-->

مسؤولية مجلس الأمن في قضية الصحراء الغربية

مقال نشر في المجلة الفصلية (المرصد القضائي الدولي/ International Judicial
Monitor) في باب تعليقات وتحاليل القانون الدولي، والمجلة تصدر عن أكاديمية القضاء الدولي في واشنطن.
23 فبراير 2015
بقلم: هانز كوريل، النائب السابق للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية والمستشار القانوني للأمم المتحدة.
ترجمة: حمادي البشير.
إستجابة لطلب مجلس الأمن الأممي، قدمت رأيا قانونيا إلى المجلس يتعلق بالصحراء الغربية في 29 يناير 2002. وقد قمت بذلك وفقا لصلاحياتي كمستشار قانوني للأمم المتحدة حينها. وهذا الرأي يخص (وفقا للقانون الدولي) شرعية أفعال السلطات المغربية التي تتضمن تقديم وتوقيع التراخيص للشركات الأجنبية للتنقيب عن الثروات المعدنية في الصحراء الغربية.
وكانت خلاصة رائي كالتالي: إذا كانت عمليات التنقيب ستستمر في تجاهل لمصالح وآمال شعب الصحراء الغربية فستكون خرقا لمبادئ القانون الدولي المتعلقة بالثروات المعدنية في الأقاليم غير المحكومة ذاتيا. 
لقد حدث كل ذلك منذ 13 سنة، وفي غضون ذلك كنت أتابع التطورات في الصحراء الغربية عن كثب، خاصة بسبب إتفاقية الشراكة والصيد البحري الموقعة بين الإتحاد الاوروبي والمغرب في 2007 والبنود التي تتضمنها تلك الإتفاقية، وفي نظري فهذا الإتفاق لا يتماشى مع القانون الدولي كلما إرتبط بالصحراء الغربية.

في مطلع ديسمبر 2014، دُعيت لإلقاء محاضرة في ورشة عمل دولية حول مقاربة الإتحاد الأوروبي في الصحراء الغربية، والتي نظمتها جامعة بولونيا في إطار رئاسة إيطاليا للإتحاد الأوروبي، وهذا جعلني أحصل مجددا على صورة أكثر وضوحا عن الوضع في المنطقة. وقد ركزت بشكل خاص على السؤال ما إذا كانت بعثة الأمم المتحدة للإستفتاء في الصحراء الغربية (MINURSO)، والأمين العام ومبعوثه الشخصي السفير كريستوفر روس، قد أحرزوا أي تقدم تجاه حل للوضعية في الصحراء الغربية. وفي هذا الإطار لاحظت التناقض الواضح بين القرار الأخير لمجلس الأمن حول الصحراء الغربية والموقف المعبر عنه في الخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس إلى الشعب المغربي في 6 نوفمبر 2014. وهذا جعلني حقيقة أُدرك أن الوضعية خطيرة جدا. 
في هذا القرار (S/RES/2152/29/4/2014) يدعو مجلس الأمن" الأطراف إلى مواصلة المفاوضات تحت رعاية الأمين العام بدون شروط مسبقة وبحسن نية...... قصد التوصل إلى حل سياسي دائم وعادل ومقبول لدى الطرفين، والذي سيفضي إلى تقرير مصير شعب الصحراء الغربية (وأُشدد هنا على ) في الإطار والمحتوى المُتضمن في مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة، ونشير إلى دور ومسؤوليات الطرفين في هذا الأمر". 
وفي كلمته قال الملك أن الشعب " يحتفل وبفخر بالذكرى 39 بالمسيرة الخضراء" [ توضيح من الناشر: "المسيرة الخضراء هي" حشد شعبي كبير نظمته الحكومة المغربية في نوفمبر 1975 لإرغام إسبانيا على تسليم الصحراء المقاطعة الإسبانية محل النزاع إلى المغرب"]، والمشكلة أن هذا الحدث قد يكون خرق للبند 49 من إتفاقية جنيف الرابعة، والتي تمنع أي سلطة إستعمارية من ترحيل أو تسفير جزء من سكانها المدنيين إلى الإقليم الذي تستعمره. والجزء التالي من الخطاب جدير بالتمعن:
إننا نقول: " لا لمحاولة تغيير طبيعة هذا النزاع الإقليمي وتقديمه بأنه مسألة تصفية إستعمار. إن المغرب في صحرائه ولم يكن يوما قوة إحتلال أو سلطة إدارية، في الواقع إنه يمارس سيادته على أرضه".

إنه من الواضح أن هذا الخطاب لا يتوافق مطلقا مع قرار مجلس الامن، ومتناقض بشكل واضح مع الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية سنة 1975 المتعلق بحالة الصحراء الغربية ( تقرير الصحراء الغربية، رأي إستشاري، I.C.J 1975,P.12 ) والذي توصلت فيه المحكمة إلى عدم وجود روابط قانونية ذات طبيعة من شأنها إعاقة تطبيق القرار 1514 (XV) في تصفية الإستعمار من الصحراء الغربية، وخاصة بند تقرير المصير من خلال التعبير الحر والصريح عن إرادة شعب الإقليم.

وهذا يضع في الواجهة السؤال: كيف يجب أن يتعامل مجلس الأمن مع الوضعية في الصحراء الغربية؟

في ما يتعلق بالثروات الطبيعية للصحراء الغربية فالمجلس ببساطة لا يمكنه السماح بإستمرار الوضعية الراهنة، والأمر الخطير في هذا السياق هو إتفاقية الصيد البحري بين الإتحاد الأوروبي والمغرب والتي لاتتضمن كلمة واحدة عن حقيقة أن "سلطة" المغرب في مياه الصحراء الغربية محدودة بالقوانين الدولية المتعلقة بتقرير المصير، ماعدا الكلمتين المبهمتين "السيادة والسلطة". وعلى العكس فالإتفاقية وبروتوكولاتها متخمة بكلمات مثل " مناطق الصيد البحري المغربية".

ومن وجهة نظر قانونية، فإن إتفاق من هذا النوع كان يجب أن يتضمن إشارة صريحة إلى مناطق الصيد البحري على سواحل الصحراء الغربية، محددة بالإحداثيات، والنظام الذي يصدر تراخيص الصيد البحري في هذه المناطق يجب أن يكون مفصول تماما عن النظام المطبق على مناطق الصيد البحري المغربية. وبالإضافة إلى ذلك فالعائدات الناتجة عن التراخيص في مناطق الصحراء الغربية يجب أن تُسلم ليس إلى الخزينة العامة المغربية أو ما يمثلها ولكن تُسلم إلى حساب منفصل يمكن مراقبته بشكل مستقل من طرف ممثلين عن شعب الصحراء الغربية ليكونوا واثقين من أن العائدات تستغل فقط وفقا لحاجات ومصالح شعبهم.

ومن هذه الخلفية، يجب على مجلس الأمن النظر في شرعية إتفاق الصيد البحري بين الإتحاد الأوروبي والمغرب، والطريقة الأنجع للحصول على جواب قطعي لهذه المسألة هي أنه على المجلس أن يطلب من محكمة العدل الدولية أن تقدم له رأيا إستشاريا حول الموضوع تماشيا مع البند 96 من ميثاق الأمم المتحدة. وفي حال لم يتمكن المجلس من الإجماع حول هذه النقطة فيمكن للجمعية العامة أن تتخذ المبادرة بشأنها.

وما قيل عن الصيد البحري ينطبق أيضا على بقية الثروات الطبيعية في الصحراء الغربية، مثل الفوسفات، النفط والغاز أو أي ثروات أخرى سوى كانت قابلة أو غير قابلة للتجديد. وبناءا على ذلك فعلى مجلس الأمن أن يتبنى قرارا يضع فيه شروطا واضحة لإستكشاف أو إستغلال الثروات الطبيعة في الصحراء الغربية تتماشى مع قرارات الجمعية العامة المتبناة تحت البند المعنون بـ:" تطبيق إعلان ضمان الإستقلال للشعوب والبلدان المستعمرة"، والقرارات الأخرى ذات الصلة المتعلقة بعمليات الإقتصاد الأجنبي وغيرها من المصالح التي تعيق تطبيق هذا الإعلان.

التطور الجديد بخصوص الثروات الطبيعية تمثل في عقد بين المغرب وشركتي كوسموس وقلينكور(Kosmos and Glencore) يتعلق بإستكشاف وإستغلال النفط في منطقة بوجدور على سواحل الصحراء الغربية، وأطلعت من خلال شبكة الانترنت أن الشركتين تتمسكان بأن هذا العقد يتماشى مع الرأي الإستشاري لسنة 2002، وهذا غير صحيح. فالتوقيع مسبقا على إتفاق يشير فيه المغرب إلى الصحراء الغربية أنها " الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية " يتناقض مع المسؤولية الإجتماعية للشركات وإحترامها وحمايتها للمبادئ.

وفي تقريره الأخير عن الوضع في الصحراء الغربية بتاريخ 10 أبريل 2014، لاحظ الأمين العام أنه وعلى ضوء وجود الصحراء الغربية ضمن لائحة الأقاليم غير المحكومة ذاتيا منذ 1963 فإن " جهود الأمم المتحدة متمثلة في عمل مبعوثي الشخصي، ممثلي الخاص والمينورسو ستبقى ذات أهمية بالغة حتى تتم التسوية النهائية للقضية"، وإذا لم يحرز تقدم قبل أبريل 2015 فالأمين العام يعتقد أن الوقت سيحين لأعضاء المجلس للإنخراط في إعادة نظر شاملة للإطار الذي يقدمه لعملية المفاوضات منذ أبريل 2007.

وعليه فالسؤال هو كيف سيتعامل المجلس مع القضية الاساسية وهي كيفية منح تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية، وهذه العملية تواصلت حتى الان لعقود من الزمن، ومن الجلي أن المفاوضات الحالية اصبحت بمثابة مسرحية منتهية. وكيفية القيام بذلك مسألة سياسية وببساطة يجب على المجلس التعامل معها. وفي ذات الوقت يجب أن يكون أي حل متماشيا مع القانون الدولي، وفي هذه الحالة على المجلس أن يُقدم على خيارات أكثر جوهرية من التي طبقها في الماضي، ومن بينها الخيارات الثلاث التالية.

أحد الخيارات أن يحول بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية (MINURSO) إلى قوة عمليات مشابهة للقوة الإدارية الإنتقالية للأمم المتحدة في تيمور الشرقية (UNTAET) والتي مُنحت المسؤولية الكاملة عن إدارة تيمور الشرقية وأُعطيت صلاحية تطبيق كل السلطات التشريعية والتنفيذية بما فيها الإدارة والقضاء.

الخيار الثاني هو إصدار الأمر لإسبانيا لإستكمال مسؤوليتها كقوة مديرة للإقليم في الصحراء الغربية، وهي مسؤولية تخلت عنها إسبانبا في فبراير 1976. ووفقا للبند 73 من ميثاق الأمم المتحدة فهذه المسؤولية، والتي تشمل ترقية التحكم الذاتي، توصف بـ: "الأمانة المقدسة"، وعلى وجه التحديد ومع حقيقة أن إسبانيا تخلت عن هذه "الأمانة المقدسة" فهذا الخيار وإن كان قانونيا فقد لا يكون منصوحا به. والمأزق المثير الإضافي بهذا الخصوص هو أن إسبانيا الآن عضو في مجلس الأمن.

المعضلة بشأن الخيارين السابقين هي أنهما يتطلبان تنظيم إستفتاء يمكن من خلاله للشعب الصحراوي التمتع بحقه في تقرير المصير، وهذا يعني أن عملية تحديد الهوية والتي كانت مشكلة دائمة على مر السنين ستبقى مشكلة معقدة واساسية.

وبالنظر إلى أن مسألة الصحراء الغربية إستمرت على أجندة الأمم المتحدة لأربعة عقود فالحل قد يكون خيارا ثالثا وأكثر جوهرية، وهو أن يعترف مجلس الأمن بالصحراء الغربية كدولة ذات سيادة. وهذا الخيار ايضا مقبول من وجهة النظر القانونية، ولايحرم شعب الصحراء الغربية من البحث عن حل مغاير لتقرير مصيره في المستقبل إن هو رغب في ذلك.
إلا أنه ومن ناحية أمنية فهذا الخيار قد تنجر عنه مشاكل عدة لابد من الإشارة إليها، أولا أنه يتطلب جهودا جبارة لدعم القدرة البنائية للتسيير الذاتي، وإلا فالخيار سيؤدي إلى خلق دولة فاشلة ستسبب العديد من المخاطر ليس أقلها ما يتعلق بالوضع الأمني في بعض البلدان المجاورة في المنطقة. والحل هنا قد يكون في أن يطبق المجلس قراره بأجل ربما بعد خمس سنوات، وأثناء ذلك يفوض المينورسو بصلاحيات مثل التي تمتعت بها بعثة الأمم المتحدة الإدارية الإنتقالية في تيمور الشرقية (UNTAET).

إنني بتقديم هذه المقترحات لابد أن أُشير إلى أنني أتصرف وفقا لصلاحيتي فقط وبحياد تام (أنظر التصريح اسفله)، ليس لي اية إتصالات باي من الطرفين في النزاع، وكما قلت في ندوة في بريتوريا 2008 حول شرعية إستكشاف وإستغلال الثروات الطبيعية في الصحراء الغربية، والتي نظمتها الخارجية الجنوب افريقية وجامعة بريتوريا، أنه ليس لدي اية مصلحة في هذه القضية سوى تطبيق القانون، وأنه على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تحترم البنود التي على أساسها أُنشئت المنظمة.

إن هذه المقترحات مبنية على تجربتي كقاض ومستشار قانوني لسنوات عديدة في بلدي (السويد) ولاحقا مستشار الأمم المتحدة للشؤون القانونية لمدة 10 سنوات، وهي ببساطة تتضمن تعبيرا عن موقفي إلى جانب القانون وهذا ما أفهمه.
إن من يعملون الآن في الأمم المتحدة مطالبين بتذكر المعايير التي وضعها الأمين العام السابق للأمم المتحدة ( داق هامرسكجولد Dag Hammerskjold) في كلمته الشهيرة في أوكسفورد 1961 اين حلل واجبات الموظف المدني الدولي، وفي الواقع كان قد عرج على المعايير التي يجب على القضاة تطبيقها ثم واصل: 
إذا كان الموظف المدني الدولي يعرف بأنه متحرر من التأثير النفسي في افعاله وموجه فقط بالأهداف المتعارف عليها والقوانين التي يجب تطبيقها، وبالمنظمة التي يخدمها والمبادئ الشرعية المعترف بها، حينها يكون قد أدى واجبه، وحينها يمكنه مواجهة النقد، والذي لايمكن تفاديه رغم كل ما سبق.

وكما قلت، قبل أن أختم، فالقضية قضية نزاهة، وإذا كانت النزاهة بمعنى إحترام القانون وإحترام الحقيقة ستدفعه إلى موقف صراع مع هذه المصلحة أو تلك، إذا فهذا الصراع هو علامة على حياده وليس على فشله في مراقبة الحياد ـ إذن فهو على المسار وليس في صراع مع واجباته كموظف مدني دولي.
إن السبب وراء إثارتي لمسألة الصحراء الغربية الآن هو أنها قضية قد يواجه فيها مجلس الأمن خطر الفشل في إستكمال مهمته، فوفقا لميثاق الأمم المتحدة فالمجلس يمتلك واجبا شرعيا في التصرف في حالات مثل هذه الحالة، وهذا الواجب ينبع من البند 24 ـ الجزء الذي يمكن للمجلس من خلاله الإضطلاع بالمسؤولية الاولية في الحفاظ على السلم والأمن العالميين.
سُجلت في الماضي فشالات خطيرة في هذا الشأن بما فيها حالات كان فيها أعضاء دائمين في المجلس قد خرقوا ميثاق الأمم المتحدة، وآخر مثال على ذلك هو أوكرانيا، وببساطة يجب وضع نهاية للفشل في إحترام والدفاع عن تطبيق القانون على المستوى العالمي. يجب تأييد وتقوية سلطة الأمم المتحدة وعلى مجلس الأمن أن يكون في المقدمة. وعليه فمن الواجب على المجلس عندما يتعامل مع قضية الصحراء الغربية الآن أن يتصرف بسلطة وتصميم وعزيمة وإهتمام تماشيا مع القانون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرابط للإطلاع على الموضوع باللغة الأصل:
http://www.judicialmonitor.org/current/index.html

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *