-->

الصحراوي الحر هجير الديار المحررة:

لعل من يتجول في شوارع ابسط المدن لأفقر الدول في العالم وينظر الى بنيتها التحتية
وعمرانها، يستنتج حتما التهميش والاهمال بل والهجران الذي تعانيه ارضنا الحبيبة وصحرائنا المحررة.
هذا لم يكن قدرا مكتوبا فحسب بل كذلك تفريطا من معمروا و أهل المنطقة الذين يفترض بهم ان يبنون ارضهم و يعيشون عليها ما أحياهم الله، إن هم فعلا ملكوا حبا صادقا لوطنهم، يصاحب ذلك إفراطا كبيرا في التخوف من الجانب الأمني و التعذر به عند أي مبادرة للبناء قد تخطر على الأذهان لصالح المنطقة.
ففي الماضي هاجر شعبنا الى أرض الجزائر، لينئ عن وطنه وذلك تحت وطأة الحرب و بطش العدو السفاك، بل و كذلك لحمل رسالة المقاومة و النضال من هناك تماما كما هاجر رسول الله (ص) و اصحابه من بلاد الشرك، ليزدادوا قوة و لتقوى شوكة رسالتهم. فالشعب الصحراوي هاجر و أمله نصرة الوطن و استرجاع أرضه يوما ما.
و من هنا، ان هذا الوضع كان في السبعينات مبررا لهجرة شعبنا الى الجزئر التي احتضنته بصدر رحب، ،أما الآن، أو قبل الآن بكثير، و نحن نقارب ثلاثون عاما بعد وقف أطلاق النار، فلا مبررا لعدم العودة لما حرر من أرضنا لبنائه و محاولة العيش عليه تحت اشعة شمسه الدافئة، و إلا فلما يا ترى خضنا الحروب و خسرنا دماءا طاهرة و أرواحا ثمينة! ،إلا للعيش بكرامة على أرضنا....
فأرضنا تستنجد و تئن لحالها، قد غلبتها الوحشة لما هي عليه من التخلف و التهميش، فلا عمران و لا طرقات و لا حتى بشر يؤنس و حشتها.و ان قال رسول الله(ص): أن لنفسك عليك حق ، فكذلك أن لأرضك عليك حق.
فلا يخفى على أحد أن المناضل الصحراوي دافع عن أوضه أكثر من اربعين عاما بكل ما أوتي من قوة، بالمال و النفس و لا يزال يدافع حتى اللآن، ألا أنه قد غفل عن جانب هو بالأمية بمكان، في مصيره ومصير بلده، و هو البناء.
فلم يقم بيتا و لا مؤسسة و لا تجمع سكاني منظم و لا حتى مشروع تنموي يذكر، عدى بعض المباني الطينية المتفرقة قد كابد في بنائها المواطن الريفي ،كما نسموه، بعد أن تحدى كل الصعاب القائمة في طريقه، فهو يود أن يبني أرضه حسب الأمكانيات المتوفرة لديه، غير أنه يبقى هذا صعب جدا أمام التضييق و عدم تشجيع البناء من طرف السلطات، الذي يبدو انه ليش من أولوياتها، فالمواطن هناك يعاني من صعوبة كبيرة في نقل مواد البناء إذا ما اراد عبور الحدود بها.
أما النظام، و للأسف، لم نرى له مبادرة صادقة تذكر، ولا تشجيع البتة في هذا المجال، فقد سميت إحدى الوزارات بوزارة الريف الوطني و بناء و إعمار الأراضي المحررة ، و من هنا نتساءل لمذا سميت بالريف الوطني، و هل يوجد على أرضنا المحررة سوى الريف و الأرض المهجورة و التهميش المشين لسكانها، فلا يكاد يرى مبنا و لا حتى معلمًا للحياة. و لنتساءل مرة أخرى عن تسميتها بوزارة البناء و الإعمار، في ما تتجلا نية مسؤولونا في بناء ارضنا المحررة يا ترى.
و من هذه الزاوية، لا ترى اي بادرة في هذا المجال، بل بالعكس، فكله تثبيط لمشاريع أريد بها الإعمار في الأراضي المحررة من صحرائنا الحبية، فهناك كثير من المنظمات جمدت مشاريع كانت تنوي بها البناء في الأ راضي المحررة بعدما قوبلت بعدم إرادة من سلطاتنا. ولكن لنقول لماذا ننتظر ان يأتوا الغرباء ليبنوا و يشيدوا لنا. لمذا لا يبادر المواطن الصحراوي في بناء أرضه بيده و هو المالك، بدلاً من بناء أراضي الغير للتي سيرحل عنها يوما ما، ك: تندوف، زويرات، نواذيبو، و مؤخرا بئر أم قرين القاحلة. فلعل الحجة في عدم البناء حسب البعض، هي انه أن ذهب الناس الى ارضهم و عمروها عم عليهم السخط و قطعت عليهم المساعدات الانسانية، و هذا ماهو إلا تراهات او عذر أقبح من ذنب، فلنتأمل في الطرقات و الكهرباء التي أحدثت في المخيمات مؤخرا، لو وجهت للمناطق المحررة لكان اكثر فائدة و نفعاَ على الصحراويين و لساهم في بناء ارضنا بصفة ملحوظة.
فحري بأولي الامر منا ان يعيدوا النظر في هذه السياسة التي إن لم أقول انها مدمرة فهي ليست من البناء في شئ. ولذا يبدو للملاحظ المار من جنوب أرضنا المحررة (تيرس) الى شمالها (زمور) أن هذه البيداء تفتقد لشعب و ان سكانها الذين اختاروا إعمارأرض أستضيفوا فيها الى حين، قد نسوا ارضهم و هجروها هجرانا طويلاٌ.
و بهذا اختار المواطن الصحراوي ان يعيش حياة الفرد الحاضرة و اللحظة الآنية دون التفكير في المسقبل، متجاهلا أنه عليه كذلك ان يعيش حياة الشعوب و بناء الدول. و هذا لا يتم إلا بنظرة و سياسة بعيدة للاعمارو ارادة قوية و حب من المواطن لوطنه.
كما أريد ان اشير ان الصحراوي لن تكون له كرامة و لا عزة اكثر منها و هو يعيش على ارضه، فعند كل تساؤل يطرح في هذا المجال يكون الجواب: {و الله ما يمرقو أعليكم اشلوحة ما خلاوها برزة} و هذا يعني ان أغلبية الشعب لا تزال تعتقد في ان العيش غير ممكن علي ارضها مع و جود الاحتلال، وكذا نقول لماذا سميت بالمحررة. و لا يخفى على احد ان الشعب الصحراوي لم يخشى العدو زمن الحرب و ابان الرعب، فكيف يخافه بعد 30 عاما من الا حرب و بعد ما يراه من تحديات للشعوب.
فلينظر الناظر حوله قليلا، و في ايام ليست ببعيدة، فسيرى ما يحدث الزمن كله في فلسطين و للشعبها الشقيق المناضل، و هو تحت الغذائف و القصف الإسرائيلي، يقاوم بامكانياته المحدودة و الأروع في الأمر انه في الوقت الذي هناك غذائف تهطل من السماء على ارض فلسطين المواطن الفلسطيني يبني بيته في نفس الوقت ويشيد ، و هذا ان دل على شيء إنما يدل على قناعة المواطن بأرضه و العيش عليها ، فهي المأوى و هي الملبس، مهما كلفه ذلك من ثمن.
و في الأخير، يمكن القول أن العدو المغربي لا يود بناء الأراضي المحتلة وله حجته في ذلك، أما نحن فما حجتنا في عدم بناء ما حررناه من أرضنا؟ فيا ترى متى تطل شمس البناء و الإعمار و نرى إرادة صادقة و قرارت سياسية تدعم إعمار أرضنا فعلا. وإلا فكم يلزمنا من الزمن كي نرى الجيل المنتظر الذي سيسلك بنا طريق البناء و التشييد على أرضنا الحبيبة المحررة.
بقلم: د. الولي سالم الدوه

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *