السعودية ومستنقع اليمن تكشف مخاطر سياسة “ليّ الذراع” للمملكة
تبدو السعودية وكأنّها تدفع ثمن سياستها الخارجية المتشدّدة، بينما تنزلق أكثر فأكثر في المستنقع اليمني الذي بات شاهدا على سلسلة من الخطوات الإستراتيجية التي لم تؤت ثمارها في السنوات الأخيرة، كما يرى محللون.
وقد اعتمدت المملكة منذ تسلم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان (34 عاما) منصبه سياسة إقليمية أكثر صرامة، خصوصا مع استمرار خلافها مع إيران، خصمها الأكبر في المنطقة.
ويقف الأمير الشاب، بحسب محللين وخبراء في الشأن السعودي، خلف السياسة المتشدّدة هذه، التي كانت المحرّك الرئيسي للحملة العسكرية في اليمن والأزمة مع الجارة الثرية قطر.
ودفعت هذه الإستراتيجية بعض المستثمرين إلى التردّد في دخول المملكة النفطية، في وقت تسعى فيه البلاد المحافظة لاستقطاب الأموال الأجنبية لمواصلة برنامج إصلاحي يهدف لوقف الارتهان للخام.
وبحسب بسمة المومني، الأستاذة في جامعة واترلو الكندية، فإنّ السياسة السعودية باتت تقوم على “إطلاق النار أولا، ثم طرح الأسئلة”، معتبرة أنها سياسة تستند إلى عامل الاندفاع، “ولا تشمل إستراتيجية بعيدة المدى”.
وبدت المملكة وكأنّها تحاول التقليل من حدة هذه السياسة بعد جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول العام الماضي، خصوصا في ظل العودة للاعتماد على مسؤولين مخضرمين، واستبعاد مساعدين شبان في دائرة ولي العهد.
وأدّت الجريمة إلى تشويه صورة ولي العهد كإصلاحي، وإلى وضع العلاقات السعودية الأمريكية قيد الاختبار.
“ليست جاهزة”
وفي ظل استمرار سيطرة الأمير محمد على مقاليد الحكم في المملكة، خصوصا عبر توليه وزارة الدفاع وحملته ضد المعارضين له، يستبعد مراقبون حدوث أي تغيير حقيقي في سياسات السعودية.
ويقول حسين أبيش، الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن: “هناك نمط من الأخطاء الإستراتيجية من قبل السعودية في السنوات الأخيرة، أحد أسبابه أنّ البلاد أصبحت تتولى للمرة الأولى دورا قياديا مستقلا في المنطقة”.
وأوضح: “السعودية ليست جاهزة لهذا الدور.. والجيش السعودي لم يتم تأسيسه للقيام بحملات خارجية كبرى”.
وكانت الرياض تأمل في بداية تدخلها في اليمن في آذار/مارس 2015 على رأس تحالف عسكري، ضمن حملة بلغت تكلفتها مليارات الدولارات، بانتصار سريع على المتمرّدين المقرّبين من إيران، لكنها غرقت في مستنقع تسبّب بأزمة إنسانية كبرى في أفقر دول شبه الجزيرة العربية.
في المقابل، يتزايد تهديد المتمردين ضد المدن السعودية عبر الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية.
وواجه التحالف الذي تقوده الرياض ويتلقى مساندة أمريكية، صعوبات في هزيمة الميليشيا الحوثية المتمرّسة بحرب العصابات وبالقتال في المناطق الجبلية.
وأنفقت السعودية مليارات الدولارات على شراء الأسلحة المتقدّمة، بينها الطائرات المقاتلة الحديثة، لكن العديد من المحللين يرون أنّ ترسانتها العسكرية تتناسب مع الحرب التقليدية الكبرى بدل أنّ تخدمها في الحروب بالوكالة ضد إيران.
وأظهر النزاع اليمني الحاجة لتحديث المؤسسة السعودية العسكرية المتضخّمة والثقيلة، التي يرى فيها الخبراء قوّة تنقصها الكفاءة، متهمة بالتسبب بمقتل مدنيين بشكل متكرّر عن طريق الخطأ.
لكن مسؤولين سعوديين يقولون إنّ الرياض اتّبعت سياسة خارجية متشدّدة من أجل مواجهة ما يرون أنّه محاولة إيرانية للتوسع في المنطقة، وهو ما يشكل تهديدا لأمن المملكة.
إلا أن العديد من هذه الخطوات السعودية أدّت إلى نتائج عكسية.
ففي الأسابيع الأخيرة، طُردت قوات الحكومة اليمنية المدعومة سعوديا من مدينة عدن، العاصمة المؤقتة لهذه السلطة المعترف بها دوليا، إثر معارك مع قوات جنوبية انفصالية يفترض أنّها متحالفة معها في الحرب ضد المتمردين الحوثيين.
ورأت المومني أنّ الوضع في جنوب اليمن “يكشف مدى التصدع الذي عانت منه إستراتيجية الحرب اليمنية”، مضيفة: “إذا انقسم اليمن بين جنوب وشمال، ستكون السعودية في مواجهة جارين مضطربين”.
ويسعى الانفصاليون لاستعادة استقلال الجنوب، لكن حملتهم تحمل تأثيرات سلبية على الحرب ضد الحوثيين الذين يسيطرون على مناطق واسعة بينها العاصمة صنعاء منذ عام 2014.
كما أن أحداث الجنوب كشفت عن اختلاف في وجهات النظر بين السعودية والإمارات، الشريك الرئيسي في قيادة التحالف والداعم الرئيسي لقوات الانفصاليين الجنوبيين. وكانت أبو ظبي أعلنت في حزيران/يونيو عن خفض عدد قواتها في اليمن، في ما بدا محاولة للحد من خسائرها بينما تتصاعد التوترات مع إيران.
ويبدو أنّه من الصعب على المملكة التراجع في اليمن، حيث ترى في الحوثيين تهديدا مباشرا لأمنها، وتخشى أن تولد جماعة على حدودها مماثلة لحزب الله في لبنان، الموالي لإيران.
ورغم ذلك، قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الشهر الماضي إن الولايات المتحدة، حليفة السعودية، مستعدة لفتح حوار مع الحوثيين بهدف الحد من الأعمال الحربية، في وقت يرى فيه مسؤولون أمريكيون أن الرياض ليست جادة في إنهاء الحرب، وأنّه بات عليها اعتماد مقاربة أكثر دبلوماسية.
وبحسب مسؤولين يمنيين، فإن الحوار المدعوم سعوديا هو الحل الوحيد للخروج بأقل الخسائر من أحداث الجنوب.
وقال فرج البحسني، محافظ حضرموت: “السعودية تملك كل مفاتيح الحلول”.
(أ ف ب)