صوت الانتفاضة قد يخفت لكن لن ولم يصمت ...
جرت العادة إن التحولات السياسية والأمنية والاقتصادية في العالم تلقي بظلالها على
الشعوب وتنعكس على مسارها وتوجهاتها ,وقضيتنا الوطنية ليست بمعزل عن ذلك ,نستفيد أحيانا من بعضها ونتضرر من بعضها الأخر, لكن إلى حدود الساعة اثبت الشعب الصحراوي قدرته على تجاوز كل الأعاصير والزلازل السياسية والاقتصادية التي حدثت, والتي عاشها منذ اندلاع معركته التحريرية , كا استشهاد مفجر الثورة بعد اقل من أربعة أشهر من إعلان الدولة الصحراوية ,واستشهاد هواري بومدين ومكانته وموقعه بين قادة العالم خاصة الداعمين لحركات التحرر ,تخلي ألقذافي عن دعم البوليساريو سنة 1984 بعد اتفاقية وجدة التي أبرمت بينه وبين المغرب , الأزمة الداخلية سنة 1988 التي التقطها العدو وأسس بموجبها لمرحلة نزيف بشري من الصحراويين في اتجاهه و انتهاء الحرب الباردة وانهيار المعسكر الشرقي ومساندة دوله السياسية ودفاعه عن تقرير المصير , الأزمة الصعبة في الجزائر الحليف التقليدي للشعب الصحراوي ,والتي تخلى عنها العالم بأكمله وجعلها تواجه المصير المجهول بمفردها , الحرب على الإرهاب التي منحت فرصة للأنظمة المستبدة لتقوية ركائز استبدادها بحجة محاربة بعبع الإرهاب , بداية الأزمة الاقتصادية بأوربا وانعكاساتها على الدعم الإنساني الموجه للشعب الصحراوي , الحريق العربي الذي يمكن اعتباره خريف الشعوب وربيع الأنظمة القمعية , كل هذا وغيره كان رهانا كبيرا لدى العدو في تحقيق طموحاته في ابتلاع شعبنا المسالم لكنه لم يتحقق له ذلك ,ويعود الفضل في ذلك إلى صموده ورفضه المعبر عنه من خلال استماتة الجزء المتواجد بمخيمات اللجوء ,وبيقظة أبطال جيش التحرير المرابطين في الجبهات الأمامية , ونضالات الأرض المحتلة التي كانت رافعة كبيرة للقضية الوطنية من خلال اندلاع انتفاضة الاستقلال سنة 2005 ,والتي شكلت منعطفا تاريخيا في مسار شعبنا ,ا بعد أن كان سببا في إجهاض العديد من المناورات والمؤامرات التي تحاك ضد ه , وقد انقسم الصحراويين بين المشككين في الانتفاضة والمخلصين لها , فالأول يتحرك بنقده كل ما عرفت مرحلة جزر, والثاني عندما تعيش مرحلة المد ,وبعد أن مر أكثر من عقد من عمر الانتفاضة, كلفت عددا من الشهداء و الآلاف الجرحى , والمعتقلين ومن طاله التعذيب, ومن قطع مصادر عيشهم ,والمهجرين , ,ومئات المنازل المداهمة والعبث بمحتوياتها... ولعل بعض التراجع في أداءها, والذي يحب أن يصفه البعض بالجمود أو إخفاق ,ولتحديد عواملها يتطلب الجرأة والموضوعية والأمانة في التشخيص، وعدم مجافاة الحقائق أو الدفاع الغريزي عن الذات لأن هذا هو الطريق العملي الذي يمكن الارتكاز إليه لمعالجة أسباب والواقع القائم للوصول إلى رؤى ومواقف صائبة للانطلاق في عملية مجابهة تاريخية شاملة تسير وفق اتجاه بياني صاعد لا تحكمه ردود الفعل والعواطف، يحقق النجاح ويعالج بشمولية وعمق أسباب التراجع ، يجيب على سؤال لماذا هذا التراجع ؟ ولماذا وصلنا إلى ما وصلنا إليه، بعد كل التضحيات والدماء والآلام.؟ ما هي الأسباب الحقيقية لذلك ؟،. وما هي الدروس الأساسية المستخلصة بعد عشرة سنوات من العطاء بعيدا عن التحليلات الميكانيكية التي يستند إليها البعض؟ واختزال أي تراجع نضالي في مسالة التدبير , وبقدر ما قد تكون أخطاء في ذلك , لكن لا يجب أن نسلم أنها هي التي وراء ما تعيشه اليوم الانتفاضة. وبالتالي يجب إن نبرز وجود أسباب حقيقية موضوعية، تاريخية وإستراتيجية، دعت الاحتلال المغربي ، إلى تبني تصور أخر لوأد وقتل روح الانتفاضة في هذا الظرف بالذات, بعد ان كلفته الكثير على المستوى الخارجي والداخلي, وكانت سببا في إفلاس مشاريعه السياسية والحقوقية المشبوهة ولم بجد سوى استغلال الردة الدولية في خطاب حقوق الإنسان والديمقراطية على مستوى العالم العربي, بعد أن خدعت الشعوب العربية فيما أطلق علية الربيع "حالة مصر" الآلاف القتلى والمعتقلين والمفقودين وقمع الحريات و المحاكمات الصورية بمن فيها محاكمة رئيس شرعي منتخب , القمع المسلط على البحرينيين ,واليمن ,لعراق ,ليبيا والصمت عما يقترفه الاحتلال الإسرائيلي بالشعب الفلسطيني من تقتيل وتشريد وحصار, وكان أخرها إحراق الطفل محمد أبو خضير ,ولم تحرك القوى الدولية ساكنا بل أنها نوهت بالساسة الإسرائيليين الذين سارعوا إلى شجب الحادث لامتصاص أي ضغط دولي محتمل , والمغرب لم يخرج عن دائرة الأنظمة المستبدة التي استغلت المناخ الدولي الجديد, وعمد إلى, قمع ما تبقى من روح حركة 20 فبراير, وتضييق الخناق على الجمعية المغربية لحقوق الإنسان و التنكيل بالمعطلين وكل مظاهر الاحتجاج بالمغرب بما في ذلك قمع المكفوفين أمام منزل رئيس الحكومة " وإضافة لما هو حاصل من ردة في مواقف الدول الغربية التي اكتفت بحماية مصالحها ومهادنة الأنظمة القمعية, سخر الاحتلال المغربي إمكانيات كبيرة لعبت دوراً أساسياً لا ينبغي التقليل من حجمه الحد من مدها على المستوى المنظور من دعاية وشراء للذمم وقمع للاحتجاجات ..,. لكن بالمقابل لا ينبغي حجب الرؤية وضرورة تسليط الضوء الكاشف على الأسباب الذاتية الداخلية التي لعبت دوراً حاسماً في ضعف تمدد الانتفاضة الآونة الأخيرة وبصورة متراكمة. تمكنت سلطات الاحتلال من تكثيف كل عوامل الضغط على نشطاء الانتفاضة والإطارات التي تتميز بخروجها للشارع وتعميق واقع الانقسام فيما بينها ، وما كان لكل ذلك أن يتحقق لولا استناد الاحتلال على إستراتيجية عمل شاملة ترتكز لمجمل طاقاته وإمكاناته، ولولا الرهان بذات الوقت على قصور وضعف وتشوه العامل الذاتي للصحراويين , وعجزهم عن بلورة إستراتيجية مجابهة مجتمعية شاملة ترتكز لمجمل طاقاتاتهم وإمكاناتهم المرئية والكامنة. ويمكن أن نؤكد إن معركتنا الأساسية هي معركة مع الذات، مع التخلف في كافة مظاهره، من التخلف المعرفي إلى التخلف الاقتصادي والاجتماعي والعلمي والثقافي إضافة إلى التفسخ الأخلاقي الذي وصلنا إليه ، ودون أن نسلط الضوء باستمرار على هذا التحديات ، فإننا لن نستطيع خوض صراع مع الاحتلال الذي يعتمد في سياسته على قاعدة "جوع كلبك يتبعك ". إضافة إلى تفشي ظاهرة الانقسامات والتفكك بين الصحراويين دون أن يتمكنوا من صياغة رؤى عملية قادرة على احتواء اختلافاتهم والاتفاق على ما يمكن الاتفاق عليه , وتأجيل المختلف عليه ,سبب ذلك نتيجة الارتباك والضعف الفكري والثقافي وتباين المصالح وضعف الوعي بحقيقة المشاريع المغربية وأبعاده وسبل التصدي له وطغيان التعارضات والانقسامات على حساب التناقض الرئيسي، مما أدى إلى استنزاف الموارد والطاقات وتعميق الشروخ والصراعات، وعدم إدراك مخاطر ذلك في تقوية وتغذية العدو بنقاط قوة إضافية كبيرة. وما زاد الوضع سوءا إن الإطارات والشخصيات الوطنية بالداخل بكل اتجاهاتها لم تتمكن من الوصول إلى صياغة نظرية وعملية سليمة للعلاقة فيما بينها لمواجهة الاحتلال . حيث اتسمت العلاقة بالتناقض والصراع واختلاف التصورات والوسائل، بينما التحديات الخارجية كانت تفترض التوحد ورؤية المشترك، وهو كبير وواسع، والعمل على تطويره مع فهم حرية الاختلاف والاجتهادات وضبطها على أساس القواسم المشتركة وضرورة وجود ناظم عام من الأساسيات يجمع مختلف الاتجاهات. لا شك أن كافة المكونات الوطنية قدمت اجتهادات ورؤى, لمواجهة التحديات ،لكن للأسف أصبح البعض يعتمد فيها على البحث عن الاصطفاف على حساب القضية وأصبح كل اتجاه يدعي امتلاكه للحقيقة ويظن أن برنامجه ورؤيته وأدواته ستكفل تحقيق الأهداف والوصول إلى الغايات التي يطمح إليها الصحراويين . لذلك يمكن القول انه إذا تم مراعاة الظرف الدولي وانعكاساته وكيفية التعاطي معه بشكل ايجابي ظرفا ومكانا ,إضافة إلى علاج الاختلالات الذاتية وتقوية الروابط الوطنية على أساس الدفاع عن المشروع الوطني بعيدا عن صغريات الأمور ,ستكون الانتفاضة في أحسن حالها وسيخيب ظن كل المتربصين بها ...
بقلم الناشط الحقوقي حمادي الناصري .
