-->

نزاع الصحراء الغربية يدخل منعطفا جديدا والمواجهة الشاملة هي العنوان القادم


بقلم: ماء العينين لكحل
بشارة الاسبوع: "لم يعد بامكان أي كان القول بأن نزاع الصحراء الغربية نزاع منسي، أو غائب عن الأجندة الدولية، حيث عاد وبقوة خلال شهر مارس بسبب المواجهة بين المغرب والأمم المتحدة، بعد سلسلة من التطورات والمواجهات التي دامت للسنوات الثلاث أو الأربعة الأخيرة على جبهات الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي. ويمكن القول الآن بأن القضية الصحراوية قد دخلت منعطفا جديدا سيكون عنوانه الأبرز هو المواجهة الشاملة مع نظام الإحتلال، وبحث المنتظم الدولي عن حل ما، وربما مقاربة جديدة للمخرج الذي لن يكون قطعا الحكم الذاتي الذي ولد ميتا، وأقبرته نهائيا تخبطات النظام المغربي، ومراهقته السياسية".
عناصر عامة وخلفيات هذه القراءة
يمكن القول أن أهم خلاصة، أو استنتاج خرج به المنتظم الدولي من المواجهة العنيفة التي اندلعت منذ يوم 7 مارس بين المغرب والأمم المتحدة، هي أن المغرب يفتقد وبشكل خطير للقيادة السياسية الضرورية التي يمكن للصحراويين، بل وحتى لأصدقاء المغرب التعاطي معها بعقلانية. 
فقد كشفت ردود فعل النظام المغربي قدرا هائلا من الاستهتار، والانفعال، وردود الفعل غير العقلانية بل حتى الوقحة، والاستعمال المكشوف للإبتزاز السياسي والاقتصادي، وانعدام تام لأبسط شروط اللياقة الدبلوماسية والسياسية. هذه "المراهقة" السياسية، كما صنفها الأخ البشير مصطفى السيد مؤخرا، أثبتت للجميع، بما فيهم فرنسا التي تستميت للدفاع عن الشيطان، أن النظام المغربي في خطر حقيقي، ليس بسبب إمكانية استقلال الصحراء الغربية، بل بسبب عدم صلاحية الطبقة السياسية التي تدير الشأن السياسي المغربي، وهي الطبقة، أو الحاشية، التي ليس بها شخص عاقل وشجاع واحد يمكنه التجرؤ على تقديم النصح لملك المغرب، الذي يدير البلاد ويتخذ القرارات العشوائية والمتشجنة على ما يبدو، بين عطلتين، دون أي اعتبار لمستقبل المملكة وضرورة الحفاظ على الحد الأدنى من العلاقات الودية والمنطقية مع الجيران. وكأن النظام الحالي، يستطيع تغيير جيرانه، أو تغيير موقعه الجغرافي.
فقد فوجئ الجميع خلال الأشهر الأخيرة بتتالي ردود الفعل المستفزة من المغرب، وأحيانا دون منطق مفهوم أو معقول، ولا نقول منطق سياسي، وقد تابعنا جميعنا ردود فعله منذ سنوات ضد فينيزويلا، وإيران، وضد السويد، والاتحاد الأوروبي، وضد إسبانيا كلما تجرأت، وهي الخادم المطيع لفرنسا على كل حال، وضد الاتحاد الأفريقي، وبعض الدول الأفريقية، ثم مؤخرا ضد الأمم المتحدة. نظام يعرف الجميع الآن، ودون أي لبس، تورطه في تمويل الإرهاب بمخدراته، وفي تغذية النزاعات في عدة مناطق من العالم أهمها شمال مالي، وليبيا، بل وحتى تونس، حليفه التاريخي، التي لم تسلم من دسائسه ومؤامراته الإرهابية إذا ما صدقت بعض الاتهامات التي سمعنا بها خلال السنوات الأخيرة.
أهم نتائج مواجهة المغرب مع الأمم المتحدة
وضعت هذه المواجهة حدا نهائيا لكل الأصوات التي كانت تنادي الصحراويين بالتنازل أو تقديم مقترحات جديدة، لأن الجميع أصبح يدرك الآن أن المشكل الحقيقي ليس في انعدام المبادرات لحل النزاع، بل في عدم وجود طرف جاد يقابل الصحراويين، ويمكن التعاطي معه بعقلانية للتوصل إلى حل لهذا النزاع الذي لم يعد قابلا للاستمرار على نفس النمط. الآن، سيكون على أصدقاء المغرب التدخل بمختلف الأشكال من أجل تمثيل نظام قاصر عن تمثيل نفسه، لإنقاذه من نفسه ومن الإنهيار أولا، ولحل مشكلة الصحراء الغربية بالنيابة عنه ثانيا.
هذا، في نظري هو ما اضطر فرنسا للتدخل ودعم المغرب في مجلس الأمن حتى لا ينهار تماما بسبب تصرفاته الرعناء. وأعتقد جازما أن فرنسا قد فوجئت مثل الجميع بالمزايدات المغربية والمواجهة التي اشعلها المغرب، دون سبب وجيه، مع الأمين العام الأممي، ثم مع بعثة المينورسو. حيث أن بعض المصادر تؤكد أن الرئيس الفرنسي كان قد نصح ملك المغرب باستقبال بان كيمون كما كان متفقا عليه، فلو كان فعل لمرت الزيارة دون أي حوادث. لكن ملك المغرب تعنت، ورفض النصيحة الفرنسية على ما يبدو، وأصر على عدم لقاء المسؤول الأممي، بالرغم من أنه لم يكن يملك أي مبرر مقنع يبرر طلبه تأجيل الزيارة. 
المهم في الأمر، ان التصرف المغربي وضع فرنسا امام الأمر الواقع، مما اضطرها للاستماتة، كما أسلفنا، وبشكل فاضح، ودون أي حجج مقنعة، للدفاع عن المغرب والخروج بأقل الخسائر، التي كانت، ويجب التأكيد على ذلك، خسارة مقترح النظام المغربي للحكم الذاتي بشكل نهائي، وخسارة اكبر لصورة المملكة كطرف عقلاني يمكن التعاطي معه.
الموقف المغربي، وتهجمه على الجميع كان من نتائجه أيضا تفهم دولي للموقف الصحراوي بشكل يكاد يكون شاملا لكل دول العالم، إذا ما استثنينا أصدقاء المغرب غير العقلانيين الآخرين من عرب وبضعة دويلات أفريقية-فرنسية. وفي النهاية، نعتقد بأن ذلك سيدفع المنتظم الدولي للتفكير في القضية الصحراوية من منطلقات جديدة، وبخلفيات أخرى، وأهم ما في الأمر أنه سيمهد الطريق للدبلوماسية الصحراوية لتقديم وجهة النظر الصحراوية المنسجمة مع القانون والعقل بسهولة أكبر لغالبية دول العالم.
المواجهة الشاملة هي العنوان القادم
رغم أن خيال الحرب خيم على المنطقة مؤخرا نتيجة للتخبط المغربي، الذي استحالت معه كل القراءات المنطقية، إلا أننا نعتقد أن العودة للحرب أمر صعب جدا في الفترة والأوضاع الحالية نتيجة لعدة ظروف جهوية ودولية. فمن جهة، لا نعتقد أن دول المنطقة مستعدة للسماح باندلاع حرب في الجزء الغربي من شمال أفريقيا، كما أن الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في غنى عن اشتعال بؤرة أخرى من بؤر النزاع في القارة. ناهيك عن أن اوروبا لن تسمح، بقدر استطاعتها، باشتعال حدودها الجنوبية، وهي التي تعاني من تداعيات الحروب واللا استقرار في المنطقة ككل خاصة في ليبيا، وتونس، وسوريا، ولبنان، وتركيا، الخ.
ولكن، هذا لا يعني أن الحرب مستحيلة، بل سيبقى ظلها مخيما على الجميع، في حين ستشتعل المواجهة هذه المرة بين الصحراويين والمغرب من داخل أروقة الأمم المتحدة، التي سينتقل إليها الصراع في نظرنا بشكل لم نعرفه سابقا. 
ولا بد هنا من إثارة انتباه القارئ لما جرى خلال الدورة الواحدة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان الأممي بجنيف، وهو في نظرنا بعض من نتائج الأزمة الأخيرة، وقد ينتقل مستقبلا إلى هيئات مختلفة. فكما تابع الجميع، قدمت 14 دولة، ولأول مرة في تاريخ مجلس حقوق الإنسان بالنسبة لقضية الصحراء الغربية، بيانا مشتركا دعت فيه لإيلاء اهتمام خاص لهذه المستعمرة، باعتبارها بلدا غير متمتع بالإستقلال ولا سلطة مديرة له. وهذه التفصيلة الأخيرة رسالة واضحة للمغرب وللأمم المتحدة التي عليها أن تتولى مسؤولية إدارة الاقليم حتى تمتع أهله بحقهم في تقرير المصير. 
هذا الخبر، لم يثر انتباه الكثيرين ربما لتزامنه مع المعركة الطاحنة التي كانت تجري في كواليس مجلس الأمن بنيويورك آنذاك يومي 23 و 24 مارس. ولكن، نعتقد أنه بداية لمشوار جديد في عمل الجمهورية الصحراوية على موضوع حقوق الإنسان، وقد يكون نقطة تحول في العمل الحقوقي الصحراوي من داخل مجلس حقوق الإنسان.
كما نعتقد أن موقف الاتحاد الأفريقي لا بد أن يتطور بشكل اكبر ليفرض المزيد من الضغوطات على المغرب وأصدقائه. وجميعنا لاحظ كيف أن الاتحاد الأفريقي قد رجع وبقوة لمتابعة القضية الصحراوية، حيث لم يتغيب عن أية محطة من محطاتها مؤخرا، منذ تولي السيدة دلاميني زوما لرئاسة المنظمة. وهنا لا يسعنا إلا أن نجدد التأكيد على ضرورة الحضور بشكل أقوى وأفضل في الهيئات الأفريقية، وملأ الفضاء المتاح للجمهورية بها بشكل أكثر قوة مما هو عليه الآن.
غير أن أكثر جبهات المواجهة تأثيرا وإيلاما للمغرب تبقى الجبهة الاقتصادية، وقضية الثروات الطبيعية. ولنا في حكم محكمة العدل الأوروبية، وما تسبب فيه من ارتباك وغضب للمغرب، خير دليل. وهنا، نعتقد أن الموضوع بات يستحق انتباها خاصا، وتخطيطا أفضل لمواصلة توجيه الضربات القانونية لنظام الاحتلال.
صحيح أننا ندرك أن الأمر ليس بالسهولة المتخيلة، ويحتاج موارد مالية كبيرة ومستدامة للتمكن من رفع المزيد من القضايا ضد كل الدول والشركات المتورطة في نهب الثروات الطبيعية الصحراوية. ويحتاج بالخصوص لمحامين وخبراء مختصين وقادرين على العمل على هذه الملفات، ولكن لا بد من بذل مجهود في هذا المجال.
كما لا ينبغي أن نغفل عن ضرورة سد كل الثغرات التي نعاني منها على المستوى الداخلي، لأن المغرب وأصدقائه لن يتوانوا الآن عن ضربنا في أي مقتل مكشوف لهم. وهنا، لا نعتقد أن القيادة الصحراوية جاهلة أو غافلة عن مواطن الضعف التي قد تؤثر علينا، وعليها أن تتحمل مسؤولياتها كاملة في سد كل المنافذ التي قد يستغلها نظام الاحتلال لضربنا من الداخل كما لم يتوقف يوما عن المحاولة. 
خلاصة
مما لا شك فيه أن القضية الصحراوية قد دخلت منعطفا جديدا من تاريخها، وهو المنعطف الذي نعتقد أنه قد يحمل حلا نهائيا للموضوع، في مرحلة مقبلة لا نستطيع التنبؤ بزمنها المحدد، ولكننا نكاد نجزم أن بأيدينا الكثير من الأوراق التي تجعلنا قادرين على التعجيل بحلوله. من جهة أخرى، علينا أيضا أن ندرك بأن النزاع في الصحراء الغربية لم يعد نزاعا بين طرفين اثنين فقط، هم المغرب والجمهورية الصحراوية، بل أصبح قضية تخضع لحسابات أطراف جهوية ودولية عديدة، وسيكون علينا الفعل من داخل ساحات مختلفة للتأثير عليها. وأهمها على الإطلاق الساحة الفرنسية.
وفي النهاية، يجب أن يعلم الجميع أن معركة الصحراويين الحقيقية هي معركة ضد فرنسا، وليست ضد المغرب. فباريس هي التي دعمت المغرب وما تزال في مغامرته الاستعمارية، وهي التي تستطيع أن تفرض عليه الخضوع للشرعية الدولية حين نضطرها لرفع يدها عن بلدنا ومصيرنا. وهي التي تعرقل الحل حتى الآن. وموقفها الأخير في مجلس الأمن خير دليل على ذلك.

Contact Form

Name

Email *

Message *