-->

رحيل طيب أخر .. مقاتل شرس وقامة متواضعة وشيخ عرف بالورع والنزاهة والقيم النبيلة ..


" .. تميلُ النفوس للشخص السَمح .. الهيِّن .. الليِّن .. ذو الروح المنبسطة الطيّبة .. الذي يُحوِّل الأمور الصعبة إلى يسيرة .. الذي يبتعد عن العُقَد والتعقيد .. ويُشعِر من حوله بأن الحياة أكثر رحابةً واتساعًا وسهولة .. إذا سألتم يومًا فاسألوا الله أن يضع من أمثاله الكثير في دروبكم .. " .. 
نيلسون مانديلا
محمد ابراهيم بوزيد .. طيب أخر يترجل مغادرا عالمنا لا ليموت بل لحيا فينا من جديد ولتترسخ في غيابه الأبدي مآثره كرجل صالح ورع، تقي، علمنا كيف نحيا ببساطة .. كيف نغمر الأخرين بالحب .. كيف نحيط كل من حولنا باللطف .. كيف نؤمن بالمباديء .. كيف نرسخ قناعاتنا .. وبشجاعة وبلا هوادة ودون أنانية وبإخلاص وصدق نية علمنا كيف ندافع عن القيم الإنسانية والوطنية التي تجمعنا كشعب موحد وككتلة واحدة بعيدا عن المصالح الضيقة والمظاهر الزائفة .. 
ولد محمد أبراهيم سنة 1934 .. درس القرآن الكريم وتعلم قيم المجتمع منذ الصغر ليكبر سنوات المقاومة ضد الإحتلال الأجنبي لأرضه .. 
دخل الراحل مجال الوعي بضرورة التحرر .. تحرر الإنسان وتحرر الشعوب منذ نعومة أظافره وأستمر نضاله في مرحلة الشباب .. 
مع الوقت أصبح الفقيد واحدا من الشيوخ الذين كانوا يشكلون الجمعية الصحراوية المنتخبة أثناء الاستعمار الفرنسي .. وفي مرحلة ثانية من تاريخ الشعب الصحراوي كان من أول الداعمين لمؤتمر الوحدة الوطنية، كان الراحل من مؤسسي الشمال الشرقي وبعده الناحية العسكرية الخامسة وكان من المقاتلين الذين انجزوا العديد من المهام في الشمال الشرقي المغربي سيرا على الأقدام كما شارك في الكثير من المعارك وقد كلفه الشهيد الولي بمهام غاية في السرية والدقة والحساسية .. 


نال الرجل شرف أن أصبح أول شيخ من الجمعية الصحراوية يلتحق بصفوف جيش التحرير الشعبي الصحراوي وقد ظل ملتزما في الخطوط الأمامية مع المقاتلين الأشاوس مرابطا ورفاقه على خطوط النار مقدمين أرواحهم في سبيل عزة وكرامة شعبهم ومدافعين عن العرض والوطن بشجاعة قل نظيرها .. 
أستعدي الرجل بعد وقف إطلاق النار لعملية تحديد الهوية أملا في تنظيم إستفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي و قد أنجز الراحل مهمته بكل إخلاص ونزاهة ووطنية وكان مؤمنا بأن الصحراويين، كل الصحراويين إذا ما أتيحت لهم الفرصة لن يختاروا غير الإستقلال الوطني الكامل بلا تبعية لذلك إستطاع الرجل التعامل مع الملف الذي كلف به بحكمت وتبصر سواءا هنا في مخيمات العزة والكرامة او هناك حين كان يحط الرحال في مهمته الى المناطق المحتلة من الوطن ..
إمتلك الراحل بتاريخه الزاخر بالأمجاد والقيم النبيلة والأخلاق الحميدة كل مقاييس الوطنية و الشموخ .. 
وأخيرا ترجل الرجل الشجاع ذات يوم من الشهر الكريم .. أغمض عينيه مسلما الروح لبارئها في ولاية الداخلة بمخيمات اللاجئين الصحراويين وسط خيمته المتواضعة وقد عاش حياته كلها بكثير من الصبر والتواضع والقناعة بقضاء الله وقدره .. لم يحرج ولم يزعج أحد و لم يطرق باب إدارة ولم يهاتف سلطة لطلب إجلاء او فيزا او أي تدخل حتى في أشد أيامه مرضا وضعفا وقد عاش كما أراد وتمنى كأي مواطن بسيط الى ان وافته المنية والأجل المحتوم بين الكثبان ووسط الخيام القامشية المنتصبة في لجوء الكرامة بعيدا عن الوطن وعزاءه أن كان محاط ببناته وأبنائه واخوته وأصدقائه وقد حظي بشرف الدفن في مقبرة ولاية الداخلة الي جانب والدته والى جانب مئات الطيبين من هذا الشعب الذين كان قدرهم الرحيل في المنفى وقد عبدوا لنا الطريق ولم يبقى غير إنتظار شروق شمس الحرية القادم يوما ما .. يوما ما لا شك فيه .. 
يقال .. " .. الفقد يعلمنا أننا سننسى الموت مهما حدث، وأن الموت لا ينسى أحداً، وأن أول ما يذكرنا به موت عزيز علينا، هو أننا لم نفعل ولم نقل ما يكفي .. " ..
الراحل أب لعشر بناة و تسع أبناء اثنين منهم من شهداء حرب تحرير الوطن .. 
وللأحياء منهم أتقدم بالتعازي القلبية .. كل واحد وواحدة بإسمه وأخص بالذكر الصديق والأخ العزيز بيدالله محمد أبراهيم منسق أركان جيش التحرير الشعبي الصحراوي .. التعازي موصولة لرفاق الفقيد وأصدقائه وكل من عرفه وللشعب الصحراوي كافة .. 
رحم الله العبد الصالح محمد ابراهيم بوزيد وأسكنه فسيح جناته مع الشهداء والصديقين إنه سميع مجيب .. 
وإنا لله وإنا إليه راجعون .. 
*عبداتي لبات الرشيد*

Contact Form

Name

Email *

Message *