القضية الوطنية على ضوء الموقف الأمريكي الجديد
الشارع الصحراوي الآن، كله، سواء في مخيمات العزة والكرامة أو في المناطق
المحتلة أو في الشتات أو أينما تواجد، يتحدث، وكثيرا وبكثير من الحماس وشد الأعصاب، عن الموقف الأمريكي " الجديد" من قضية الصحراء الغربية. الحديث، ربما، فجره مشروع القرار الأمريكي المفاجئ الذي طالب في ابريل الماضي بتوسيع صلاحيات المينورصو في الصحراء الغربية لتشمل مراقبة وضع حقوق الإنسان. وإذا كان تقديم مشروع القرار المذكور قد تم تقديمه بسرعة، وشكَّل مفاجأة للجميع - بما فيهم الصحراويين الذين يصب في مصلحتهم- فإن سحبه الذي تم بنفس السرعة التي قُدم بها قد شكَّل مفاجأة أخرى وشبه انتكاسة وترك علامة استفهام وراءه: هل كان الأمريكان جادين في تقيم تلك المسودة أم أنها كانت غمزة للصحراويين فقط؟.
إن مشروع القرار المذكور لم يكن منعزلا فقد سبقته بعض الإشارات ( الإصرار الأمريكي على إبقاء روس في منصبه، توجه أمريكي واضح نحو وضعية حقوق الإنسان في الصحراء الغربية)، وتبعته إشارات أخرى متلاحقة: تأجيل زيارة روس للمنطقة، ووصول وفد من الكونغرس الأمريكي للمخيمات، وطبعا، وهذا هو الأهم زيارة الرئيس الصحراوي الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية بدعوة من بعض أعضاء الكونغرس. كل هذه الأحداث المتسارعة قد ألهبت الشارع الصحراوي بالحديث عن الموقف الأمريكي الجديد وألهبت متتبعي القضية الصحراوية بالتحليل والحدس والتخمينات والتعاليق.
1) فجوة في التاريخ
بالعودة إلى المعلومات الشحيحة عن الموقف الأمريكي الرسمي من قضية الصحراء الغربية على مدى الصراع مع المغرب نجد أنه تميز بما يلي:
أمريكا هي التي هندست طريقة الغزو، وفرضت أتفاق مدريد على أسبانيا، وقام بالعملية القذرة، وبإتقان، السياسي الداهية الشهير ذو الأصل اليهودي كيسنجر. حسب نظرية كيسنجر تبقى القضية بين أيدي الأمم المتحدة، ويتم إصدار قرارات خالية من الفعالية على أن تعود الصحراء في الأخير للمغرب.
بعد تجسيد الغزو المغربي على الأرض، بدأت الولايات المتحدة الرسمية تتعامل مع القضية بطريقتين متوازيتين ومتناقضتين: فأمام العالم وأمام الرأي الأمريكي الداخلي أعلنت أنها حيادية في الصراع وتقف على مسافة واحدة من الطرفين، أما خلف الكواليس فلم تبخل أي جهد في دعم المغرب عسكريا وسياسيا.
ح) على مستوى استراتيجي كان الحل المفضل بالنسبة للولايات المتحدة هو أن تحل القضية نفسها بنفسها؛ بمعنى أن تبقى القضية هكذا دون حل حاسم، ودون أن تتدخل الولايات المتحدة حتى يسقط أحد الأطراف بالوقت وبعوامل التعرية الكثيرة، وطبعا، الطرف المعني بالسقوط هو الشعب الصحراوي المشتت والذي لا اقتصاد له.
2) هل الموقف الجديد هو تغيير حقيقي للاستراتيجية
يبدو أن مشروع القرار الماضي الذي سار في صالح البوليساريو قد أزعج الرباط، ورأت فيه الحليف الكبير يصد عنها وجهه إلى الغريم بسرعة غير متوقعة. إذا كان القرار قد جعل أجراس الإنذار تُضرب في الرباط، فهل يمكن أن نستقبله نحن بالزغاريد في الصحراء الغربية؟ كيف يمكن أن نقرأ الموقف الأمريكي الجديد؟ هل يمكن أن نعتبره تغيرا في الاستراتيجية الأمريكية لصالح القضية الوطنية الصحراوية أم هو مجرد جس نبض وإشارة أو فلاش؟
كفرضية، إذا اعتبرنا أو حَلِمنا – من حقنا أن نحلم- أن الولايات المتحدة غيرت استراتيجيتها بزاوية 180 درجة لصالح القضية الوطنية الصحراوية، فما هي أسباب تغيير هذه الاستراتيجية التي ظلت تصب حوالي سبعة وثلاثين سنة في مصلحة المغرب؟
السبب الأول – مجرد تحليل- هو أن الولايات المتحدة لم تعد تثق في المغرب الذي ظل يملأ أذنها على مدى هذه السنوات أن الصحراويين سيتشتتون ويعودون للمغرب. إن عدم الثقة تلك أدى إلى أن حل "أن تحل القضية نفسها بنفسها" الذي كانت الولايات المتحدة تبني عليه استراتيجيتها قد فقد مبرراته حسب الدراسات الأمريكية. لقد أخذ هذا الحل أكثر مما يستحق من الوقت والجهد ولم يأت بنتيجة، وبالتالي فإن الاستراتيجية يجب أن تتغير. فكل المؤشرات أصبحت تؤكد أن حل أن "تحل القضية نفسها بنفسها"( يسقط احد الأطراف طبيعيا( الطرف الصحراوي)) هو حل لم يعد واقعيا. إن صمود الصحراويين وظهورهم أنهم سيصمدون أكثر كان هو السبب الذي –ربما- جعل الأمريكان يبدئون الرغبة في تغيير الاستراتيجية ليس فقط أتجاه القضية الصحراوية وإنما اتجاه المنطقة ككل.
3) الموقف الأمريكي ومشكلة المقابل
وبين من يرى أن الموقف الأمريكي الجديد غامض وبين من يراه انتصارا لقضيتنا هناك مشكلة يجب أن نضعها في الحسبان: المقابل. ماذا يمكن أن يطلب الأمريكي مقابل دعمه لنا؟ نحن نعرف كلنا أن الأمريكي لا يهمه لا القانون ولا الحق إنما المصلحة والنفعية. المصلحة هي التي تحدد تغيير استراتيجية الأمريكي، وتحدد ابتسامته ومزاجه، وأية قضية لا يربح منها الأمريكي سيقف ضدها حتى لو كانت معها كل حزم أوراق القوانين التي توجد في الأمم المتحدة. هذا بديهية أمريكية يعرفها الجميع، ومن لا يؤمن بها هكذا يعيش في كوكب آخر. إذن، يجب أن لا نستحضر أن الولايات المتحدة ستقف معنا لإن عندنا الحق ومعنا القانون الدولي وصمدنا وضحِّينا ووو. هذا غير صحيح إطلاقا. الذي يجب أن نفكر فيه هو ماذا ستربح أمريكا مستقبلا من مساعدتنا الآن في فرض على المغرب أن يذهب إلى الاستفتاء؟ في الحقيقة أمريكا تستطيع أن تفرض على المغرب- إذا أرادت- أن يقبل بتنظيم الاستفتاء في شهرين، ولديها من وسائل الضغط ما لا تستطيع أكتاف المغرب تحمله.
إذن، إذا قبلنا بهذا الآ يمكن أن نقرأ ولو متأخرين أن ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية ( مشروع القرار وسحبه، المطالبة باحترام حقوق الإنسان) هو إشارات موجهة لنا فقط . فهل يمكن أن يعقل أن الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تسحب مشروع قرارها الماضي هكذا بهذه السهولة " بضغط" من المغرب؟ لو أرادت أمريكا أن تفرض قرارها ذلك كانت فرضته ولديها من المبررات والذرائعئة ما تستطيع أن تفرضه به وتفرض معه قرارات أخرى. إن عدم فرضه ذلك يمكن أن يجعلنا نستنتج أنه كان فقط إشارة أمريكية لنا تقول بلغة خفية: نستطيع أن نفرض على المغرب أن ينظم الاستفتاء، لكن ما هو المقابل؟
المشكلة في المقابل... لنتصور إن الأمريكان أرادوا الوقوف بجانبنا ضد المغرب كي يقبل بتنظيم الاستفتاء، ماذا سيطلبون كمقابل. هل سيطلبون منا أن نكون كويتا أخرى لهم في المغرب العربي؟ هذا هو أقصى ما سيطلبون: تتحول الصحراء الغربية إلى كويت أخرى في المغرب العربي يفعل فيها الأمريكي ما يشاء. ماذا سيكون جوابنا لو فاجئونا وطلبوا منا أن نكون كويتا أخرى في المنطقة مقابل إن يتم تنظيم الاستفتاء؟
إذن، هل يمكن إن تتحول الدولة الثورية التي تحارب الرجعية والاستعمار، والتي لها تحالفات أصبحت تاريخية مع دولة ثورية أخرى(الجزائر) إلى كويت من أجل الاستقلال؟
إذا كان الجواب بالنفي – وهنا، احتمالا، تكمن سلبية الموقف الأمريكي- الآ يمكن أن تعود أمريكا لموقفها القديم وتبقى في صف المغرب؟
استراتيجيا، الصحراء الغربية، كدولة تنظر إلى المستقبل، لا يمكن أن تتصرف بمعزل عن تحالفها في التاريخي في المنطقة. أي أن مصيرها ومصير الجزائر -وحتى مصير موريتانيا- أصبح مرتبطا تاريخيا، وتخطئ أية دولة أو قوة تظن أنها يمكن أن تُحدث شرخا بين هاتين الدولتين. صحيح ممكن أن يكون العرض الأمريكي مغري ويسيل اللعاب، لو كان بدون مقابل، لكن المشكلة في المقابل.
أتصور – مجرد تصور- أنه إذا عُرض على الصحراويين أن يصبحوا كويتا أخرى في المنطقة مقابل استقلالهم وفصلهم عن تحالفهم التاريخي والاستراتيجي مع الجزائر سيرفضون رغم ألم ذلك. هو قرار قد يكون مؤلما، لكن تحمل مزيدا من الألم الآن هو أحسن من تحمل الألم في المستقبل.
4) متى سيكون الموقف الأمريكي الجديد إيجابيا؟
كل المعطيات في المنطقة، سواء التاريخية أو الجغرافية أو الاستراتيجية، تؤكد أن موقف أمريكي إيجابي من قضية الصحراء الغربية ومن المنطقة بصفة عامة سوف لن ينجح ما لم تنظر أمريكا إلى حقيقة أصبح الجميع يعرفها: أن هناك تحالفات أصبحت استراتيجية وتاريخية في المنطقة بين الجزائر والصحراء الغربية.
من البديهي أنه إذا أصبحت الصحراء الغربية كويتا أخرى في المنطقة متحالفة مع الأمريكان سيتم فسخ تحالفها مع الجزائر لإن هذه الأخيرة لن تسمح إن تبقى متحالفة مع دولة قرارها السياسي العام سيصبح خارج يدها.
إن أي تدخل أمريكي يريد أن يعطي للصحراء الغربية استقلالها مقابل فصلها عن حليفها الجزائر سيفشل لإن الصحراويين لن يقبلوا أن يكونوا كويتا أخرى في المنطقة مقابل فسخ تحالفهم الاستراتيجي مع الجزائر. ورغم أن الصحراويين والبوليساريو أحرار تماما في اتخاذ قراراتهم السياسية، ولا يوجد مَنْ يمنعهم إذا قالوا اليوم للجزائر نريد أن نربط علاقات متينة مع أمريكا مقابل تسهيل استقلالنا، ونفك معكم التحالف الاستراتيجي الذي كان بيننا، إلا أن الأخلاق والمصلحة الدائمة والاستراتيجيات المستقبلية والارتباط التاريخي سيمنعهم من فعل ذلك.
في التجربة الموريتانية مع الجزائر درس مشابه. في السبعينات كان الجميع يظن أن موريتانيا سوف لن تخرج عن حلف الجزائر لِمَا كان بين الدولتين من تبادل ودعم وحدود مفتوحة، لكن فجأة انقلب ولد داده على كل ذلك وفضل بناء تحالف مع المغرب. النتيجة أن المغرب تخلى عن موريتانيا لإن ذلك التحالف كان ظرفيا أملته بعض الأحداث، والآن قد يتصور الكثير من الموريتانيين أنه كان من الأفضل لموريتانيا لو قوَّت تحالفها مع الجزائر بدل فسخ التحالف في السبعينات.
التقارب الأمريكي مع الصحراويين، وحتى ينجح، يجب إن يكون تقاربا مع المنطقة بصفة عامة وخاصة مع الجزائر. في هذه الحالة يمكن أن تربح أمريكا أكثر مما تخسر. إذا تدخلت أمريكا تدخلا منطقيا في المنطقة، وفرضت على المغرب أن ينساق للشرعية الدولية دون أن تطلب من الصحراويين أن يكونوا كويتا اخرى في منطقة المغرب العربي، عندها ستربح من كل الدول مجتمعة: ستكون علاقاتها جيدة مع الجزائر، مع الصحراويين، مع الموريتانيين وبكل تأكيد سوف لن تخسر علاقاتها مع المغرب.. لكن كيف لن تخسر علاقاتها مع المغرب هي التي فرضت عليه أن يقبل بالشرعية الدولية؟ المغرب، نظرا لفقره الاقتصادي، لن يستطيع أن يبقى معزولا في المنطقة مستقبلا، وسيكون مفروضا عليه أن يتعامل مع محيطه الجغرافي وقبوله حتى بالشروط التي يحددها هذا المحيط. فإذا تواجدت أمريكا في المنطقة مستقبلا سيكون مفروضا على المغرب التعامل معها بدل التصادم معها.
إن مشروع القرار المذكور لم يكن منعزلا فقد سبقته بعض الإشارات ( الإصرار الأمريكي على إبقاء روس في منصبه، توجه أمريكي واضح نحو وضعية حقوق الإنسان في الصحراء الغربية)، وتبعته إشارات أخرى متلاحقة: تأجيل زيارة روس للمنطقة، ووصول وفد من الكونغرس الأمريكي للمخيمات، وطبعا، وهذا هو الأهم زيارة الرئيس الصحراوي الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية بدعوة من بعض أعضاء الكونغرس. كل هذه الأحداث المتسارعة قد ألهبت الشارع الصحراوي بالحديث عن الموقف الأمريكي الجديد وألهبت متتبعي القضية الصحراوية بالتحليل والحدس والتخمينات والتعاليق.
1) فجوة في التاريخ
بالعودة إلى المعلومات الشحيحة عن الموقف الأمريكي الرسمي من قضية الصحراء الغربية على مدى الصراع مع المغرب نجد أنه تميز بما يلي:
أمريكا هي التي هندست طريقة الغزو، وفرضت أتفاق مدريد على أسبانيا، وقام بالعملية القذرة، وبإتقان، السياسي الداهية الشهير ذو الأصل اليهودي كيسنجر. حسب نظرية كيسنجر تبقى القضية بين أيدي الأمم المتحدة، ويتم إصدار قرارات خالية من الفعالية على أن تعود الصحراء في الأخير للمغرب.
بعد تجسيد الغزو المغربي على الأرض، بدأت الولايات المتحدة الرسمية تتعامل مع القضية بطريقتين متوازيتين ومتناقضتين: فأمام العالم وأمام الرأي الأمريكي الداخلي أعلنت أنها حيادية في الصراع وتقف على مسافة واحدة من الطرفين، أما خلف الكواليس فلم تبخل أي جهد في دعم المغرب عسكريا وسياسيا.
ح) على مستوى استراتيجي كان الحل المفضل بالنسبة للولايات المتحدة هو أن تحل القضية نفسها بنفسها؛ بمعنى أن تبقى القضية هكذا دون حل حاسم، ودون أن تتدخل الولايات المتحدة حتى يسقط أحد الأطراف بالوقت وبعوامل التعرية الكثيرة، وطبعا، الطرف المعني بالسقوط هو الشعب الصحراوي المشتت والذي لا اقتصاد له.
2) هل الموقف الجديد هو تغيير حقيقي للاستراتيجية
يبدو أن مشروع القرار الماضي الذي سار في صالح البوليساريو قد أزعج الرباط، ورأت فيه الحليف الكبير يصد عنها وجهه إلى الغريم بسرعة غير متوقعة. إذا كان القرار قد جعل أجراس الإنذار تُضرب في الرباط، فهل يمكن أن نستقبله نحن بالزغاريد في الصحراء الغربية؟ كيف يمكن أن نقرأ الموقف الأمريكي الجديد؟ هل يمكن أن نعتبره تغيرا في الاستراتيجية الأمريكية لصالح القضية الوطنية الصحراوية أم هو مجرد جس نبض وإشارة أو فلاش؟
كفرضية، إذا اعتبرنا أو حَلِمنا – من حقنا أن نحلم- أن الولايات المتحدة غيرت استراتيجيتها بزاوية 180 درجة لصالح القضية الوطنية الصحراوية، فما هي أسباب تغيير هذه الاستراتيجية التي ظلت تصب حوالي سبعة وثلاثين سنة في مصلحة المغرب؟
السبب الأول – مجرد تحليل- هو أن الولايات المتحدة لم تعد تثق في المغرب الذي ظل يملأ أذنها على مدى هذه السنوات أن الصحراويين سيتشتتون ويعودون للمغرب. إن عدم الثقة تلك أدى إلى أن حل "أن تحل القضية نفسها بنفسها" الذي كانت الولايات المتحدة تبني عليه استراتيجيتها قد فقد مبرراته حسب الدراسات الأمريكية. لقد أخذ هذا الحل أكثر مما يستحق من الوقت والجهد ولم يأت بنتيجة، وبالتالي فإن الاستراتيجية يجب أن تتغير. فكل المؤشرات أصبحت تؤكد أن حل أن "تحل القضية نفسها بنفسها"( يسقط احد الأطراف طبيعيا( الطرف الصحراوي)) هو حل لم يعد واقعيا. إن صمود الصحراويين وظهورهم أنهم سيصمدون أكثر كان هو السبب الذي –ربما- جعل الأمريكان يبدئون الرغبة في تغيير الاستراتيجية ليس فقط أتجاه القضية الصحراوية وإنما اتجاه المنطقة ككل.
3) الموقف الأمريكي ومشكلة المقابل
وبين من يرى أن الموقف الأمريكي الجديد غامض وبين من يراه انتصارا لقضيتنا هناك مشكلة يجب أن نضعها في الحسبان: المقابل. ماذا يمكن أن يطلب الأمريكي مقابل دعمه لنا؟ نحن نعرف كلنا أن الأمريكي لا يهمه لا القانون ولا الحق إنما المصلحة والنفعية. المصلحة هي التي تحدد تغيير استراتيجية الأمريكي، وتحدد ابتسامته ومزاجه، وأية قضية لا يربح منها الأمريكي سيقف ضدها حتى لو كانت معها كل حزم أوراق القوانين التي توجد في الأمم المتحدة. هذا بديهية أمريكية يعرفها الجميع، ومن لا يؤمن بها هكذا يعيش في كوكب آخر. إذن، يجب أن لا نستحضر أن الولايات المتحدة ستقف معنا لإن عندنا الحق ومعنا القانون الدولي وصمدنا وضحِّينا ووو. هذا غير صحيح إطلاقا. الذي يجب أن نفكر فيه هو ماذا ستربح أمريكا مستقبلا من مساعدتنا الآن في فرض على المغرب أن يذهب إلى الاستفتاء؟ في الحقيقة أمريكا تستطيع أن تفرض على المغرب- إذا أرادت- أن يقبل بتنظيم الاستفتاء في شهرين، ولديها من وسائل الضغط ما لا تستطيع أكتاف المغرب تحمله.
إذن، إذا قبلنا بهذا الآ يمكن أن نقرأ ولو متأخرين أن ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية ( مشروع القرار وسحبه، المطالبة باحترام حقوق الإنسان) هو إشارات موجهة لنا فقط . فهل يمكن أن يعقل أن الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تسحب مشروع قرارها الماضي هكذا بهذه السهولة " بضغط" من المغرب؟ لو أرادت أمريكا أن تفرض قرارها ذلك كانت فرضته ولديها من المبررات والذرائعئة ما تستطيع أن تفرضه به وتفرض معه قرارات أخرى. إن عدم فرضه ذلك يمكن أن يجعلنا نستنتج أنه كان فقط إشارة أمريكية لنا تقول بلغة خفية: نستطيع أن نفرض على المغرب أن ينظم الاستفتاء، لكن ما هو المقابل؟
المشكلة في المقابل... لنتصور إن الأمريكان أرادوا الوقوف بجانبنا ضد المغرب كي يقبل بتنظيم الاستفتاء، ماذا سيطلبون كمقابل. هل سيطلبون منا أن نكون كويتا أخرى لهم في المغرب العربي؟ هذا هو أقصى ما سيطلبون: تتحول الصحراء الغربية إلى كويت أخرى في المغرب العربي يفعل فيها الأمريكي ما يشاء. ماذا سيكون جوابنا لو فاجئونا وطلبوا منا أن نكون كويتا أخرى في المنطقة مقابل إن يتم تنظيم الاستفتاء؟
إذن، هل يمكن إن تتحول الدولة الثورية التي تحارب الرجعية والاستعمار، والتي لها تحالفات أصبحت تاريخية مع دولة ثورية أخرى(الجزائر) إلى كويت من أجل الاستقلال؟
إذا كان الجواب بالنفي – وهنا، احتمالا، تكمن سلبية الموقف الأمريكي- الآ يمكن أن تعود أمريكا لموقفها القديم وتبقى في صف المغرب؟
استراتيجيا، الصحراء الغربية، كدولة تنظر إلى المستقبل، لا يمكن أن تتصرف بمعزل عن تحالفها في التاريخي في المنطقة. أي أن مصيرها ومصير الجزائر -وحتى مصير موريتانيا- أصبح مرتبطا تاريخيا، وتخطئ أية دولة أو قوة تظن أنها يمكن أن تُحدث شرخا بين هاتين الدولتين. صحيح ممكن أن يكون العرض الأمريكي مغري ويسيل اللعاب، لو كان بدون مقابل، لكن المشكلة في المقابل.
أتصور – مجرد تصور- أنه إذا عُرض على الصحراويين أن يصبحوا كويتا أخرى في المنطقة مقابل استقلالهم وفصلهم عن تحالفهم التاريخي والاستراتيجي مع الجزائر سيرفضون رغم ألم ذلك. هو قرار قد يكون مؤلما، لكن تحمل مزيدا من الألم الآن هو أحسن من تحمل الألم في المستقبل.
4) متى سيكون الموقف الأمريكي الجديد إيجابيا؟
كل المعطيات في المنطقة، سواء التاريخية أو الجغرافية أو الاستراتيجية، تؤكد أن موقف أمريكي إيجابي من قضية الصحراء الغربية ومن المنطقة بصفة عامة سوف لن ينجح ما لم تنظر أمريكا إلى حقيقة أصبح الجميع يعرفها: أن هناك تحالفات أصبحت استراتيجية وتاريخية في المنطقة بين الجزائر والصحراء الغربية.
من البديهي أنه إذا أصبحت الصحراء الغربية كويتا أخرى في المنطقة متحالفة مع الأمريكان سيتم فسخ تحالفها مع الجزائر لإن هذه الأخيرة لن تسمح إن تبقى متحالفة مع دولة قرارها السياسي العام سيصبح خارج يدها.
إن أي تدخل أمريكي يريد أن يعطي للصحراء الغربية استقلالها مقابل فصلها عن حليفها الجزائر سيفشل لإن الصحراويين لن يقبلوا أن يكونوا كويتا أخرى في المنطقة مقابل فسخ تحالفهم الاستراتيجي مع الجزائر. ورغم أن الصحراويين والبوليساريو أحرار تماما في اتخاذ قراراتهم السياسية، ولا يوجد مَنْ يمنعهم إذا قالوا اليوم للجزائر نريد أن نربط علاقات متينة مع أمريكا مقابل تسهيل استقلالنا، ونفك معكم التحالف الاستراتيجي الذي كان بيننا، إلا أن الأخلاق والمصلحة الدائمة والاستراتيجيات المستقبلية والارتباط التاريخي سيمنعهم من فعل ذلك.
في التجربة الموريتانية مع الجزائر درس مشابه. في السبعينات كان الجميع يظن أن موريتانيا سوف لن تخرج عن حلف الجزائر لِمَا كان بين الدولتين من تبادل ودعم وحدود مفتوحة، لكن فجأة انقلب ولد داده على كل ذلك وفضل بناء تحالف مع المغرب. النتيجة أن المغرب تخلى عن موريتانيا لإن ذلك التحالف كان ظرفيا أملته بعض الأحداث، والآن قد يتصور الكثير من الموريتانيين أنه كان من الأفضل لموريتانيا لو قوَّت تحالفها مع الجزائر بدل فسخ التحالف في السبعينات.
التقارب الأمريكي مع الصحراويين، وحتى ينجح، يجب إن يكون تقاربا مع المنطقة بصفة عامة وخاصة مع الجزائر. في هذه الحالة يمكن أن تربح أمريكا أكثر مما تخسر. إذا تدخلت أمريكا تدخلا منطقيا في المنطقة، وفرضت على المغرب أن ينساق للشرعية الدولية دون أن تطلب من الصحراويين أن يكونوا كويتا اخرى في منطقة المغرب العربي، عندها ستربح من كل الدول مجتمعة: ستكون علاقاتها جيدة مع الجزائر، مع الصحراويين، مع الموريتانيين وبكل تأكيد سوف لن تخسر علاقاتها مع المغرب.. لكن كيف لن تخسر علاقاتها مع المغرب هي التي فرضت عليه أن يقبل بالشرعية الدولية؟ المغرب، نظرا لفقره الاقتصادي، لن يستطيع أن يبقى معزولا في المنطقة مستقبلا، وسيكون مفروضا عليه أن يتعامل مع محيطه الجغرافي وقبوله حتى بالشروط التي يحددها هذا المحيط. فإذا تواجدت أمريكا في المنطقة مستقبلا سيكون مفروضا على المغرب التعامل معها بدل التصادم معها.
بقلم : السيد حمدي يحظيه