الرئيس محمد عبد العزيز كان متشبثا بمبدأ القيادة الجماعية، وحريصا على أن تمر عملية صنع القرار بأوسع نطاق ممكن لتحقق الاجماع (السفير الديش محمد)
اكد السفير الديش محمد خلال مشاركته في الندوة الفكرية التي نظمتها وكالة الانباء المستقلة اليوم الاثنين حول فكر الشهيد محمد عبد العزيز بمناسبة مرور خمس سنوات على رحيله، ان الرئيس الراحل كان متشبثا بمبدأ القيادة الجماعية، وحريصا على أن تمر عملية صنع القرار بأوسع نطاق ممكن لتحقق الاجماع
استعرض السفير الصحراوي الذي عمل رئيسا لديوان رئاسة الجمهورية خلال فترة حكم الرئيس محمد عبد العزيز تجربته في تلك الفترة وفيما يلي نص المداخلة:
بسم الله الرحمن الرحيم
بداية اشكر وكالة الأنباء المستقلة على دعوتي للحضور ضمن هذا الجمع من المناضلات والمناضلين من مختلف مواقع النضال لتسليط الضوء على جزء من مآثر وانجازات أحد زعماء الشعب الصحراوي الذي ترك بصمات واضحة على تجربتنا الوطنية، انه الرئيس الشهيد محمد عبد العزيز، في ذكرى رحيله الخامسة، أسال الله عز وجل أن يتغمد روحه وغيره من الشهداء الأبرار بواسع رحمته في جنة الفردوس الأعلى.
أسلم عليكم جميعا واوجه بادي ذي بدء تحية عالية لحماة الوطن مقاتلي جيش التحرير الشعبي الأبطال كما انتهز فرصة تواجد معنا المناضلة الجسورة سلطانة سيدابراهيم خيا لأحييها على ابداعها هي وعائلتها في النضال ضد الاحتلال المغربي، كما انحنى امام تضحياتها وارادتها الفلاذية.
طيب، ان الحديث عن الرئيس الشهيد محمد عبد العزيز ليس بالأمر السهل، فالرجل كان شخصية غير عادية، قاد الشعب الصحراوي في ظروف غير عادية وفي ظل تحديات كبيرة وصعبة ولفترة زمنية غير عادية وصلت الأربعين سنة. ونظرا لعظمة المكاسب والانجازات التي تحققت تحت قيادته وابداعه في معركة التحرير والبناء بفضل تفانيه، حنكته، بعد نظره، اخلاصه وتضحياته، فلقد نال الرئيس محمد عبد العزيز منزلة العظماء الذين دخلوا التاريخ من بابه الواسع.
كان لي الشرف ان اكون من المقربين من الرجل في العمل، حيث عاصرت فترتي الحرب واللاحرب واللاسلم كمسؤول عن مكتبه. لقد تحمل الرئيس محمد عبد العزيز الجزء الاكبر من تجربتنا الكفاحية:
• رص صفوف الشعب، تنظيمه، وتقوية وحدته والتحامه وشمولية تأطيره خلف طليعته الصدامية الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ومحو مخلفات الاستعمار من جهل وقبلية الخ.
• مواجهة قوات جرارة تفوقنا عددا وعتادا، ومن خلفها حلفاء يمدوها بسخاء بالمال والامكانيات، وموازاة مع ذلك التأمين على الاعداد الكبيرة من المواطنين الفارين من بعطش الغزاة.
• فرض الاعتراف بالوجود وبالحق المشروع امام عالم غالبية قواه المتحكمة في قراراته هي موالية للعدو الذي اجتاح ارضنا.
كان الرئيس الشهيد محمد عبد العزيز يمتلك شخصية قوية ومحترمة، فبطبعه انسان رزين، هادئ الاعصاب، مترفع عن صغار الامور، متسامحا، يضاف الى ذلك اخلاصه للوطن، نزاهته وبعد نظره ووفاءه لعهد الشهداء. كان يتمتع بكاريزما قوية بفضل تواصله مع القاعدة واسلوبه المرن في التسيير، وربطه للقول بالفعل، بالإضافة إلى إبداعه وتفكيره الحضاري في البناء المؤسساتي والمجتمعي. كما أنه اكتسب احتراما دوليا كبيرا اولا لكونه كان مكافحا شرسا من اجل إثبات الحق المشروع لشعبه وثانيا لما قدمه من اجل السلام وما تحلى به من صفات حميدة في القيادة.
كان رجل ميدان، حاضرا في كل اوجه المعركة مع العدو: يتأكد بنفسه من نسب نجاح أغلب المعارك الكبيرة ان لم أقل كلها، قاد معارك انضمام الجمهورية لمنظمة للوحدة الأفريقية، وعرف كيف يوظف لأجل تبوأ الدولة الصحراوية مكانتها كل اوراق الضغط الممكنة بما في ذلك معارك عسكرية مني فيها الجيش المغربي بخسائر فادحة، باشر بناء المستشفيات والمدارس وبرامج التعليم ومحو الأمية والوقاية، وكان قريبا من الكل، من المقاتلين، من الاباء كبار السن، من المعلم، من الطبيب، من عائلة الشهيد، من الجريح، كما كان مكتبه دوما مفتوحا للجميع، كان يؤمن بأن افضل مدرسة لتأهيل الاطر هي الاحتكاك بالقاعدة الشعبية، وبالمنظمات الجماهيرية التي تلعب دورا محوريا في ثقافة المجتمعات.
وبخصوص مركز وصناعة القرار، فلقد كان محل انشغال دائم لدى الرئيس لتجنب أية أخطاء في اتخاذ القرارات، وهكذا كان لي الشرف ان اكون من بين الذين اسسوا واشرفوا على التنظيم الحديث لمؤسسة الرئاسة والأمانة العامة للجبهة بالشكل الذي ساهم في مساعدة الرئيس على أداء مهامه.
كان الرئيس متشبثا بمبدأ القيادة الجماعية، وحريصا على أن تمر عملية صنع القرار بأوسع نطاق ممكن، كي يتأكد من اجماع الجميع على ما سينوي اتخاذه من قرارات. عادة لا يكتفي بما تقدمه الأجهزة المختصة في مؤسسة الرئاسة أو بما يقدمه له مسؤولو القطاعات، أو ما تتدارس الهيئات من أمانة وحكومة وأركان الخ، بل في بعض الأحيان يلجأ إلى الامتدادات والقواعد عبر تنظيم لقاءات معها لإثراء أفكاره واستطلاع آرائها. هذا لا يعني ان ليس للرجل اخطاء، فبالطبع صاحب القرار معرض دوما للخطأ لان الكمال لله وحده، لكن لما نقارن الخطأ بالصواب فبالتأكيد سنجد الاولى جزئية مقارنة مع الثانية.
كانت مرحلة اللاحرب واللاسلم، التي اعقبت وقف إطلاق النار، من أصعب ما واجه الرئيس الشهيد محمد عبد العزيز خلال فترة قيادته، نظرا لحجم تحدياتها وخطورتها، خاصة أنها جاءت في ظل متغيرات دولية، جهوية واقليمية صعبة واوضاع داخلية متوترة. لكن سرعان ما ابان الرجل عن قدرة عالية في التعاطي مع الوضع الجديد بالشكل الذي استفادت منه القضية الوطنية:
اولا: انفتاحه على الراي الآخر ووعيه بأهمية صراع الأفكار لما له من اهمية في بناء المجتمع على اسس علمية وحضارية، لكن بشرط أن يكون في إطار وطني ونحو أهداف تخدم المشروع الوطني. كان يتقبل كل أشكال النقد ويناقشها مع اصحابها، ولم ينزعج يوما من اي منها مهما وصلت درجتها، وغالبا ما يخرج محاوريه من عنده وعلامات الرضى على وجوههم.
ثانيا: استكمال بناء المؤسسات وجعل من الدولة الصحراوية نموذجا فريدا من نوعه لا من حيث نظامها السياسي او السياسات المتبعة في مختلف مجالات الحياة لاطمئنان المواطن على وطن جامع لكل الصحراويين ولا من حيث علاقاتها ودورها الإيجابي في المنطقة، القارة والعالم، والبحث المستمر لتطوير الاداء واغناء التجربة. لقد شكل دور القاعدة في صنع القرار انشغالا دائما للرئيس الراحل بحيث ركز على المجلس الوطني في التشريع والرقابة، كما ان العدالة هي الأخرى كانت ضمن أولويات الرجل، إيمانا منه ان القانون فوق الجميع.
ثالثا: خلق الاسباب لاستمرار المواجهة مع العدو بشكل حضاري يتماشى مع المناخ العالمي لتوجيه أنظار الصحراويين دوما نحو الصراع مع العدو، وفي هذا الإطار جاءت انتفاضة الاستقلال التي كان الرئيس محمد عبد العزيز موجهها الرئيسي منذ بدايتها ويتابع عن كثب كل فصولها وعمل على تدويلها والمرافعات امام القضاء العالمي والكشف عن الجرائم ضد الانسانية التي ارتكبها ويرتكبها الاحتلال والنهب المستمر للثروات الصحراوية. واريد هنا التأكيد ان إطلاق سراح الأسرى المغاربة كان أحد القرارات التي جلبت احتراما كبيرا لجبهة البوليساريو وفتحت ابوابا كانت مغلقة وأدت إلى اختراق حلف العدو.
في الاخير ما يمكنني قوله هو ان اسلافنا اوفوا بالعهد واوصلوا السفينة إلى مشارف الشاطئ والمسؤولية تقع على عاتق الأحياء لإرساء السفينة بأمان. ان الحرب على اوزارها وتتطلب المزيد من العطاء والتحدي والابداع لربح المعركة.
المجد والخلود للشهداء الأبرار والهزيمة والخزي والعار للأعداء.
31/05/2021