-->

أراضي الصحراء الغربية المحررة تعيش في عالم النسيان


بئر لحولو، الأراضي المحررة بالصحراء الغربية(وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة)(آي بي إس) تختفي الطريق تحت الرمال بعد عبور الحدود في تندوف، غرب الجزائر وبعد 20 كيلومتراً من السير في الصحراء نجد لافتة ترحب بنا في الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. وفي منزل محاط بالقذائف الفارغة، يقوم رجل يرتدي زياً عسكرياً مموهاً بالتحقق من هوياتنا دون ختم جوازات سفرنا.
لقد إعترفت 82 دولة بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. لكن الامم المتحدة ما زالت ترى أنها "منطقة تمر بعملية لم تكتمل لإنهاء الوجود الإستعماري".
وكانت الصحراء الغربية ضحية لتوقف عملية تصفية الاستعمار عام 1976، عندما قامت أسبانيا -القوة الاستعمارية السابقة منذ أواخر القرن 19- بترك الأرض الجرداء ذات الكثافة السكانية المنخفضة في يد المغرب وموريتانيا.
وكانت معظم الأراضي الصحراوية، بما في ذلك كامل الساحل الأطلسي، تحت سيطرة المغرب، بعد التوصل إلي إتفاق لوقف اطلاق النار عام 1991، وهناك منطقة صغيرة تشكل جزءاً من صحراء غير مأهولة الى حد كبير، تعرف بإسم "المناطق المحررة"، لا تزال تحت حكم جبهة البوليساريو، المدعومة بقوة من الجزائر ومعترف بها من قبل الأمم المتحدة بإعتبارها الممثل الشرعي للشعب الصحراوي.
ومع ذلك، يعيش كل الشعب الصحراوي، البالغ 250 ألف نسمة، حاليا في مخيمات اللاجئين في تندوف الجزائرية، على بعد 1465 كيلومتر جنوب غرب العاصمة الجزائر.
وتبرز مباني جبهة البوليساريو الحكومية المتواضعة وسط بحر من البيوت المبنية من الطين والحديد المموج تحت الشمس الحارقة، ولم يكن أحد من اللاجئين لهذه الدولة الصحراوية التي تعتمد بشكل كامل على المساعدات الخارجية، يتصور أن يستمر وضعهم كل هذا الوقت.. لمدة 37 عاماً حتى الآن.

ونتيجة لذلك، تحظي جبهة البوليساريو بتأييد قوي بين سكان الصحراء الغربية، الذين يتمنى غالبيتهم كسر وقف إطلاق النار وحمل السلاح للقتال من أجل الاستقلال الذي طال إنتظاره.
هذا وعلى الرغم من الصعوبات في مخيمات اللاجئين في الجزائر، فإن مستويات المعيشة هي أعلى بكثير مما هي عليه فيما يسمى "أراضي الصحراء المحررة ".
وهي أرض من الناحية الجغرافية السياسية لا يمتلكها أحد بعد حيث تحكمها جبهة البوليساريو وحدها، وحيث لا تتوفر المياه ولا الكهرباء بشكل كافي، وتعاني المنطقة من ندرة الاتصالات، والمستشفيات.
إنه مكان غير مضياف لا يسكنه سوى البدو الرحل، وبطبيعة الحال، على يد جنود من جبهة البوليساريو.
وفي مقر قيادة الكتيبة الثانية في بير لحولو، العاصمة الادارية التي تقع على بعد 400 كيلومترا غرب تندوف، يقوم جندي بمسح الأفق وهو يجلس فوق إحدى الأشجار الصغيرة القليلة في المنطقة.
وبناء على أوامر من قائده يقفز على الأرض ويختفي فوراً في حفرة في الأرض. وبعد دقيقة يخرج من حفرة أخرى على بعد 50 متراً.
ويقول سيدي محمد بايا ضاحكاً، وهو أحد كبار المسؤولين في الكتيبة، "في حالة وجود غارة جوية تشنها القوات المغربية، لا يوجد مكان للإختفاء سوى تحت الارض، مثل تلك السحالي السوداء والبرتقالية المنتشرة في كل مكان".
ويضيف، " إن الحفاظ على شبكة الأنفاق تحت الارض وتوسيعها هو من بين أهم الأولويات للمنظمة العسكرية".
وداخل ثكنة تبدو وكأنها متحف تاريخي لجبهة البوليساريو، يطلع سيدي محمد بايا وكالة إنتر بريس سيرفس على أكبر "البنى التحتية" التي بنيت في أراضي الصحراء الغربية.
و"الجدار"، وهو تصميم فرنسي تم إنشاؤه في الثمانينيات من القرن الماضي، يمتد لأكثر من 2500 كيلو متراً بحيث تتقاطع مساراته عبر الصحراء الغربية من الشمال إلى الجنوب، ويتضمن شبكة معقدة من الأسيجة والخنادق والأسلاك الشائكة التي تطوق أجزاء الأرض الأكثر فائدة من الناحية الاقتصادية.
ويشرح مسؤول البوليساريو، "اننا ندرب رجالنا على التسلل عبر الجدار ومهاجمة القوات المغربية في العمق".
وكانت الهجمات الليلة عبر الجدار شائعة خلال الحرب التي بدأت في عام 1975 واستمرت 16 عاماً، وذلك حتى وقف اطلاق النار عام 1991.
محمد مراد البالغ 23 عاماً، ولد في مخيمات اللاجئين في تندوف، وهو عضو في وحدة المركبات التي تسيطر على طول الحدود الموريتانية.
ويقول محمد وهو ينظر عبر منظاره نحو أفق واضح وفارغ، "منذ اختطاف عمال الاغاثة - أسبانيين إثنين وإيطالي- قبل سبعة أشهر، ونحن نقوم بدورية ثابتة، سبعة أيام في الأسبوع ولمدة 24 ساعة في اليوم. ونشتبه في أن الارهابيين سيهاجمون الصحفيين وعمال الاغاثة الاجانب قريباً".
وكان قد جري إختطاف ثلاثة من عمال الإغاثة في تندوف من قبل أعضاء لفرع مزعوم لتنظيم القاعدة في اكتوبر 2011. وأدى ذلك الحادث لوضع المصدر الرئيسي لدعم حياة الصحراويين -المساعدات الخارجية- في خطر.
وعملاً على تجنب وقوع هجمات جديدة، تقوم جبهة البوليساريو بدوريات في المنطقة في مركبات صغيرة يابانية الصنع مزودة بمدافع مضادة للطائرات موضوعة على الجزء الخلفي منها.

ويشير سلامة عبد الله من مقعد السائق، "كانت البوليساريو أول من وضع المدفعية الثقيلة على هذه المركبات الخفيفة، في وقت أبكر بكثير من الصومال أو ليبيا".
وكان عبد الله، الذي يتجاوز 60 عاماً، قد إنضم للحركة عام 1974، وذلك قبل سنة من انسحاب إسبانيا من أراضي الصحراء الغربية، وهو الآن واحد من العديد من المحاربين القدامى الذين اختاروا البقاء.
ولد عبد الله في بوجدور، وهي بلدة ساحلية في جنوب إقليم الصحراء الغربية تحت السيطرة المغربية. وبالاضافة الى تبادل خبراته العسكرية مع زملائه من الجنود الشبان، يقول عبد الله إنه يثقفهم بشأن الأرض التي تركها آباء رفاقه وراءهم بعد الاحتلال.
على بعد مئات من الكيلومترات الى الشمال الشرقي من بير لحولو، يمكن للمرء رؤية صوراً لرجال يحملون الاقواس ويصيدون الغزلان والظباء، أو حتى صيد الأسماك. وهذه النقوش الصخرية القديمة يعود تاريخها إلى 5 الآف سنة وفقاً لعلماء الآثار القلائل الذين بحثوا في هذا المجال.

وفي لحظات راحة من العواصف الرملية المتكررة، يسهل رؤية المستوطنات البدوية المنتشرة عبر الصحراء الشاسعة.
ومثل كثير من الإبل المنتشرة في هذه الأرض الجرداء، تبدو خيمة نونا بومره محمد وكأنها تخرج في وسط الصحراء اللانهائية. وتجلس نونا وسط غرفة مساحتها 30 متراً مربعاً، وهي ترتدي ملفعها الأخضر، وهو ثوب أناث الصحراء، الذي يبرزها وسط السجاد الأحمر والبطانيات المكدسة بنظام بجانب خزانة ملابس خشبية قديمة.
ولولا العلم الصحراوي الضخم – بخطوطه الخضراء والبيضاء والسوداء مع نجمة وهلال أحمر في منتصفه– الذي يرفرف أعلى المنزل، كاد هذا المشهد أن يكون صورة منذ ألف سنة لم يطرأ عليها أي تغيير.
وتوضح نونا بعد أن تقدم وعاء من حليب الماعز الطازج للزائرين،"لقد سمعنا أن الإرهابيين يتسللون من مالي وموريتانيا، لكننا نشعر بالأمان في ظل حماية جبهة البوليساريو".
وتضيف، "وفيما عدا الهجمات الإرهابية، فلا يزال همنا الأكبر هو نقص المياه".
وتؤكد نونا أن السكان في هذه المنطقة هم من البدو مثلها، أي من العائلات البدوية التي التي تعيش في البرية على قطعانها من الماعز والجمال. وبالرغم من الظروف المعيشية القاسية، فمن الواضح أن هذه المرأة الصحراوية فخورة بأنها لم تفكر قط بالإنتقال إلى مخيمات اللاجئين عبر الحدود.
وتؤكد، "لن أكون قادرة على العيش في بلد أجنبي. كذلك، كيف يمكننا أن نتخلى عن الجزء الوحيد من ارضنا الذي يقع تحت سيطرتنا؟".
بقلم كارلوس زوروتزا/ وكالة إنتر بريس سيرفس(آي بي إس / 2012)

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *