حكاية سبعة أناشيد وطنية تغنى وتعزف في الملعب وأرض المعركة
يتحول عزف النشيد الوطني إلى استعراض حماسي في كل مناسبة وطنية وتقليد دارج في المسابقات الرياضية، وفي كرة القدم تحديدا لكن من كتب هذه الكلمات المختصرة الموجزة، التي تؤرخ لحكاية شعب وتطلعاته وتختصر شعاره كأمة، وتقدمه إلى العالم كحامل رسالة؟ ومن ألف موسيقى تلك الأناشيد وحولها إلى قطع موسيقية تعزف في الحرب والسلم، وتنشد الحياة وتبصم ملامح من سيرة شعب من الشعوب؟
تلك هي الأناشيد الوطنية. ووراء كل نشيد حكاية وشاعر ومؤلف موسيقي.أناشيد تعزف بالموسيقى والكلمات، وأخرى استعارت الموسيقى واستغنت عن القصيد، لأسباب تتعلق بالهوية الثقافية والتعدد اللغوي.
النشيد الوطني الصحراوي حكاية مجد شهداء الثورة وصناع التاريخ
يشكل النشيد الوطني الصحراوي حكاية ميلاد الثورة في الساقية الحمراء ووادي الذهب وتاسيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في 27 فبراير 1976 وتقول كلماته :
أنا الرفيق المستحيل
انا الرفيق المستحيل دماء خصمنا ككل.
ولا بد أن يضمحل أمامي ما لست اريد.
ولا أريد في البلاد أي تمزيق أو فساد.
ولا أريد الإنقياد إلا لفكرلن يحيد.
عن أي شبر في الصحراء وتلك الغايات الكبرى.
أمامنا وبالأحرى فنحن لا زلنا عبيد.
ولا مكان للإسبان في أرضنا ولا مكان.
لغيرهم من أي كان لا في القريب والبعيد.
صحراؤنا هي الوطن في سرنا وفي العلن.
يحيى الكفاح والوطن ويحيى شعبنا المجيد.
فنحن للشعب جنود نفنى قياما وقعود.
حتى نحطم القيود ومن يمت منا شهيد.
فقل لخصمنا العدو ما كنت ترجوا من نمو.
سينقلب عليك تو خسارة بلا مزيد.
وستبدي لك الايام ما كان عنك في الظلام.
وبعد لغة الكلام لغة النار والحديد.
إن لم تكن عرفتني أنا الذي مزقتني.
وقد فرارا تنثني أمام ضغطي الشديد.
النشيد الوطني الفرنسي.. من أغنية حرب إلى نشيد للحرية
نشيد «لامارسييز» كان في الأصل أغنيةً حرب ثورية ونشيداً للحرية، ثم تحول تدريجياً إلى النشيد الوطني الفرنسي.
وقد ألّف الضابط الفرنسي روجيه دي ليل، الذي كان يؤدي خدمته العسكرية في ستراسبورغ، «أغنية الحرب لجيش الراين» في ليلة 25 و26 أبريل 1792 في منزل عمدة المدينة ديتريش، بعد إعلان ملك فرنسا الحرب على النمسا.
وجعلت الجمهورية الثالثة (1879) من «لامارسييز» النشيد الوطني، واعتمدت وزارة الحرب في عام 1887 «الصيغة الرسمية» للنشيد بناءً على مشورة لجنة مختصة.
انتشر نشيد «لامارسييز» في غضون أسابيع في منطقة الألزاس مدوناً أو مطبوعاً، ثم تولى العديد من الناشرين الباريسيين نشره. وأدّت الصيغ المجهولة للإصدارات الأولى للنشيد إلى التشكيك في أن روجيه دي ليل هو مؤلفه، لا سيما أنه يعتبر مؤلفاً متوسطاً.
هناك صيغ عديدة لنشيد «لامارسييز»، الذي تم تلحينه بصيغ مختلفة منذ البداية، مع أو بدون غناء. وقد حدّدت لجنة عام 1887، التي كانت مؤلفة من موسيقيين محترفين، الصيغة الرسمية للنشيد بعدما قامت بتنقيح النص التلحيني والإيقاع.
وكان الرئيس فاليري جيسكار ديستان يرغب في الرجوع إلى الأداء الأقرب إلى الأداء الأصلي للنشيد، فأمر بإبطاء إيقاعه. والصيغة التي تعزف في يومنا هذا في المناسبات الرسمية هي صيغة معدّلة لنشيد عام 1887. وبموازاة ذلك، قام عدد من موسيقيي المنوعات والجاز بإعادة توزيع «لامارسييز».
من كلمات النشيد نقتطف التالي:
فهيا يا بني الأوطان هيا
فوقت فخاركم لكم تهيا
أقيموا الراية العظمى سويا
وشنوا غارات الهيجا مليّا
عيكم بالسلاح أيا أهالي
ونظم صفوفكم مثل اللآلي
وخوضوا في دماء أولي الوبال
فهم أعداؤُكم في كل حال
وجودهم غدا فيكم جليا
بنا خوضوا دماء أولي الوبال
أما تصغون أصوات العساكر
كوحش قاطع البيداء كاسر
وخبث طوية الفرق الفواجر
ذبيح بنيكم بظباء البواتر
ولا يبقون فيكم قط حيا
فماذا تبتغي منا الجنود
وهم همج وأخلاط عبيد
كذا أهل الخيانة والوغود
النشيد الوطني الإسباني.. عزف بدون نشيد
حسب المؤرخين، هناك فرضيتان لمصدر اللحن الأصلي للنشيد الوطني الإسباني.
الأصل البروسي: يرجح أن يكون فريدريخ الثاني ملك بروسيا، الذي عرف بولعه بالموسيقى، مبدع اللحن الأصلي. ويحتمل أن يكون أهداه في القرن الثامن عشر إلى أحد القادة العسكريين الإسبان إبان فترة تدريبهم ضمن الجيش البروسي.
ثم هناك الأصل الأندلسي: في 2007، اكتشف الباحثان الموسيقيان المتخصصان في موسيقى العصر الوسيط في إسبانيا، عمر المتيوي وإدواردو بانياغوا، مقطوعة موسيقية كتبها الفيلسوف السرقسطي ابن باجة في القرن الثاني عشر. وهي توشية لنوبة الاستهلال ذات لحن شبيه باللحن الحالي للنشيد الوطني الإسباني. وقد تم تأكيد التشابهات بين المقطوعتين من طرف الموسيقار الإسباني تشابي بينيدا (Chapi Pineda)
يعتبر النشيد الوطني الإسباني من الأناشيد القليلة عالميا، التي تعزف دون كلمات، على غرار أناشيد سان مارينو والبوسنة والهرسك (إنترميكو). وعبر تاريخه، عرف النشيد عدة محاولات لإغنائه بكلمات، بطريقة رسمية أو غير رسمية، إلا أنها لم تلق إجماعا أو قبولا بين مكونات المجتمع الإسباني.
ولم تخضع حتى صيغة حكومة خوسي ماريا أثنار بالقبول، والتي كتبتها، بتكليف من الحكومة الإسبانية، مجموعة من الأدباء الإسبان مختلفي المشارب الإيديولوجية والجهوية، من بينهم خون خواريستي (Jon Juaristi) وأبيلاردو ليناريس (Abelardo Linares). وقد تم إقبار المشروع لرغبة المشهد السياسي، المتوتر آنذاك، في تفادي الدخول في جدال سياسي حول موضوع حساس كإشكالية النشيد الوطني الإسباني.
كما فشلت صيغة ثانية قدمت في 2007، لكن تسريبها إعلاميا، أجهضها في المهد.
النشيد الوطني البرازيلي.. مسحة إيطالية
لحن النشيد الوطني البرازيلي على يد فرانسيسكو مانيول دي سيلفا في 1882، وبعد الكثير من التغيرات في النشيد في 1922 اعتمد كنشيد رسمي لجمهورية البرازيل على يد جواكيم دوكي استرادا، ولحن كنشيد يميل إلى النغمات الإيطالية الرومانسية كألحان الموسيقار جواكينو روسيني.
من كلماته:
إذا كان شك في المساواة بيننا
فسوف نتغلب عليه بأيد قوية في قلبك الحرية
نتحدى بصدورنا حتى الموت بذاته!
أيها الوطن الحبيب
الوطن العظيم
يحميك! يحميك!!
البرازيل حلم عظيم، شعاع مضيء
من الحب والأمل يملأ أرضك
في السماء الجميلة والمشرفة
صورة كروزيرو فيها مـتألقـة.
النشيد الوطني الأرجنتيني
كتب كلمات النشيد الوطني الأرجنتيني بيسينتي لوبيث وبلانيس، ولحنه بلاس باريرا سنة 1813. وهو في العمق لا يختلف عن الأناشيد السابقة من الحقل الدلالي الذي يسبح فيه. فهناك دائما تركيز على الحرية وتكسير الأغلال والوحدة وتمجيد الشعب وسلطته، وتوقه الدائم إلى الرقي وإلى المجد، رغم كل الكوابح والصعاب.
من كلمات هذا النشيد :
اسمعوا يا إنسان الصرخة القدسية
يا حرية.. يا حرية.. يا حرية
اسمعوا ضوضاء الأغلال المكسورة
شاهدوا في عرش المساواة الشريفة
ويا أحرار العالم قولوا: سلام للشعب الأرجنتيني الكبير
النشيد الوطني الإيطالي.. مائة عام من الانتظار
إيل كانتو ديلي إيتالياني بالإيطالية Il Canto degli Italiani، وتعني نشيد الإيطاليين. وهو النشيد الوطني الإيطالي. ويشتهر هذا النشيد بين الإيطاليين باسم «إينو دي ماميلي» (بالإيطالية Inno di Mameli)، وتعني قصيدة ماميلي. كما يعرف أحيانا باسم «فراتيلي ديتاليا»، أي إخوة إيطاليا (بالإيطاليةFratelli d’Italia ). كتب النشيد جوفريدو ماميلي في عام 1847 م في جنوى، وفي 12 أكتوبر 1946، أي بعد حوالي مائة سنة من كتابته، اعتمد كنشيد وطني لإيطاليا.
من كلمات النشيد الوطني الإيطالي:
إخوة إيطاليا
إيطاليا استيقظت
بخوذة سيبيو
ربطت رأسها
أين النصر؟
اخذل قوسها
لأجل الله جعلها عبدة روما
دعنا نرتبط في مجموعة
نحن مستعدّون للموت!
نحن مستعدّون للموت!
رحّبت إيطاليا بنا!
دعنا نرتبط في مجموعة
نحن مستعدّون للموت!
نحن مستعدّون للموت!
رحّبت إيطاليا بنا!
النشيد الوطني الألماني.. فقرة واحدة للغناء
كتب كلمات النشيد الوطني الألماني الشاعر هينرخ هوفمان فون فالرسلبن عام 1841، ثم تم تركيب مقطوعة موسيقية من تأليف يوزف هايدن تعود إلى القرن الثامن عشر على تلك الكلمات التي كانت تقسم إلى ثلاثة مقاطع قبل أن يضاف المقطع الرابع مطلع القرن العشرين. وهذا النشيد عبارة عن تأييد مؤلفه لتوحيد الدويلات الألمانية في قيصرية موحدة. ولذلك يعتبر بعض المؤرخين التفسير الأصلي لكلام «ألمانيا فوق كل شيء في العالم» بمعنى: يجب أن تكون مصالح عموم الألمان فوق مصالح الدويلات. وقد تم استغلال هذه النقطة من قبل النازيين، فاستخدموا الربع الأول فقط لينسجم مع مناداتهم بالتفوق العرقي للجنس الآري.
في 11 غشت 1922 تم الإعلان عن الفقرات الثلاث الأولى نشيدا وطنيا رسميا للجمهورية الألمانية التي أقيمت بعض الحرب العالمية الأولى (جمهورية فايمار). بعد أن تولى الحزب النازي الحكم في ألمانيا عام 1933 تم حذف الفقرتين الثانية والثالثة لتبقى الفقرة الأولى فقط هي النشيد الألماني. وفي هذه الفقرة توصف حدود ألمانيا من نهر الماس إلى نهر نيمن، أي من هولندا وبلجيكا غربا إلى ليتوانيا شرقا. وبعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية ألغيت مكانة النشيد الرسمية، حيث تبنت ألمانيا الشرقية نشيدا وطنيا جديدا، بينما بقيت ألمانيا الغربية دون نشيد وطني.
في 1952 أقر رئيس ألمانيا الغربية استخدام الفقرة الثالثة من النشيد كأنها نشيد ألمانيا الوطني عند الحاجة، دون تحديد مكانة رسمية لها. أما الفقرتان الأوليان للنشيد فكانتا محظورتين. وبعد إعادة توحيد ألمانيا عام 1990 أصبحت الفقرة الثالثة نشيدا وطنيا لألمانيا الموحدة، ولكن مكانتها ما زالت غير رسمية.
ويسمى النشيد الألماني أيضا «أغنية الألمان (Das Lied der Deutschen) «. واليوم لا تغنى أو تعرض إلا الفقرة الثالثة من النشيد، بينما حظر في ألمانيا الغربية، سابقا، قبل توحيد الألمانيتين، غناء الفقرتين الأوليين أو اقتباسهما باستثناء الاقتباس لأغراض تعليمية.
وتقول الفقرة الأخيرة من النشيد:
وحدة عدالة وحرية
للوطن الألماني!
لأجل ذلك علينا النضال
بإخوة بقلب ويد!
وحدة عدالة وحرية
هم رهن الرخاء
أزهر بنور هذا الرخاء
أزهر أيها الوطن الألماني
النشيد الوطني الأمريكي..قصيدة للشاعر سكوت
الراية الموشحة بالنجوم بالإنجليزية (The Star Spangled Banner) هو النشيد الوطني الأمريكي. كلماته مستمدة من «دفاع عن قلعة ماك هنري»، وهي قصيدة ألفها فرانسيس سكوت عام 1814، وهو محامٍ وشاعرٌ هاوٍ. مناسبة كتابته كانت بعد أن رأى الشاعر قصف حصن ماك هنري من قبل سفن البحرية الملكية البريطانية في مدينة بالتيمور عام 1812.
لحنت القصيدة على نغم أغنية بريطانية مشهورة، كتبها جون ستافورد سميس لـ»أناكريونتيك سوسيتس»، وهو ناد للرجال في لندن ببريطانيا. اللحن كان مشهوراً أصلاً في الولايات المتحدة، فنظمت عليه قصيدة الراية الموشحة بالنجوم، وأصبحت النشيد الوطني في 31 مارس 1931.
من كلمات النشيد:
قل أيمكنك أن ترى مع ضوء الفجر المبكر
ما أشدنا به بفخر مع آخر لمعات الشفق
ذي التقليمات الواسعة والنجوم الساطعة، خلال المعركة المحفوفة بالمخاطر وفوق الأسوار شاهدناه يرفرف ببسالة
ووهج الصواريخ الأحمر، وانفجار القنابل في الهواء
دلّ خلال الليل أن علمنا كان لا يزال موجوداً
قل ألا تزال هذه الراية الموشحة بالنجوم ترفرف
على أرض الأحرار وموطن الشجعان؟