-->

زيارة ملك المغرب للعيون: دخل ليلا مثل لص وانسحب مثل هارب

تابعت زيارة ملك المغرب، محمد السادس، للعيون المحتلة ليلة أمس الجمعة 6 نوفمبر  (تاريخ فصل من فصول غزو الصحراء الغربية) علني استنبط رسائل سياسية حقيقية منها، بعيدا عن الاستغلال الدعائي للنظام المغربي. رسائل قد أفهم منها قيمة هذه الزيارة الحقيقية، خصوصا فيما يتعلق برسائله السياسية، والاستقبال الشعبي ونوعيته، وردة فعل ابناء الشعب الصحراوي في البلد المحتل على هذه الزيارة.
لكن ما وجدته مثيرا للإهتمام فعلا، هو السرية والغرابة التي طبعت هذه الزيارة التي أتت مختلفة عن كل ما عهدناه من زيارات ملكية لمناطق مغربية في الشمال مثلا وما يرافقها من أبهة وتغطية إعلامية مكثفة ودقيقة. فالطريقة التي زار بها الملك مستعمرته عجيبة وغريبة فعلا، حيث دخلها متلصصا في ساعة متقدمة من الليل، وركب سيارته المكشوفة من المطار إلى قصر المؤتمرات، وسط هتافات جموع المستوطنين المغاربة وحفنة من عملائه من الصحراويين المؤلفة قلوبهم، وربما قضى بضع ساعات (لا أحد يدري كيف قضى الملك لحظاته المسروقة في العيون) ثم انصرف هاربا وكأن أشباح آلاف الصحراويين الذين قتلهم نظامه وعسكره طيلة اربعين سنة من الاستعمار تطارده وتحرمه طيب المقام ولو لليلة واحدة فيها. وطبعا، كانت الاجهزة الأمنية المغربية قد مهدت لهذه الزيارة منذ ايام بتكثيف قمع الصحراويين، وفك اعتصامات، ومظاهرات، واعتقال مواطنين، ومحاكمة بعضهم، وإغلاق المحلات، وبث روح الرعب في أولياء العائلات ليلتزموا بيوتهم أو يحضروا صاغرين لاستقبال مستعمرهم.

حتى الخطاب الملكي الذي قدمته وسائل الإعلام على أنه من العيون، ظهر وكأنه خطاب مسجل، اللهم إلا إذا كان ملك الرباط قد وطأ أرض العيون بجزمته الاستعمارية الملطخة بدماء ضحايا سنوات الرصاص وما بعدها، وقام بكل المراسم التي نعرف جميعا بلباسه التقليدي المغربي، ثم غير ثيابه التقليدية على عجل ليلبس بدلة اوروبية ويسجل بها خطابه في أقل من ساعتين.

الدعاية المغربية بإعلامها وأبواقها المختلفة أقامت الدنيا ولم تقعدها منذ أكثر من عشرة أيام تتحدث عن مرامي هذه الزيارة، والإنجازات والمشاريع التنموية التي ستجلبها للعاصمة المحتلة وأهلها، خاصة من حلول لمشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة، ولا نتحدث هنا عن المشكل السياسي الذي تقف الرباط عاجزة عن الجلوس لحله بشجاعة مع الصحراويين ومع المنتظم الدولي. غير أن هذه الآلة الإعلامية عجزت عن نقل الصور المالوفة التي دأبت علة نقلها في كل أنشطة الملك. حتى القنوات الدولية مثل فرنسا 24 التي كانت تغطيتها للحدث أفضل من القنوات المغربية، استعملت صورا من الأرشيف لزيارة ملك الرباط السابقة للعيون سنة 2006.
وبعد الاستماع لخطاب الملك تبخرت كل هذه الدعايات على صخرة الحقيقة، لأن الخطاب لم يكن إلا تكرارا لنفس التعنت، والصلف والمراهقة السياسية المتأخرة التي يعيشها المغرب الاستعماري الذي مازال يتعامل مع الصحراويين والعالم مثلما كانت تتعامل القوى الاستعمارية في القرن الماضي مع مستعمراتها. نظام يلجأ لتوجيه التهم للآخرين حين يجد نفسه في مأزق ويرمي بمشاكله على الغير تطبيقا لنظريته المعروفة في تصدري مشاكله للخارج، أو كما يقول المغاربة "كبرها تصغار".
الخطاب وجه وبشكل مباشر إهانات متعدد للصحراويين، لكل الصحراويين سواء عملائه الخاضعين والمستفيدين من احتلال وطنهم أو اللاجئين الرافضين للإحتلال، ثم ثنى بصلفه المعهود بالتهجم على الأشقاء الجزائريين.
فملك المغرب اعترف وبكل بساطة أن دولته وطيلة 40 سنة كانت تسير المناطق المحتلة بسياسة الريع، والتجويع، والرشاوي وشراء الذمم، وبعد هذا الاعتراف، تقدم بمقترحات ولوح بنيته اطلاق مشاريع في البلد، من أموالها وثرواتها المنهوبة نفسها. يعني، وكما يقال "بضاعتنا ردت إلينا" أو كما يقول المثل الصحراوي "مال بويا يقسم علي". ليزيد الطين بلة بالحديث عن جملة من المشاريع التي يدعي نيته القيام بها فيما يخص البنية التحتية، مشاريع تريد ترسيخ الاستعمار، وتحسين الطرق لمضاعفة فرص نهب الثروات من مدينة الداخلة والعيون وبوجدور والسمارة عبر طرق سريعة.
اللاجئون الصحراويون لم يسلموا هم أيضا من الإهانات التي وجهها الملك. فهم مجرد متسولين، يقول الملك، دون كرامة، ودون إرادة وبدون حول ولا قوة. بل هم لا يتجاوزون 40 ألف متسول يمكن للجزائر أن تبني لهم بضعة بيوت يستوطنونها ليتركوا لملك المغرب وجنرالاته وأصدقائه الغربيين خيرات الصحراء الغربية لينهبوها ما يحلو لهم من نهب.
السؤال الوحيد الذي يستحق الانتباه، والذي أُصر على إعادة نشره ليتمعن فيه اللاجئون الصحراويون جيدا هو حسب كلام الملك المغربي: " هل أنتم راضون على الأوضاع المأساوية التي تعيشونها؟ وهل تقبل الأمهات بمشاعر اليأس والإحباط لدى أبنائهن والأفق المسدود أمامهم؟"
فعلى الصحراويين الإجابة عن هذين السؤالين وبوضوح ليرتاح بال الملك ويعرف أن هؤلاء المشردين، والمجوعين والمتسولين الذين توجه لهم بخطابه من أرض هجرهم منها بالقصف والنار، يرضون بكل أنواع التحديات والصعاب وحتى المآسي ويفضلونها على لحظة واحدة تحت رحمة نظام استعماري، توسعي، قروسطي، متخلف، ليس فيه مواطنون بل عبيد للملك وخدام تحت أقدامه. الصحراويون المعروفين بعزة النفس، والكرامة ورفض الظلم الذين ذكرهم على عجل، لا يرضون إلا بالحرية وحدها، والحرية لن تكون موجودة مادام في وطنهم مستعمر خاضع لنظام ملكي يستعبد الأحرار ويحتقرهم.
زيارة الملك المغربي للعيون المحتلة محاولة يائسة من نظام سدت كل آفاق المناورات أمامه فصار يلجأ لسياسة الهروب إلى الأمام لتوريط الجميع في ما سيدفع المنطقة إليه من عنف في المستقبل المنظور ما لم يقف في وجهه أسياده من فرنسيين وأمريكان ليرغموه على الخضوع ولو لمرة واحدة في حياته لمنطق العقل والتعقل، واستشارة الصحراويين بدل اعتبارهم قطيعا من الخدام في مملكته المعروفة بغياب المواطنة فيها.
وفي الأخير، استنتجت أنني أضعت ساعات ثمينة في متابعة هذه الفضيحة الجديدة التي تنضاف لفضائح زيارات ملك المغرب، فدعايته وإعلامه لم ينجح حتى في اسباغ بعض الألق الإعلامي والدعائي على زيارة جاءت باهتة، كلحظة مختطفة في ظلمة ليل، من لصوص يخشون نور النهار، زيارة لم يحضرها أيضا إلا أتباع وعبيد بلا إرادة من مستوطنين أو مؤلفة قلوبهم، أرغمهتهم سلطات الاحتلال المغربي، حسب شهود عيان من العيون المحتلة على انتظار الملك طيلة النهار من الساعة 10 صباحا حتى حلول الليل. ألا بئسا للجبناء، الا بئسا لمن يبيع كرامته وعزته ووطنه وتاريخ أجداده بحفنة من نقود.
بقلم: ماءالعينين لكحل

Contact Form

Name

Email *

Message *