المرض يحاصر ملك المغرب ويشعل الصراع على خلافته
عاد الحديث مجددا، وبقوة هذه المرة، عن مرض ملك المغرب، محمد السادس، الغامض، وسر غيابه الدائم عن القيام بالمهام الملكية المنوطة به كقائد لدولة المخزن، الأمر الذي زاد من إشعال فتيل الصراعات الخطيرة في كواليس القصر الملكي على خلافة الملك وعلى السلطة في ظل التغلغل الكبير للنفوذ الصهيوني داخل تلك الصراعات ودوره الكبير في تحضير البديل المقبل، القادر على بيع المغرب كلية “لإسرائيل” بعد أن مهّد محمد السادس المجال وهيأ الظروف النفسية لذلك.
وشكل الإعلان الأخير والمفاجئ لوزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة المغربية، عن تعرض الملك لنزلة برد تلزمه البقاء داخل القصر والراحة وعدم السفر، لتؤكد مجمل الهواجس والتوجسات التي ظلت تتصاعد منذ سنوات طويلة عن حقيقة الحالة الصحية المتدهورة للملك المغربي، والتي منعته من الظهور والقيام بواجبات الحكم طوال السنوات الماضية بشكل طبيعي.
وأدى هذا الإعلان المفاجئ إلى إلغاء زيارة مبرمجة للملك إلى دولة السنغال هذا الأسبوع، على الرغم من الزيارة التمهيدية التي قام بها وزير الخارجية ناصر بوريطة إلى داكار، تحضيرا لزيارة الملك والتي تم تأجيلها في آخر لحظة دون الإعلان عن موعد آخر محدد لها.
ورغم ظهور الملك المغربي قبل هذا الإعلان في الغابون إلى جانب الرئيس الغابوني علي بانغو، حيث يقضي هناك معظم أوقاته متخفيا عن الأنظار، بعد أن غادر قصره الملكي في فرنسا عقب توتر العلاقات مع باريس، خاصة بعد فضيحة الظهور في حالة سكر في شوارع فرنسا، إلا أن ذلك الظهور لم يكن كافيا على الإطلاق لوقف تساؤلات الشارع المغربي الذي يعيش حالة غليان غير مسبوقة بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، حول السر الحقيقي وراء هذا الانسحاب من الساحة من جانب الملك، وترك الشعب لوحده يواجه جشع سياسة حكومة أخنوش ضد معيشة المواطن المغربي البسيط.
حقيقة مرض الملك
ولم يكن أمام وسائل الإعلام العالمية، في ظل صمت مطبق للإعلام المغربي، للتطرق إلى موضوع صحة الملك، إلا أن تثير أسئلتها وتبحث في هذا “المسكوت عنه” بالتفصيل، حيث لا يكاد يمر يوم دون أن تثير الصحف الإسبانية أو الفرنسية أو غيرها قضية مرض الملك وأسراره المخفية.
وفي أحدث تلك التقارير الأوروبية، كتب موقع “MUI” الإسباني عن: “الوضع الصعب لملك المغرب، وكيف يستمر في فقدان المزيد من الوزن كل يوم”، مشيرا أن الملك يعاني من مرض اسمه “الساركويد”، وهو مرض مناعي يعيق النظام الغذائي للمريض، وتنمو معه مجموعات صغيرة من الخلايا الالتهابية في أجزاء مختلفة من الجسم، وتحدث أوراما متكررة في الرئتين والعقد الليمفاوية والعينين والجلد، ما يفرض نظاما غذائيا خاصا وتجنب التعرض المفرط للشمس.
بينما تحدث موقع “أفريك” الناطق باللغة الفرنسية، عن الأسباب الحقيقية وراء إلغاء زيارة السنغال، مشيرة إلى أن صحة الملك أصبحت أكثر هشاشة في السنوات الأخيرة، حيث إلى جانب مشاكله القلبية التي أجرى بسببها عمليتين جراحيتين، يعاني الملك، كما يضيف الموقع، من مرض خطير، يتعلق باضطرابات في جهاز المناعة، متسائلا عن حقيقة الإعلان عن إصابته بأنفلونزا طبيعية أم أن الأمر يتعلق بأعراض مرض “الساركويد”.
وكانت صحف إسبانية كثيرة، بينها صحيفة “الكونفيدونسيال” قد تطرقت بالتفاصيل لمرض الملك المغربي، مشيرة إلى مشكلة عدم انتظام ضربات القلب، وصعوبة في التنفس الناتجة عن الانسداد الرئوي المزمن، علاوة على إجرائه عملية جراحية لورم حميد في عين واحدة.
كما سبق للكاتب الصحفي المغربي علي لمرابط، أن كشف أن سبب إلغاء مراسم عيد العرش العام الماضي، وهو حفل البيعة (الولاء والبيعة) في قصر تطوان، عدم قدرة الملك الجسدية على البقاء فوق حصانه، ليتلقى مراسم البيعة والولاء من الرعايا، مخافة من سقوطه.
الحكّام الفعليون داخل القصر
وحيال تطور مرض الملك الغامض، فقد تم تحديث مجلس الوصاية الذي بإمكانه الحكم في حال غاب الملك، بينما تندلع نيران حرب سرية وأحيانا علنية بين أنصار وريث العرش العلوي الحسن الثالث ابن محمد السادس البالغ من العمر 19 سنة، وبين أخيه مولاي رشيد، حيث يحظى كل طرف بقوى داعمة داخل سرايا الحكم والجيش والأجهزة الأمنية.
وكانت صحيفة “الإندبندنتي” الإسبانية قد نشرت الشهر الماضي تقريرا مفصلا عن رجال الظل للملك المغربي محمد السادس، الذين يديرون من جهة الحكم في غيابه، ومن جهة أخرى تثار بينهم حرب شرسة للسيطرة على مقاليد العرش العلوي.
ورغم أن الصحيفة أشارت إلى عزيز أخنوش الذي يتولى حاليا منصب رئيس الحكومة، هو ثاني أغنى رجل في المملكة بعد الملك محمد السادس، باعتباره الذي يحتكر تجارة النفط في المملكة، إلا أنه ليس في دائرة اتخاذ القرارات وليس لديه تأثير على صراع الأجنحة الدائر حاليا، مشيرة إلى أن الأقوياء يديرون الصراع من وراء الستار، وهم لا يظهرون دائما.
ولا يمنح الملك المغربي، الذي يعد خامس أغنى ملك في العالم بثروة تقدر بسبعة آلاف مليون يورو، مقاليد النفوذ عادة إلا لخلصائه وأصدقاء طفولته المقربين، مخافة أن يتعرض للخيانة أو الانقلاب، ومن بين تلك القوى المتنفذة، نائب الملك فؤاد عالي الهمة، وعبد اللطيف الحموشي وياسين المنصوري، وناصر بوريطة، وأندري أزولاي، بالإضافة إلى ظاهرة الإخوان زعيتر التي حيّرت المراقبين.
ويعد فؤاد عالي الهمة، هو الحاكم العملي للمملكة خاصة في غياب الملك، لكونه يسيطر على كل الأمور تقريبا، وهو المهندس الحقيقي للاتفاق مع الإدارة الأمريكية السابقة حول الصحراء الغربية، علاوة على هندسته الكلية للعلاقات المغربية مع أمريكا والكيان الصهيوني، وهو من يدفع بناصر بوريطة إلى الواجهة، باعتبارهما الى جانب المستشار أندري أزولاي، من حلف أنصار الكيان داخل القصر الملكي.
وإلى جانب مهامه الحساسة في الماضي، كرئيس لأركان الجيش المغربي، ونائب لوزير الداخلية قبل أن يصبح من أقرب المقربين من الملك، فإن من أهم منجزات عالي الهمة تأسيسه لحزب الأصالة والمعاصرة الذي صعد للحكم كالصاروخ، علاوة على أنه من كبار الفاسدين في المملكة، بحسب ما أورده موقع “ويكيليكس”.
ويأتي عبد اللطيف الحموشي المسؤول عن المديرية العامة للأمن الوطني (DGSN) والمديرية العامة للمراقبة الإقليمية، (DGST) أي أنه هو رئيس الشرطة الوطنية وجهاز التجسس، في المرتبة الثانية من حيث الأهمية والتأثير، والمتهم بقضايا التعذيب والاختطاف، والمهندس الحقيقي لفضيحة “بيغاسوس”، لكنه يتمتع بدعم واسع من طرف “إسرائيل” والإمارات وأمريكا التي زارها قبل مدة قصيرة لترتيب أمور الحكم وخلافة الملك مستقبلا، وإلى جانب ياسين المنصوري رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية المتورط حاليا في أكبر فضيحة فساد في أوروبا، ضمن ما يعرف بفضيحة “موروكو-غيت“، والذي أصدر بشأنه القضاء البلجيكي مذكرة توقيف دولية، ما يجعله يخرج مهزوما في لعبة الصراع على الحكم.
في حين يتربص وزير الخارجية ناصر بوريطة بعيدا كالذئب، خاصة بعد الدور الكبير الذي قام به في خدمة مصالح الكيان في المملكة، حيث صعد نجمه منذ توليته الدبلوماسية في 2017 لكن مكانته ارتفعت كثيرا بعد توقيع اتفاقيات التطبيع والتحالف العسكري مع “إسرائيل”، حيث يعد بوريطة عرّاب التطبيع بامتياز في المملكة، ويحظى بعملية تلميع إعلامية دورية داخل أبواق المخزن.
أما أندري أزولاي، المستشار اليهودي المخضرم للملك والمقرب منه، فهو غني عن التعريف، إذ يعد أصل التطبيع المغربي مع الكيان، وأحد أقطاب اللوبي الأمريكي الصهيوني “أيباك”، وقد امتلك نفوذه الواسع منذ أن أدخله الملك الحسن الثاني كمستشار خاص له عام 1991، وبفضله توسع نفوذ الصهاينة في القصر الملكي رغم أنهم كانوا متواجدين قبل ذلك بكثير.
كما يلعب ما يسمى بالإخوة زعيتر دورا متناميا وغريبا في صراع الحكم منذ العام 2018 تاريخ لقائهم بالملك ولزومهم له بعد ذلك، حيث يتحكمون بشكل كبير في قنوات الوصول إلى الملك، بالإضافة إلى الدور الغامض الذي يمكن أن تلعبه الزوجة السابقة للملك الأميرة سلمى بناني، على الرغم من اختفائها المريب كلية عن العيون منذ نهاية العام 2017، الأمر الذي أثار شائعات كبيرة وصلت إلى حد التأكيد على مقتلها، إلا أن ظهورها المقتضب في ماي الماضي أبطل تلك الشائعات، وفتح المجال لدور محتمل لها في تولية ابنها الحسن الثالث مقاليد الحكم، في واجهة الحرب التي ستعلنها أخوات الملك ضدها وهن المناصرات لتولية أخيهن مولاي رشيد مقاليد المملكة.
“إسرائيل” على الباب
وهكذا، وبالنظر إلى قائمة الطامعين والطامحين في السيطرة على الحكم أو على الأقل التحكم فيه ولو عن بعد، يظهر جليا الدور الخطير الذي أسند للقوى الموالية للكيان الصهيوني داخل المملكة التي لم تعد شريفة، فكل الفاعلين تقريبا من فؤاد علي الهمة، إلى أندري أزولاي مرورا ببوريطة والحموشي وغيرهم، هم من الموالين لدولة الكيان، ومع إقامة حلف صهيوني مخزني لضرب الأمة من الخلف، بداية بالحصن الحصين الأخير الجزائر.
وما يثبت تمكن الكيان من هذه الدولة المخزنية أكثر، أن ملك المغرب محمد السادس مثله مثل والده الحسن الثاني، لا يستريح لضمان أمنه الشخصي وبقاء سلطانه إلا للحلفاء الصهاينة، وبالنظر إلى تصاعد حدة الصراع على الحكم في المغرب، لم يكن غريبا أبدا أن يلجأ الملك المريض إلى الموساد لحمايته الشخصية، حيث أكدت العديد من المصادر تنقل قوة إسرائيلية خاصة إلى الرباط لحراسة القصر الملكي.
ولعلها بعد ذلك من المفارقات الكبرى، أن نجد اليوم أنفسنا أمام حقيقة مذهلة، وهي أن يتحكم الصهاينة أعداء الدين والأمة، في خلافة أمير المؤمنين حامي حمى الدين والملّة.
المصدر: الاخبارية