-->

منزلة الثروة من الثورة


تثور الشعوب الكريمة حين يعتدى عليها وتداس كرامتها، واخطر ما تواجهه المجتمعات ابان ثوراثها هو الطمع والخوف لتدغم ثورتها بهما ولا خوف الا لطمع في شيئ، ومن هنا لانحتاج الى كثير من التأمل لنعرف ان الدنيا حبال للمهالك، فلا يجوز لنا كثوار ان نغتني منها في مسيرتنا الثورية إلا ما نسد به حاجاتنا الاساسية حلالا طييبا ونجعله في ايدينا لا في قلوينا ونحرص على ان لا يكون عثرة امام اهدافنا (هو الصَّ أَلاَ لَعْوين الْليِ إيْلَحّّگْ للستقلال وليس بديلا له)، فنتق اللّٰه فيه، وخاصة اننا مسلمين اصحاب حق نحمل على عواتقنا عهودا وامانات اثقل علينا من الجبال، وبيان ذلك في الاسلام غني عن الاتيان بدليل، وحساب اللّٰه من ورائنا في كل ذلك، عافانا اللّٰه من الاثام (اللّٰهْ لا يحكم اهل لبهايم باهل اجرايم)، وحري بنا ان نمتثل لشرع اللّٰه وسنة نبيه الكريم، فعن كعب بن مالك رضي الله عنه ان النبي صل الله عليه وسلم قال: "ما ذئبان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه"، وهذا مثل عظيم ضربه خير البشربة صل الله عليه وسلم لتبيان فساد دين المرء مع حرصه على المال، وما دامت الامانة والعهد في اعناقنا فإن دين اللّٰه يلزمنا الحذر في هذا الامر، فإن فساد الدين بذلك ليس بأقل من فساد الغنم التي غاب عنها راعيها وأرسل فيها الذئاب.
إن القناعة مع الكرامة والوفاء بالعهود لهي الغنى الحقيقي وليس مال فيه "إِنَّ"، وقد ثرنا من اجل الكرامة وزهدنا في المال والجاه من اجل الحرية والاستقلال الذي يجمع بين المال وكرامة الانسان الصحراوي سيدا فوق وطنه كما عقدنا العهد بذلك ولزمنا به في مالنا ما لزم من قضى نحبه منا في روحه وماله وفيا بعهده مخلصا له، اما الحرص على مال دون مراعاة مصدر طلبه ، وخاصة اذا كان كسبه على حساب الثورة، فهو الشح المذموم وتبدأ المذمة بجمعه والمبالغة في الحرص عليه حين يبدأ الإنسان في طلبه، حيث قال الله تعالى : {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } ، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صل الله عليه وسلم قال : "اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دمائهم واستحلوا محارمهم ". أما حرص المرء على الجاه فهو أشد خطورة من حرصه على المال، فطلب العلو في الدنيا، والرفعة فيها هو اشد اهلاكا وانهاكا للثورة، وقد نهى الله تعالى عنه، حيث قال غز وجل فيه : {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين } ، وقال بعض السلف الصالح : ما حرص أحد على ولاية وعدل فيها ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صل الله عليه وسلم قال : "إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة"، وفي حديث آخر، أن رجلين قالا للنبي صل الله عليه وسلم : يا رسول الله أمِّرنا، فقال : "إنا لا نؤتي أمرنا هذا من سأله، ولا من حرص عليه" (البخاري ومسلم). فمن طلب الولاية لمجرد علو المنزلة على الخلق، والتعاظم عليهم، وافتقارهم إليه، فقد زاحم اللّٰه في ربوبيته، وسلك طريق جهنم، وباع آخرته مقابل فتاة الدنيا، وخاصة اذا تذكرنا ان المسؤلية عندما لم تكن يوما سوى تكليفا، فلا يليق ان يتشرف بها بعضنا او يطلبها غيره تشرفا لان من وصلها تكلفا اتعبته "إلَيْنْ يَعْدَفْهَا" ومن حصل عليها لغرض آخر "لَكْلام مَا يَنْگَالْ كَامَلْ"، ولذلك تراه يبذل ما بيده من أجل أن يعلو شأنه، لأنه يرى أن الجاه أهم وأثمن حتى من المال، وأنه إن تحصل على الجاه أمكنه بعد ذلك أن يحصل على ما سواه، من مال وغيره، وأمكنه أن يعيد ما أنفق عليه وزيادة، غير آبه بمآثمه. 
لا شك أن حب الدنيا من أهم أسباب تعكير صفو القلوب فمن رضي بما قسمه اللّٰه له، وذاق حلاوة الإيمان، نال سعادة الدارين، أما القلب الذي تعلق بحب الدنيا، وجاوز الحد في الحرص على العلو فيها، فقد يبتلى بها ولا يجد لها راحة، لأن التعالي على الناس منازعة لله تعالى في كبريائه، وقد قال الله عز وجل : "الكبرياء ردائى والعظمة إزارى فمن نازعنى واحداً منهما قذفته فى النار" رواه أبو داود. 
إن طلب المال من وجوهه المباحة امر لا ضير فيه، فقد يكون المسلم زاهداً وهو ذو سيعة في الرزق، فيكون المال في يده لا في قلبه، اما الضير فيكمن في مصدر كسب المال من وجوهه المحرمة، وصرفه في المحرمات وذلك هو الشح، والابتعاد عن الشح هو طريق الصالحين، والثبات على الحق توفيق من اللّٰه وبركات منه لا يصيبها الا الصابرون. 
2020/08/05
محمدفاضل محمداسماعيل obrero

Contact Form

Name

Email *

Message *