-->

مكانة المرأة الصحراوية في التشريعات الوطنية...

الصحراء الغربية (وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة) ـ بقلم: الاستاذة عبيدة محمد بوزيد :
 قبل الخوض في القوانين والتشريعات الوطنية، تجدر الإشارة إلى إن المرأة الصحراوية لم تكن يوما حبيسة النظرة النمطية والسلبية التي تنحصر ضمنها معظم نساء المعمورة، إذ ظلت تحظى بمكانتها الريادية باعتبارها ركيزة أساسية لا غنى عنها في مجتمعنا البدوي، حيث كانت مقصدا للمشورة في جل القرارات المتعلقة بالسلم والحرب والتنظيم الداخلي للمجتمع المحلي في غياب الرجل، الذي غالبا ما يكون غائبا في (غزي، رواية، تـَبَوّاهَتْ أو التجارة... إلخ)، حتى أن المرأة كانت تتولى حماية (لفريك) والدفاع عنه.
إبان الفترة الاستعمارية، حاول الاستعمار الإسباني عزل المرأة الصحراوية و شل حركتها، لأن ذلك يعني شل جانب حيوي هام له تأثيراته على المقاومة الشعبية المتواصلة لشعبنا، فقد فهم الاستعماريون منذ البداية أن السر الكامن وراء تماسك هذا الشعب ووحدته وقوته الاجتماعية والعسكرية، هو التواجد الكامل للمرأة في كل قطاعات الحياة في الساقية الحمراء ووادي الذهب، والثقة التي تتمتع بها ومكانتها المرموقة، ورأيها المسموع كأي فرد بإمكانه العطاء لفائدة المجتمع.
ومع بزوغ المد التحرري وفي المؤتمر التأسيسي للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، عرف مناضلونا أن الثورة القوية والشاملة هي الثورة التي تساهم في صنعها ودفعها إلى الأمام كل الطاقات الشعبية في الوطن، رجالا ونساء شبابا وكهولا، فكانت المرأة محور نقاش واع، اتفق الجميع فيه على أن المرأة الصحراوية طاقة لا يُستهان بها، لذلك يجب إرجاعها إلى ساحة العمل والكفاح الذي يخوضه الشعب ضد الاستعمار. 
من هنا نتطرق إلى كل من الدستور والقانون الأساسي للجبهة، باعتبارهما أسمى تشريعين وطنيين يمكن أن نستشف من خلالهما المكانة الفعلية للمرأة الصحراوية.
1- المطلب الأول.. الدستور:
إذ يرد في ديباجة الدستور على أن: الشعب الصحراوي المسلم الإفريقي العربي الذي قرر الشروع في حربه التحريرية سنة 1973 بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمرة ووادي الذهب، بهدف تحرير الوطن من الاستعمار ومن الاحتلال وبذلك تحرير الإنسان من كل وسائل الاستغلال والقهر و الظلم، ودفاعا عن حريته وكرامته.
وبناء عليه ،فإن الشعب الصحراوي يعلن تمسكه بمبادئ العدل والديمقراطية الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ10/12/1948 وفي الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الصادر بتاريخ 28/06/1981 وفي الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية{1}.
ومنه تصميمه على بناء المؤسسات الديمقراطية التي تضمن الحريات والحقوق الأساسية للإنسان، من حريات سياسية واقتصادية واجتماعية، وكذا ضمان الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
إذن إن الدستور الصحراوي كسائر الدساتير العالمية يخصص مكانة لابأس بها إن لم نقل هامة للمرأة الصحراوية، مع أنه في جل الحالات لا يفرق بينها وبين الرجل، وهذا ما سنوضحه في نقطتي الحقوق والوجبات المترتبة على المواطن الصحراوي بشكل عام.
أ- الحقوق:
إن المتصفح للدستور الصحراوي يرى مما لا يدع مجالا للشك كل الحقوق التي يمكن أن يتمتع بها أي مواطن يعيش في ظل دولة مدنية ودون أي تمييز بين أفراد المجتمع (النساء والرجال)، وهذا ما تبينه المواد القانونية التالية (من الدستور الصحراوي):
ـ المادة (25): يتمتع كل مواطن صحراوي بالحقوق والحريات المعترف بها والمكفولة في الدستور دون أي تمييز قائم على العنصر أو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي.
ـ المادة (26): المواطنون جميعا متساوون أمام القانون في الحماية أو في العقاب.
ـ المادة (27): الحرية الشخصية مصانة ولا يمكن أن يمنع أحد من ممارسة حريته إلا وفقا للقانون.
ـ المادة (28): يمنع انتهاك حرمة الإنسان أو المس بعرضه أو شرفه أو ممارسة التعذيب عليه أو أي عنف بدني أو معنوي أو أي مساس بكرامته.
ـ المادة (29): يحق لكل مواطن الدفاع عن حقوقه أمام الجهات القضائية المختصة.
ـ المادة (30): حرية التعبير مضمونة و تمارس طبقا للقانون.
ـ المادة (33): لكل مواطن تتوفر فيه الشروط الحق في أن يَنتخب ويُنتخب.
ـ المادة (34): يحق لكل مواطن أن يتقدم للمناصب العمومية وفقا للقوانين التي يحددها القانون.
ـ المادة (35): الملكية الخاصة معترف بها وينظمها قانون.
ـ المادة (36): الحق في التعليم: تنظم الدولة إلزامية ومجانية التعليم والمنظومة التربوية عموما ضمن قوانين ولوائح تنظيمية.
ـ المادة (37): الرعاية الصحية والعلاج حق لكل مواطن: تتكفل الدولة بالوقاية من الأمراض والأوبئة ومكافحتها.
ـ المادة (38): العمل حق وواجب وشرف لكل مواطن.
ولم يهتم الدستور الصحراوي بعنصر المساواة بين الرجل والمرأة فقط بل تجاوز ذلك إلى إيلاء عناية خاصة للمرأة الصحراوية، حيث خصص لها مواد تعنى بها دون الرجل، وهذه المواد نسردها كالتالي:
ـ المادة (39): تحمي الدولة الأمومة والطفولة والعجزة والمسنين بإقامة المؤسسات التي تفي بهذا الغرض وسن القوانين المناسبة.
ـ المادة (41): تضمن الدولة لآباء وأمهات و أرامل الشهداء {...} بتصرف.
ـ المادة (42): تعمل الدولة على ترقية المرأة وضمان مشاركتها السياسية الاقتصادية والاجتماعية وغيرها في بناء المجتمع و تنمية البلاد.
ب- الواجبات:
بما أن الدولة (من خلال الدستور) تضمن لكل فرد من أفراد هذا المجتمع أن تكون عليه واجبات ملزمة التطبيق.
وبناء على نص المادة (25) من الدستور فإن أفراد المجتمع متساوون في الحقوق كما في الواجبات، و يتضح ذلك جليا في المواد التالية:
ـ المادة (47): يعد واجبا على كل شخص احترام الدستور وقوانين الجمهورية، لا يعذر أحد بجهل القانون.
ـ المادة (48): يعتبر واجبا إجباريا على كل مواطن:
- الدفاع عن الوطن والمساهمة في تحريره.
- الدفاع عن الوحدة الوطنية ونبذ أي ممارسة تدعو إلى علاقة انتماء غير الإنتماء إلى الوطن.
- يعاقب القانون وبكل صرامة على الخيانة، التجسس والولاء للعدو وعلى جميع الجرائم التي تمس بأمن الدولة.
هذا إضافة إلى المادة (50) التي تناولت وبعبارات صريحة واجب حماية الأسرة وإلزامية الآباء (الأب والأم) بتربية أبنائهم كما أن واجب الأبناء الإحسان إلى والديهم وطاعتهم وهو واجب ملزم.
إن الدستور الصحراوي أعطى المرأة الصحراوية كافة حقوقها بل تعدى ذلك وذكرها بصفة الخصوصية في بعض مواده للتأكيد على حقوقها وضمانا لها، وهذا كله لا يعد غريبا على المجتمع الصحراوي الذي أولى عناية هامة بالمرأة منذ القدم.
ومن المتعارف عليه أن المرأة الصحراوية هي أساس المجتمع الصحراوي، حيث تعتبر الركيزة الأساسية للخيمة الصحراوية ـ أي العائلة ـ قديما وحديثا.
2- المطلب الثاني: القانون الأساسي للجبهة:
إن القانون الأساسي للجبهة اعتمد مبدأ المساواة المعلن في المادة (03) من القانون والتي تتقاطع مع المادة (25) من الدستور الصحراوي، إلا أن القانون الأساسي والمادة (03) منه أكسبا المادة (25) من الدستور صفة الإلزامية، و يتضح ذلك جليا في:
ـ المادة (03): (... تسهر الجبهة على ضمان الاستفادة وبالتساوي من الخدمات الاجتماعية الأساسية والحفاظ على التماسك الاجتماعي من خلال دعم الأسرة كمحتوى أخلاقي ثقافي واجتماعي) - ب-
وتأتي المادة (05) من القانون الأساسي للجبهة دعما للمادة (03) منه وتأكيدا على المادتين (27) و(28) من الدستور.
ـ المادة (05): عدم المساس بثوابت وأهداف الثورة وكرامة المواطن وحرياته الأساسية.
أ- الحقوق:
كما أعلنا سلفا في قضية المساواة بين المرأة والرجل (أفراد المجتمع) التي سار وفقها القانون الأساسي للجبهة في مادتيه (03) و(05) فإنه كذلك بالنسبة للحقوق لم يفرق بين المرأة والرجل في إمكانية التمتع بهذه الحقوق أو جعلها أو بعض منها حكرا على أحد الجنسين، ومنه فإن المرأة لها ما للرجل من حقوق وفقا للقانون الأساسي للجبهة، والمادة (12) من القانون تبين ذلك:
ـ المادة (12): لكل مواطن في صفوف الجبهة الحق في ما يلي: (بتصرف)
- المطالبة بتطبيق مقررات مؤتمر الجبهة. 
- الإدلاء برأيه شفويا أو كتابيا.
- اتخاذ كل المواقف إزاء القضايا التي تناقشها هيئته.
تجدر الإشارة هنا إلى أن كلمة المناضل تعني الرجل والمرأة على حد السواء.
ب- الواجبات:
ليس هناك اختلاف من حيث المبدأ بين الحقوق والواجبات التي يخولها القانون الأساسي للجبهة لكل أفراد الشعب الصحراوي.
إذا كما للمرأة والرجل الصحراويين حقوق يتمتعان بها، فإن هذه الحقوق تترتب عنها جملة من الواجبات ملزمين بها، دون تفريق ظاهر على الأقل بالنسبة للقانون الأساسي للجبهة، والمادة (13) تبين ذلك.
ـ المادة (13): 
ـ الالتزام باحترام القانون الأساسي للجبهة ودستور الدولة وبتطبيق برنامج عملها وقرارات هيئاتها.
- الامتثال لمبادئ الجبهة المبينة في المادة (06) والتقيد بثوابتها الموضحة في المادة (07).
- الارتباط المستمر بالشعب بهدف إنجاز المهام النضالية بفعالية ووضع مصلحة الشعب والوطن فوق كل الاعتبارات.
- محاربة الظواهر السلبية من قبلية وجهوية وأي شكل من أشكال التمييز والرشوة والمحسوبية والتسلط واستغلال الممتلكات العامة أو السلطة لأغراض ذاتية باعتبارها جريمة في حق الشعب والوطن.
- التحلي بالحس الوطني ودعم روح الانسجام داخل صفوف الجبهة.
- السهر على حماية مكاسب الجبهة وتطويرها {...}-بتصرف-.
هناك نقطة ثالثة يمكن إضافتها كحق أو كواجب، وهذه النقطة هي الانخراط و فيه أيضا لم تكن هناك امتيازات تعنى بأحد الجنسين وبالتالي فهي كواجب أو حق ملك لجميع أفراد الشعب الذين تتوفر فيهم الشروط المبينة في المادة (10) من القانون الأساسي للجبهة.
إن الدولة الصحراوية، منذ نشأتها قامت بتكريس كافة الجهود المتاحة لتحقيق دولة القانون والمساواة الاجتماعية بين أفراد الشعب الصحراوي كافة دون أي تمييز، وضمانا منها لهذه المساواة وفي كل الميادين، أولت المرأة العناية اللازمة لتحقيق التكافؤ مع أخيها الرجل في جميع الميادين، وذلك يتضح جليا في قبولها المبدئي لكافة الاتفاقيات الدولية التي تنص على حقوق المرأة والمساواة بين المرأة والرجل الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي. (03)
بل وتعدت ذلك إلى اتخاذ إجراءات أكثر جرأة، وقد كان هذا مؤخرا حيث قامت بتطبيق نظام الكوتا (المحاصصة) حتى تحظى المرأة الصحراوية بالتمثيل على أعلى المستويات والهيئات الوطنية.
وقد كان القصد من وراء ذلك تمكين المرأة من الولوج للأمانة الوطنية باعتبارها أعلى هيئة في الدولة والجبهة، والبرلمان بصفته أعلى سلطة تشريعية، وهذا طبعا حتى لا تكون حكرا على الرجال فقط ـ هذا بعد أن عجزت المرأة عن تحقيق ذلك بنفسها-.
إن ما سردناه سلفا من مجهودات للدولة و تبنيها لمبدأ المساواة بين المرأة والرجل يتضح جليا ومن الوهلة الأولى للمتصفح للدستور الصحراوي والقانون الأساسي للجبهة، لكن موضوع البحث هنا يلزمنا بدراسة مكانة المرأة في التشريعات الوطنية.
وهذه المكانة مما لا يدع مجالا للشك؛ هي مكانة راقية حيث تتمتع المرأة الصحراوية بكافة الحقوق والواجبات مثلها مثل الرجل، والقانون الأساسي والدستور ينصان على ذلك، هذا إضافة إلى قانون العقوبات الذي لا يفرق بين المرأة والرجل في أي من مواده.
لكن ما لاحظناه جليا خلال بحثنا المعني بدراسة مكانة المرأة في التشريعات الوطنية هو الغياب لقانونين أساسيين هما: القانون المدني وقانون الأحوال الشخصية، وهذا الغياب سبب لنا عائقا كبيرا أمام التحديد الحقيقي للمكانة التي تتبوؤها المرأة الصحراوية في التشريعات الوطنية بشكل عام وفي الواقع الاجتماعي اليومي.
ومنه نخلص الى أن المكانة الحقيقية للمرأة في أي تشريع قانوني وطنيا كان أو دوليا- في أي دولة كانت- لا يمكن تحديدها بصورة دقيقة وبمعزل عن مكانة الرجل في أي تشريع دون التطرق إلى القانون المدني وقانون الأحوال الشخصية الذي يعنى بدراسة الأسرة ومشاكلها، ومنه يحدد للمرأة ما لها وما عليها من حقوق وواجبات - وبوضوح تام.

Contact Form

Name

Email *

Message *