-->

أين بناء المؤسسات؟


بداية إننا لنعبر عن إحترامنا التام للقرارات التي تتخذها الجهات الوصية في كل المجالات، لكن من منطلق مبدأ النقد و النقد الذاتي فإننا أحيانا نأبى أن نظل صامتين و خاصة عندما يتعلق الأمر بقرارات شبيهة بهذه التي تم بموجبها حذف مستويين من المتوسطات بمخيمات العزة و الكرامة.
و سنحاول من خلال هذا المقال تقديم قراءة بسيطة في الموضوع و كلنا أمل ألا نجانب الصواب.
أولا : ردا على الأسباب المحتملة لهذا القرار 
• إكتظاظ المتوسطات : قبل الغوص في هذه النقطة كان من الضروري على الجهات الوصية أن تعمل بمخططات واضحة لمواجهة هذا الإكتظاظ ــ إن وجد ــ من خلال العمل على تشييد متوسطات جديدة، لكن بالحديث عن الواقع فأكثر المتوسطات إكتظاظا متوسطتين إحداهما قيد الترميم و التوسيع وبهذا أصبحت قادرة على إستيعاب التأطيرات الجديدة و المتوسطة الثانية يمكن اللجوء للمتوسطة التي تتواجد معها بنفس الولاية و التي تضم عدد أقل من خلال نقل تلاميذ إحدى الدوائر الذين كانوا يدرسون بالمتوسطة المكتظة للمؤسسة الأخرى.
و في حالة إستحالة هذا الحل يمكن العمل على الولايات المكتظة من خلال نقل بعض التلاميذ للدراسة بالجزائر من مستويات مختلفة دون المس بالسير العادي للمؤسسات.
• النقص الحاصل في المواد الأجنبية : لا أظن أن هذه النقطة تتحدث عن الإسبانية أو الإنجليزية فالأولى يدرسها التلاميذ من السنة الثالثة إبتدائي و في الغالب نسب النجاح مرتفعة في هذه المادة و الثانية يدرسها التلاميذ بنفس الطريقة التي يدرسها بها تلاميذ الحليف و بنفس المقرر بالإضافة لوجود أساتذة أكفاء في هذه المادة، إذن الأمر يتعلق باللغة الفرنسية وهذا منطقي و راجع لأسباب عدة منها إختلاف طريقة تدريس المادة بيننا و بين الحليف مما جعلنا ندفع ثمن عدم الإستقلالية في هذا المجال.
وعلما أنه تم تخصيص الكثير من الإمكانيات لإنجاح تدريس هذه المادة و تم رفع التحدي من خلال فرض تعليم هذه المادة للتلاميذ بالمتوسطات و تكوين أساتذة في هذا الإختصاص بالإضافة لمتعاونين فرنسيين يساعدون بشكل كبير في تدريس هذه المادة عن طريق التكوين و المتابعة.
إذن الحل هو المتابعة و الصهر على إصدار مقررات وطنية لهذه المادة.
• النقص الحاد في الأساتذة الأكفاء : في الحقيقة لا أجد مبررا لهذه النقطة فالأساتذة بالمتوسطات يتم تأطيرهم على أساس شهادات جامعية يتبعها التكوين الصيفي أو عن طريق الترقية من معلم إلى أستاذ و ذلك عن طريق التفتيش الذي يؤكد الكفاءة المستحقة لتدريس المستوى المتوسط.
• النقص الحاد في إمكانيات المخابر و الإعلام الآلي : بالنسبة للإعلام الآلي منذ سنتين لم يتم تدريس هذه المادة رغم وجود قاعات للإعلام الآلي بمجموعة من المتوسطات، في ما يخص المخابر جل المخابر تحتوي على الأدوات الأساسية أما في ما يخص المحاليل فنقصها بالنسبة للمستويين محل القرار ليس بسبب كافي. 
• الدولة الحليفة تتوفر على كل هذا و لن يكلف الدولة الصحراوية و لا العائلات أي شيء : هذه النقطة تتطلب الكثير من التدقيق والتفصيل فبالنسبة لدولة الحليفة لا يخفى على أحد قوة و عظمة هذه الدولة و لا يخفى علينا إستعدادها الدائم لتقديم كل ما يحتاجه الشعب الصحراوي و خاصة إن تعلق الأمر بما هو إنساني، و بالنسبة لما سيكلف الدولة نحن ملزمين بتحمل التكلفة و تحمل التعب و رفع التحدي ففي الأخير هي معركة بناء المؤسسات و هي عسيرة و صعبة لكنها حتمية.
و فيما يتعلق بتكاليف العائلات أظن أن تكاليف سفر التلاميذ من أجل الدراسة مكلفة جدا مقارنة مع دراستهم بالمخيم و يصعب الأمر بشكل كبير عندما يتعلق الأمر بأكثر من تلميذ.
بعد الحديث عن الأعذار المقدمة حول هذا القرار فلنتحدث قليلا حول ما سينتج عنه.
أولا : في ظل البناء المؤسساتي سيتم الزحف على هذا المكسب الذي أتى بعد مجهودات كبيرة و بدل أن نرفع التحديات لمواجهة الوهن الذي تعانيه المنظومة من خلال التخطيط المحكم لتحقيق الإكتفاء الذاتي فضلنا التنصل من مسؤولياتنا، و بعد أن فشلنا في إنقاذ مؤسسة 12 أكتوبر الوطنية السنة الماضية فشلنا هذه السنة في الحفاظ على مكسب المتوسطات.
ثانيا : سيساهم هذا القرار بشكل كبير في ظاهرة التسرب المدرسي فالكثير من العائلات يرى بأن تلاميذ المستوى الثاني متوسط ليسوا في السن المناسب للدراسة بالجزائر و خاصة الإناث.
ثالثا : سيتم الإستغناء عن خدمات العديد من الموظفين السنة القادمة من عمال المنظومة.
في الأخير ما علينا إلا نعزي أنفسنا و نعزي المنظومة التربوية و نعزي مشروع بناء المؤسسات ، و نقول لأصحاب القرار نتمنى أن نكون مخطئين و أن يحقق هذا القرار أهدافا إيجابية إن كانت قد وضعت له أصلا و نضيف لهم بأن الدول تبنى بالتضحيات و تحمل المسؤوليات و رفع التحديات و مواجهة الصعاب بشكل ذاتي و لم تبنى يوما بالتنصل و الهروب للحلول السهلة التي لا يتبعها إلا الفشل تلو الفشل.
بقلم: الاستاذ حمادي جامع

Contact Form

Name

Email *

Message *