اختطاف دوريتي”perdo” و ” domingo ” أكبر عملية ضد أسبانيا
الصحراء الغربية (وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة)
عملية للضغط على أسبانيا وعلى البعثة الأممية
كانت مدينة السمارة تغلي تلك الأيام الأخيرة من ابريل سنة 1975م. كان الفرع في المدينة يحضر لاستقبال البعثة الأممية، وكان يريد أن يقوم مناضلوه والمنخرطون بمظاهرات ضخمة وبعملية كبيرة استعراضية ضد أسبانيا تكون في حجم عملية حرق الحزام الناقل التي نفذها مناضلو فرع مدينة العيون. بدأ التفكير يتجه نحو عمل عسكري مهم يقوم به المناضلون المنخرطون في قوات تروبا نومادا Tropas Nómadas. كان أولئك الرجال، وأكثريتهم من الحركة الطليعية، قد قرروا إن يلتحقوا بالجبال للقتال، لكن، في نفس الوقت، يريدون أن يكون التحاقهم ذلك عبارة عن عملية كبيرة تدخل التاريخ. جاءت الفرصة في وقتها. عَلِمَ مناضلوا الفرع من أولئك الجنود أن دوريتين تحملان اسمين مشفرين هما Pedro و Domingo ستخرجان في وقت واحد من السمارة والمحبس على التوالي يوم 6 مايو في ذات الساعة وبنفس العدد من الجنود والسيارات والتجهيز، وأن دورية ثالثة لم يتوصلوا بمعرفة اسمها المشفر ستخرج من اجديرية. كل تفاصيل تحركات الدوريتين المذكورتين كانت موضوعة على الطاولة أمام فرع مدينة السمارة حين أجتمع يوم 1 مايو 1975م. التفكير في تنفيذ تلك العلمية كان مبادرة محضة للفرع المحلي لمدينة السمارة، وحتى دون علم قيادة البوليساريو العسكرية ولا السياسية ودون التنسيق معها. الذين اجتمعوا ذلك اليوم في دار باب ولد البلال برئاسة عضو المكتب السياسي بلاهي السيد، كانوا مدنيين وعسكريين. كان هناك سيدي لبصير، صاحب خزينة المال الشهير في الحركة الطليعية والذي أصبح أيضا هو مؤتمن الفرع المالي في السمارة بعد تأسيس البوليساريو. كان هناك أيضا البطل الشهيد محمد سالم برير، والناجم عيلة، حمودي البو، الشهيد سلامة المراكشي، ومجموعة أخرى من حوالي 13 شخصا. تم استعراض تفاصيل تحركات وتجهيز الدوريات الثلاثة: الدورية التي ستخرج من اجديرية لن تخرج بسبب شكوك راودت العسكريين الأسبان حول تحركات الصحراويين الذين سيخرجون فيها وعلى رأسهم عبد الحي سيد محمد القائد العسكري الميداني الذي كانت الحركة الطليعية قبل انتفاضة الزملة تريد تكليفه بمهمة تكوين الجيش. بالنسبة لدوريتي المحبس والسمارة كانت كل دورية تتكون من 7 سيارات ومن 8 عسكريين أسبان ومن حوالي 27 مجندا صحراويا. هؤلاء الصحرايون المجندون الذين سيخرجون في الدوريتين هم الذين سيتكلفون باختطاف الدوريتين. كان من ضمنهم منْ هو مناضل معروف وينتمي للجبهة، ومَنْ هو صحراوي، لكن لا أحد يعرف توجهه الايدولوجي ولا احد يعرف هل هو مناضل أم لا؟. ركزَّ الفرع السياسي تلك الليلة على الدورية التي ستخرج من السمارة على أن يتم التنسيق مع فرع المحبس ليتكلف بالدورية الثانية.
ولم يتم فقط التطرق إلى الأهمية العسكرية للجوستيكية لاختطاف الدوريتين، لكن تم استعراض الأهداف البعيدة المدى من اختطافهما . كانت هناك ثلاثة أهداف:
- يتم تبادل الجنود الأسبان الذين سيتم اختطافهم بالصحراويين المقاتلين الأسرى عند أسبانيا وعلى رأسهم محمد سيدي براهيم بصيري وجماعة حرق الحزام النقال للفوسفاط وجماعة عملية قلب لحمار، واسيران تم أسرهما في نوفمبر 1973م.
- أن يتم الضغط بالاسرى على أسبانيا فيقال لها إذا قتلت أي شخص في المظاهرات التي ستنظم بمناسبة مجئ البعثة فلا تنسي أن هناك جنود أسبان في قبضة البوليساريو.
- أن تكون الجبهة في موقع قوة في أية مفاوضات قادمة مع أسبانيا.
إذن، العملية لم تكن فقط من أجل الحصول على أسلحة وسيارات جديدة يحتاجهما الجيش، لكنها كانت لها أهداف سياسية واضحة وذكية وبعيدة المدى.
يجب أن لا تعود الدوريتان
تلك التفاصيل الدقيقة جعلت أفراد الفرع المجتمعين تلك الليلة يصلون إلى قرار نهائي وهو “أن لا تعود الدريتان إذا خرجتا. يجب الذهاب بهما إلى معسكرات البوليساريو.”
كان سيخرج مع الدورية خمس “كاوبات”(cabos) صحراويين على رأسهم محمد سالم برير، وإثنين معه هم أصلا مناضلين سريين في البوليساريو، وإثنين آخرين ليس أعضاء في الحركة. بالنسبة للأثنين الذين لا ينتميان للجبهة، تكلف سيدي لبصير بالاتصال بهما لإشعارهما بالعملية ومحاولة إقناعهما بالانضمام للجبهة وفي حالة رفضهما كان سيطلب منهما أن يبقيا في المدينة بحجة المرض أو بحجة أخرى. هؤلاء الإثنان هما محمد عبللة، واعلي سالم محمد أحمد. وحتى يتصل سيدي بالكابو الأول محمد عبللة الذي لا يعرفه كان عليه أن يبحث عن شخص ثقة حتى يجعله ذريعة كي يدخل إلى دار الرجل( الكابو) المعني الذي سيتم عرض الخطة عليه. وجد الشخص المناسب الذي هو صديق قديم له وعضو سري في الجبهة وحركة النضال، لكنه يسكن في العيون. تم الاتيان به في سيارة إلى السمارة لذات المهمة، وذهب مع سيدي لبصير إلى دار الكابو المذكور محمد عبللة. حين عرض عليه سيدي الأمر بدأ يلومه أنهم لم يتصلوا به من قبل كي يصبح مناضلا معهم، وفي الأخير وافق على المشاركة الإيجابية وطرح عليهم شرطا واحدا: ” إذا جاء العيد احملوا كبشا إلى عائلتي”. تكلف له سيدي بكل شيء ثم ذهب ليتصل بالرجل الثاني علي سالم محمد احمد. دعاه إلى زيارته في متجره وعرض عليه الفكرة فوافق هو الآخر دون تردد وطلب نفس طلب زميله السابق: يتم بعث كبش إلى عائلته للعيد. باستقطاب الكابوات الصحراويين الخمسة نجحت الخطة مسبقا بنسبة 50% أو أكثر.
بسرعة بدأ أولئك الرجال يعدون خطتهم التقنية. الدورية ستخرج يوم 6 مايو، ثلاثة أيام فقط قبل مجئ البعثة، ويجب أن يكون خطفها هو حديث الساعة غداة مجيء البعثة ثم تتم مطالبة أسبانيا بإطلاق سراح الاسرى الصحراويين لديها وعلى رأسهم بصيري.
تم تكليف محمد سالم برير بالكوماندوس الذي سيسيطر على الدورية التي ستخرج من السمارة والذي يتكون من المجندين أنفسهم أعضاء الدورية ويذهب بها إلى حيث لا ترجع أبدا. كانت الخطة تقتضي إن يتم التعامل مع الصحراويين المجندين الذين يعصون أو يحاولون المقاومة بتقييدهم فقط وعدم إذائهم. في نفس تلك الليلة تم جمع الحبال التي سيتم بواسطتها تقييد الذين قد يرفضون الأوامر. وحسب الخطة أيضا فإنه يجب استغلال وقت الاستراحة لتنفيذ عملية الخطف. فحين يبدأ الجنود والضباط الأسبان بتناول الأكل يبدأ المجندون الآخرون، أعضاء الكوماندوس، بلعب ” لعبة اراح” لإلهاء الجنود الآخرين ثم تتم السيطرة على كل الأسلحة وعلى الجنود الأسبان في وقت واحد وبسرعة، وتنتهي العملية في دقائق. قبل إن تخرج الدورية تم التأكد أيضا من هوية المجندين الصحراويين الذين سيذهبون فيها. كانوا حوالي 26 مجندا نصفهم تقريبا هم أعضاء سريين في البوليساريو. أصبحت الخطة أسهل. تم إشعار أولئك الجنود بالخطة سريا فوافقوا عليها دون تردد. بقى هناك شخص أخر كان يجب الاتصال به لكن لم يحدث ذلك. هذا الشخص هو بزيد بابا حمو. في الطريق أخبروه بالعملية فوافق هو الآخر عليها بحماس وكتم الأمر. حين يعود بزيد باب حمو بعد ذلك ويتم تسريحه سيتصل بأعضاء الفرع في السمارة ويسلمهم ماله وجماله ويطلب منهم إرسال كل ذلك الدعم إلى المقاتلين الصحراويين.
حين أصبحت الدورية في الصحراء حين لا يسمع ماعدا صوت الرياح توقفت لتناول الغذاء. تم تنفيذ الخطة كما تم التخطيط لها والسيطرة على الدورية بنجاح وبدون إن تطلق طلقة واحدة أو يتم تقييد أي من عناصرها ماعدا الجنود الاسبان. كان هناك شاب واحد فقط طلب ” شرع الله” فتركوه في المكان بعد أن رفض أن يذهب معهم. في اليوم الموالي وصلت تلك الدورية المخطوفة إلى منطقة وديات الطوطرات فنفذ مخزونها من المحروقات وتوقف. هنا أتصل بها عناصر من البوليساريو وذهبوا بها هي وغنيمتها الثمينة.
دورية Domingo
الدورية التي تحمل Domingo كاسم سري لها انطلقت من المحبس متأخرة بيوم عن الدورية التي تحمل Pedro كاسم سري لها والتي انطلقت من السمارة وتمت السيطرة عليها. كانت دورية المحبس تتكون من نفس عدد الجنود والسيارات التي تتكون منها الدورية الأخرى التي خرجت من السمارة: 7 سيارات و27 جنديا. كانت تلك الدورية بقيادة النقيب Fandido وينوب عنه السرخينتو Fuentes.
كانت اغلبية المجندين الصحراويين على علم بالعملية وخطتها المرسومة بدقة. كان القائد الذي تم تكليفه بكوماندوس المجندين هو البطل البشير سيدي حماد المجند في الجيش الأسباني. كانت مهمة الذين سيختطفون دورية المحبس أسهل لإن المجندين الصحراويون فيها كلهم أعضاء سريين من البوليساريو ما عدا ستة جنود.. بعد العصر توقفت الدورية للاستراحة فتمت السيطرة عليها بسرعة. رفعوا كلهم أيديهم في البداية بما في ذلك الأسبان، لكن حين كان الجميع يظن أن الدورية تمت السيطرة عليها دون إطلاق نار حاول الجندي Angel Moral وجنديين آخرين إطلاق النار من مسدساتهما على الثائرين. أطلقوا النار من مسدساتهما لكن أصيبوا بسرعة من طرف الثائرين. مات الجندي Angel Moral وجرح الآثنان جروحا غير خطيرة.
نتائج العملية
العملية هزت الرأي العام الأسباني. خلال يومين فقط تم أسر حوالي 14 جنديا وقتل واحد وجرح اثنين آخرين. في كناريا ومدريد خرج الأسبان إلى الشارع في مظاهرات تطالب الحكومة بكشف ما يجري في الصحراء وبإعادة الأسرى. لم تتأخر الحكومة في تلبية طلب الشارع. بدأت الاتصالات بالبوليساريو في الجزائر على شكل مفاوضات سرية بين وفد من الخارجية الأسبانية ووفد من البوليساريو يضم كل من إبراهيم حكيم وعمر منصور. استمرت المفاوضات وقتا أطول. كان مطلب البوليساريو يتركز حول نقطتين: الاعتراف بالبوليساريو وتسليمها السلطات بعد خروج أسبانيا وتبادل الأسرى. المفاوضات وصلت إلى اتفاق يقضي بأن يتم تتويجها بمفاوضات بين وزير خارجية أسبانيا وأمين عام جبهة البوليساريو الولي مصطفى السيد. تمت فعلا المفاوضات في الجزائر يوم 9 سبتمبر وبموجبها تم الاتفاق على تبادل إطلاق سراح الأسرى وتعهدت أسبانيا بمواصلة المفاوضات حول تفاهمات “تؤدي” إلى الاستقلال. تم عقد اجتماع واحد بين أسبانيا والجزائر والبوليساريو يوم 22 كتوبر1975م بالمحبس، لكنه كان متأخرا كثيرا لإن أسبانيا كانت قد باعت الصحراء للمغرب سريا.
لائحة بأسماء الجنود الأسبان الذين تم اختطافهم في الدوريتين:الضباط Oficiales (tenientes)
Juan Alvarez خوان الفاريث
Antonio Fandiño Navarro انطونيو فانديدو نافارو
José Sánchez Venega خوسي سانشيس بينيغا
Francisco Lorenzo Vásquez فرانسيسكو لورينثو فاسكيس
Otras graduaciones جنود
Antonio Moras Benito انطونيو موراس بينيتو
Otras graduaciones جنود
Antonio Moras Benito انطونيو موراس بينيتو
Jacinto Escalante Caldito خاثينتو يسكالنتي
Antonio Bausa Demain انطونيو باوصا دومين
Daniel Fuentes Garrote دانيال فوينتيس غارروتي
Vicente Blanco García بيثينتي بلانكو غارثيا
Pedro Mateos Medino بيدرو ماتيوس ميدينو
Mateo Heredia Pérez ماتيو هيريدا بيريث
José Manuel Collado Piñero خوسي مانويل كويادو بينيرو
José Sobrino Ríos خوسي صوبرينو ريوس
José Lara Romero خوسي لاارا روميرو
بالإضافة إلى الجندي القتيل مورال وجندي جريح تم شمولهما بالصفقة.
الذي ربما يكون فاجأ كل الذين تابعوا العملية هو أن أسبانيا رفضت أن تشمل بصيري أو جثته أو مصيره في الصفقة أو أن البوليساريو لم تتشدد اتجاه هذه النقطة. ومهما يكون من أمر فإن عملية اختطاف الدوريتين تعتبر أهم علمية قام بها المناضلون الصحراويون لإنها كادت تفرض على أسبانيا تعترف بالبوليساريو وتسلمها السلطة، ولو كان هناك تشدد من طرف مفاوضي البوليساريو ما كان مصير بصيري سيكون مجهولا مثلما هي عليه الحال اليوم.
المراجع: لقاء مع سيدي لبصير يوم 15 اوت 2014 ببومرداس.
- فرانسيكو فيار، مسلسل تقرير مصير الصحراء، بالنثيا 1982م.
بقلم:السيد حمدي يحظيه