-->

قبيــــــلة الشباب إلى أين

لا يخفى على اي منا تكوين أوالتركيبة الإجتماعية للشعب الصحراوي، ولاخلاف على أن ذلك التكوين والتلوين الإثني كان دائما هو السلاح الأفضل والأكثر تدميرا في أيدي أعداءنا، وقد وجد المستعمر سواء في بلادنا أو غيرها من القبلية سما قاتلا سواء كان في تركيبة عادية أو ناقعا مستحضرا يستخدمه لنفث الفتنة وغلغلة داء القتل بين العامة التي غالبا يتفشى فيها الجهل وتتنافس سلبيا في متانة الحمية والدفاع عن الدم.
ومن سوء حظنا لم تتوفر الأسباب الموضوعية التي تساعد على التعجيل بإنتشار وعي وطني يكون بديلا للوعي الإثني القبلي، ومن نحسنا أنه لم يتولانا من المستعمرين إلا أكثرهم ضعفا (إسبانيا) وأكثرهم مكرا وخبثا ودناءة ونجاسة ( المملكة المغربية) ولم يكونا بعيدين عن إنتهاج نفس الأساليب والسياسات والخطط الدنيئة المدمرة للنيل من قوة الشعب الصحراوي. ولا يمكن إغفال ولا نسيان متانة صمود وقوة منظومة القيم الصحراوية المركبة من عادات وتقاليد وقيم دينية وروحية أمام المحاولات المتكررة عبر العصور والازمان.
في تجارب الشعوب والأمم يحدث دائما ان تتكون أنظمة وطنية في غالبها تقود شعوبها إلى مصاف التحضر والتمدن واساسا في الناحية الفكرية والرقي بالوجدان الوطني إلى مرتبة تنتفي معها الرموز والتكوينات القبلية البالية ويحل محلها وعي فكري مرتبط بالإنسان أو الوطن، وفي حالنا ولست واثقا هل لسوء حظنا أو لحسنه، لم نشهد من التنظيمات الوطنية إلا حركتين هما حركة تحرير الصحراء التي لم تعمر سوى ثلاث سنوات ليقوم على أنقاضها التنظيم الوطني الثوري الرائد الوحيد المتفرد ( الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) والتي جهرت منذ البداية بأنها الممثل الوحيد والشرعي لشعبنا مما أغلق الباب أمام اي تنظيم آخر للظهور والتأثير في حياتنا وتفكيرنا الوطني.
شعارات جبهة البوليساريو في ما يتعلق بالتركيبة الإجتماعية واضحة ومستنيرة وعذبة رنانة بل ساحرة آخاذة، لا يمكن مقاومتها ولا يجد المرء نفسه إلا منساقا وراءها لنبلها ونبل هدفها والغاية منها، فقد حاربت البوليساريو مسالة القبلية حربا شعواء (من حيث الشعار)، ووضعتها في مرتبة الجريمة " القبلية جريمة وطنية"، وكانت محاربتها من أولويات التنظيم الوطني الثوري، كل هذا من باب السياسة والشعار أما الممارسة والتطبيق على أرض الواقع وميدانيا ففي الأمر ما يقال.
ومما يقال في ذلك وسأبقيه في هذا المقال مدعاة للتساؤل والإستفهام وحتما التعجب ما يلي: الإستمرار في التمسك بما يسمى المجلس الإستشاري بديلا لهيئة مبنية على القبيلة حلت نفسها بالإجماع وفقا لما لقنونا من التاريخ عام 1975/ إستمرار العديد من ولاة أمرنا ـ الذين لم يتغيروا منذ أربعين عاما ـ وبإعتزاز واضح في إحاطة أنفسهم بابناء عمومتهم في كل منصب يعملون فيه، ويتجرأون بدون حياء على طرد من هم ليسوا من تلك الدائرة الإثنية الضيقة، وإن صادف واشتكى منهم البعض يتلقى جوابا مؤلما من مصدر القرار/ لجوء النخبة في كل الإستحقاقات السياسية تقريبا إلى تجنيد أفراد المكون القبلي للحشد الإنتخابي والتنظيم السياسي يمارس سياسة غض الطرف التي تعتبر مباركة للأمر/ لجوء نخبة النخبة أي القيادة السياسية الوطنية في سلمها الأعلي إلى التمسك بمناصبها منذ أربعة عقود سواء عن طريق قبول التعيين أو هندسة الإنتخاب/ لجوء الإدارة الوطنية بإعاز من المكون السياسي إلى إقحام القبيلة في المنازعات الإجتماعية ـ وهذا ليس عيبا في حال براءته ـ لكن البراءة تختفي عندما يلجأ المكون السياسي والإداري الوطني إلى ترجمة أي حراك أو تفكير بإستخدام القبلية كسلاح إرتدادي لضرب من تسول له نفسه تغيير جريان المياه الراكدة/ إستمرار مركز القرار في تعويض الشغور في عدة مرات بأشخاص من نفس المكون الإجتماعي مما يوحي بإحتمال صحة ما يشاع من إعتماد سياسة " المحاصصة القبلية"..... لاأرغب في الإسهاب في موضوع تافه ومدمر.
في هذا الخضم المتلاطم من التعقيدات السياسية والإجتماعية، ولدت وتكونت قبيلة جديدة، تربت في حضن الثورة سواء في المنفى أو في أماكن الدراسة، أوفي تأثر بلهيبها في المناطق المحتلة، قبيلة قوية وفتية وكثيرة العدد، لها كل المواصفات الضرورية للتأثير في الواقع السياسي والإجتماعي للشعب الصحراوي، وتتقدم على بقية القبائل بميزة وخاصية اساسية تجعلها هي الأقوى والافضل في حال توفرت لها فرصة المساهمة في تغيير الحال، هذه الخاصية هي أن تكوينها وتركيبتها مبنية على الأجيال الجديدة من كل التركيبة الإجتماعية الصحراوية دون الإلتزام بالولاء لا الوجداني ولا السياسي ولا حتى الإجتماعي للقبيلة التقليدية. إنها قبيلة الشباب.
هذه القبيلة للاسف لم تحظ بما يجب من العناية من الناحية العملية أما من حيث الشعارات فما اروعها من عناية وبريقها الواضح : "إن الثورة لم تترك الشباب على الهامش بل ......" فبربكم ماهو الهامش الأكبر من حرمان هذه الفئة من مواصلة الدراسات العليا مثلا حتى في فترة وقف إطلاق النار، ماهو الهامش الأكثر سلبية من الحرمان من المشاركة السياسية بمعناها الفعلي وليس الشكلي، فمن المعلوم للقاصي والداني أن مركز القرار في تنظيمنا حكر على مجموعة بعينها منذ أربعين عاما، أي هامش أكثر إنحدارا نحو المجهول من العمل في النخاسة واسواق الخردة والغوص في عالم التهريب والممنوعات والتجند في الجماعات المتطرفة وكلها هوامش ينتشر فيها شبابنا بسبب السياسات التي تبناها التنظيم ولا يزال يتمسك بها بعناد الغريق، ويمارس التنازل عنها بطريقة التقطير والمن والتبجح والتحقير والإنتقاء وإعتماد معايير تثير الغثيان.
كما اسلفنا في مساهمات سابقة فقد تلاشت أربعة أجيال في الخلاء، لم تجن من الثورة إلا التعلق بشعارات لم تدخل بعد حيز التنفيذ، وبالتأكيد فلايوجد شاب صحراوي نادم على مشيئة القدر، ولكن قليل منهم من لا يتساءل عن مصيره ومستقبله ومستقبل الجيل الخامس من قبيلة الشباب التي تكتفي إلى حد الآن بمسايرة وإبتلاع مرارة تسيير وتدبير لا يبدو أنه موفق في إحتضانه لا سياسيا ولا إجتماعيا. ومن المؤكد أن قبيلة الشباب هذه قادرة على تحريك الركود، وهز العروش تحت ملاكها، وإنتزاع الحراك الوطني من تهديد الإمتلاك الفردي، والتغيير في الصورة النمطية للمجتمع وبالتالي السير به إلى حيث يجب. ولكن قبل أن تتحرك قاطرة الشباب، والحال على ماهو عليه حاليا لا يزال السؤال الكبير المخيف الذي يحيط برقاب وافق كل المنتسبين إلى هذه الفئة هو إلى أين تأخذهم قاطرة ليس لهم يد في تحريك دفة التحكم فيها.
بقلم: حمادي البشير

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *