-->

الصحراء الغربية، آخر مستعمرة إفريقية: نزاع من اجل الاستقلال

لين واشنطن
تعرض الشيخ المحجوب للضرب والتعذيب والاعتقال مرارا بسبب مساندته لاستقلال الصحراء الغربية، وطنه الموجود على الساحل الشمالي الغربي لإفريقيا.
وسجانوه، كما يقول، هم السلطات المغربية، الدولة الافريقية التي استعمرت الصحراء الغربية بطريقة غير شرعية منذ 1975.
" أثناء إحدى فتراتالسجن دامت لعامين، كنت معصب العينين ومكبل اليدين في أغلب الأحيان،" يقول المحجوب، البالغ من العمر 49 عاما، وهو ناشط حقوقي يناضل من اجل حقوق الصحراويين، السكان الاصليين للصحراء الغربية.
"كانت الكوابيس تنتابني،" يضيف "أحيانا في الليل وأحيانا عندما أكون مستيقظا."
وقد أدت ادعاءات انتهاك حقوق الانسان المرتكبة ضد المحجوب وصحراويين آخرين- الانتهاكات الموثقة بشكل جيد في تقارير كتابة الدولة الامريكية للخارجية منذ 2007- إلى تباين في وجهات نظر ثلاثة من أعضاء الكونغرس الأمريكي من منطقة فيلاديلفيا بخصوص النزاع الدائر بين المغرب والصحراويين.
فبينما يدعمالنائبان بوب برادلي وتشاكا فتاح، وكلاهما ديمقراطيان ليبراليان، استعمار الملكية المغربية المحافظة للصحراء الغربية، يدعم النائب جوزيف بيتس، الديمقراطي من ضواحي فيلاديلفيا، صلاحية تنظيم استفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة في الصحراء الغربية.
والاستفتاء الذي تنكر له المغرب منذ أمرت به الأمم المتحدة في 1975، سوف يسمح للصحراويين بأن يقرروا إما أن يظلوا تحت السيطرة المغربية أو أن يصبحوا بلدا مستقلا.
وبرادلي وفتاح وبيتس كلهم يستشهدون بوضع المغرب، كأقدم حليف للولايات المتحدة، للدفاع عن مواقفهم.
وقال فتاح أنه لم يسمع أبدا بانتهاكات حقوق الانسان من طرف المغرب في الصحراء الغربية، في حين لم يرد برادلي على الاتصالات الهاتفية للحصول على تعليقه.
أما بيتس فقد قال أن صحبة المغرب الطويلة الأمد للولايات المتحدة "هي تماما سبب حاجتنا إلى أن نذكرهم باحترام حقوق الإنسان، خصوصا في الصحراء الغربية."
فأعضاء الكونغرس الذين يدعمون المغرب لا "يفهمون الوضع،" يقول بيتس، الرئيس المشارك لمجموعة أنصار الصحراء الغربية في الكونغرس، و"محنة الشعب الصحراوي ليست موضوعا أولويا" في الولايات المتحدة.
الصحراء الغربية الغنية بالثروات، والتي غالبا ما يشار لها بآخر مستعمرة في إفريقيا، هي بلد صحراوي يبلغ عدد سكانه حوالي 500000، يحده من الشمال المغرب وموريتانيا من الجنوب والجزائر من الشرق.
الصحراء الغربية، التي كانت في يوم من الأيام إقليما مستقلا، وقعت تحت سيطرة إسبانيا في 1884، مما تسبب في سلسلة من الانتفاضات من طرف الصحراويين انتهت بانسحاب إسبانيا في 1975.
في تلك السنة قام المغرب بغزو الصحراء الغربية، بالرغم من مطالبة الأمم المتحدة بإجراء الاستفتاء، فدخل في حرب استمرت 16 عاما مع الصحراويين،وانتهى النزاع بوقف لإطلاق النار في 1991 توصلت إليه الأمم المتحدة التي دعت مرة أخرى إلى تنظيم استفتاء وهو ما لم يسمح به المغرب أبدا.
وفي تلك الاثناء، أغرق المغرب الصحراء الغربية بالمستوطنين وبنى جدارا طوله 1677ميلا، يطوق المناطق التي يحتلها من الصحراء الغربية، بما فيها منجمي الفوسفات والحديد المزدهرين، ومصايد الأسماك الساحلية والمدن الكبرى. والمغرب الآن يسيطر على 85% من الصحراء الغربية.
الصحراويون الذين بقوا هناك يقولون أنهم يعانون من التمييز في التعليم والتوظيف بما في ذلك العقوبات الهمجية لمن يخرق القانون المغربي الذي يحرمالكلام عن الاستقلال للصحراء الغربية.
وقد انتقد تقرير لكتابة الدولة الأمريكية للخارجية صادر في فبراير 2014، أربعة أشهر بعد آخر إفراج عن المحجوب من السجن، همجية المغرب، بما فيها استعماله "للاعتقال العشوائي والمطول لإخماد المعارضة" في صفوف الصحراويين. وهذا الانتقاد يجسد المحنة التي عاشتها المعلومة عبد الحي في الصحراء الغربية.
فقد قامت السلطات المغربية باعتقال أم المعلومة وأبيها، الذي توفي في السجن، بسبب مشاركتهما في أنشطة مساندة لاستقلال الصحراء الغربية. بعدها تم توقيف إخوة المعلومة الخمسة، ثم اعتقلت هي وجدتها لأسباب غير واضحة.
"لقد عشت مع جدتي بعدما اعتقل باقي أفراد عائلتي وأدخلوا السجن. بعد ذلك، أدخلنا أنا وجدتي السجن،" تقول المعلومة، البالغة من العمر 25 سنة، مؤخرا في مقابلة أثناء ندوة حول الصحراء الغربية في الجزائر العاصمة. "وتوفيت جدتي بعد أسبوع من خروجنا من السجن."
وسجن المحجوب لأول مرة عندما كان عمره 15. وأخوه الأكبر، الذي وقع هو كذلك في شرك المصيدة التي تستهدف الصحراويين المشتبه في مساندتهم للاستقلال، اختفى منذ ذلك الحين.
ويعيش مئات الآلاف من الصحراويين الذين شردتهم الحرب أو الاحتلال المغربي في البلدان المجاورة وفي خمس مخميات للاجئين مترامية الاطرافقرب تيندوف، وهي مدينة في الجنوب الغربي الجزائري.
"نحن مجهولون بالنسبة للعالم،" يقول محمد سالم، البالغ من العمر 29 سنة، والذي ولد وعاش في أحد مخيمات اللاجئين. "إننا ننتظر منذ 20 سنة لكي يحدث تغيير."
ويرفض ممثلوا الحكومة المغربية في الولايات المتحدة بشدة الاتهامات بارتكاب انتهاكات، مؤكدين أن الصحراويين يتمتعون بكامل الحقوق والضمانات الممنوحة لكافة المواطنين المغاربة من طرف الملك.
والمغرب يعتبر الصحراء الغربية "أقاليمه الجنوبية " القديمة– وهو ادعاء بالسيادة ظهر لأول مرة في نهاية الخمسينيات والذي رفضته الهيئات القضائية والحكومات عبر العالم بمن فيها الولايات المتحدة.
وقد جاء في حكم لمحكمة العدل الدولية صادر في 1975، بطلب من المغرب، أن "المعلومات المتوفرة لدى المحكمة لا تدعم ادعاء المغرب" بالسيطرة في الماضي على الصحراء الغربية.
ومع ذلك، قال ملك المغرب محمد السادس ، أثناء خطاب له في شهر نوفمبر – الذي يوافق الذكرى ال39 لضم المغرب للصحراء الغربية –أن بلاده ستواصل سيطرتها "إلى نهاية الزمن."
وقال محمد عبد العزيز، رئيس حكومة الصحراء الغربية في المنفى، أن الولايات المتحدة وفرنسا(أقوى مساندي المغرب)تبديان "معايير مزدوجة" تجاه الامتثال للقانون الدولي عندما يتعلق الامر بالمغرب.
" في كثير من الأماكن في العالم تذهب [الولايات المتحدة وفرنسا] إلى حد القنبلة والعقوبات الاقتصادية لفرض القانون الدولي. على الولايات المتحدة أن تأمر المغرب باحترام الحدود الدولية،" يقول عبد العزيز في مقابلة مؤخرا في مقره قرب تندوف. "هذا الموضوع يتعلق بالعدالة الأساسية،" يضيف.
تستنشق عدالة حمادي رائحة البحر وتغمرها ذكريات قوية كلما فكرت في العيون، المدينة من الصحراء الغربية التي ترعرت فيها.
فهي تتذكر كل شيء؛ من الألعاب التي كانت تلعبها وهي طفلة إلى أوجه الأصدقاء مجهولي المصير، فتحن إلى العودة. لكن تلك الأيام مضت منذ زمن بعيد.
واليوم تسكن عدالة في بيت متكون من خمس غرف، ليست فيه أنابيب للماء، في مخيم للاجئين في صحراء جنوب شرق الجزائر الجرداء، التي تبلغ فيها درجة الحرارة صيفا 130 وتنزل في ليالي الشتاء إلى 40 درجة.
"نحن في هذا المكان الذي لا يمكن حتى للطيور أن تعيش فيه،" تقول عدالة، البالغة من العمر 57 سنة، وهي تتكلم بالعربية عن مخيم اللاجئين الذي يبعد 300 ميل عن مدينتها الأم.
فقد هربت عدالة وزوجها وأمها وثلاث أخوات من العيون في 1975 عندما اجتاح الجنود المغاربة المدينة، ونجوا من هجمات متكررة للطيران المغربي من خلال التسلل عبرالصحراء، تحت جنح الظلام، لتجنب الكشف، إلى أن وصلوا إلى الأمان في الجزائر.
وعلى مر أربعين عاما من العيش في النسيان، تمكنت عدالة من تربيةأربعة أطفال في مخيم اللاجئين، الذي عملت فيه يوما كحارسة مسلحة أثناء الحرب مع المغرب، وفيه فقدت زوجها الذي انفجر به لغم أرضي وهو في طريقه إلى المخيم عائدا من رحلة إلى الصحراء الغربية في 1995.
ورغم امتنانها لكرم الجزائر، إلا أن عدالة تفضل الحرية في وطنها على وضعها "كضيف" في بلاد أخرى.
"في وطننا، نشعر بالراحة النفسية،" تقول عدالة وتضيف "هنا، الأمر أشبه بأن قلبي مثقل. لا راحة هنا."
بعدما "شربت لبن الكفاح،" فإن عدالة تقول أنها مستعدة لتقاقل المغرب من اجل استقلال وطنها.
"إنها أرضنا وليست أرضهم،" تقول. "سنقاتل من اجل أرضنا حتى ولو انتهينا عن آخرنا."
لين واشنطن، أستاذ الصحافة في مدرسة الصحافة والمواصلات في جامعة تيمبل. وكان من بين الصحفيين التسعة الذين اختيروا للسفر إلى الجزائر في شهر ديسمبر في بهمة استقصاء الحقائق لدراسة نزاع الصحراء الغربية. وقد تم التنسيق للرحلة من طرف معهد Black World 21st Century، وهومعهد دراسات يوجد مقره في بالتيمور.

Contact Form

Name

Email *

Message *