد قادته تبريراً لها. ويمتلك "تواصل" وجوداً قوياً في النقابات المهنية والاتحادات الطلابية. كما يتمتع بوجود إعلامي قوي وفاعل جعله في صدارة الاحزاب السياسية الموريتانية. وحصل الحزب على المرتبة الثانية بعد الحزب الحاكم في الانتخابات البلدية والبرلمانية التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2013. لكن علاقة الحزب بالنظام تأزمت في الفترة الأخيرة بعد حل "جمعية المستقبل الإسلامية". واتهم النظام الحزب ضمنياً بتحريك التظاهرات العنيفة التي جرت بعد شائعة عن تدنيس المصحف، وأدت إلى سقوط قتيل وعدد من الجرحى في العاصمة وبعض المقاطعات الأخرى. وقد صرح الحزب بأنه غير مهتم بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية، اليوم السبت، وهو ما فهم منه أنه لن يعارض سعي المعارضة من أجل مقاطعة الانتخابات الرئاسية كما فعل في الانتخابات البرلمانية والبلدية. ويعتبر هذين الحزبين (التكتل وتواصل) من أهم الأحزاب السياسية وأكثرها شعبية. غير أن هنالك أحزاباً معارضة أخرى لها أهمية ومكانة في الساحة السياسية، كحزب "اتحاد قوى التقدم اليساري"، وحزب "الاتحاد والتغيير"، وحزب "الوئام" وحزب "المستقبل". 
3- جبهة "المعاهدة من أجل التغيير" تتكون المعاهدة من أحزاب عدة، يتقدمها "التحالف الشعبي التقدمي" بزعامة رئيس البرلمان السابق مسعود ولد بلخير، وحزب "الصواب"، و"الوئام الديمقراطي" برئاسة المرشح الرئاسي بيجل ولد هميد، وحزب "العهد الوطني" (عادل) برئاسة رئيس الوزراء الأسبق يحي ولد أحمد الواقف 
ــ حزب "التحالف الشعبي التقدمي" (APP)
أسسه القوميون الناصريون عام 1991، بعد فتح باب التعددية السياسية قبل أن يحصل اندماج بينه وبين قادة حركة "الحر" المدافعين عن شريحة الأرقاء السابقين (كانوا عبيداً في السابق، ويعرفون محلياً بالحراطين) بقيادة مسعود ولد بلخير، في مارس/آذار 2003، بعد أن رفض ولد الطايع، الترخيص لحزبهم "العمل من أجل التغيير".
يعتبر زعيم الحزب ولد بلخير، من أهم زعماء شريحة "الحراطين"، ويتمتع بشعبية كبيرة في صفوفهم وهو من المعارضين التاريخيين لنظام ولد الطايع. وقد دعم سيدي ولد الشيخ عبد الله، في المرحلة الثانية في انتخابات 2007، في مواجهة زعيم المعارضة حينها أحمد ولد داداه.
وقد أثمر تحالف ولد بلخير ــ ولد الشيخ عبد الله، حصول الأخير على رئاسة البرلمان، وإصدار قانون تجريم العبودية عام 2007، كما شارك حزب ولد بلخير في الحكومات التي شكلها حليفه خلال فترة حكمه التي استمرت قرابة عام. بعد انقلاب أغسطس/آب 2008، عارض ولد بلخير، بقوة، النظام المنبثق عنه، لكنه عارض أيضاً محاولات زملائه في منسقية المعارضة إسقاط ولد عبد العزيز، من خلال العمل الثوري خلال فترة ازدهار الربيع العربي 2012. فاجأ المراقبين بمقاطعته للانتخابات الرئاسية المقررة يوم السبت. 
ــ حزب "الوئام الديمقراطي الاجتماعي"
أسسته مجموعة من السياسيين المخضرمين المنتمين إلى مرحلة نظام الرئيس الأسبق، معاوية ولد الطايع، ويترأسه المرشح الرئاسي بيجل ولد حميد، وقد حصل على المرتبة الثالثة من حيث عدد النواب في البرلمان الحالي. يتوقع أن يحصل الحزب وزعيمه على نتائج جيدة في انتخابات يوم السبت، على الرغم من الانسحابات الأخيرة التي شهدها في صفوفه.

Contact Form

Name

Email *

Message *