نظام الطوائف والمحاصصة والتوافق قد اوصل لبنان لتصبح دولة فاشلة يستنجد شعبها بالاستعمار
اذا كان هناك شيء واحد اتفق عليه اللبنانيون وهم مؤخراً لا يتفقون على اي شيء اخر فهو ان نظام الطوائف والمحاصصة والتوافق قد اوصل لبنان لتصبح دولة فاشلة وميتة وان الله فقط هو من يحي العظام وهي رميم ، وان نظاما اخر قد اصبح من الضرورات . بل ان الدول الغربية المهيمنة على لبنان وبلسان مبعوثهم الى بيروت بعد تفجير الميناء اي الرئيس ماكرون قد قالوها صراحة ان الوضع الحالي غير قابل للاستمرار . زيارة ماكرون كانت لمحاولة عدم انهيار الدولة بشكل كارثي لغير صالح الدول الغربية المهيمنة ووكلاءها الفاسدين في لبنان ، فالطائفية والمحاصصة والفساد تم زرعهم ايام الانتداب الفرنسي ذلك لان هذه العناصر هي من مزروعات الاستعمار ، ومن يزرع الشوك لا يحصد الورود . لكن المفارقة ان اللبنانيين قد وصلوا الى قناعة بأن حكم الاستعمار المباشر افضل مئة مرة من حكم اذناب الاستعمار ، لدرجة ان عشرات الالاف من البائسين اليائسين اللبنانيين قد طلبوا من رئيس دولة اجنبية ان يعيد استعمارهم باعتباره ارحم من ( استعمار ) ملوك الطوائف اللبنانيين . وكما يقولون فحكم الشيخ افضل من حكم كلب الشيخ .
سأستعرض تصريحات المعنيين بالازمة حسب ورود تصريحاتهم زمنيا بدءا بماكرون ثم الرئيس عون ثم السيد حسن نصر الله.
***
زيارة الرئيس ماكرون :
من المفارقات ان يصبح الرئيس ماكرون مصلحاً في لبنان بينما يعتبره الفرنسيون مفسداً لبلادهم كما بينت الاحتجاجات التي حرقت الشانزليزيه في باريس واحتجاجات اصحاب الستر الصفراء التي عمت جميع المدن الفرنسية . لم يأت ماكرون بمبادرة شخصية وانما مندوباً عن الولايات المتحدة وحلف ناتو الذي يخاف من انهيار الدولة اللبنانية وتوجهها الى حيث لا يتمنون .
طالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في اول ساعات زيارته لبيروت بإجراء تحقيق دولي حول انفجار مرفأ بيروت مضيفا صوته الى صوت اوركسترا الفاسدين . ثم تحدث عن التغيير مضيفاً: «هذا التغيير العميق هو المطلوب ، يجب إعادة بناء الثقة والأمل وهذا لا يستعاد بين ليلة وضحاها، وإنما يفترض إعادة بناء نظام سياسي جديد». وأضاف: «ينبغي أن يكون هذا الانفجار بداية لعهد جديد… لا يمكننا العمل دون أن نتبادل بعض الحقائق المؤلمة.. إذا لم تنفذ الإصلاحات سيواصل لبنان الغرق». وأضاف: «ثمة حاجة لإجراءات سياسية قوية لمحاربة الفساد وقيادة لبنان إلى الإصلاح، وهناك حاجة لإصلاح النظام المصرفي اللبناني ليكون أكثر شفافية، ومن المهم وضع برنامج صندوق النقد الدولي للبنان موضع التنفيذ.” بعد اللف والدوران فسر الماء بعد الجهد بالماء وفسر ان الاصلاح المطلوب هو تنفيذ شروط صندوق النقد الدولي !!
****
بعد ساعات من تصريحات ماكرون واجتماعه مع الرئيس عون تحدث عون في دردشة مع الصحفيين عن ضرورة “إعادة النظر بنظامنا القائم على التراضي بعد أن تبيّن أنه مشلول ولا يمكنه اتخاذ قرارات يمكن تنفيذها بسرعة”، وهذا يكاد يكون شهادة وفاة لنظام المحاصصة والطوائف وهو اقرار من رئيس الجمهورية ان النظام الحالي وصل الـى نهايته. واجاب رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، على أن هدف المطالبة بالتحقيق الدولي في تفجير مرفأ بيروت هو “لتضييع الحقيقة” . بعد اصرار عون على التحقيق الداخلي قام ازلام نظام الفساد باقتحام الوزارات المعنية التي قامت بتلزيم عقود الفساد فقاموا باحتلال وزارة الطاقة ووزارة التجارة والاقتصاد والاشغال وحرق الادلة التي تثبت فسادهم .
أضاف الرئيس اللبناني أن “هناك احتمالين للانفجار الذي حصل، الأول الإهمال، والثاني تدخل خارجي” ولكي يقطع الطريق نهائياً عن اقتراح ماكرون بتحقيق دولي بانفجار المرفئ قال عون : “لا تدويل للأزمة، فإذا لم نتمكن من حكم أنفسنا لا يمكن لأحد أن يحكمنا، ولن تمس السيادة اللبنانية في عهدي”. وعن ما اقترحه ماكرون بشأن حكومة وحدة وطنية قال عون : “يجب تحضير الأجواء المناسبة لذلك، ولا يمكننا أن ندعو إلى حكومة وحدة لنصل إلى الانقسام الذي شهدناه في الحكومات السابقة”.وقال عون إن التحقيق في التفجير يجب أن ينصب على ثلاث مراحل: “كيف دخلت المواد المتفجرة إلى المرفأ، وكيف وُضعت، وكيف حُفظت لسبع سنوات”.
من الواضح ان هناك ثغرات كثيرة في قصة السفينة التي حملت مادة نترات الامونيوم وطريقة ادخالها الى الميناء بعد مكوثها في البحر على ظهر الباخرة لاكثر من ثلاثة اشهر! قصة عطل الباخرة ضعيفة. . تستعمل هذه المادة اما كسماد او كمتفجرات وفي هذه الحالة يكون لتجارها رخص من الدولة . لم يدّعي ملكيتها احد من التجار اللبنانيين ولا من الجيش اللبناني مما ينفي ان تكون هذه المادة لتجار لبنانيين لا يخلصون على بضاعتهم وثمنها بملايين الدولارات وليس لهم ما يخفوه حيث انهم يحملون التراخيص المناسبة . السؤال الاول الذي يتوارد الى الذهن ، لماذا بقيت الحمولة على ظهر الباخرة لعدة شهور ؟ والنقطة الثانية هي من هم اصحاب هذه الشحنة ؟ بل من هم اصحاب السفينة ، علما ان جميع دول الجزيرة العربية التي كانت تساند الحركات التكفيرية في سوريا تنتج هذه المادة وعلماً ان موانئ لبنان تم استخدامها في تلك الفترة كطريق عبور لتزويد الاسلحة والمواد التموينية للتكفيريين الذين كانوا على بُعد عشرات الكيلومترات فقط من بيروت على الحدود .كما يجب استبعاد ان تكون الشحنة لحزب الله لسبب بسيط وهو ان الشركة العامة للاسمدة السورية في حمص تنتج هذه المادة وبكلفة اقل ان لم تكن بالمجان بالنسبة لحزب الله ، بالاضافة الى ان نترات الامونيوم الايرانية تملأ الاسواق السورية ايضاً. الاجابة على هذه الاسئلة سيوضح الكثير .
اما احتمال ان يكون هناك عامل خارجي فجّر الميناء فذلك احتمال يجب التدقيق به لان هذه المادة تحتاج الى حرارة لتنفجر وقد تم ايجادها عن طريق حريق سبق الانفجار !
***
وماذا عما قاله السيد حسن نصر الله بل ولربما الاهم عن ما لم يقله؟
لعل من اهم ما قاله السيد حسن نصرالله أن : “تعامل المسؤولين والطبقة السياسية مع ما حدث له تأثير مصيري على لبنان واللبنانيين لأنه سيحدد إذا بقي أمل في بناء دولة أم لا. إذا الدولة والطبقة السياسية أكانت في السلطة أو المعارضة لم تستطع الوصول إلى نتيجة في هذه الحادثة ومحاكمة الفاعلين عندها يمكن القول أنه لا يوجد أمل ببناء الدولة”.
وختم نصرالله مخاطباً “لمن فتحوا معنا حربا” بالقول: “كما خبتم ستخيبون مجدداً، لن تحصلوا على شيء. الوضع الإقليمي والدولي مختلف عما تتصورون . هذه المقاومة هي أكبر من بعض المزورين والكاذبين والمضللين”.
ما استدعى الانتباه كان هدوء محتوى خطاب السيد نصر الله ولهجته بل و ما لم يقله . لم يعلق على الجوانب السياسية المريبة للرئيس الفرنسي من نقاط ، ولربما وجد رد الرئيس عون كافيا وافيا ، وانما تحدث عن جوانبها الاقتصادية ورحّب بأي مساعدات اقتصادية قد تنتج عن الزيارة . كما انه لم يذكر الى اين سيذهب لبنان اذا فشل التحقيق في ايصال الفاسدين الى العدالة ( وهو احتمال كبير) وقد حزمت المقاومة امرها باعتبار ان دولة الطائف والطائفية قد ( خرجت ولم تعد ) فأي دولة واي نظام ينتظر لبنان ؟ يبدو ان السيد نصر الله كان يقرأ عقل ماكرون اذ سارع ماكرون بالاتصال بالرئيس الامريكي ترامب لاعلامه ان سياسة اقصى العقوبات ضد لبنان ليس فقط انها فشلت وانما انها اتت بنتائج عكسية حيث ان الانهيار سيكون في صالح ايران وحزب الله وان سياسة العقوبات القصوى يجب ان تراجع. جن جنون الفسادي وازلامه فأرسلوا ازلامهم لاحتلال الوزارات واحراق الوثائق التي تدينهم .
****
نحن نعيش عصر ما بعد سايكس بيكو ودولها الوظيفية التي انتهت وظائفها وبذلك انتفت أسباب وجودها . وعند سقوط الدول تُخلّف ورائها الفوضى ولو الى حين . فالفاسدون ورجالات او ازلام الفساد سيحاولون هدم المعبد على جميع من فيه، ومن بعدهم فليكن الطوفان. أليس احتلال الوزارات واحراق وثائقها هو الدليل على فقد اعصاب الصهاينة اللبنانيون من احزاب مناهضة للمقاومة ؟ ستتساقط دول الوظائف الواحدة بعد الاخرى مخلفة وراءها الفوضى وسيولد بعدها عهد جديد …ودولة الكيان المحتل هي احدى منتجات عهد سايكس بيكو وهي تعاني من مؤشرات فشل الدولة داخليا فمظاهرات الاسبوع السابع ضد نتنياهو قد وصفته ب( الخنزير والقرد والحمار ) . بالرغم من سياسة اقصى العقوبات فقد فشلت لتاريخه سياسة التجويع للتركيع وبدأت قوى الهيمنة الغربية بتغيير سياساتها ونحن مقبلون الى عهد جديد وان غداً لناظره قريب.
د. عبد الحي زلوم
مستشار ومؤلف وباحث
راي اليوم