"أيدي مكبلة وعيون معصوبة".. منظمة تكشف تفاصيل "اعتداء" الشرطة المغربية على ناشطين صحراويين
على مدى أشهر انتشرت مقاطع فيديو أظهرت ضرب نشطاء الصحراء الغربية على أيدي عناصر تابعين لشرطة الاحتلال المغربية، وزاد الجدل حول فظاعة الانتهاكات المغربية، وسط صمت سلطات الاحتلال المطبق، إلى أن أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش، الخميس، صحة هذه المشاهد المروعة وقابلت عددا من الناشطين الذي تعرضوا لما وصفوه بـ "التعذيب" تحت أيدي رجال الشرطة وفقا لما ذكرته إفاداتهم.
قالت المنظمة إن الأحداث وقعت في منطقة السمارة بإقليم الصحراء الغربية بتاريخ 7 حزيران عام 2019، وحللت مقطعين أظهرا موقعين مختلفين من الحادثة ذاتها، وقابلت عددا ممن تعرضوا للضرب في الواقعة.
أظهر مقطعان شاحنة "بيك أب" صغيرة كانت تنقل أشخاصا إلى منزل الناشط الإعلامي الصحراوي صلاح الدين لبصير للاحتفال بالإفراج عنه عقب قضاء أربع سنوات في السجن، وفقا للمنظمة.
وذكرت هيومن رايتس ووتش أن الشرطة تحاول عادة حظر مثل هذه التجمعات أو فضها، كما تمنع الشرطة "بشكل منهجي" تنظيم مظاهرات سياسية، ويتعرض الناشطون لخطر الاعتقال و"المحاكمة بتهم تعسفية في محاكمات جائرة".
ويخضع إقليم الصحراء الغربية بمعظمه تحت سيطرة الاحتلال المغربي منذ السبعينيات، ولا يتمتع بتصفية الاستعمار حسب تصنيف "الأمم المتحدة"، لكن المغرب يرفض إجراء استفتاء لتقرير المصير قد يتضمن خيار الاستقلال الذي يسعى إليه الناشطون في الإقليم المحتل.
يظهر أحد المقطعين، الذي تبلغ مدته 46 ثانية، حوالي 14 رجل أمن بملابس مدنية وهم يسحبون ناشطين اثنين بعنف من شاحنة "بيك أب" صغيرة ثم انهالوا عليهما بالركل والضرب بالهراوات، ووصفت المنظمة الفيديو بأنه "حقيقي وموثوق".
ويدخل بعض رجال الأمن سيارات شرطة أو يخرجون منها، ويعتقلون أربعة أشخاص.
ولم يبد الناشطان أي مقاومة كما لم تظهر أي بوادر على حملهما أي سلاح.
أما المقطع الثاني التقط في وقت سابق من اليوم ذاته، أظهر نفس السيارة وهي تتجاوز حواجز الشرطة للوصول إلى منزل لبصير، وذكرت المنظمة أن عناصر الشرطة التي حاصرت منزله منعتهم من التقدم، وينتهي الفيديو بظهور رجل يرمي مصور المقطع بحجر.
راجعت المنظمة أيضا مقطع فيديو ثالث، مدته 44 ثانية، أظهر تجاوز الشاحنة عوائق الشرطة من زاوية مختلفة، وأظهر أيضا "حصار الشرطة لمنزل لبصير".
"استخدام القوة لم يتناسب مع الجرم"
قال المدير التنفيذي بالإنابة لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، إريك غولدستين: "لكل من يشكك في استخدام الشرطة المغربية العنف غير المتناسب ضد النشطاء في الصحراء الغربية، نقول: شاهدوا هذا الفيديو. إننا نتطلع إلى نتائج التحقيق الذي وعدت به السلطات".
أصدر القضاء المغربي الحكم بالسجن عامين في حق أحد ضحايا الضرب الذين قبض عليهم في هذا الحادث، وهو وليد البطل، الناشط الإعلامي الصحراوي المنتسب إلى موقع "السمارة نيوز"، وذكرت المنظمة ان الحكم صدر بخصوص حادث منفصل وقع في 2018، بعد اتهامه بـ "العصيان" و"وضع أشياء بالشارع العام لإعاقة مرور الناقلات"، و"إهانة موظفين عموميين" خلال مظاهرة في السمارة في 27 آذار من ذلك العام.
كما أدانت محكمة مغربية سائق الشاحنة الصغيرة، السالك حماد، المعروف أيضا تحت اسم "السالك عبدي"، وحكمت عليه بالسجن خمس سنوات، كذلك بتهم منفصلة. وأطلِق سراح الرجل الثاني الذي شوهد وهو يتعرض للضرب في شريط الفيديو، وهو لغزال يحظيه، والشخص الرابع، وهو امرأة مجهولة الهوية، في وقت لاحق من ذلك اليوم، ولم توجه إليهما أي تهم.
ردت المنظمة على بيان بعثة المغرب لدى الأمم المتحدة للتعليق على الحادثة، والصادر في 14 فبراير 2020، مشيرة إلى أن السيارة اخترقت حاجزا للشرطة وأن الناشط الإعلامي وليد البطل هدد الشرطة حاملا سكينا.
لكن المنظمة لم تتمكن من التواصل مع أي من المعتقلين الأربعة للرد على بيان السلطات، لكنها رأت، في كل الأحوال، أن استخدام العنف كان "أكثر من اللازم" وأنه كان من الممكن تفادي ما حصل بإلقاء القبض على الناشطين دون ضربهم.
وذكرت المنظمة أنها قابلت عددا من الناشطين وأقربائهم للتعليق على الحادثة، إذ قال لغزال يحظيه الذي يظهر وهو يُسحَب من نافذة الشاحنة في مقطع الفيديو الأول إن ثلاث سيارات طاردت شاحنتهم حتى اصطدمت إحداها بها ما أجبرها على التوقف ليبدأ الضرب، وذكر يحظيه أن عنف الشرطة تسبب بإصابته بكدمات في رأسه وصدره وكتفه الأيسر.
وبعد الحادث قال يحظيه إن الأشخاص الأربعة داخل الشاحنة نقلوا إلى مركز الشرطة، حيث كبلوا في الكراسي وعصبت أعينهم وتعرضوا "للإهانة والضرب والصفع واللكم"، وفقا لما نقلته المنظمة.
لكن الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد، وفقا لما وصفه الناشطون، إذ ذكر يحظيه أنه "فقد الوعي واستيقظ في مستشفى محلي إلى جانب عبدي، سائق الشاحنة الصغيرة، الذي قال عنه إنه فقد الوعي أيضا. بعد أن فحص طبيب الرجلين، أُعيدا إلى مركز الشرطة، حيث تعرّضا للضرب من جديد، وتم تصويرهما، وأجبرا على توقيع ووضع بصماتهما على محاضر دون الاطلاع عليها".
وقابلت المنظمة السالك البطل، والد عبدي، الذي قال إن ابنه كان أصيب "في خديه ويديه، وتلقى غرزات خلف رأسه". وقال أحد أقارب عبدي، طلب عدم الكشف عن هويته، إن الإصابات نتجت عن "ضربه من طرف رجال الشرطة أثناء احتجازه".
المطالبة بالشفافية
أوردت المنظمة في تحقيقها أحد نصوص الدستور المغربي الذي يحظر استخدام القوة المُسيئة ويقول إن "ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون".
وذكرت أن قانون المسطرة الجنائية يحظر على المحاكم الأخذ بأي اعتراف تنتزعه الشرطة بالعنف أو بالإكراه.
شددت المنظمة على ضرورة مضي السلطات بالتحقيقات ومحاسبة المسؤولين، وذكرت أن أيا من رجال الشرطة المشاركين لم يخضعوا لأي تأديب.
وذكرت أن بعض المواقع عبر وسائل التواصل الاجتماعي تشكل المصدر الوحيد للكشف عما يحصل في إقليم الصحراء الغربية، لأن المغرب يرفض دخول الصحفيين أو النشطاء الأجانب المؤيدين للصحراويين إلى الإقليم.