-->

تقرير المصير حجر الزاوية في مسار التسوية


لم يجد الوفد المغربي المشارك في محادثات جنيف التي أختتمت يوم السادس دجنبر الجاري بدا من الإستسلام للطرح المنطقي والمسؤول من طرف نظرائه بدون استثناء، من ان المعني بالأمرفي مسارالتسوية الحالي هو الشعب الصحراوي وهو حده الذي يختار مستقبله ويحدد مصيره ولايمكن لأي كان أن يحل محله، طبقا لماجاء في لوائح الجمعية العامة للأمم المتحدة وما تنص عليه كافة قرارات مجلس الأمن الدولي، هذا ما أكدته جبهة البوليساريو في جنيف "بأن أولويتها ستظل تنصب نحو ضمان حق تقرير المصير للشعب الصحراوي و لتحقيق هذه الغاية، تبقى ملتزمة بشكل بناء بالمحادثات التي تقودها الأمم المتحدة دون شروط مسبقة و بحسن نية". 
إن الإستراتجية التي حاول الوفد المغربي إعتمادها في لقاء جنيف كانت تعتمد على نقطتين اساسيتين أولهما استفزاز الوفد الصحراوي و جره الى أمور هامشية تفسد اللقاء أو تدخله في متاهات غير مرغوب فيها، ثانيهما هوتحديد سقف المحادثات في "الحكم الذاتي" و لا شيء غيره و هذا ماظهر اليوم الأول في المداولات ، مما دفع بممثل الجبهة لدى الأمم المتحدة و عضو الوفد المفاوض الى القول في تغريدة على موقعه في تويتر"واجه الإنخراط البناء لجبهة البوليساريو سوء نية المغرب و عدم إمتلاكه للإرادة السياسية للتقدم في العملية السياسية". لكن الفرصة لم تعط للمغرب لتمرير استراتجيته حيث الوفود الثلاثة الوفد الصحراوي و الموريتاني و الجزائري الذين يدركون جيدا ممارسات المخزن في الأوقات الحرجة، لم يسايروه فيما كان يريد جرهم له . مما فرض عليه أن ينضبط و يلتزم بجدول الإعمال المحدد سلفا من طرف السيد كوهلر وأن تناقش الأمور بثقة متبادلة و بصدق رغبة في تسوية النزاع في أقرب الآجال. تلكم هي رغبة المجتمع الدولي و دول المنطقة وما حث عليه القرارالأخير رقم 2440 لمجلس الأمن الدولي الذي اوكل للمبعوث الخاص الأممي بأن يبادر بالأسراع الى جمع الأطراف المعنية و المهتمة بغية الإنطلاق في مفاوضات مباشرة بناءة و لاشك محدودة الزمن. الشيء الذي وضع الوفد المغربي معزولا في طرحه للمشكل وخارج عن النسق العام الذي تسير فيه تدخلات رؤساء الوفود الحاضرة التي لم تخرج عن الحث على ضرورة احترام قرارات مجلس الأمن في تمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصيروكسر حالة الجمود الراهنة، مما احرج السيد بوريطة وأعضاء وفده حيث وجدوا أنفسهم يغردون خارج السرب مما دفع بالسيد كوهلرالى تنبيه الوفد المغربي بأن لاينفرد برأيه لأن ذلك ليس فيه المصلحة. 
لقد كان محقا أحد المحللين السياسيين المغاربة حيث قال:" إن المغرب سقط في الفخ دون دراية ، في الماضي كان يستفرد بوفد البوليساريو لوحده مع المبعوثين الأمميين و اليوم جمع حوله إضافة الى جبهة البوليساريو دولتين تعترفان رسميا بالجمهورية الصحراوية و بالنسبة لهما الشعب الصحراوي قد قرر مصيره و ما على المملكة المغربية سوى الرجوع الى حدودها الدولية المعترف بها الا وهما موريتانيا و الجزائر اللتان مهما كان الحال لن يجاريان المغرب فيما يطرح و يريد"، و يضيف حاولت وزارة الخارجية تدارك الموقف و لو بطريقة رديئة "فالحقت بالوفد المفاوض بعض الصحراويين ( الوحدويين) الذين لا يفقهون في الدبلوماسية شيئا، ليتحدثوا عن التنمية في الصحراء، لمن ياترى؟ للموريتانيين أم الجزائريين أم الصحراويين و للسيد كوهلر الذين يعرفون أكثر من المغاربة انفسهم حقيقة الوضع الأجتماعي و الأقتصادي في الأقليم". 
إن المملكة المغربية وجدت نفسها في قفص الإتهام وعليها وحدها تقع مسؤولية نجاح أو فشل مسعى المبعوث الخاص الأممي في الإستمرار في البحث عن حل للنزاع الشيء الذي يفرض عليها التعاطي ايجابيا مع مجهودات السيد كوهلرخاصة أن الرسائل الموجهة لها كانت واضحة:
أولا: أن وضعية "استاتيكو" في الصحراء الغربية أصحبت مرفوضة تماما. 
ثانيا: مجلس الأمن غير مستعد للإبقاء على بعثة المينورسو مشلولة الفعالية وفي تقليص مدة عهدتها الى ستة اشهر أكثر من دلالة. 
ثالثا: دخول الولايات المتحدة الأمريكية على الخط ودعمها لخريطة الطريق التي إعتمدها السيد كوهلر و متابعتها لسير محادثات جنيف عن قرب. 
رابعا: اوروبا أصبحت ترى ضرورة حل مشكل الصحراء الغربية والنهوض باقتصاديات دول الشمال الأفريقي ضرورة حتى تكون هذه الدول بفضل تنميتها، حاجزا لموجات الهجرة المتزايدة نحو اوروبا و هو الإستنتاج الذي وصل اليه الأوربيون حتى لا يبقوا عرضة للإبتزاز و تبذير الأموال في ترقيعات أمنية اظهرت فشلها. 
خامسا: هناك خلاف قوي مافتت تتسع هوته بين فرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية خاصة بعد طلب ماكرون جهرا بتشكيل جيش أوروبي يأخذ نفس المسافة من الصين و امريكا الشيء الذي أغضب الرئيس الترامب و لم يخف امتعاظه من تصريح الرئيس الفرنسي. الطبقة السياسية الفرنسية تتهم اليوم ما أسمته بأيادي خارجية وراء مظاهرات "السترات الصفراء" التي هزت فرنسا من أقصاها الى اقصاها في إشارة ربما الى امريكا. من جهتها المانيا تقزم دور فرنسا على الساحة الدولية بطلبها لهذه الأخيرة بالتخلي عن مقعدها في مجلس الأمن لصالح الأتحاد الأوروبي. لاشك إن لكل ذلك تاثير مباشر على المحمية الفرنسية : المملكة المغربية. 
سادسا و أخيرا لن تدفع البلادة بالدبلوماسية المغربية الى ان تسيرعكس مجرى التيار وحان لها الوقت أن تتفاعل مع جيرانها و مع العالم في إنهاء نزاع الصحراء الغربية، و إن كانت محادثات جنيف يومي الخامس و السادس دجنبر الجاري قد حققت هدفها بكسر جليد الجمود بإعتراف السيد بوريطة ، فقد شكلت في نفس الوقت خطوة للشروع في المسار التفاوضي بين المملكة المغربية ة جبهة البوليساريو، الشيء الذي دعا له السيد كوهلر باعلانه لعقد جولة ثانية من المحادثات في مطلع السنة القادمة مباشرة قبل إنعقاد مجلس الأمن الدولي و بعد انتهاء قمة الإتحاد الأفريقي في يناير القادم حيث المغرب و الجمهورية الصحراوية يجلسان جنب الى جانب. إنها استحقاقات ستضع على المحك نية الطرف المغربي حتى لا نقول ستزيل المساحيق عن وجهه في الرغبة أو عدمها في إنها مشكل الصحراء الغربية و يبقى مبداء تقرير المصير حجر الزاوية في مسار تسوية. 
بقلم : محمد فاضل محمد سالم

Contact Form

Name

Email *

Message *