الصحراء الغربية: البند السابع هو الخيار لفرض الشرعية الدولية وضمان الاستقرار
ستظل قضية الصحراء الغربية تراوح مكانها مادامت الامم المتحدة تعالجها تحت احكام البند السادس من ميثاقها الذي يشترط حل توافقي، بل وقد تنزلق الامور نحو الاسوأ في حالة استمرار حالة الجمود. فالشرعية الدولية المتمثلة في الحق المشروع وغير قابل للتصرف للشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال طبقا لمبادئ وقرارات الامم المتحدة وخاصة قرار الجمعية العامة 1514 لسنة 1960 والذي يجب ان يكون قاعدة لاي حل لهذه القضية، يتناقض كليا مع ما يسعى له النظام المغربي الا وهو تشريع احتلاله للصحراء الغربية مستعملا كل انواع الابتزاز والعرقلة والاحتماء وراء القوى الاستعمارية ذات التأثير في القرار الدولي. وامام هذا، وبعد اختبار كل امكانات التوصل الى حل مقبول ، فانه اصبح لزاما على الدول الاعضاء في مجلس الامن ان تغير من اسلوبها باللجوء الى البند السابع لفرض الحل الذي يتماشى مع الشرعية الدولية، خاصة وان تجربة الامم المتحدة الطويلة في التعاطي مع قضية الصحراء الغربية مكنتها من معرفة من هو المعرقل وماهي مكامن الضعف والطرق الكفيلة بتعجيل الحل. فقضية الصحراء الغربية التي عمرت لاكثر من اربعين سنة تعتبر من القضايا الدولية الحساسة التي يحظى حلها باهتمام صناع القرار الدولي بهدف وقف معاناة الشعب الصحراوي الذي يعيش بين مشرد في الشتات ومقهور في داخل المناطق المحتلة من الصحراء الغربية، ولان حلها سيساهم في خلق انفراج في منطقة شمال افريقيا التي تعيش بلدانها حالة عدم استقرار وانتشار واسع لظاهرة الارهاب.
خطة التسوية المتفق عليها هي الاكثر قابلية للتطبيق
كانت الجهود الوحيدة التي استطاعت ان تقنع طرفي النزاع بالتوقيع على خطة لتنظيم استفتاء لتقرير المصير، تلك التي قادتها منظمتا الامم المتحدة والوحدة الافريقية/الاتحاد الافريقي حاليا في عام 1985 عندما بادر الأمين العام للأمم المتحدة بالتعاون مع منظمة الوحدة الأفريقية بإرسال بعثة للمساعي الحميدة أدت إلى "مقترحات للتسوية" والتي قُبلت في 30 أغسطس 1988 من المغرب وجبهة البوليساريو لتتبع بمصادقة مجلس الأمن في قراره 658/1990 على تقرير الأمين العام (S/21360) والذي تضمن النص الكامل لمقترحات التسوية، ليلي بعد ذلك قرار مجلس الامن 690 بتاريخ 29 أبريل 1990 بانشاء بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية وفقا لتقرير الأمين العام (S/22464) والذي فصّل بشكل أكبر خطة التنفيذ والتي بموجبها تم توقيف اطلاق النار يوم 06 سبتمبر 1991 وانتشار قوات المينورسو.
وتنص الخطة على فترة انتقالية يكون للممثل الخاص للأمين العام خلالها المسؤولية المنفردة والخالصة، وبمساعدة مجموعة متكاملة من افراد الامم المتحدة المدنيين والعسكريين وافراد من الشرطة، على كل المسائل المتعلقة بالاستفتاء الذي سيختار فيه الشعب الصحراوي بين الاستقلال أو الاندماج مع المغرب،على ان تقوم المفوضية السامية لغوث اللاجئين بعملية تنفيذ اعادة الناخبين المؤهلين للتصويت الذين يعيشون خارج الصحراء الغربية. ورغم العراقيل المتكررة للحكومة المغربية بشأن الناخبين والتي تسببت في تأجيل الاستفتاء عن تاريخه الذي حددته خطة التسوية في فبراير 1992، الا ان لجنة تحديد الهوية التابعة للبعثة الاممية استطاعت في يوليوز 1998 نشر القائمة الاولية للناخبين المؤهلين للتصويت التي تضمنت 84251 شخص.
ورغم ان نية المملكة المغريية كانت واضحة في التملص من مسلسل تنظيم الاستفتاء بعد نشر القائمة الاولية، الا ان الامم المتحدة ظلت تسعى الى محاولة كسر الجمود القائم في المسلسل ادراكا منها ان الاستفتاء هو الحل الوحيد لانهاء هذا الصراع. وفي هذا الاطار جاءت فكرة المبعوثين الشخصيين للامين العام للامم المتحدة في محاولة لمساعدة الاطراف على التغلب على القضايا العالقة، والذين كان من اشهرهم السيد جيمس بيكر كاتب الدولة الامريكي السابق الذي حاول في مقاربته لسنة 2004 المزج بين مواقفي الطرفين كاقصى ما يمكن تحقيقه في هذا الاتجاه. الا ان المغرب، وطبعا بدعم من فرنسا، رفض تلك المقاربة ليكون بذلك اعاد القضية الى وضعها قبل البدء في تنفيذ خطة التسوية.
المتغيرات الدولية وتأثيرها على مسار الحل واستغلالها من طرف المغرب للتملص من مخطط التسوية
لقد بدأت خطة تنظيم الإستفتاء في الصحراء الغربية مع نهاية الحرب الباردة، وهو الامر الذي وسع من مجال مناورات المملكة المغربية في التماطل والعرقلة واعطى لحلفائه الفاعلين في مجلس الامن فرصة سانحة لوضع القضية جانبا. اضافة الى ان الولايات المتحدة الامريكية، القوة التي خرجت منتصرة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، انشغلت باقامة النظام العالمي الجديد ومكافحة الارهاب ووضعت في اولويات اجندتها مناطق اخرى بعيدة عن المنطقة. كما ان العديد من الدول هي الاخرى انشغلت بتداعيات انتهاء الحرب الباردة وانعكاسات النظام العالمي الجديد على اوضاعها الداخلية خاصة بتكييف نظمها الاقتصادية مع متطلبات التعاملات الاقتصادية العالمية الجديدة والصعوبات التي انتجتها الازمة الاقتصادية العالمية بعد ذلك.من جهة ثانية راهن النظام المغربي على انشغال الحليف الرئيسي للقضية الصحراوية، الجزائر، بحربها على الارهاب الذي كان في اطار مؤامرة تهدف الى زعزعة استقرار الجزائر وأمنها، والذي ثبت تورط المغرب وحلفائه فيها.
لقد اوهمت هذه المتغيرات الظرفية مجتمعة المملكة المغربية بانها فرصة كبيرة للسيطرة على توجيه مسار الحل بما يخدم توجهاتها في تشريع احتلالها للصحراء الغربية. وفي هذا الاطار كان حاضرا في المخطط المغربي الرهان على عامل الوقت من اجل التأثير على معنويات الصحراويين واضعاف صمودهم وفقدان الامل في مستقبل القضية. وهنا اتت فكرة تقديم ما يسمى بمقترح "الحكم الذاتي" لسنة 2007 من باب المزايدة على مخطط التسوية وعلى شرعية القضية باعتبارها مسألة تصفية استعمار.
كان النظام المغربي يظن ان الظروف سمحت له بالانفراد في اتخاذ قرار تشريع احتلاله للصحراء الغربية، مدعما في ذلك من طرف حلفاءه المقربين خاصة فرنسا التي ظلت تستعمل كل وسائل ضغطها للتأثير على الامناء العامين للامم المتحدة ومبعوثيهم الشخصيين لوقف اي تقدم باتجاه تنظيم الاستفتاء وفي كل ما من شأنه ان يسبب آذاء للمغرب او يفسد مخطط استعمال عامل الوقت لفرض الامر الواقع.هناك عوامل اساسية افشلت الخطة المغربية؛ اولها: ادراك جبهة البوليساريو بصعوبة الظروف وحجم المناورات المغربية الهادفة الى نسف خطة التسوية، وبالتي كان قرارها بالتعاطي مع مسلسل التفاوض حكيما من اجل تعرية الموقف المغربي واثبات للعالم عدم توفره على ارادة سياسية للحل، وهو الامر الذي كشفته جولات المفاوضات واقر به الامين العام للامم المتحدة في تقريره S/2014/258 بتاريخ 10 ابريل 2014. ثانيا: الانتفاضة في المناطق المحتلة التي سقطت كالساعقة على رأس النظام المغربي واعطت بعدا جديدا للقضية من خلال تدويل الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية ونهب الثروات الطبيعية، مما اثار القضية القانونية للاقليم وانعكست في الاستشارة القانونية للمستشار القانوني للامين العام للامم المتحدة السيد هانس كوريل فبراير 2002 وتلاها قرار المحكمة الاوروبية ديسمبر 2015. ثالثا: التفاف الشعب الصحراوي، الذي تضاعف عددا، حول ممثله الوحيد والشرعي جبهة البوليساريو وتأكيده على عزمه في مواصلة كفاحه المشروع في مخيمات اللاجئين والشتات هذا اذا ما اخذنا الصحوة الوطنية المتصاعدة في المناطق المحتلة. رابعا: نجاح الحليف في حربه على الارهاب الذي جعله يحظى باهتمام صناع القرار الدولي خاصة الولايات المتحدة الامريكية والروس وان يكون وجهة اقتصادية هامة مستقبلية، يضاف الى ذلك دوره المحوري في حل عديد من القضايا في المنطقة والعالم وهو ما اهله ليكون فاعلا قويا قاريا ودوليا. وخامسا: استعادة الدور الافريقي في تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية باعتبارها آخر مستعمرة في افريقيا وكون الجمهورية الصحراوية عضوا في الاتحاد الافريقي، يضاف الى ذلك اتساع دائرة الدعم والمساندة لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والى حد الاعتراف بالجمهورية الصحراوية لتشمل بعض الدول الاوروبية.
التعنت المغربي يجعل مصداقية الامم المتحدة على المحك، ويضعها امام تحمل مسؤولياتها
لقد اكدت الامم المتحدة وخاصة مجلس الامن مرارا وتكرارا انشغاله بالاوضاع غير المستقرة في منطقة شمال افريقيا والتي صارت ملاذا انتعشت فيه العديد من الجماعات الارهابية، وهو الامر الذي اصبح يفرض على صناع القرار الدولي مراجعة سياساتهم في تلك المنطقة بما يخدم السلم والاستقرار العالمين. وهنا تأتي الدعوة الى ضرورة حل قضية الصحراء الغربية لتجنب اي انزلاق يحدث بسبب الانسداد الحاصل في عملية السلام، حيث قام الامين العام للامم المتحدة السيد بان كي مون نفسه بزيارة المنطقة في محاولة لدفع الطرفين الى الدخول في مفاوضات جادة تفضي الى تقرير مصير الشعب الصحراوي، وهذا ما عكسه في تقريره S/2016/355 بتاريخ 19 ابريل 2016 المقدم لمجلس الامن الدولي.
لكن المغرب بعد فشله وحلفائه في اتخاذ من الامم المتحدة مظلة لتشريع احتلال الصحراء الغربية، وبعد انجلاء حقيقة واهداف مقترحهم "للحكم الذاتي" الذي ولد ميتا، لجأوا الى مناورات الابتزاز والرفض المباشر، التي كان طرد المغرب للمكون المدني لبعثة المينورسو احد سيناريوهاتها الرئيسية لتعقيد القضية على اعضاء مجلس الامن في محاولة ثانية، بعد فشل مخطط مقترح "الحكم الذاتي"، لجعل الاعضاء يقبلون بواقع الاحتلال المغربي للصحراء الغربية. لكن ما حصل هو العكس، فلأول مرة تحدث خلافات داخل مجلس الامن حول الاطار الذي يحكم التعاطي مع قضية الصحراء الغربية، والتي خلص الجميع الى انها قضية تقرير مصير شعب لا يتم الا عن طريق اشراف الامم المتحدة الكامل على عمليته من خلال استفتاء حر، عادل وشفاف.
ان الانقسامات التي وقعت داخل اعضاء مجلس الامن والتي انعكست في التصويت على القرار 2285/2016 بتاريخ 29 ابريل 2016، هي في حد ذاتها رسالة قوية للمملكة المغربية تحذرها من السير في طريق تحدي المجلس وقراراته وان عواقبها ستكون وخيمة، كما انها اكدت على تقلص وفشل حلفاء المغرب داخل اعضاء مجلس الامن. والاهم من كل هذا، هو المواقف التي عبر عنها اغلب اعضاء مجلس الامن نحو اتخاذ اجراءات صارمة تجاه المملكة المغربية لأن لا يتكرر ما فعلته مع بعثة المينورسو في بعثات اخرى عبر العالم. إن 90 يوما التي امهلها مجلس الامن للمغرب للعودة الكاملة للمكون المدني واستئنافه لعمله بصفة عادية، اشارة الى ان ما يخالف هذا الاجراء ستكون ردة فعل المجلس عليه قوية وقد يلجأ الى فرض قراراته، وهنا تلميح ضمني الى امكانية اللجوء الى البند السابع من ميثاق الامم المتحدة.
الخلاصة:
ان الاحتلال غير الشرعي للصحراء الغربية من طرف المملكة المغربية وصل نهايته، بعدما تأكد على اعلى هيئة اممية ممثلة في مجلس الامن ضرورة حل قضية الصحراء الغربية على اساس تمكين الشعب الصحراوي من حقه غير قابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال مثلما نص على ذلك القرار 1514 للجمعية العامة للامم المتحدة سنة 1960 القاضي بمنح الشعوب حقها في تقرير المصير والاستقلال. وانطلاقا من ذلك فان استفتاء باشراف الامم المتحدة هو الحل الوحيد لهذه القضية.
كان للمتغيرات الدولية والمصالح المتداخلة وقع كبير على مسار حل قضية الصحراء الغربية، وهو ما جعلها بين مد وجد في التعاطي الامم المتحدة معها رغم ان هذه الاخيرة ظلت متمسكة بقراراتها التي تدعو الى تمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير والاستقلال. محاولات المغرب في القفز على حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال ومقابل ذلك تشريع احتلاله للصحراء الغربية كلها باءت بالفشل وانكشف وجه النظام الاستعماري المغربي على حقيقته. من جهة ثانية كان لتعاطي جبهة البوليساريو مع الامم المتحدة في مسلسل السلام وقعا ايجابيا نتج عنه ثقة واحترام لاهداف كفاح الشعب الصحراوي، حتى ان تجربة الدولة الصحراوية اكدت قدرتها على ضمان الامن والاستقرار في المنطقة، وبالتالي زالت كل المخاوف التي كان يروج لها المغرب.
كان اجتماع مجلس الامن ابريل الماضي، بداية لتعامل جدي مع ملف قضية الصحراء الغربية، واتضح من خلال المواقف المعبرعنها من طرف الاعضاء اهمية حل القضية وخطورة انزلاقها مراعاة للاوضاع المتردية في المنطقة. وانطلاقا من ذلك لايستبعد ان ان يلجأ مجلس الامن للبند السابع في حالة عدم قبول المغرب بعودة افراد البعثة المطرودين واستئناف مهامهم، واذا سارت الامور كما اراد المجلس فان استئناف التحضير لتنظيم الاستفتاء هو الارجح.
بقلم: الديش محمد الصالح