-->

مقال رأي / ما تراه نظارات محمد السادس و ما رأته نظارات الحسن الثانى

 


صرح ملك المغرب ، فى خطابه يوم 20 اوت 2022 بأن نظامه سيبدأ فى انتهاح سياسة جديدة مبنية على قاعدة صلبة و شفافة تعتمد على ربط علاقات شراكة بلاده مع دول العالم  بشرط الإعتراف للمغرب بالسيادة على الصحراء الغربية.
هذا الموقف كما ذكر ملك المغرب موجه إلى الجميع : " اوجه رسالة واضحة للجميع: إن ملف الصحراء هو النظارة التى ينظر بها المغرب إلى العالم، و هي المعيار الواضح و البسيط الذى يقيس به صدق الصداقات و نجاعة الشراكات"
كما قال فى خطابه.
نعت ملك المغرب بأصبعه فى خطابه هذا، دولا بعينها، بصفة مبطنة، دون ذكر إسمها، مكتفيا بإعلان أنه " ينتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين و الجدد، أن توضح مواقفها، و تراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل".
لا شك أن من لا يعرف المغرب سيعتقد أن توجيه هذا النوع من الخطابات التى تحمل الجمل و المفردات المشحونة بكل معانى القوة و الإستقلالية و درجة كبيرة من التعالى إلى درحة الإستفزاز، يستند إلى مقومات دولة، إن لم تكن تمتلك السلاح النووي فإنه بإمكانها، على أقل تقدير، ضرب مصالح كبيرة فى العمق و حتى تعطيل جزء هام من الإقتصاد العالمي.
إن العارفين بواقع المغرب لن يخامرهم أدنى شك فى ان هذا الخطاب لا يرتكز سوى على عامل واحد يتمثل فى إستعداد ملك المغرب و مخزنه تقديم الخدمات ، كل أنواع الخدمات، للاصدقاء التقليديين و الجدد.
فالخطاب السالف الذكر، اذن ، لا يزيد على كونه عبارة عن صيحة للنجدة لأن الأمور أصبحت تقترب من الخروج النهائي عن السيطرة على المستوى الداخلي، حيث أن حالة التشرد و الفقر المدقع و الإحباط التام الذى تعانى منه غالبية المغاربة يضاف إلى رفض المجتمع الدولى لإستمرار المغرب في عرقلة المجهودات الاممية الرامية إلى حل سلمى على اساس ممارسة الشعب الصحراوى لحقه الثابث في تقرير المصير و عدم إحترامه للحدود الدولية المعترف بها.
فهل وجد محمد السادس في ارشيف القصر المغربي نسخة من خطاب والده الحسن الثانى عندما اعلن فى وجه الجميع أنه إن لم يحصل من اصدقاء المغرب و حلفائه على الدعم العسكرى و الديبلوماسي الكافي و الواضح لضم الصحراء الغربية نهائيا فإنه سيأخذ شنطته و يرحل هو و ابنائه تاركا المغرب. 
اللامبالاة التى واجهت نداء الإغاثة الصادر من الحسن الثانى جعل هذا الاخير، و بعد دراسة مواقف الدول على ضوء التطورات الجيو- سياسة و منعرجات العلاقات الدولية،  يقرر التوجه إلى الممر الاجبارى الذى يتطلب ولوج مسلك الشرعية الدولية.
فإذا كانت نظارات محمد السادس سترى ما رأته نظارات الحسن الثانى فإنها ستفهم و تستخلص فى النهاية أن الحلفاء و الأصدقاء ، كلهم و بدون استثناء ، سواء منهم التقليديين او الجدد ، لن يهبوا للمغرب ما لا يملكون.
جنسيات الضباط الأجانب الذين رسموا و صمموا خرائط الحزام العسكرى و اشرفوا على تشييده و رتبوا توزيع مواقع مختلف الاسلحة و الرادارات و التشكيلات على طوله هي نفسها الجنسيات التى يتولى اليوم ضباط منها إدارة المسيرات ( الطائرات بدون طيار) و تدريب الوحدات المغربية على استعمالها. 
نظارات الحسن الثانى الذى جالس جميع زعماء العالم رأت حقيقة موضوعية ماثلة كجبال الهيمالايا، تتجاوز أهمية المعدات الألكترونية، يجسدها الواقع الوطنى الصحراوي، الذى تمثله الجمهورية الصحراوية و التى لا يمكن اختزالها و لا القفز عليها أو  القضاء على مقاومة شعبها بالتفوق العددى او التكنولوجي و لذلك قرر أن يذهب إلى الإستفتاء لتفادى السكتة القلبية و التدحرج نحو المجهول.
الحسن الثانى بنظاراته وجد ، إذن ، أن المخرج الحتمي و العملى و التوافقى يمر عبر احترام كلمة الفصل التى يمتلكها الشعب الصحراوي صاحب الحق و مالك السيادة على أرض اجداده.
رفض الحسن الثانى عرض جيمس بيكر عندما اقترح عليه، أثناء اول لقاء لهما فى الرباط ، بأن يعمل من أجل التوصل إلى حل مبني على فكرة او خيار الحكم الذاتي بضمانات دولية معللا رفضه بأن ذلك المقترح لن يقبل لا من طرف الشعب الصحراوي و لا من قبل المجتمع الدولى و أنه يريد الذهاب إلى الحل السلمى و النهائي الذى يتماشى مع القانون الدولى و هو الإستفتاء لكي لا يخلف تركة قاتلة لمن سيتولى العرش من بعده.
و يفسر ادريس البصرى موقف الحسن الثانى بهذا الخصوص، فى احدى مقابلاته، كونه كان  يقول: " إن من يقترح ما يسمى بالحكم الذاتى لا يريد حلا مقبولا لقضية الصحراء الغربية و لا يفهم تركيبة المملكة المغربية و إنما يريد خلق مشاكل كارثية و عويصة لها ".
السؤال الذى يطرح نفسه اليوم، بعد إستئناف الحرب بين الجمهورية الصحراوية و المملكة المغربية هو:  هل سترى نظارات محمد السادس ما رأته نظارات الحسن الثانى قبل فوات الآوان ؟
امحمد/ البخارى 10 يوليوز 2023

Contact Form

Name

Email *

Message *