-->

في ذكرى مسيرة الاجتياح واتفاقيات مدريد : استجلاء لحقائق ومواقف

تمر هذه الايام الذكرى 40 لمسيرة الاجتياح التي اراد من خلالها نظام المخزن في
المغرب "مغالطة" الراي في المغرب ومن ذر الرماد في الاعين بتسويق جريمة احتلال بالقوة وقفز على الشرعية الدولية، عبر مسيرة لم تصل الصحراء الغربية ثم ابرام اتفاقية مدريد مع الاستعمار الاسباني وشريكه يومها الصفقة نظام ولد داداد في موريتانيا .
من خلال المسيرة التي شارك فيها 350 الف مغربي ثم ابرام اتفاقية مدريد التي بموجبها تخلت اسبانيا عن مسؤوليتها التاريخية في استكمال تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية 
ففي سنة 1974 رفع المغرب بالتواطؤ مع بعض القوى، القضية الصحراوية لمحكمة العدل الدولية، مباشرة بعد ان اعلنت اسبانيا رادتها في الذهاب نحو تصفية الاستعمار وقبولها زيارة اول لجنة اممية لتقصي الحقائق والتحضير لتنظيم تلك الاستشارة، قبل ان يعلن ملك المغرب الحسن الثاني اعلان تنظيم مسيرة الاجتياح في تزامن مع نشر تلك اللجنة تقريرها 16 اكتوبر 1975،بعيد اعلان محكمة العدل الدولية افادتها القانونية في القضية
وتعود الرباط مجددا لمسلك "التعنت" وضرب عرض الحائط بالمشروعية الدولية، مجددا فتقرر رفض، تضمين خيار الاستقلال في اية استشارة لتقرير المصير لشعب الصحراء الغربية، مباشرة بعد اعلان لجنة تحديد الهوية للهئية الناخبة المؤهلة للمشاركة في ذلك الاستفتاء المصادر سنة 2000 .
و كان تقرير لجنة تقصي الحقائق التي زارت المنطقة منتصف 1975 الذي نشر في الامم المتحدة يوم 16 اكتوبر 1975 مقدمة في اطار التحضيرات التي بدأتها الهيئة الاممية من اجل تنظيم ذالك الاستفتاء الذي لازال الشعب الصحراوي ينتظره في ظل عرقلة مغربية "مستديمة" لمسار التسوية.
في الذكرى ال40 لتلك "المسرحية" والتي تتزامن مع ذكرى اتفاقية مدريد المشؤومة التي ابرمتها حكومة ارياس نافارو، في ظل اجواء ميزتها الحرب "الباردة" على المستوى الدولي والصراع على "النفوذ" في المنطقة والعالم الثالث بصفة عامة، في وقت كان الديكتاتور الاسباني الجنرال فرانكو يحتضر على فراش الموت قبل ان يلفظ انفاسه الاخيرة يوم 20 نوفمبر 1975، من الاهمية استعراض المواقف القانونية المسجلة حيال الاتفاقية وما علق بها من مسيرة و اجتياح لازالت صوره ماثلة على الارض في وطن مقسم وشعب مشرد وقضية لم تحسم ونظام يتمادى في العرقلة لجهود الامم المتحدة ومساعي الاتحاد الافريقي، من طرف هيئات و شخصيات قانونية و سياسية ، صحراوية ودولية :
- لقد حاول نظام الملك الحسن الثاني ايجاد طريقة "تشرع "الغزو للصحراء الغربية, اولا عبر "المسيرة " التي كانت مجرد "مظلة" سياسية وهالة اعلامية للتغطية على جريمة الغزو البشعة التي قام بها الجيش المغربي منذ 31 اكتوبر 1975 . ثم جاء صك اتفاقيات مدريد يوم 14 نوفمبر من نفس السنة ل"يورط" معه النظام في موريتاينا يومئذ ويشرك اسبانيا في "الجريمة" التاريخية بحسب المراقبين
ففي ذلك اليوم 14 نوفمبر 1975 صدر بيان ثلاثي : إسباني مغربي وموريتاني. يعلن عن اتفاق توصلت إليه الدول الثلاث بعد مفاوضات دامت أكثر من يومين وانتهت بتوقيع ما عرف باسم اتفاقية مدريد الثلاثية ، من ضمن بنوده: - وثيقة دعيت باسم (إعلان المبادئ)، تنص على عملية تسليم الأرض للمغرب وموريتانيا بالإضافة إلى مجموعة اتفاقيات تتعلق بالصيد والتعاون الاقتصادي والصناعي.
وقد اتضح فيما بعد أن تنازل إسبانيا عن الإقليم كان مقابل إشراكها في استغلال مناجم فوسفات بوكراع، وبقاء أسطول صيدها البحري في المياه الإقليمية الصحراوية، وبضمان قاعدتين عسكريتين لها قبالة جزر الكناري
رد جبهة البوليساريو
لقد كان رد جبهة البوليساريو، التنديد بتلك الاتفاقية كونها "مؤامرة دولية" اريد بها مصادرة حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال، مطالبة من الحكومة الاسبانية تحمل مسؤولياتها التاريخية والقانونية وعدم الضغوط لمساومات واجندات املتها مصالح دولية في ظل تلك الظروف.
فكان اعلان القلتة التاريخي وتاسيس "المجلس الوطني الصحراوي المؤقت "يوم 28 نوفمبر 1975، وحل ما كان يعرف ب"الجماعة الصحراوية" وانضواء اعضائها في جبهة البوليساريو،ردا على تلك الاتفاقية وما اريد بها من "مغالطة"، ثم جاء اعلان الجمهورية الصحراوية يوم 27 فبراير 1976 مباشرة بعد رحيل اخر جندي اسباني من الاقليم ،كما اوضحت الجبهة في المواقف المسجلة وقتئذ
رأي محكمة العدل الدولية :
طلبت الأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية رايا إستشاريا يثبت صحة المزاعم المغربية و الموريتانية حول إقليم الصحراء الغربية و مدى تاثير هاته المزاعم على تقرير المصير ، كان ذلك سنة 1974 وبطلب من المغرب بعد أن أعلنت إسبانيا نيتها في تنظيم إستفتاء حول إستقلال الإقليم.
وبعد دراسة المحكمة للموضوع ومناقشته بعمق أصدرت رأيها الإستشاري في 16 أكتوبر 1975 والذي يتضمن :" إن جميع الأدلة المادية والمعلومات المقدمة للمحكمة لا تثبت وجود أية روابط قانونية من شأنها التأثير على تطبيق القرار 1514 المتعلق بتصفية الإستعمار ومبدأ تقرير المصير عن طريق التعبير الحر لسكان الإقليم"
فحسب خلاصة راي محكمة العدل الدولية يعتبر السكان الصحراويين الأصليين القوة التي تملك السيادة في الصحراء الغربية.
رأي المستشار القانوني للأمم المتحدة (هانس كوريل):
قدم الأمين العام المساعد والمستشار القانوني للأمم المتحدة رأيه الإستشاري بطلب من مجلس الأمن سنة 2001، ويعرف "برأي كوريل"، فقد طلب رئيس مجلس الأمن من المستشار القانوني حينها، السيد هانس كوريل، أن يبدي رأيه حول:
"مدى شرعية ما تقوم به السلطات المغربية، وفقا للقانون الدولي، بما فيه قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات العلاقة، والإتفاقيات المتعلقة بالصحراء الغربية التي أبرمتها السلطات المغربية والمتمثلة في تقديم وتوقيع العقود مع الشركات الأجنبية لإستكشاف الثروات المعدنية في الصحراء الغربية".
وقد أكد هانس كوريل في الراي القانوني الذي صدر في سنة 2002 على أن إتفاقية مدريد 1975 المبرمة بين إسبانيا كقوة إحتلال من جهة والمغرب وموريتانيا من جهة أخرى:" لم تسلم السيادة على الإقليم ولا تمنح أي من موقعيها صفة القوة المديرة، وهو أمر لم يكن بإمكان إسبانيا التصرف فيه بمفردها".
وبالتالي تضيف الاسشارة القانوينة " فإن أي إستغلال أو إستكشاف للثروات الطبيعية للصحراء الغربية من طرف الحكومة المغربية يعتبر منافيا للقانون الدولي."
و قد راى الكاتب و الباحث الاسباني د.كارلوس رويث ميغيل على ان اتفاقية مدريد كانت متنفسا قانونيا فاشلا للأسباب الآتية : أولاً ان اتفاقية مدريد كصك ابرم من جانب واحد في غياب الشرعية الصحراوية لا يحول "السيادة " على الاقليم، بل "الإدارة " فقط.
ثانياً يضيف القانوني الاسباني، هذا التحويل لا يتم إلى المغرب وحده بل إلى كيان ثلاثي (إسباينا، المغرب وموريتانيا)واخيرا يقول استاذ القانوني الاسباني "هذا التحويل لا يتم إلا لمدة زمنية محددة (إلى غاية 26 فبراير 1976) يصبح بعدها هذا الاتفاق لاغيا حتى ولو تحصل على شرعية دولية محولاً الوجود المغربي إلى وجود مصطنع".
واخيرا،انسحاب موريتانيا واعترافها بالجمهورية الصحراوية الذي شكل في نظر المراقبين "الضربة القاضية" لتلك الاتفاقيات ولمسرحية المسيرة برمتها. فموريتانيا التي اقحمت في حرب خاسرة وجدت فنسها بعد سنتين تخوض غمار حرب مكلفة وفي اتون قضية خاسرة بنظر المراقبين وبالتالي دخلت مفاوضات مع جبهة البوليساريو التي توجت باتفاق سلام 5 غشت 1979 ثم الاعتراف بالجمهروية العربية الصحراوية الديمقراطية . 
ما خفي من جريمة الغزو التي رافقت مسيرة الاجتياح، في المقابر والمدافن، كان الاعظم.. فالمسيرة لم تكن سوى مطية للتغطية على جريمة الغزو العسكري الذي دشنه الجيش المغربي يوم 31 اكتوبر 1975 عبر الهجوم الكاسح على المداشر الصحراوي في اجديرية وحوزة والفرسية، ونزوح سكان تلك المداشر باتجاه البوادي والارياف..
بل ان المسيرة التي اطلق لها ملك المغرب العنان لم تكن سوى مظلة وهالة دعائية للتغطية على جريمة الاجتياح العسكري الغادر والذي تم بتوافق مع الاستعمار الاسباني وبشراكة مع النظام في موريتانيا يومها .
تلكم جريمة ستظل تلاحق نظام المخزن في المغرب اليوم وغدا .. جريمة ضد الانسانية ارتكبت في صمت اعلامي وتواطؤ دولي .. لن تمحى او تنسى من ذاكرة شعب لازال يعيش المحنة في اللجوء والشتات وتحت الاحتلال، رغم مرور 40 سنة ..
صور اسقطت من الذاكرة بفعل "التعتيم"
مع تدفق اللاجئين السوريين على اوربا، هذه الايام ظهرت صور فظيعة ايقظت ضمير العالم المريض بالسياسة والمصالح ،خاصة صورة ذلك الفتى الذي قذف البحر جثته على الشاطئ التركي، فيما تناسلت الاف الصور المعبرة عن محنة وكارثة انسانية جرفتها الحرب القذرة في سوريا وبينت تلك الصور،هبة شعوب كان ضميرها نائم .. فصور الهاربين بجلودهم من موت محقق ،عادت معها صور اخرى للاذهان كان لها الوقع على الراي العام خاصة صورة تلك الفتاة الهاربة من قصف الامريكيين لقريتها في الفيتنام سنة 1972 ،وصورة تلك الفتاة التي كانت ضحية لوحش مفترس في السودان ..ومشاهد من فلسطين، اختزلتها صورة الطفل الدرة وغيره .. لكن الراي العام تجاهل وبطريقة انتقائية التذكير ولو بالنزر اليسير صور اخرى لا تقل فظاعة عن تلك،انها صور رحلة الصحراويين الفارين بجلودهم من غزو الاجتياح المغربي-الداداهي، اكتوبر 1975 والمفارقة ان نفس المشاهد برزت في اكتوبر2015 مع تساقطات الامطار الطوفانية لكنها لم تجد طريقها في وسائل الاعلام
لقد تجاهل العالم ومن جديد وبأسف، الاشارة لما وقع للصحراويين الهاربين يومها من قصف الطائرات وقنبلة النابالم والفوسفور، والقري التي هجرها اهلها وتحولت الى اشباح في اجديرية،الفرسية وحوزة،والتي كان مصيرها يومها "التعتيم" واليوم "التجاهل" .. يا للمفارقة، رغم ان ما وقع لاخوانهم السوريين في محنتهم، وفي التنكر لهم من طرف بني جلدتهم من العرب، هو ذاته الذي وقع لاخوانهم من طرف النظام في المغرب وشريكه يومها في الخيانة النظام في موريتانيا في ظل "مؤامرة دولية" لعب فيها الاستعمار الاسباني المتواطئ مع القوى الاخرى في الولايات المتحدة، الدور الابرز،سواء في تقسيم الصحراء الغربية او في حرمان شعبها من حق تقرير المصير وتشريده من ارضه، هذا الشعب الذي لازال يندب حظه، في ظل تقاعس الامم المتحدة ومجلس الامن عن اداء مهامهما في حفظ والامن الدوليين ..
يومها كان الصحراويون عرضة للقنبلة والمطاردة في ام ادريكة والقلتة والتفاريتي،فيما كانت المدن تحت السيطرة حيث يساق الصحراويون نساء،شيبا وشبابا نحو السجون والتصفية الجسدية، فيما تسوق الة الاحتلال تلك الجرائم على انها مسيرة واعراس .. في اكذوبة لازال النظام في المغرب يلوكها رغم تقادمها ..
ولم يجد يومها الصحراويون من يقف بجانبهم سوى الاشقاء في الجزائر وفي ليبيا القذافي واليمن، و من بعض الشعوب الاوربية.
بقلم: الكاتب والاعلامي : السالك مفتاح

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *