"الاختراق الكبير" كيف فشلت إستراتيجية "الدفاع للأمام" في حماية أميركا من الهجمات السيبرانية؟
برز في المنصات الأميركية وسم “الاختراق الروسي” بعد هجمات سيبرانية وصفت بالأكبر في التاريخ استهدفت شركات كبرى ومؤسسات حكومية، وانتقد مغردون ما وصفوه بالأعمال التخريبية الروسية.
ورصدت نشرة الثامنة- نشرتكم (2020/12/19) الهجمات التي بدأت منذ مارس/آذار الماضي واستهدفت وزارات سيادية أميركية وشركات كبرى، ووصلت حد اختراق شبكات إدارة الترسانة النووية الأميركية، كما رصدت دعوات إلى التريث والتأكد من مصدر هذه الهجمات.
وبعد صمت أدى إلى انتقادات واسعة وجهت للرئيس الأميركي دونالد ترامب، نشر سلسلة تغريدات قبل قليل يؤكد أن الوضع تحت السيطرة فقال إن "هذا الاختراق السيبراني أكبر بكثير على وسائل الإعلام المزيفة من الواقع، لقد أُبلغت بكل التفاصيل وكل شيء تحت السيطرة. روسيا.. روسيا.. روسيا هي الهتافات ذات الأولوية عندما يحدث أي شيء لأن وسائل الإعلام سخيفة، لأسباب مالية في الغالب".
ووجد الرئيس الأميركي الفرصة ليشكك في النظام الإلكتروني للانتخابات فقال إنهم "يخشون مناقشة احتمال أن تكون الصين (ربما!) وراءه، كان من الممكن أيضا أن تكون هناك ضربة على آليات التصويت الهزلية الخاصة بنا أثناء الانتخابات، وهو ما يجعل فوزي الآن أمرًا واضحًا، ويكشف عن أن الانتخابات أكثر فسادًا، هذا إحراج للولايات المتحدة الأميركية".
وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قد خرج عن صمته واتهم روسيا بالوقوف خلف الهجمات الإلكترونية، بعد الانتقادات التي وجهها ناشطون وإعلاميون لإدارة ترامب بسبب صمتها.
من جهتها اتهمت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي -في سلسلة تغريدات- روسيا بتقويض الأمن القومي لبلادها حيث قالت "تعد أخبار الهجمات الإلكترونية الكبيرة وبعيدة المدى التي تستهدف الوكالات والشركات الحكومية الأميركية دليلًا مقلقا على أن الجهات الفاعلة الخبيثة، بما في ذلك روسيا، لا تزال عازمة على تقويض أمننا القومي وديمقراطيتنا".
وأكدت أن الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن سيعمل على حماية البنية التحتية الأميركية فكتبت "عن طريق العمل مع إدارة بايدن- هاريس، سيتخذ الكونغرس إجراءات قوية وفورية لتأمين البنية التحتية لأمتنا والدفاعات الرقمية ضد هذه الهجمات".
وترى السيناتورة سوزان كولنز أن الاختراقات تظهر هشاشة نظام الأمن السيبراني الأميركي فغردت "يسلط هذا الهجوم الإلكتروني الذي ارتكبه الروس على الأرجح الضوء على نقاط الضعف الصارخة في نظام الأمن السيبراني الفدرالي لدينا. وينبغي للرئيس التوقيع على اتفاق الدفاع الوطني على الفور ليس من أجل الحفاظ على قوة جيشنا فحسب، بل لأنه يحتوي أيضا على أحكام مهمة للأمن السيبراني من شأنها أن تساعد على إحباط الهجمات المستقبلية".
في حين طالب السيناتور ماركو روبيو بالتحقق التام من مصدر الهجمات لأن أميركا يجب أن تنتقم من مرتكبها فكتب "تتوافق الأساليب المستخدمة في تنفيذ الاختراق السيبراني مع العمليات الإلكترونية الروسية. لكن من المهم أن يكون لدينا يقين تام بشأن من يقف وراءها. لا يمكننا أن نتحمل الخطأ في الإسناد، لأن أميركا يجب أن تنتقم، وليس فقط بالعقوبات".
على مدار سنتين بحثت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عن الخلل الأمني الذي سمح لروسيا بالتأثير في انتخابات 2016 الرئاسية، وأجمعت تقديرات أجهزة الاستخبارات الأميركية المختلفة على تدخل روسيا بهدف المساعدة على وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض.
وتبنت وزارة الدفاع في عام 2018 إستراتيجية الدفاع للأمام (Defense Forward)، وهي إستراتيجية استباقية هجومية جاءت في 10 صفحات واطلعت عليها الجزيرة نت.
وتشير الإستراتيجية إلى أن القيادة السيبرانية الأميركية التابعة لوزارة الدفاع ستحافظ على تفوقها العالمي من خلال وجود مستمر في الشبكات الخارجية المعادية، حتى تتمكن من مواجهة خصومها من حيث يشنون هجمات إلكترونية عليها.
واعتُبرت إستراتيجية "الدفاع للأمام" ناجحة، فقد منعت التدخل في انتخابات الكونغرس 2018 وانتخابات 2020، لكنها فشلت تماما حتى في الكشف عن الاختراق الأخير، والذي تعتقد أغلب التقديرات الاستخباراتية بوقوف روسيا وراءه.
ووسط الجدل الكبير الذي سببته الهجمات السيبرانية، يتجاهل المسؤولون الأميركيون الفشل الذريع لإستراتيجية اعتبرها البعض حائطا كبيرا أمام أي هجمات سيبرانية من العيار الثقيل.
فحوى "الدفاع للأمام"
أشارت الإستراتيجية إلى أن عصر الإنترنت خلق فرصا وتحديات جديدة أمام الحكومات الأميركية المتعاقبة، وأصبح معها الوصول إلى المعلومات الموثقة مصلحة حيوية للولايات الأميركية.
وتوجه إستراتيجية البنتاغون للأمن السيبراني "الوزارة إلى الدفاع عن المستقبل، والتعامل مع التطورات اليومية، والاستعداد للحرب من خلال بناء قوة أكثر فتكا، وتوسيع التحالفات والشراكات، وجذب المواهب للعمل معنا، ورد منافسينا وأعدائنا".
واستهدفت الإستراتيجية 5 نقاط أساسية في مجال الأمن السيبراني:
1. ضمان أن تتمكن قوات الأمن السيبراني الأميركية من تحقيق مهامها في بيئة الفضاء الإلكتروني الخطرة.
2. تعزيز قدرات قوات الأمن السيبراني للقيام بعمليات تعزز المزايا العسكرية الأميركية.
3. الدفاع عن البنية التحتية الحيوية للولايات المتحدة من أي هجمات إلكترونية.
4. تأمين معلومات وأنظمة وشبكات البنتاغون ضد أي هجمات سيبرانية.
5. توسيع نطاق التعاون في مجال الأمن السيبراني مع الشركاء سواء في القطاع الخاص أو على المستوى الدولي.
واعتمدت الإستراتيجية تأكيد ارتفاع تكلفة قيام خصوم الولايات المتحدة بسلوك خبيث أو مضر في مجال التجسس الإلكتروني.
كل البدائل على الطاولة
مع اتضاح حجم الهجمات التي طالت وزارات الدفاع والخزانة والتجارة، والمختبرات النووية، ومعها معهد الصحة القومي، وغيرها من الجهات الحكومية إضافة للكثير من الشركات الكبرى، ارتفعت أصوات عديدة مطالبة بضرورة الرد.
ودعا توماس بوسيرت، المسؤول السابق عن الأمن السيبراني في إدارة ترامب، إلى أن "تحتفظ واشنطن بحقها في الدفاع عن النفس من جانب واحد، وضرورة حشد الحلفاء لمعاقبة روسيا"، في حين اعتبر السيناتور الديمقراطي من ولاية إلينوي ديك ديربين أن "هذا تقريبا إعلان حرب من جانب روسيا على الولايات المتحدة".
من جانبه، اعتبر البروفيسور بجامعة ستانفورد جاك غولدسميث أن "الولايات المتحدة تفتقد أي أساس مبدئي للشكوى من الاختراق الروسي، ناهيك عن الانتقام منه بالوسائل العسكرية، حيث إن الحكومة الأميركية تخترق شبكات الحكومات الأجنبية على نطاق واسع كل يوم".
وأشار غولدسميث إلى أن التجسس بين الحكومات في وقت السلم قديم مثل النظام الدولي، وهو يمارس اليوم على نطاق واسع، وخاصة باستخدام الأدوات والوسائل الإلكترونية.
ورأى أن الاختراق الروسي قد يسبب ضررا هائلا للأمن القومي، ولكنه لا ينتهك القانون الدولي أو المعايير الدولية.
وتقوم الولايات المتحدة، كما أشارت إستراتيجية "الدفاع للأمام"، باختراق أنظمة الحاسوب الحكومية الأجنبية على نطاق واسع وبصورة منتظمة.
من هنا يرى بعض الخبراء أن عمليات الاختراق الإلكتروني الأخيرة يمكن أن يكون ببساطة حالة تجسس من حكومة تحاول فهم ما يفعله خصمها.
وكانت إستراتيجية الأمن القومي الأميركي في بداية عهد ترامب قد أشارت صراحة إلى أن الصين وروسيا تسعيان إلى تحدي قوة ونفوذ ومصالح الولايات المتحدة.
ويُعتقد على نطاق واسع أن عملية الاختراق الأخيرة من أكثر العمليات ضررا خلال السنوات الأخيرة، على الرغم من عدم اتضاح حجم الخسائر أو أهمية المعلومات التي ربما يكون تم الاطلاع عليها أو نسخها أو إفسادها.
الكل يتجسس.. ولكن!
عقب قيام قراصنة تابعين للحكومة الصينية بقرصنة مكتب إدارة شؤون الموظفين الفدراليين والاطلاع على سجلات 22 مليون أميركي، قال مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية السابق جيمس كلابر "عليك أن تحيي الصينيين على ما فعلوه، إذا أتيحت لنا الفرصة للقيام بذلك، لا أعتقد أننا سنتردد لدقيقة واحدة".
وقال منسق الأمن السيبراني في إدارة باراك أوباما مايكل دانيال هذا الأسبوع في وصف ما حدث "لقد كانت عملية جمع معلومات، وهو ما تفعله الدول بما في ذلك الولايات المتحدة".
وأثبتت الهجمات الأخيرة أن إستراتيجية الدفاع للأمام الممثلة في اختراق الشبكات المعادية من أجل إحباط هجمات الأعداء على الشبكات الأميركية لم يحالفها النجاح.
وأشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى أن واشنطن أنفقت مليارات الدولارات لتجميع أقوى ترسانة في العالم من الأسلحة والوسائل الإلكترونية وزرعها في شبكات بجميع أنحاء العالم.
وكجزء من إستراتيجية الدفاع للأمام، زرعت الأجهزة الأميركية برامج ضارة داخل شبكة الكهرباء الروسية بما يمكنها من شل حركتها، وذلك من أجل تحذير وردع الروس لعدم التدخل في أنظمة الحاسوب الأميركية.
ويُنظر إلى الولايات المتحدة على نطاق واسع على أنها القوة السيبرانية الأقوى في العالم. ومن وجهة نظر خصوم واشنطن، تستخدم أميركا أدواتها التكنولوجية المتقدمة للتجسس على العالم. لكن وعلى الرغم من إنفاق عشرات المليارات من الدولارات على الأمن السيبراني، فإن الولايات المتحدة فشلت فشلا ذريعا في حماية شبكاتها الرقمية العامة والخاصة.
واعتبر الرئيس المنتخب جو بايدن أن الدفاع الجيد لا يكفي، وقال "نحن بحاجة إلى تعطيل وردع خصومنا عن القيام بهجمات إلكترونية كبيرة في المقام الأول".
ولم تكن تلك الكلمات جديدة في جوهرها، فهي محور إستراتيجية البنتاغون للأمن السيبراني، والتي لم تردع أو تعرقل من قام بالهجمات الأخيرة.
المصدر : الجزيرة