-->

الصحراء الغربية وصراع الاستراتيجيات

ما حدث مؤخرا من خيبة أمل في هذه الفزاعة التي كنا نسميها الأمم المتحدة، والتي كان
الذين لا معلومات لديهم منا يتصورون أنها يمكن أن تمكننا من تقرير مصيرنا، يجعلنا نتصور انه لو فهمنا معطيات وحقائق الصراع منذ البداية، ما كانت حدثت لنا هذه الخيبة المعنوية، وكنا وضعنا لها مخفف الصدمات المناسب .. من جهة أخرى، تجعلنا خيبة الأمل هذه نصرُّ أنه على شعبنا أن يفهم كل ما يحيق بقضيته وبأرضه عموما.. المعرفة العميقة تم تغييبها بشكل عام من الساحة، واستبدالها بمعرفة سطحية تحاول أن تقفز على الحقائق وترسخ في الاذهان حقائق مبتورة تبدأ من نقطة معينة وتنتهي عند أخرى فقط..
فمثلا صراع الاستراتيجيات في المنطقة، وفي العالم حول الصحراء الغربية لم يتم تناوله إطلاقا تناولا عميقا عموديا، ولم يتم التعمق فيه، وبقينا نحاول ان نقفز دائما عليه ونتجاوزه معتقدين انه هو الحاجز السهل حتى وصلنا إلى المرحلة التي أصبحنا مضطرين فيها إلى تناوله بكل ما في ذلك من حقائق كانت غائبة عن التناول الفكري والسياسي..
معلومات شبكة قوقل 
معلومات شبكة خرائط قوقل عن المسافات تظهر أن الصحراء الغربية تقع، جغرافياً، في منتصف المسافة بين روسيا( الاتحاد السوفياتي سابقا) والولايات المتحدة الأمريكية. نأخذ مدينة العيون، عاصمة الصحراء الغربية نموذجا، ونحسب البُعد بالالاف( حين نستعمل قوقل في الحساب بالالاف يستبعد المئات): تبعد العيون عن موسكو ب5000 كلم وتبعد عن واشنطن ب 5000كلم.. 
هذه المعطاة الجغرافية التقطها كيسنجر سنة 1975م، وقال أنه يجب أن لا يسبقنا الاتحاد السوفاتي لنقطة المنتصف تلك"...
في منطقة المغرب العربي نجد ان المسافة بين العيون، عاصمة الصحراء، وأقرب مدن لها من مدن الدول المجاروة متساوية. المسافة بين العيون والزويرات- لم نأخذ بئر ام قرين لإنها ليست مدينة إنما قرية-، أقرب مدينة موريتاينة للصحراء الغربية 500 كلم؛ المسافة بين العيون وتندوف هي أيضا 500لكم؛ المسافة بين العيون ومدينة كليميم هي 458 كلم - لم نأخذ في الحسبان طانطان ولا طرفاية لإنهما مدن صحراوية محتلة.. 
المسافة بين الرباط، عاصمة المغرب، والعيون عاصمة الصحراء هي 1000 كلم؛ المسافة بين نواقشوط، عاصمة موريتانيا، والعيون عاصمة الصحراء الغربية هي 1000م.
ملاحظة: هامش الدقة في هذه المسافات يزيد أو ينقص بعدة كليمترات لا تصل إلى ال50 كلم.
إذن، هذا يجعلنا نتأكد أن الصحراء الغربية تقع في نقطة استراتيجية جغرافيا، وانها نقطة منتصف مهمة سواء بالنسبة لدول الجوار بالنسبة للول الكبرى.
1- الاستراتيجية المغربية
الاستراتيجية المغربية بدأت منذ سنة 1956م، مباشرة بعد استقلال المغرب، وكانت مبنية على التوسع: ضم موريتانيا، الصحراء الغربية، جزء كبير من صحراء الجزائر المحاذي جغرافيا للصحراء الغربية.. تحقيق هذه الاسراتيجية غير المقبولة أصطدم بعراقيل كثيرة، ووقعت هناك أخطأ فادحة في تحقيقها على الأرض. فمحاولة خداع الصحراويين سنة 1957م بتكوين جيش التحرير لمحاربة الاستعمار كانت أول ضربة مؤلمة لتك الاستراتيجية.. فتكوين جيش التحرير ذلك كان المغرب يروم من ورائه عرقلة استقلال موريتانيا: يحارب بالصحراويين ضد الفرنسيين في موريتانيا وضد أسبانيا في الصحراء، وفي حالة طرد الاستعمار يستولي المغرب على كل تلك الأراضي.. العرقلة الثانية التي تعرضت لها الأجندة المغربية كانت هي إصرار فرنسا على منح موريتانيا الاستقلال ليسهل عليه استقلال خيراتها في وقت لازالت فيه موريتانيا متخلفة تقنيا..
العرقلة الأخرى هي أن الصحراويين أظهروا صلابة في عدم التقرب من المغرب أو فتح اي أتصال معه، وفضلوا عنه أسبانيا..
العرقلة الثالثة التي هزت الأجندة المغربية هي أن الأمم المتحدة سجلت الصحراء الغربية في قائمة الدول غير المستقلة.. 
الخطأ المغربي:
حين أكتشف المغرب أنه لن يحصل لا على موريتانيا ولا على الصحراء الغربية، وأن هذه الأخيرة تم تسجيلها في الأمم المتحدة، راح يفكر في القوة. التفكير في القوة كان هو الخطأ الذي سيهزم تلك الاستراتيجية لاحقا.. انتهت تلك الأستراتيجية بالاحتلال والقوة وبالعصيان ضد المجتمع الدولي وبالحرب وبمعاداة الصحراويين إلى الأبد. 
لنتصور أن المغرب، حين فشلت أستراتيجية الاحتلال بالسياسة، لجأ إلى الدفاع عن الصحراويين، والدفاع عن تقرير مصيرهم، والدفاع عن إقامة دولة لهم وأحتضانهم وأحتضن ثورتهم ضد أسبانيا وحتى شارك بنشاط في بناء دولتهم.. ألم يكن ذلك أفضل له من أن يحاول أن يحتل أرضهم بالقوة ضد إرادتهم، وضد المجتمع الدولي...؟ ألم يكن باستطاعة المغرب، لو ساعد الصحراويين في تحقيق استقلالهم، الحصول على الصحراء الغربية بطريقة أخرى لبقة هي التبعية: الأحتواء التدريجي والسيطرة الاقتصادية والتجارية والغزو بالعمال والبشر والمخدارات، .. نحن هنا نتحدث عن سنة 1974م، وهي سنة كان فيها الصحراويون قلة ومتخلفين تقنيا وأقتصاديا ووعيهم محدود.. إذن، أخطأ المغرب، وهو الآن يتخبط في نتائج ذلك الخطأ الذي وقع فيه منذ سنة 1975م: لا دولة واحدة تعترف له بالسيادة على الصحراء الغربية؛ الأمم المتحدة تضعه في قائمة الدول العاصية؛ المغاربة أنفسهم غير متأكدين أن المغرب سيحصل على الصحراء الغربية في الأخير؛ الغزو أحدث قطيعة نهائية بين الصحراويين والمغرب وإلى الأبد.. سوف لن يسمح الصحراويون للمغرب الدمار المادي والمعنوي الذي أحدثه لهم على مدى عقود من الزمن..
لم يربح المغرب اي شيء من أحتلاله للصحراء الغربية ما عدا سرقة الفوسفات الذي لم تعد له قيمة أو سرقة السمك الذي لا خوف على انقراضه.. 
الممكلة، كنظام، ربطت نفسها بقضية الصحراء الغربية. حين تتراجع أو تقبل الاستفتاء أو استقلال الصحراويين تعرف أنها نهايتها: لا تستطيع ان تظل تكذب على المغاربة عقود من الزمن وتشوه صورتهم في عيون العالم وتحدث قطيعة بينهم وجيرانهم ثم، في الأخير، تخرج من الصحراء الغربية وتقول لهم كنت أكذب عليكم أو كنت امزح معكم.. 
2- الأستراتيجية الأسبانية:
أسبانيا التي تستعمر الصحراء الغربية- لازالت قانونيا هي القوة الاستعمارية- حاولت أن تستفيد من الإقليم ومن ثرواوته، وارادت حتى المناورة مع الصحراويين بمنحهم استقلال داخلي وحكم ذاتي لمدة محدودة مقابل أن تعترف لهم بدولة صحراوية لهم لها علم في الأمم المتحدة.. الاستراتيجية الأسبانية كانت استراتيجية مقايضة على مدى قصير وطويل: على المدى القصير تبقى عشرة سنوات أو خمسة عشر سنة تنهب فيها ما استطاعت من الثروات؛ تبعد الأطماع المغربية؛ أما على مدى طويل فتريد ان يبقى الإقليم تابعا لها من بعيد تعبية الأقاليم التي كانت مستعمَرة للقوى التي كانت تستعمرها... هذه الاستراتيجية كانت مرفقة بشرط وهي أن لا يطلق الصحراويون طلقة واحدة ضدها.. كان الحل بيد أسبانيا كاستعمار: حين تمنح أسبانيا للصحراويين الاستقلال، ويرتفع العلم الصحراوي في الأمم المتحدة يتم قطع الطريق أمام المغرب.. الاستراتيجية الأسبانية كانت تقول بلغة خفية تهديدية: إما البقاء مع أسبانيا في شكل حكم ذاتي وتبعية مستقبيلة وإما تسليم الصحراء الغربية للمغرب.. 
لكن الحرب ضد الجيش الأسباني أفشل الاستراتيجية الأسبانية: فهمت أسبانيا أن الصحراويين يريدون الاستقلال بدون إعطاء مقابل.. في تلك الشهور المحتدمة من سنة 1975م، بزر المقابل كأداة للتعاطي مع القضية.. بدأ المغرب يعرض المقابل لأسبانيا: التخلي النهائي عن المطالبة بسبتة ومليلية؛ منح أسبانيا ثلثي الثروات؛ منحها إقامة قواعد في الصحراء مستقبلا؛ التعاون معها في وقف الهجرة عنها... هذا المقابل المغربي هو، على كل حال، بالنسبة لأسبانيا، أحسن من الخروج تحت ضربات السلاح.. هذا ما كان يريده المغرب بالضبط: تفتح معه أسبانيا مفاوضات مباشرة دون تدخُّل الأمم المتحدة وتسلمه الصحراء الغربية "بصفتها" إقليما مغربيا مثلما فعلت مع إفني سنة 1969م.. 
3- الاستراتيجية الجزائرية:
في الحقيقة يجب أن لا نجرد الجزائر من حقها في أن تكون لها استراتيجيتها الخاصة بها ومصالحها في المنطقة المحيطة بها وفي العالم.. من حق الجزائر أن تدافع عن مصالحها سواء مع العدو أو مع الصديق، وأن تدافع عن أمنها القومي.. حقها... لا احد يستطيع أن يعترض على حق الدفاع عن المصالح والأمن القومي... 
في سنة 1975م، كان الأمن القومي والترابي الجزائري مهددا من طرف المغرب.. فالمغرب في تهديده ب"استرجاع" الصحراء الغربية كان، أيضا - وهذأ خطأ فادح - يهدد بصراحة مثل الشمس ب"استرجاع" تندوف وبشار وأدرار.. هذا تهديد واضح للامن القومي والجغرافي للجزائر.. 
والحال هذه، ألمْ يكن من المنطقي بالنسبة للجزائر ان تتحالف مع الشعب الصحراوي لتقاسم الدفاع عن الأرض الصحراوية والجزائرية معا؛ من وجهة النظر البرغماتية من حق الجزائر ان تتحالف مع من يشاركها في الدفاع عن أرضها؛ من وجهة نظر المبادئ والقيم الجزائرية، التحالف مع الصحراويين ودعمهم هو شرعي أيضا: الصحراويون يحاربون من أجل تقرير مصيرهم، شعب مظلوم، معتدى عليه، له الحق في الأمم المتحدة.. 
إذن، الاستراتيجية الجزائرية في دعمها للشعب الصحراوي تحالفت فيها مصلحة الأمن القومي مع المبادئ. دعمت الجزائر بقوة استقلال الشعب الصحراوي في سنة 1975م، رغم أن مثل ذلك الاستقلال، في تلك السنة بالضبط، لو كان حدث - هذا تحليل شخصي فقط- كان يمكن أن يسبب للجزائر الكثير من المشاكل.. فاستقلال دولة في ذلك الوقت بعدد قليل من السكان المتخلفين تقنيا، والذين لهم علاقات أقتصاد وتبادل تجاري مع موريتانيا والمغرب أكثر مما لهم مع الجزائر، كان يمكن أن يجعل تلك الدولة محل تجاذب سياسي موريتاني مغربي، وقد لا تكون لها علاقة بالجزائر، وبالتالي قد يتقوى الحلف المغربي الموريتاني المدعوم من طرف فرنسا ضد الجزائر..
الذين يرون أن للجزائر مصالح نفعية بحتة في الصحراء الغربية يمكن أن يكونوا على خطأ بيِّين. لا توجد للجزائر مصالح نفعية استثمارية في الصحراء الغربية: الجزائر لا ينقصها اي شيء إطلاقا.. المصلحة الوحيدة في دعم الجزائر للصحراويين – بالإضافة إلى قضية المبادئ- هي مصلحة أمن قومي وجغرافي فقط... نتصور أن المغرب استحوذ على الصحراء الغربية نهئايا: في اليوم الموالي سيبدأ المطالبة ببشار وتندوف وتبدأ المشاكل في المنطقة، وسينقل استفزازاته إلى موريتانيا.. تماما حين تستقل الصحراء الغربية الآن سيبدأ في اليوم الموالي يطالب بسبتة ومليلية.. 
ورغم وجود مصالح للأمن القومي الجزائري في دعم الشعب الصحراوي، وفي استقلال الصحراء الغربية، إلا ان الخطاب الجزائري للعالم يغلب لغة المبادئ على المصالح.. في هذا حقيقة بديهية أيضا... لنتصور أن الصحراء الغربية استقلت، وأنه بعد سنة أو أإثنتين من الاستقلال حدث نقلاب في الصحراء الغربية أو جاءت الانتخابات بقوة سياسية لم يعجبها التحالف مع الجزائر؟.. وبالتالي فالجزائر، رغم الدعم والموقف، غير ضامنة، إطلاقا، لموالاة صحراوية سياسية دائمة في المستقبل... هذا يبقى على أخلاق الصحراويين في المستقبل...مثلا، بعد استقلال موريتانيا بدأت الجزائر تدعمها حتى قال البعض أنها أصبحت "ولاية جزائرية". في سنة 1975م انقلب نظام موريتانيا على الجزائر ووقف ضدها ونسى دعمها وفضلها.. 
الحرب، من لا يريدها: البوليساريو أم الجزائر؟
في الحقيقة الحرب لايريدها أحد: لا يريدها المغرب، لاتريدها موريتانيا، لا تريدها الولايات المتحدة الأمريكية، لا تريدها الأمم المتحدة. الذي يريد الحرب هو الشعب الصحراوي لأقتناعه أن المغرب لن يرحل إلا بفعل ضغط كبير على الأرض، وهذا الضغط لن يكون سواء الحرب... 
الوضع فيه بعض الصعوبات الآن.. خيبة أمل صحراوية من الأمم المتحدة، الاقتناع أن الحرب هي أخر حل لفرض على المغرب أن يرحل. من جهة أخرى الحرب ليست لعبا، وليست خطابات سياسية ولا تهديدات: هي توفير دعم لوجيستيكي كبير، حسابات دقيقة.. 
هنا نعود للتحالف الصحراوي الجزائري.. تحالف يعني تقاسم الفوائد وحتى تقاسم الخيبات، والاقتناع أن ما يضر أحد الأطراف يضر الآخر.. بمعنى أن أطراف الحلف يتبادلان المواقف والتضحيات.. لو أعتبرنا- فقط اعتبرنا- أن حسابات الجزائر ترى أن الحرب الآن، في هذا الظرف، على حدودها يمكن أن تجر إليها تهديدا لأمنها القومي، وأنها ترى أنها يمكن أن تكون هي الذريعة التي ينتظر أعداؤها المتربصون بها للإيقاع بها، وأنه في حالة اندلاعها سيتم توجيه كل شيء نحو الجزائر؛ في هذه الحالة، الآ يمكن للحليفة- البوليساريو- أن تفهم هذا، وتحاول إقناع شعبها أن الحرب الآن، رغم أنها من مصلحتها، ليست في مصلحة الحليف، وأنه إذا تم شن الحرب فإن الحليف يمكن أن تتم محاولة زعزعته من طرف أطراف خارجية تريد جعل منه سوريا أو اليمن أو الصومال؟ 
أظن أن الجزائر لا تتدخل في الشأن الداخلي الصحراوي، وان الصحراويين أحرار إذا أرادوا الحراب، واحرار إن أرادوا أن يفككوا التحالف الاستراتيجي مع الجزائر، وإذا ارادوا حتى نقل مخيماتهم إلى الأراضي المحررة فهم أحرار في ذلك أيضا... الجزائر لن تأمر جيشها بمنع ذلك.. لكن بالمقابل أليس من حق الجزائر- حقها- أن لا تبيع السلاح ولا تقدم الدعم للبوليساريو إذا كانت هذه الحرب التي يريد الصحراويون شنها يمكن ان تهدد الأمن القومي الجزائري...؟ 
الصحراويون أحرار إذا أراوا شن الحرب، لكن في هذه الحالة عليهم التفكير ان الدعم يجب أن يأتيهم من موريتانيا أو مالي أو بالتهريب... 
إذن، هذا تحليل فقط، هناك احتمال – مجرد تحليل لفرضية لاحتمال حتى لا نشحن الكلمة بما لاطاقة لها به من قراءة ما خلف الحروف - أن البوليساريو هي التي لا تريد الحرب كي يبقى الحليف قويا متماسكا حتى تمر مرحلة التهديدات التي تحيق به مثل تحويله إلى سوريا ثانية أو صومال... إذن، هناك تخوف من أن الحرب في الصحراء الغربية ستكون هي الذريعة للتدخل الأجنبي ضد الجزائر وتكسيرها، وبالتالي تصفية القضية الصحراوية بسهولة بعد ذلك بعد تدمير الحليف...
الكثيرون يرون أن حرب الإرهاب في سنوات التسعينات ضد الجزائر كانت فقط عقابا لها على مواقفها من القضية الفلسطينية والصحراوية. فكما نعلم الحملة الإرهابية بدأت مباشرة بعد تأسيس الدولة الفلسطينية في الجزائر في سنة 1988م.. 
الاستراتيجية الصحراوية: 
رفض الصحراويون الاستراتيجية الأسبانية في البقاء في الصحراء مقابل رفع علم لهم في الامم المتحدة بعد عدة سنوات، ورفضوا التبعية لأسبانيا، لإنهم لم يكونوا يثقون فيها، واعتبروا أن البقاء مع أسبانيا هو مواصلة للاستعمار.. رفضوا أيضا وبشدة الاستسلام للمغرب أو موريتانيا.. قرروا القتال ورحبوا بالتحالف مع القوى التقديمة في المنطقة –الجزائر وليبيا- وكما نعرف فالتحالف آنذاك مع القوى التقديمة يعني، بدون تفكير، جلب عداوة فرنسا وأمريكا واليهود ...
الآن، بعد أربعين سنة، يتصور الصحراويون انهم حققوا الكثير من المكاسب الكبيرة، وان هذه المكاسب لا ينقصها ما عدا الاستقلال: الوحدة الوطنية، الدولة الصحراوية، الشعب الصحراوي، تسليم العالم لهم أنهم أصبحوا موجودين، والتحالف مع أقوى دولة في المنطقة... 
خطأ الصحراويين:
الخطأ الذي وقع فيه الصحراويون هم أنهم لم يتشبثوا بأسبانيا على مستوى الأمم المتحدة وفي المحافل الدولية والمفاوضات؛ فما أن خرجت أسبانيا، وباعت أرضهم، حتى بدووأ القتال ضد المغرب على الأرض وفي الأمم المتحدة، ونسوا أن أسبانيا، بصفتها استعمار، ليس لديها الحق في بيع أرض هي تحت إدارتها وسيادتها رسميا في الامم المتحدة. فلو بقى الصحراويون يصرون في تعاملهم مع الأمم المتحدة أن المغرب هو مجرد أحتلال، وأن أسبانيا هي التي يجب أن تقرر مصير الشعب الصحراوي، وهي التي يجب أن يتم التفاوض معها، كانت هذه الأخيرة ستقع في إحراج كبير وسيدخل معها الاتحاد الأوروبي في نفس الإحراج لإنه لن يقبل أن تكون دولة عضوة فيه تمارس الاستعمار في بلد في قارة أخرى.. 
استراتجية الولايات المتحدة
الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة القوية – نستبعد فرنسا لإنها، بديهيا، ستبقى تقف وراء المغرب حتى النهاية- التي تستطيع أن تؤثر في حل صراع الصحراء الغربية. منذ البداية عملت الولايات المتحدة على اللعب على حبلين: في الخفاء، بنت استراتجيتها على أن ثورة البوليساريو هي ثورة شيوعية، وخشيت أن تسقط المملكة المغربية، الحليف الوحيد لأمريكا في منطقة شمال غرب إفريقيا.. في الظاهر، أعلنت أنها حيادية في الصراع... 
استراتيجية الحياد في الصراع حولتها، سنوات بعد ذلك، إلى استراتيجية ترك الصراع يحل نفسه بنفسه؛ يحل الصراع نفسه بنفسه حسب أمريكا، أن يسقط أحد الطرفين تلقائيا نتيجة عوامل داخلية أو بفعل عدم الصمود... في تفكيرها فإن الطرف الضعيف في الصراع هو الشعب الصحراوي، وهو الذي سيسقط في النهاية بفعل عدم وجود أقتصاد لديه، وبفعل قلته العددية.. هذا التفكير لازال يخامرها إلى الآن: الصحروايون شعب قليل لا يستطيع أن يبني دولة، وليست له قدرة على الصمود أكثر... هذا التقليل من شأن الصحراويين يجعل أمريكا تنظر إلى حليفهم- الجزائر-، وتحاول أن تقنعه ان يتفاوض مع المغرب حول حل لصالح المغرب لكن تكسب منه الجزائر، أو يتفاوض معها هي على أساس إعطائها بعض المصالح الكبيرة في الجزائر وفي الصحراء مقابل الضغط الكبير على المغرب كي يقبل بتنظيم الاستفتاء.. لكن الجزائر، الحليف، بما أن القضية قضية مبدأ بالنسبة إليه، فإنه لن يتفاوض المغرب حول مصالح نفعية في الصحراء، ومن جهة أخرى لن يتفاوض مع أمريكا حول نفس القضية لإنه لا يوجد ما يفرض عليه ذلك، ولإن وجود مصالح لأمريكا سواء في الجزائر او في الصحراء الغربية هو تهديد أمني لها... 
الاستراتيجية الامريكية حول العالم غير ثابتة، متغيرة، لكن لا تتغير في عشرة سنوات فقط.. فمثلا، إذا رأت أن استراتجيتها في قضية ما غير ناجحة تغيرها بسهولة... فبعد أكثر من ثلاثين سنة، الآ يمكن أن تُغير أمريكا استراتيجتها في الصحراء الغربية؛ أي تغير المعطيات التي بنت عليها استراتيجتها: قلة الشعب الصحراوي، عدم صموده، عدم تغيير موقف الجزائر ورفضها فتح حوار مع أمريكا... 
إذا رأت أمريكا العكس: يصمد الصحراويون أكثر، لا تقبل الجزائر فتح حوار معها، الآ يمكن، في هذه الحالة، أن تغير استراتيجيتها؟
هناك مثال واضح: منذ سنة 1962م وأستراتيجية أمريكا مبنية على حصار كوبا كي تستسلم وتغير نظامها، لكن، حين تأكدت أن كوبا لن تسقط ولن تصبح تابعة، غيرت سياسيتها وفتحت معها الحوار..
وكنتيجة، كل الدلائل تشير إلى أن الصحراويين عليهم الصمود سنوات أكثر..
السيد حمدي يحظيه

Contact Form

Name

Email *

Message *