من هو المناضل
بقلم الاستاذ : غالي احمد لعبيد
لقد أصبح في هذا الزمن ، كل من هب ودب يدعي النضال والبطولة والريادة ، ويسمي نفسه دون أن يسميه الآخرون"مناضلا ، فأضحت كلمة "مناضل" تعني كل منتمي أومنتسب للثورة ، فتساوى في النضال المعارض للسلطة و المنبطح ، والمكافح القديم ومن لا تاريخ ولا مرجعية له ، إنه زمن المسخ السياسي حقا..
كثر المناضلون وعزّ النضال والعطــاء .. لذلـك ولأسباب كثيرة ، نود وضع النقاط على الحروف ، ونحاول التوضيح قدر الممكن ونؤطر كلمة " مناضل" في موضعها الصحيح ، كيلا تختلط المفاهيم ، ولا تلتبس الأدوار، شهادة للتاريخ والوطن ، واستحضارا لروح شهداء النضال الحقيقي وشهداء الوطن .. فماهو المناضل حقــا ؟؟
المناضل ليس هو المعارض للنظام والداعي إلى إسقاطه ، ولا ذاك الذي يملأ الدنيا صخبا هنا وهناك ، تارة مستنكرا وأخرى منددا ، ومرات أخرى متظاهرا وشاجبا .. نعم كل ذلك يدخل في باب النضال ولكن.. ما ذا بعد الشجب والتنديد والتظاهر و و؟؟
المناضل هو إنسان أولا قبل أن يكون شيئا آخر.. كائن يعلي من قيمة الإنسانية إلى درجة التقديس الذي تستحقه . المناضل هو الذي يوقف حياته على قضية الحرية بمعناها المجرد: حرية العقل والضمير واليد ، حرية المعتقد والإيمان والممارسة.. المناضل ذاك الذي يدافع عن وطنه وياحرب من اجله ..
المناضل لا ينفصل عن مجتمعه ، ولا ينزوي بين معتقداته وأفكاره بحيث يجعل منها سياجا يطوقه.. ولا يستعلي على الناس بممارساته ، ولا يعتقد أن العناية الإلهية قد اختارته لقيادة الأمة وزعامتها .. المناضل هو الذي يؤمن بأنه جزء لا يتجزأ من المجتمع ، بل هو ضمير المجتمع ، الممثل لقيمه العليـا في أبهى صورهـا.. هو القدوة في الممارسة و السلوك ، الموضح الشارح لقيم الحرية والعدالة و المساواة ، هو الملهم للآخرين ، وهو الذي يؤمن أن شعبه يستحق الأفضل والأحسن .
ليس المناضل كهؤلاء المختبئين وراء ما يسمى ( الامانة الوطنية )، أصحاب النفوس التواقة إلى الحلول السهلة المائعة التي لا لون لها ، اللاهثين وراء المظاهر الخداعة ، والإثراء المذموم . هؤلاء هم السياسيون ، ـ ليس كل السياسيين طبعا ـ الذين يملؤون الدنيا ضجيجا ، ويظل إناء أفعالهم فارغـا ، الذين لا تعنيهم مصلحة الشعب والوطن إلا بقدر ما تقربهم من السلطة ، أو تحفظ لهم زعامتهم ومكانتهم في حياتهم ، وتضمن توريثها لأبنائهم بعد مماتهم.. تقصر عزائمهم عند ملاحقة تطلعات شعب ، فيظهر تقزمهم في المواقف ،
نحن زعماؤنا وقادتنا كثيرون ، ولكن ليس من بينهم مناضل.. هم سياسيون فحسب ، يشتغلون بالسياسة كما يشتغل عشاق الكرة بفرقهم ، لا تكاد تجد لهم موقفا تؤطرهم فيه ، أو تصنيفا تصنفهم من خلاله ، تعددت الزعامات وعز الفعل ، وتعددت المواقف وعز الحزم والحسم .. نحن نحتاج إلى أبطال يلهموننا لنتعرف على قيمة الحيـاة ، ومن ثم تعرف القيمة الحقيقية لكوننا بشــر، ويعيدون إحساسنا بالتاريخ وبانتمائنا إلى الأرض والوطن ، نحتاج إلى ملهمين بقيمة الشهيد الوالي مصطفى السيد و مانديلا أو جيفارا أو شاعر مبدعا وثائرا ملهما مثل بابلو نيرودا..
هذا لا يعني أنه ليس لنا أبطال، بل هم كثر وفي كل العصور، غير أن ما ينقصهم هو الشجاعة الكافية لتقدم الصفوف ، واقتناص قبس الشرارة من الشعب ، ووضعها في المشعل ورفعه فوق الهامات ، منارا يضيء درب الساعين إلى الحقيقة والخلاص..
شباب كثر منتشرين في المجموعات و الاتحادات وحركات التغيير ، متواجدون في المستشفيات ، يقومون بأعمال عظيمة ، ويقدمون تضحيات جسيمة ، يحملون الوعي وينشرون المعرفة ، ويأخذون بأيدي المرضى و العجزة والأيتام ، لكنهم عاجزون عن التقدم لقيادة الوطن . بعضهم مكبل بقبائل القادة و الزعماء ، وبعضهم مقيد بالعرف والعادة.
نحتاج إلى مناضلينا الحقيقيين الذين أضحوا نزلاء دائمون في سجون ومعتقلات الظلام ، أو مقيمين قسرا في ديارهم ـ وذالك في أحسن الأحوال ـ منزوين عن شعوبهم ، متقوعين داخل أفكارهم ، لا يجدون مساحة للتعبير عن ذواتهم ولا عن الآخرين ، هم ضحايا ظلم السياسة وفساد الساســة وانحطاط القيم .. ضحايا زمن المسخ والرداءة والخبث الموجود داخل المناطق المحتلة من الصحراء الغربية