-->

التمييز في المجتمع الصحراوي لم ينتهي بعد


التمييز ضدّ أصحاب البشرة السوداء في المجتمع الصحراوي، جرح ينزف في صمت لم يندمل رغم عديد التغيرات الاجتماعية والثقافية ومظاهر الانفتاح التي يشهدها المجتمع نظرة دونية يبطنها البعض ويتجاهر بها البعض الآخر ولا تخلو من التحقير في أغلب الأحيان
أليس أهل النار سودا وأهل الجنّة، كلّهم، بيضا في مخيالنا الشعبيّ… أمثلة وتعبيرات عديدة ساكنة فينا من بقايا عصور العبودية والانحطاط، في مجتمع نتبجّح بالقول عنه إنه متفتح ومنفتح ومتسامح… وهلم جرّا من المصطلحات الفضفاضة الخالية من معانيها الحقيقية
هكذا نرى ونتعامل مع السود الذين يمثلون جزءا هامّا من نسيجنا الاجتماعي والثقافي ومن تاريخنا ” الأسود”
السود وإرث العبودية الثقيل :
في 2009 تمّ إلغاء الرقّ من طرف السلطة الصحراوية ليس عن طريق قانون انما عندما تحركة الدولة الصحراوية من اجل الغاءها تحت ضغوط جمعية الحرية و التقدم وجميعات حقوق الانسان العالمية كان الهدف من ورائها اسكات صوت جمعية الحرية و التقدم المناهضة للعبودية في الصحراء الغربية وهو مفاده أنّ السود في الدولة الصحراوية لم يكونوا هم المستهدفين من هذا الاجراء، ولكنهم استفادوا منه رغم أنه لم يلغ واقع العبودية بالنسبة إليهم، إذ تواصلت لعدة عقود بعد هذا القرار، خاصّة في المناطق الصحراوية المحرر حيث يوجد عداد كبيرة من المسترقين، الذين تمّ جلبهم منذ الفترة الوسيطة من مناطق جنوب الصحراء لاستغلالهم كعبيد وخدم، حيث أنّ امتلاك العبيد والخدم السود كان نوعا من الوجاهة الاجتماعية.
وحتى بعد أن تمّ القضاء نهائيا على العبودية فإنّ رواسب تلك الفترة قد ظلّت سارية في ظلّ نظام اجتماعيّ بقي وفيّا للماضي، حيث بقي الأسود يلقّب بالعبد والخادم حتى وهو حرّ، كما أخذ الكثير من السود أسماء وألقاب مالكيهم السابقين وبذلك بقوا يحملون إرثهم العبوديّ في مجتمع، لا يزال إلى حدّ الآن في كثير من المناطق، يرفض المساواة، بل ويصرّح بها ويفصل بين الأبيض ( الحرّ) والأسود (العبد) حيث أنّ الثقافة اليومية المتداولة، وجملة الرموز التي يتناقلها الناس في معاشهم اليوميّ، لا زالت تحتفظ ببقايا هذا التمييز، وذلك باستعمال مصطلحات وصفات من القاموس اللوني الذي يتمّ تلطيفه لإصباغ.
بقيت دولة الصحراوية على مدى عقود من الزمن رهينة التمييز العنصري ، وهي الآن بعد أكثر من 40 سنة من احتلال المغرب للصحراء الغربية التي لا تقيم تشريعاتها على أيّ تمييز سواء لون البشرة او القبيلة ، او زاوية التمتع بالحقوق المدنية والاقتصادية أو الاجتماعية أو من زاوية الإفادة من الحقوق السياسية، تصويتا أو ترشيحا أو تبوّءا للمسؤوليات المتقدمة بأجهزة الدولة، قد بقيت رهينة اللون الواحد، رغم أنّ نسبة السكان ذوي البشرة السوداء هي في حدود العشرة بالمائة، ليبقى السود مغيّبين عن المناصب العليا في الدولة، حيث لم يسبق أن تقلّد أيّ أسود منصبا وزاريا، كما لم يدخل تحت قبة البرلمان أيّ نائب أسود كما لم يسجّل العنصر الأسود في قائمة السفراء إلا في مناسبتين اثنتين على مدى ربعون سنة
وبهذا يبقى السود خارج فضاء السلطة نتيجة لمجتمع يرفض ارتقاء الأسود الموسوم بالدونية لدى البعض هذا الإقصاء إلى “اللامساواة الاجتماعية وإلى تراث التهميش الذي تعرّض له هؤلاء لعدّة قرون، والذي منعهم من التدارك الاجتماعي في الدولة الوطنية الحديثة، وذلك ما يجعل حظّهم في إفراز النخب السياسية العليا بالأساس قليلا ومنعدما ويحتاج إلى الكثير من الوقت لكي يتحقق “.
ومع هذا فإنّ كلّ هذه العوائق والحواجز لم تمنع من وجود عديد التجارب الثنائية الناجحة التي آمنت بقيمة إنسانية ثابتة، وهي قيمة الحبّ التي تبقى قادرة على كسر كلّ القيود والحواجز المجتمعية البائسة .
وهنا فإنّ النخب والفاعلين الثقافيين مدعوّون للتعامل مع بقايا الثقافة التقليدية، من أجل تغييرها، حتى تبرز قيم المساواة الأنطولوجية بين الناس بعيدا عن لونهم أو عرقهم او قبيلتهم .
بقلم : غالي احمد

Contact Form

Name

Email *

Message *