الانسياق وراء الرؤية الاحادية في نزاع الصحراء الغربية ينسف المصداقية
باستغراب شديد قرأت مقالا مطولا على موقع الحرة بتاريخ 04 يونيو 2022 للكاتب المغربي عبد الرحيم التوراني تحت عنوان "البوليساريو.. وتباطؤ الساعة الأخيرة" لم يدخر صاحبه جهدا في نسج قراءة متناقضة مع الواقع بالصحراء الغربية في محاولة يائسة لاقناع القراء بالدعاية المغربية الرسمية التي ما فتئت تلفق التهم والادعاءات بتفكك جبهة البوليساريو التي تأسست عام 1973 كحركة تحرير وطنية في الصحراء الغربية لمقاومة التواجد الاستعماري الاسباني وتصدت بعد خروجه للاجتياح العسكري المغربي الداداهي عام 1975م.
وتصويبا لبعض المعلومات التي وردت في المقال المذكور انفا لابد من التوقف عند الظروف والإرهاصات التي تأسست فيها جبهة البوليساريو في خضم التحولات التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية، في سياق ما عاشته المعمورة مع مطلع الخمسينيات من بروز اكبر حركة تحررية في التاريخ المعاصر توجت باستقلال جزء كبير من المستعمرات في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث خاضت حركات التحرر في مختلف القارات الكفاح ضد المستعمر، ولم تكن الصحراء الغربية التي كانت تخضع للاستعمار الاسباني بمعزل عن موجة التحرر، حيث كانت الظروف الاستعمارية قد مهدت الطريق أمام الثورة التي أعلنها الولي مصطفى السيد ومجموعة من رفاقه المتشبعين بنفس الأفكار الثورية والمؤمنين بالهدف والمصممين على شق طريق الثورة على الاستعمار والتبعية، عبر التوجيه الثوري ونسج التحالفات الداخلية وتوسيع رقعة الحاضنة على أساس تقييم علمي موضوعي لكل تجارب المقاومة الوطنية بدءا من المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء ومظاهرات الزملة التاريخية 1970م، إضافة إلى ما شهدته مدن جنوب المغرب من تحركات طلابية تنشر الوعي السياسي وتسعى إلى لملمة وضعية الشتات التي فرضها المستعمر الاسباني على الشعب الصحراوي ومواكبة الحراك التحرري العالمي، وصهر الطاقات الوطنية في مختلف المناطق مع الدور الريادي الذي لعبته الجالية الصحراوية بالخارج في دعم ومؤازرة الثورة، والانخراط في الكفاح الشامل من اجل تحقيق الاستقلال الوطني.
وقد ظهرت بوادر هذه الحركة من خلال مجموعة من الشباب والطلبة الذين قادوا سلسلة من الاتصالات وقد شكلت مظاهرات الطنطان جنوب المغرب سنة 1972 التي جرت على مرحلتين، ضمن سياق تحرك طلابي عام شهده المغرب في تلك الفترة وقد اعتقل على خلفيتها سبعة من المناضلين الصحراويين من بينهم الشهيد الولي مصطفى، تم سجنهم في مدينة أكادير وحاولت السلطات المغربية تقديمهم للمحاكمة لكن بفعل الضغط الطلابي جرت مفاوضات بين السلطات المغربية و تنسيقيات الإضراب أدت إلى إنهاء الإضراب و إطلاق سراح المعتقلين.
لتتوج هذه التحركات بتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب يوم 10 ماي 1973 والتي جاء في بيانها التأسيسي "تتأسس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب كتعبير جماهيري وحيد، متخذة الكفاح المسلح وسيلة للوصول بالشعب الصحراوي العربي الإفريقي إلى الحرية الكاملة من الاستعمار الإسباني وضرب مؤامراته".
مباشرة بعد الإعلان عن ميلاد الجبهة الشعبية بدأ التحضير لعمل مسلح يترجم البيان وشعار المؤتمر التأسيسي "بالبندقية ننال الحرية" وبناء النواة الأولى للمقاتلين ودراسة المواقع القابلة للتواجد وضمان الإمداد وتوزيع المهام على فروع التنظيم السياسي للجبهة، مع التركيز على تشكيل خلايا نوعية للعمليات الفدائية واقتحام المقرات الرسمية وتخريب مرتكزات الاحتلال الاسباني وتخويف مستوطنيه لزرع الرعب في القوى الاستعمارية والتعجيل برحيلها من الصحراء الغربية.
وشرعت جبهة البوليساريو في خطوات عملية على الصعيدين الداخلي والخارجي حيث اوفدت مبعوثين الى عدد من الأقطار العربية بحثا عن الدعم والمساندة لما ستقبل عليه الثورة الصحراوية، فكان اتصال مؤسس جبهة البوليساريو في بيروت بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تتويجا لعقد التحالف ضد القوى الاستعمارية حيث كان في استقباله أمينها العام الدكتور جورج حبش أواخر سنة 1972 وبعد تأسيسها بعثت جبهة البوليساريو بمذكرة تلخص الوضع في الصحراء الغربية الى السلطات في الجزائر وليبيا وبينت حاجة الثورة الصحراوية للدعم والمساندة.
ظل الشعب الصحراوي موحدا رغم أعاصير الفتن والمحن التي مر بها، والحملات الاستعمارية التي قادها الانجليز والبرتغاليون والاسبان وظل وفيا للأرض التي احتضنته ويرقد بها أجداده، ومما يؤكد حق الشعب الصحراوي في كفاحه من اجل الاستقلال، ادراج قضية الصحراء الغربية على طاولة الأمم المتحدة منذ سنة 1963م بإعتبارها قضية تصفية استعمار منذ أن سجلت الصحراء الغربية ضمن الأقاليم غير المستقلة المعروضة على لجنة الأمم المتحدة لتصفية الاستعمار وفي 16 أكتوبر 1964م أصدرت هذه اللجنة لائحة دعت فيها اسبانيا البلد المدير (المستعمر) للصحراء الغربية " إلى اتخاذ الخطوات اللازمة دون تأخير لتمكين إقليم الصحراء الغربية من الاستقلال الكامل وغير المشروط" .
وخلال السنوات اللاحقة ظلت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دوراتها السنوية توجه نداءات مماثلة للحكومة الاسبانية تحثها على تنفيذ التزاماتها بتمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره ونيل استقلاله من خلال استكمال عملية تصفية الاستعمار في المنطقة، وفي سنة 1967م قررت الأمم المتحدة إرسال بعثة لتقصي الحقائق تطبيقا للقرار الاممي 2229 الصادر عن الجمعية العامة حول الصحراء الغربية، لكن اسبانيا لم تبدي استعدادها لاستقبال البعثة وهو ما تسبب في عرقلة مجيئها للإقليم مبكرا.
ومع إلحاح الأمم المتحدة وتصاعد النضال الصحراوي تم تشكيل البعثة يوم 13 ابريل 1975م
وحينما وصلت البعثة الأممية الى الصحراء الغربية في الفترة من 12 الى 20 ماي 1975 خرجت المظاهرات العارمة من كل فج عميق، تحمل شعارات الجبهة الشعبية وتندد بالوجود الاستعماري وتطالب بحق الشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال، نفس المظاهرات خرجت في كل من مدينة السمارة والداخلة وفي المداشر الصحراوية الأخرى التي زارتها البعثة من حوزة إلى اجدرية وكل المناطق التي بها تواجد للصحراويين بدول الجوار على غرار مدينة تندوف غرب الجزائر ونواذيبو وازويرات بشمال موريتانيا .
وبعد زيارة البعثة الأممية الى المنطقة والبحث وتقصي الحقائق والاطلاع على واقع الشعب الصحراوي عن كثب وتدوين مطالب الصحراويين الذين خرجوا في الشوارع والساحات للترحيب بالبعثة وتبليغها برفضهم لكل أشكال الاستعمار والهيمنة والمطالبة بتقرير المصير والاستقلال الوطني.
قدمت بعثة تقصي الحقائق إلى الصحراء الغربية تقريرها الشامل عن الزيارة الميدانية التي قادتها إلى المنطقة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 15 أكتوبر 1975م، لتؤكد أن البوليساريو هي القوة الوحيدة التي تحظى بتمثيل كل الصحراويين، وان الشعب الصحراوي يناضل من اجل نيل استقلاله الوطني ويطالب بتقرير المصير.
وقد جاء في التقرير التأكيد على ان كل مكان وصلته البعثة كانت تقابل بالجماهير المؤيدة لجبهة البوليساريو التي تعتبر القوة السياسية الوحيدة الممثلة لشعب الصحراء الغربية الذي يريد الاستقلال و يرفض أي صورة من صور الضم القسري".
فكان تقرير البعثة الأممية صادما للاستعمار الاسباني والقوى المتربصة بالصحراء الغربية، وهو ما عجل برحيل اسبانيا، وبدء المؤامرة المغربية الموريتانية المتمثلة في الاجتياح الغادر والجبان والذي تسبب في قتل وتشريد الالاف من الصحراويين.
وتأكيدا على انخراط كل الصحراويين في بوتقة المقاومة الوطنية للاستعمار القرار الهام الذي اتخذه البرلمان الصحراوي في عام 1975، او ما يطلق عليه الجمعية الوطنية المكونة من أعيان القبائل الصحراوية الذين تم انتخابهم إبان الاستعمار الإسباني للصحراء الغربية، وقد قرر هذا المجلس بالإجماع حل نفسه والانضواء تحت لواء الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب واعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي بمنطقة “عين بن تيلي” في حدث الوحدة الوطنية 12 اكتوبر1975 التي تبرهن على تطلع شعب الساقية الحمراء ووادي الذهب لبناء كيان صحراوي عصي على الابتلاع مجسدا في انطلاقة شعبية مباركة لتكاتف الجهود والتوحد كرد فعل طبيعي على اتفاقيات مدريد المشؤومة التي ارادت تقسم الصحراء الغربية ارضا وشعبا، والتصدي للسياسات الاستعمارية المبيتة على قاعدة “فرق تسد” فكانت الوحدة الوطنية الصرح المتين الذي صمد في وجه إعصار المخططات الجهنمية التي استهدفت الشعب الصحراوي لإقباره، وهو ما ظهر جليا في اتفاقية مدريد الثلاثية 14 نوفمبر 1975، والتي تتخلى بموجبها إسبانيا عن إدارة مستعمرتها السابقة الصحراء الغربية لصالح المغرب وموريتانيا لتبدأ مأساة الصحراويين مع الغزو المغربي من الشمال والموريتاني الداداهي من الجنوب، في حرب إبادة تصدى لها الشعب الصحراوي بمفرده، وارتكبت القوات الغازية جرائم فظيعة خلال شهر فبرائر 1976 حيث نفذ الطيران المغربي قصف مكثف لمخيمات الصحراويين بقنابل النابالم والفسفور الأبيض المحرمة دوليا، في كل من تفاريتي، قلتة زمور وأم دريكة مرتكبا أبشع الجرائم التي ادت الى تشريد الآلاف من الصحراويين الذين يعيشون الى اليوم في اقدم مخيمات للجوء في العالم.
إن أي محاولة لمغالطة الصحراويين في قضيتهم العادلة، والمدرجة لدى الامم المتحدة ضمن قضايا تصفية الاستعمار، او رسم أي برنامج خارج الاطار العام لكل الصحراويين وإشراكهم فيه هو مشروع محكوم عليه بالفشل ايا كان مصدره ، وقد اثبتت التجارب التاريخية ذلك فكم من تنظيم اسس خارج الاطار العام للصحراويين ولم يصمد طويلا او مات في المهد على مدار تاريخنا النضالي، وسقطت شعاراته الزائفة وبقيت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المظلة التي وفرت الحماية للصحراويين وحافظت على وحدتهم فحققوا من خلالها الانتصارات العسكرية التي أرغمت الطرف الموريتاني على الانسحاب من حرب خاسرة وفرضت على الاحتلال المغربي الاعتراف بالصحراويين والجلوس معهم في مفاوضات واقنعت المجتمع الدولي بالاعتراف بالجمهورية العربية الصحراوية كاملة العضوية في الاتحاد الافريقي ودولة تعترف بها اكثر من 80 دولة عبر العالم.
بقلم : حمة المهدي