-->

30 يوما رسالة ضمير


في اليوم 10 من اكتوبر 2010 كان التاريخ على موعد مع محطة مهمة ستظل تحتفظ بها الذاكرة الصحراوية الى ان ينتهي التاريخ من صياغة احداثه في يوم من الايام ... اي الى قيام الدنيا.

دعونا نتحدث اولا عن هذه المحطة ونسرد بعض تفاصيلها ونعود بالزمن الى الوراء 5 سنوات و5 اشهر 24 يوما تقريبا هو عمر معانات معتقلين اكديم ازيك في غياهب سجون الاحتلال حيث المعانات بتفاصيلها واشكالها وتلاوينها في كافة مستوياتها ...
لا ازال اذكر مساء ذاك اليوم حين تمكنت رفقت بعض الاصدقاء ان نصل الى المخيم بشق الانفس نظرا لما كانت تفرضه دولة الاحتلال المغربي من حصار خانق وشديد ...، كان المخيم في يومه الثالث او الرابع لا استطيع الجزم ا .
لا اجد متسعا هنا لوصف ما اختلج نفسي حينها من مشاعر كادت تقتلني بفرط السعادة والسرور والسبب هنا معلوم ، فمن وطئت قدماه تلك الخيام لا يمكنه ترويض نفسه والسيطرة عليها وضبطها بحكم الفرح والسعادة المطلقة وما لهذا من سبب غير الفرار و الهروب من الحجيم و من ويلات الاستعمار الذي عمل على طول ازيد 40 سنة لجعلنا خراف او ربما احتفظ للدواب ببعض كراتهم اكثر من ما فعل بنا ... صدق عريس الشهداء حين قال ** ... لقد كانوا يخططون لجعلنا شعبا متسولا ...**
لا مبالغة فيما اسلفت ذكره ان لم يك هناك تقصير ..
على طول 24 يوما تقريبا التي امضيتها بين تلك الخيام التي ضربت اوتادها على بعد 12 كيلوميتر تقريبا عن عاصمة الوطن المحتلة مدينة العيون الجريحة والتي لا تزال تنزف دما الى يوم الناس هذا في صمت و دون انين ... 
كانت ليالي المخيم اكثر جمالا من ليالي الشام عند طلوع البدر زمن المماليك.. فمن ينسى مساحة الحرية تلك التي رسمتها تضحيات جماهير الوطن ، بين مضارب الخيام ، فرسمتها عارا على جبين الغزات هكذا تفعل عادتا حين تعطشها للحرية ، فلا يروي ظمأها غير ان تنتفض في وجه من يضرب عليها الاغلال بكرتا واصيلا ..فتثور لتكسر تلك الاغلال..
في ليلة من تلك الليالي السرمدية اذكر ولا يمكن البت ان انسى ، علامات الفرح والسعادة على وجوه الثوار النازحين في وجه التاتار الكلونيالي ، كلما مررت على احد الخيام وجدت نسمات السعادة تهفو على محياهم تنشد معاني الحب والسلام ... تخطفك ، تحملك دون إدن منك حتي ، الى أجواء و حياة لا حدود للحرية والعشق المجنون فيها ، وكأن ملامح النازحين تقول لك : ها هنا نرسم للوطن خارطة ، حدودها حريتا وانعتاقا ...و هنا نخط بسمتا على شفاه الوطن ، بحبر من امل ...هنا حيث لا اغلال ولا جبروت ولا طغيان ولا ولا ...هامش الحرية هذا او نطاقها وان ضاق اليوم فلعله يشمل غدا كل ربوع الوطن ...الكثيب والوديان والسواقي ، والأمل بمستقبل قد يشرق غدا.
بهذا الامل تنطفىء الشموع كل ليلة تقريبا من ليالي الحب والتكافل والسعادة، وليللي الحرية المنتزعة بفعل رغبة امتلأت بها احلام تلك الجماهير العطشى و الجامحة والحالمة للانعتاق ...
حتى الفجر يحمل كل ما حل بشرى ببقاء ذاك الامل، فتصحوا جموع الثوار على ما باتوا عليه ، وتغدوا تحتفل بالحرية كل اليوم حركتا وحيويتا ونشاطا ، فما اجملها ذكريات.... لا ذير ان العدو كان يغبطنا عليها حسدا وحقدا ، على تلك اللحظات المسروقة... فما وسعه الا ان جن وفارق وعيه يوم 8 شتمبر من السنة نفسها ليعيد علينا غدره كما اعتدناه منه.، كلما سنحت له الفرصة لذلك ، فما فجئنا وما كان ليكن .... 
هكذا انتقم لنفسه منا على ما انتزعناه لأنفسنا من حرية ،فما يجمل بنا في نظره غير ان نبقى عبيدا مملوكين و أن نقدم له الجزية والقرابين...
قد تقولون انت تهذي من فرط ما تمليه عليك خلفياتك فتنطلق منها لتخط لنا بعض السطور تحمل خطابا وجداني ...أو اساطير
لكنني اقول : 
كيف تفسرون اختيار النازحين في العيش داخل تلك الخيام وتخاليهم عن المدينة بما حملت جمالها و نوقها..
وكيف تفسرون انخراط الجميع شبابا نساءا شيبا ورجال في توطيد اوتاد تلك الخيام وترصيص وحدتها وصمودها لكل تلك المدة...حق للتاريخ على النازح والهارب.
كيف تفسرون وقوع السحر والسكون بالمخيم ....وذلك العشق له والعطش ، الذي يصيب كل زائر حتي الذي جاء زائرا او سرق سويعات قصد التفقد لاحوال الاقارب واجواء المخيم ، يصب الجنون في جوفه . فإذا به يطرب اوتاد خيمته مقررا البقاء...مستسلما وخاضع وغائب قي الهوى ..
وكيف وكيف ....
وها انا استطرد قائلا لماذا لا تزال تمنع الى اليوم دولة الاحتلال بناء الخيام منعا باتا ومطلقا وهذا فقط في تراب الوطن المحتل بينما تسمح بذلك في ديارها هي .. لم تكن تخشى وتفزع من تكرار التجربة ...
اليوم بعد مرور كل هذه المدة لا يزال كل من كان هناك يوما يحتفظ بذكريات لا يتسع هذا الفضاء الازرق لذكرها ...
الذكرى التي حاول الاحتلال بقدرما امكنه ذاك ، طمسها وقتلاعها وشفط بقاءها . 
فلم يستطع ...فليس بزمن هذا قد يمكنه الإختباء فيه من شمس الحقيقة بظلال اصابعه ..
ان حاول يوما مجافات الحقيقة، فلا امكنه ذاك ، تلك الذكريات المسروقة هي أمل الهوية في الذاكرة ، وهل يستطيع ؟طبعا لا ...
اما نحن ، فلا نلوم انفسنا اكثر من يحز في اعماقنا على ما تسببناه من ألم للذين كانوا سببا في يوم سعادتنا.
وهنا يكاد يبتلعنا عذاب الضمير .....لما أسرفنا فيه من اهمال ولا مبالات وتقاعس لمن رسموا على خارطة الأمل ، حدود تلك السعادة التي سجلها التاريخ في 10 من اكتوبر 2010 . هانحن نعمق جراحهم اكثر من سجون الظلم والعار فعلى الاقل ان حاول الاحتلال قهرهم انتقاما فلا غرابة فما طبع الاستعمار غير ذاك ، وهذا كما هو محدد شكلهم بالطبيعة.
فمن ذا الذي يهون عليهم من ظلمنا نحن لهم . والمعلوم ان ** ظلم ذي القربى اشد مضاضة من وقع الحسام المهند **... 
لقد ظلمناكم حقا فعذرا رفاقي إلتمسوه لنا ان اتسطعتم وانت غي مناجة الموت ...نحن شعب تقاعس عنكم في اكثر محنكم شدةوظلمت .. وأعمقها وقعا في النفس...امرها مضاضتا على الروح...فما اكفر ساديتنا ... واما اقبح وقاحتنا ...
ظلمناكم بالصمت...
ظلمناكم بالعجز.....
ظلمناكم بالنسيان....
ظلمناكم ان فضلنا عنكم رغيف الخبز.....
ظلمناكم حين اخترنا الحياة بعيدا عن الكرامة....
ظلمناكم بعد طول المسير....
ظلمناكم حين اطفئنا الشموع دون الوصول...
ظلمناكم وليس في الظلم خير ...
ظلمناكم والظلم ظلمات...
في الاهمال تكمن كل الإخفائان...
في اكثر ليالي عمركم ظلمتا وعتمة...
واشدها بردا واحرها جمرا ....
زاد ظلما واشتد كفرنا.
غفوكم رفاقي ... عفوكم رفاقي ....انشد و اقول لقد عجزنا على الوفاء لعهدكم يوم رفعنا ايدنا الى السماء قسما بالعهد في سبيل الوطن يوم مددنا اناملنا بكل اسباب الكفاح ...
ام اليوم وبعد كل زمن الخريف والتساقط ، فطبق خجلا وأستطرد قائلا : هناك في تلك العنابر الباردة والبعيدة عن نسمات الوطن ...لا اجد لنفسي من العبارات ما اطلب به العفو لنفسي....
فما يجمل بنا كشعب غير ان نهب هبتا واحدة تكون كالرياح نقتلع الغزات عن ارضنا...ونمحوا العار عن جباهنا ... ثم نرفع رقابنا لنرى السماء فقد حسبتنا الحياة بلا رؤوس !!! . لكثرة انحنائنا للجلاد ... واستسلامنا الانهزامي لملل طال عمره. 
فلا يأخر مجدنا غير التردد ،والتقلب والركون ...فالحلم غذا انتم ...ولأمل اليوم نحن جحافل الثوار... جموع العطشى للحرية .. حجيج الكرامة ..
سنرسم غدا فيه كل ألوان الطيف... فيه الطلحة ... والكثيب ... والغدير ...واصوات النوق الحمر...يوم تكونون فيه انتم بين احضان الحرية يا رفاق الوطن يا من رسمتم له بسمة كان عنوانها 10 من كتوبر 2010 ...ومن هنا اوجه رسالتي بصوت ضمير قرر النهوض. وعزم إمتطاء الكفاح:
اليكم يا من طال صمتكم لا عذر بعد اليوم للاخرص ولا للخرصاء 
هيا إصرخي غير عاليا و حريتااااه 
اليكم ايها المترددون لا عذر لكم هيا امتطوا القدر...
اليكم ايها الواقفون تحركوا 
ايها النائمون استيقظوا ...
فما احوج الوطن ...اليوم هبوا كما عهد لكم التاريخ فما إدخرتم للزمن من زاد فأخرجه في ايامكم هذه ...ففيها قد تكونون او لا نكونون... 
بعد30 يوما من اضراب معتقلين اكديم ازيك لا خيار لكم يا جموع العطشى للحرية غير الخروج كالرياح تطهيرا لارض طال دناسها .
تقبلوا اخيرا مروري
بابوزيد لبيهي 
العيون المحتلة 31 مارس 2016

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *