-->

ربورتاج: العيون عاصمة الصحراء الغربية.. حينما تمتزج قساوة الطبيعة مع قهر 'الحصار'!

عـبيـد أعـبيد - قبل دخولها ببضع أميال وأنت القادم من الشمال، تبدو "العيون"،
عاصمة وكبرى حواضر الصحراء الغربية، مدينة هادئة برياحها، وهائلة بعمرانها المترامي على ضفة وادي الساقية الحمراء، أما وبعد أن تخالط أهلها الصحراويون، حيث تجد الإصرار على حب الحياة والشعور بالكرامة والإحساس بعزة النفس الذي يبلغ حد الغرور المنتشي بالكبرياء.
أول ما يلفت انتباه الزائر مشهد الوحدات شبه العسكرية والأمنية المتنوعة المتمركزة في كل نقطة من مدينة العيون، حيث عشرات الشاحنات شبه العسكرية الضخمة وكذا سيارات "لاند غريزر" رباعية الدفع، ومئات من عناصر القوات الأمنية المختلفة، فرق خاصة بالزي المدني، عناصر الشرطة والقوات المساعدة، المتوجسة والمترقبة لأي انتفاضة محتملة للصحراويين أنصار الخط السياسي لجبهة البوليساريو .
على وقع يوم حار من أيام شهر رمضان والساعة تشير إلى العاشرة والنصف صباحا، في حي "معطى الله" بالعيون، حيث لا صوت يعلو هنا فوق صوت "الاستقلال" و "حق تقرير المصير للشعب الصحراوي"، ترابط تشكيلات ميدانية من القوات الأمنية المختلفة في هذا الحي الذي يلقبه أنصار "استقلال الصحراء الغربية" بـ"قلب الثورة والانتفاضة"، التي يتربى على مبادئها هنا المرء منذ نعومة الأظافر، فـ"السالك" اسم برعم صغير، كتبت على قميصه جملة إسبانية "الصحراء حرة"، لا يتردد في رفع شارة النصر الثورية بيده الصغيرة أمام عدسة تصوير "لكم. كوم" خلال زيارته الاستطلاعية بالعيون حول ما سمي حقوقيا بـ"الحصار الأمني والعسكري" بالمدينة .

قوات الـ"بلير" العسكرية !
تحدثت كثيرا مجموعة من التقارير الحقوقية الصحراوية المحلية والدولية، على وجود "حصار عسكري" مضروب على كل شوارع وأحياء مدينة العيون، بشكل زرع الرعب في صفوف مواطنين مدنيين بالمدينة، بل وحتى من يزور العيون لأول مرة، أول ما يلفت انتباهه هذا الحصور المكثف لاليات شبه عسكرية بمختلف تلويناتها في مختلف شوارع وازقة المدينة، وفي واقع الأمر وكما عاين "لكم. كوم" تتمركز في مدينة العيون أربعة وحدات شبه عسكرية مجهزة بعشرات من الجنود يطلق عليهم عسكريا بـالـ"بلير"، وشاحنات عسكرية ضخمة "كيزير"، وسيارات الدفع الرباعي "لاند غريزر" تحمل لوحات أرقام مرمزة بـ"ق س" (القوات المساعدة)، وترابط الوحدة العسكرية الأولى أمام محكمة الإستئناف على يمين شارع "السمارة"، والملقب عند أنصار جبهة البوليساريو بـ"شارع أكديم إزيك"، والوحدة الثانية، بالقرب من حي "معطى الله" بالقرب من الملعب البلدي، أما الثانية فتتمركز بحي "العودة" (أكبر الأحياء الشعبية بالمدينة)، أمام مؤسسة تعليمية خاصة، ووحدة عسكرية أخرى ترابط بالقرب من مقر "ولاية العيون- بوجدور – الساقية الحمراء". فضلا عن وحدة خامسة متمركزة محل مخيم "اكديم إزيك" بالمدخل الشرقي للعيون .
ووفقا لمعلومات استقاها الموقع من مصادر حقوقية في المدينة فإن عناصر شبه "عسكرية" خضعت لتدريبات طيلة شهور بمنطقة معزولة بالقرب من جماعة الدشيرة" التابعة لعمالة العيون، من أجل تشكيل قوة ردع أمنية جديدة موازية للقوات المساعدة، وعناصر الشرطة بنوعيها، الرسمية والمدنية، ويطلق على هذه القوات الجديدة مصطلح عسكري هو الـ"بلير"، آليات تنقلها عبارة عن شاحنات ضخمة وسيارات رباعية الدفع تشبه تلك التي يملكها الجيش على مستوى الحدود، تحمل رمز "ق س"، والتي يتم الاستعانة بها عندما يخرج الوضع عن سيطرة "القوات العمومية" وعناصر الشرطة . وهي القوات التي تم الإستعانة بها في أحداث تفكيك مخيم "أكديم إزيك" الدامية من الثكنات العسكرية المتواجدة بالعيون .
وحسب نفس المصادر فإن هذه العناصر شبه العسكرية تتلقى تداريب على عمليات فك الإعتصامات والتظاهرات المدنية. ليتم إلحاقها فيما بعد بقوات الـ"بلير" المتواجدة بالمدار الحضري بالعيون.
يقول الناشط الحقوقي، العربي مسعود، عن جمعية الـ"كوديسا" التي تترأسها أمنتو حيدار، إن "مدن الصحراء الغربية تحولت إلى مدن عسكرية بإمتياز"، قبل أن يؤكد بأن "القوات المسلحة الملكية" شاركت مرارا في "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ارتكبتها الدولة المغربية في حق الصحراويين المدنيين".
وعن قوات الـ"بلير" التابعة للجيش العسكري، تفاعل الناشط الحقوقي مع هذه النقطة بالقول: "أمام هذا التواجد العسكري قامت منظمات حقوقية بفضحه لدى نظيراتها الدولية، وهو ما جعل السلطات المغربية تسارع إلى تغيير لوحات أرقام السيارات والشاحنات التابعة للجيش إلى أرقام وإشارات تابعة للقوات المساعدة حتى لا يظل الحديث عن تواجد عسكري بالمنطقة يجعل من مختلف المنظمات الحقوقية والهيئات الصحافية الدولية تكتب عنه للرأي العام المحلي والدولي".
جمعيات حقوقية تحت "الحضر" الأمني
في الصحراء تحديدا، لا يمكن فصل النشاط الحقوقي عن النشاط السياسي المرتبط بالنزاع حول الصحراء بين المغرب والبوليساريو، فالغالبية العظمى من النشطاء الحقوقيين بالصحراء، بما فيهم المنضوين تحت لواء الهيئات الحقوقية المغربية، مؤيدون للخط السياسي لجبهة البوليساريو، أي "استقلال" الصحراء عن طريق "استفتاء حر" وفق مبدأ "حق تقرير المصير" .
ويوجد في الصحراء أكثر من إحدى عشرة جمعية صحراوية معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان تشتغل تحت "الحضر القانوني والأمني" للسلطات المغربية، بسبب تأييدها للخط السياسي لجبهة البوليساريو، لكن على الرغم من "الحضر الأمني والقانوني" وعدم الاعتراف بها، فقد استطاعت الاشتغال بفاعلية والتقرير عن "خروقات حقوق الإنسان في الصحراء" بطريقة منتظمة، وتكوين شبكة من العلاقات المحلية والدولية في زمن قياسي، استطاعت أن تحرج الرباط غير ما مرة أمام المنتظم الدولي.
الغالية أدجيمي، ناشطة حقوقية عن "الجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية" (كودابسو) أسرت لموقع "لكم. كوم" أن نشاط جمعيتهم الحقوقية على الرغم من أنه "محضور" من قبل المغرب بسبب تأييده لمبدأ "حق تقرير المصير للشعب الصحراوي"، فإنه يشتغل وفقا لقانون 1958 المغربي المنظم للحريات العامة وتأسيس الجمعيات، ليظل الإكراه الوحيد الموجود تردف الغالية : "عدم استطاعتنا تأطير المواطنين الصحراويين في إطار مؤسساتي بسبب الحضر المضروب على جمعيتنا وجمعيات حقوقية صحراوية مماثلة".
وفي الاتجاه ذاته يقول العربي مسعود، الناشط الحقوقي عن جمعية الـ"كوديسا" المحضورة هي الأخرى، بقوله: "مطالبنا الحقوقية تظل مشروعة وعادلة بخصوص ضرورة إعتراف الدولة المغربية بحقنا في التنظيم والتأسيس والعمل علنيا بدون قيود أو شروط، وبضرورة احترامها لما جاء في الفقرة 92 من تقرير الأمين العام للأمم المتحدة ( 220 / 2013 / S ) حول الصحراء الغربية الصادرفي 08 أبريل 2013".
وبخصوص شأن الوضعية الأمنية والقانونية للجمعيات الصحراوية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، فقد سبق أن أوصى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة المغرب في سبتمبر 2012 بضرورة تفعيل خمس توصيات تتعلق بحالة حقوق الإنسان بالصحراء، وكذا ثلاث توصيات تتعلق بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان بما في ذلك منح اعتماد رسمي لمنظمات حقوق الإنسان وتنفيذ تدابير مستقلة وذات مصداقية تكفل الاحترام الكامل لحقوق الإنسان، حرية تكوين الجمعيات، حرية التعبير وحماية حقوق الإنسان في ضوء الحالات المبلغ عنها التي تتضمن انتهاكات ارتكبتها قوات الأمن المغربية .
معطلون يدخلون على الخط
حالة ثانية من الحضر الأمني بالعيون، تضرب على الفئات المعطلة الصحراوية، فخلال إحدى ليالي شهر رمضان نضمت تنسيقية "الأطر العليا الصحراوية المعطلة" ندوة فكرية لا تخلو من رسائل سياسية مشفرة للسلطة القائمة، أختير لها كعنوان : "ثقافة الإحتجاج السلمي بالصحراء : تجربة مخيم أكديم إزيك نموذجا"، وهي الندوة التي جرت تحت حصار أمني مكثف، حضرها طيف من الفعاليات الحقوقية والسياسية والنقابية المؤيدة لملفهم المطلبي .
المعطلون الذين إفتتحوا ندوتهم بالتأكيد على فكرة كون "حق النضال السلمي بالصحراء يظل هو الخيار الإستراتيجي والأنسب في ظل الوضع المتأزم في الصحراء بفعل المقاربات الأمنية التي تنهجها الدولة المغربية"، لم تسمح لهم القوات الأمنية بالعيون للحظة واحدة بالخروج للشارع من أجل التظاهر والتعبير عن مطلبهم الاجتماعي كما يحصل مع تنسيقيات مشابهة في مدن أخرى مغربية يتظاهر المنتمون إليها منذ عدة سنوات بالعديد من شوارع وساحات المدن المغربية.
"محمد سالم"، 29 سنة، شاب صحراوي طموح، حاصل على شهادة الدراسات العليا في الإقتصاد، يتحدث بمرارة لـ"لكم. كوم" عن كيف أضحى عالة هو وإخوته الخمسة على أسرته، التي تعيش فقط على معاش والده الذي لا يتجلوز 2000 درهم فقط في الشهر :" أنا البكر في إخوتي وأجد نضالي من أجل الشغل مسألة حتمية تمليها الظروف الإجتماعية والمادية التي أمر منها، ولو في ظل الإحتقان والحصار الأمني الخانق على نضالنا السلمي"، ويضيف :" صمودنا يزداد يوما بعد آخر، حينما يكثر التكالب على مطلبنا الإجتماعي المشروع"، لكن متى يتحول المطلب الإجتماعي إلى سياسي ؟
الجواب جاهز دون تردد على لسان معطل آخر، إنه "لاراباس"، 26 عاما، حاصل على دبلوم الدراسات العليا في العلوم السياسية والقانون الدستوري، يقر بأن "تاريخ المطالب الإجتماعية والمعيشية عبر العالم، تتحول إلى سياسية متى كان الإحتقان والتجاهل والعنف".
الداخلية : "تكثيف الأمن" مطلب شعبي في العيون
لم يتمكن موقع "لكم. كوم" من لقاء المسؤول الأول عن وزارة الداخلية في العيون، وهو والي "جهة العيون- بوجدور- الساقية الحمراء" خليل الدخيل، بسبب طول المسطرة الإجرائية المعقدة والبطيئة، وذلك بغية معرفة الرأي الآخر والتحقق في مزاعم "الحصار الأمني والعسكري" المضروب على المدينة.
لكن حسب ما أفاد به مصدر مأذون له في مصالح وزارة الداخلية بالعيون، فإن "تكثيف الأمن بالمدينة هو مطلب لغالبية المواطنين في المدينة، من أجل ضمان سلامتهم ومصالحهم التجارية والمهنية، أما من يتحدث عن حصار أمني، فهي مجرد أقلية شادة من الانفصاليين الذين اختاروا العمل الحقوقي للغطاء على عملهم السياسي". حسب نفس المصدر المأذون .
وأضاف ذات المصدر بلغة حازمة، "إن أول ما يحثون عليه أعيان وشيوخ القبائل الصحراوية في اللقاءات الإقليمية والجهوية بالعيون، هو توفير الأمن قبل كل شيء"، مشيرا إلى أن الأمن مطلب حثيث للصحراويين عكس ما يتصور بعض الحقوقيين المحليين أو الدوليين. ومع ذلك - يردف- تتعرض قوات حفظ الأمن لهجوم بالحجارة من طرف بعض محتلي الشارع العام الذين يدفعون بالنساء والأطفال القاصرين للواجهة وللتظاهر بالاغماء بالشارع قصد تصويرهم لإغراض دعائية.
وجوابا عن سؤال استخدام قوات الجيش والعسكر داخل المدار الحضري بموازاة القوات الأمنية الأخرى، نفى المصدر نفيا قاطعا بأن يكون هذا الأمر صحيحا، معتبرا بأن كل القوات الأمنية هي عناصر تابعة للقوات العمومية التي تعمل بصفة قانونية في المجال الحضرب، ولا وجود عناصر من "القوات المسلحة الملكية"، حسب تأكيده.
"الإستقرار الإجتماعي" .. وكفى
الكلام حول "الوطنية" عند الصحراويين، حديث ذو شجون يتطلب تحديد المفاهيم بدقة على ما يبدو، فـ"الوطنية" هنا في الصحراء هي في واقع الأمر "وطنيتين متنافرتين"، الأولى "وطنية مغربية" تؤمن بأن المغرب هو الوطن الذي يجب الإخلاص له والتضحية من أجله، والثانية، هي "وطنية صحراوية" تؤمن يقام "الدولة الصحراية" المفترضة وتؤمن بأن "الصحراء الغربية" هي "وطن محتل" من طرف المغرب ووجب تحريره بأي ثمن، وأن جبهة البوليساريو هي الممثل الشرعي للشعب الصحراوي، لكن أصحاب هذا "الشعور الوطني" الموالي للبوليساريو، خاصة لدى فئة الشباب أضحى أصحابه يبحثون عن تحقيق ذاتهم في أولويات أخرى.
"الإستقرار الإجتماعي ..وكفى" هي الجملة التي علق بها "لغظف" خلال جلسة شاي، على ما بات هاجسا لدى الصحراويين اليوم، مؤكدا بأنه لم يعد أحد اليوم يحقق ذاته من خلال النضال السياسي والحقوقي بقدر ما أصبح اليوم "الإستقرار الإجتماعي والمادي" هو الرقم الصعب الذي يريد أن يحققه أي صحراوي في معادلة حياته.
كلام "لغظف" لم ينل تأييدا من زميله "محمد" الذي قاطعه، وحدد كل شيء على ضوء السياسة، بالقول : "إن إنعدام الإستقرار الإجتماعي لمعظم الشباب الصحراوي مرده سياسي بالدرجة الأولى، وبالتالي وجب تحقيقه عبر الوتر السياسي، فإن لم تمارس السياسة فستمارس عليك" !
زيارة العيون، كبرى حواضر الصحراء، طيلة ثلاثة أيام فقط، توجز جزء من الصورة التي تمتزج فيها قساوة الطبيعة وتقلبات المناخ بمظاهر الحصار، فضلا عن مأساوية الصراع الذي عمر لأكثر من 36 عاما، ومع ذلك فإن أغلب سكان المدينة مازالوا يصرون على حبهم للحياة.
المصدر : لكم كوم 

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *