الحراك الفكري للمثقفين ،،،وأزمة تنظيمنا السياسي (قراءة نقدية للمشهد السياسي الصحراوي)
لم يعد هناك ما يخفي على أي متتبع للتنظيم السياسي الصحراوي تجاه ما يعانيه هذا الأخير من أزمة فكرية يعيشها اليوم وقد تقوده نحو المجهول, ذلك أن الطبقة السياسية في الجبهة باتت مترددة ولم تهتد بعد إلى مخرج يمكنها من التوفيق بين قدرة ألياتها التنظيمية في الواقع, وتحقيق أهدافها وتأثيرها على مستوى التفكير السياسي الذي يعيش به شعبنا في هذه المرحلة بالتحديد, وهو ما أنتج جمودا في أساليب التفكير وماشكله من عقبات تسييرية لازالت عالقة في الأذهان , لا احد استطاع لحد ألان إيجاد سبل أو حلول مقنعة للخروج منها, ورغم تعدد الأسباب وتراكم التجربة إلا أن ذلك لم يحسم وقتا خاصا للتقييم والمراجعة على مدار أكثر من 26 سنة على وقف إطلاق النار.
ورغم المحاولات المتتالية في قولبة بنيات التنظيم السياسي على أشكال مختلفة وتجربة أنماطا متعددة للتسيير الاداري والسياسي ( الدمج والفصل) إلا أن ذلك لم تحقق اتفاقا واجماعا في الطرق والوسائل التي سيتم إتباعها بغية الخروج من بوتقة اجترار ماقمنا به بالأمس, وهو ما شكل أزمة فكرية عميقة داخل أدوات التنظيم السياسي وأليات التسيير الثورية للجبهة، دعمها وجود خلاف جوهري حول أيهما أكثر أهمية ودوائية في للمرحلة ـ الجبهة أم الدولة ـ على الأقل من الناحيتين التنفيذية والواقعية, ولعل ذلك يرجع بالأساس إلى تراجع ومحدودية تفكير المواطن الصحراوي ومحدودية نضجه السياسي وعدم قدرته على الابداع والمبادرة بمدلولها الثوري دون ان يكلف نفسه قبل أي ممثل سياسي له بذل مجهود بسيط في تغيير كل ما يحيط مضمونا ومظهرا, ومدى تأثره بما يشغل حياته اليومية ويحفزه على عدم التأثر بأي شيء أخر متى كان مناضلا سياسيا مثقفا أو على الاقل مواطنا متفهما بدرجة أولى لغايات وجوده وما ينتظر منه القيام به في هذا الوقت الخاص من نضالنا المستمر ضد الاحتلال والعدوان.
وهذا ما يفسر النظرة الحالية التي تبقى شاهدا على تراجع وتيرة العملية السياسية والإرادة المبذولة في سبيل تطويرها, باعتبارها المرآة العاكسة للواقع الثوري وللمشهد النضالي العام الذي يفترض به التطور باستمرار, وهو ما يلمسه ويدركه المواطن عندما يسأل نفسه عن دوره في كل يوم يمر من حياته, وماذا أصبح عليه, وأين وصل مؤشر نضاله بين باقي الصحراويين, وهل هو اليوم مستعدا للتضحية من اجل وطنه أم العكس؟.
غير أن هذا الدور المنتظر لا يبدو مريحا إذا ما كنا نعاني أزمة في من يصنعه, أو يبلوره ويظهره أمامنا كمواطنين ويدفعنا الى التقرير او الفعل عن دورنا كمناضلين ومدافعين عن وطن وقضية, أو على الأقل من يدلنا على مكانه إذا اعتبرنا انه فعلا موجود. ولكن الحقيقة التي تلوح في الأفق لا تنبئ بوجود أي شيء من ذاك القبيل, وهو ما يدعوا إلى مراجعة شاملة لبعض المسائل العامة المتعلقة بمفاهيم ودلالات وأليات التنظيم السياسي للجبهة، لاسيما بعد إيجاد ميكانيزمات تخصصية داخل مركزية أمانة التنظيم السياسي أعني هنا (الأمانات الخمس)، والتي يبقي المستوى الفكري لمن ينظر لها، او يعمل بها واحد من أهم عوامل نجاحها في تطوير الاداء السياسي وربطه بيوميات المواطن أينما كان, كون التنظيم السياسي من المفترض فيه أن يلعب دورا بارزا في توجيه عقول الشعب ويساعد أيضا في تنوير مرآته الفكرية والثورية التي تحملها وتوجهها الطبقات المثقفة في الاتجاه الذي يخدم المصلحة العامة, ويساهم بالنتيجة في تطوير الحياة الفكرية للمجتمع, ذلك ما يثبت مسؤولية بنيات التنظيم السياسي للجبهة والياتها التسييرية قاطبة، التي تبقى ـ كما أقره المؤتمر الشعبي العام ـ هي المساهم الأكبر في تجازو هذا التقوقع و الانحباس في مثل هذه الأزمات, وهذا ما تبرهن عليه الهوة الشاسعة الموجودة بين هياكل التنظيم السياسي والقاعدة الشعبية فيما بين الأطر والقيادات السياسية وباقي افراد الشعب الصحراوي كقواعد شعبية اساسية من جهة, وفيما بينها وبين باقي الطبقات المثقفة في المجتمع من جهة أخرى.
إن هذه الهوة التي ظلت إلى وقت قريب تشكل اختلالا واضحا في النسق السياسي والنضالي والفكري العام لهي السبب الحقيقي وارء تذمر القواعد الشعبية والطبقات المثقفة على السواء في ما ألت إليه الامور منذ المؤتمر العاشر للجبهة, وكان من المفيد تدخل الطبقة المثقفة حرصا على المصلحة العامة للشعب كمبادرات تطوعية مبتكرة من جدان التجربة لتكون خولصة جامعة وثمرة ناضجة لرغبة كل طرف في تسوية المطبات والمسافات التي من المؤكد أنها لاتخدم أي صحراوي يؤمن بعدالة قضيته، وهو ما ا ستدعى وجود مثل هذه المبادرات الفكرية التي أصبحت تؤدي دور النخبة المصلحة والتي باتت تستنير بها القيادة السياسية، وتستبشر القاعدة الشعبية خيرا بظهروها طمعا في العودة بالشعب إلى جادة العملية السياسية الموجوة منه, تأكدت هذه المبادرات بعد ندوتي موقع المصير نيوز وموقع لاماب المستقلة( وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة) بالامس القريب، وماسبقهما من منابر إعلامية بادرت إلى تشريح الواقع وعرضه للشمس تحت أشعة الضوء لتبدي النخب والمثقفين والمراقبين والمتابعين للشأن السياسي أرئهم ووجهات نظرهم خدمة لقضية وتصويبا لنصف العقل المسيير والمنظر والموجه للشعب بأطيافه، وقد حدث هذا طبعا بعد قطيعة طويلة بين القمة والقاعدة بفعل غياب بارز للنخب المثقفة وتململها بين الانحياز للقاعدة الشعبية او الارتكان لصف القمة بقيادتها السياسية، في الوقت الذي كان حري بها ربط اللحمة بين الشعب وقيادته ردما للفجوة السياسية وملأ للهوة التي تركتها ظروف معتددة ومختلفة (..) تتماهى في كل الاتجاهات.
كل ذلك ولد اهتمامات ذاتية نقرؤها من وجوه أفراد الجيل الواحد وبين أجيال الشعب عامة، لكن الجيل الجديد كان أكثر جرأة في مناقشتها وعرضها امام التفكير النضالي والنخبوي من جديد، ولو أنها ظلت لسنوات وسنوات حبيسة ذهن كل سياسي وهاجسا أمام كل مواطن وعقبة عويصة تعترض كل مثقف يدرك تمام الإدارك ما ألحقته مثل هذه الأزمات بالأداء السياسي الذي وصف بالباهت وبالفعل النضالي المنعوت بالضعيف لكافة مكونات الشعب الصحراوي منذ وقف اطلاق النار في 1991، والذي مازال يعيش المواطن الصحراوي على ما يشبهه للأسف الشديد الى اليوم.
فهذه الهوة وذلك الاختلال هما ما ولدا حراكا داخليا على مستوى النخب المثقفة والمنضوية تحت مؤسسات الدولة والجبهة لاسيما منها الفاعلة في الأرض المحتلة وفي المواقع الجامعية من الطلبة وحملة الشهادات والخريجين والمعطلين والنشطاء الحقوقيين وغيرهم، ومازال الى اليوم هذا الحراك ينضج بهدوء وفي دروب متعددة, تماما مثلما تجسده الاختيارات المختلفة لبعض المثقفين والغيورين على مسار المشروع الوطني بمبادراتهم الذاتية وبمجهوداتهم الشخصية حفاظا على ما أنجزه التنظيم السياسي من مكاسب وانتصارات في سنوات ماضية, ورغم نأي البعض الأخر منهم عن المشاركة في عديد المجالات التي تحدد وتوجه التفكير الصحراوي كما نشاهده اليوم على ارض الواقع, ومتى وجدت فضاء ا ت ومناسبات لذلك كانت تستغلها احسن استغلال.
فهذا الواقع المتأزم لتنظيمنا السياسي بحاله ذاك هو ما ترك انطباعا غير محمود لدى فئات أخرى من المفكرين والمثقفين والسياسين الصحراويين، فضلوا البحث عن لقمة العيش بطرقهم الخاصة بعيدا عن أي تأثير في الدور المصلح والمنير لاذهان وعقول الشعب وقياداته رغم حاجتنا لهم ولقدراتهم ومواهبهم وامكانياتهم لمصحلة الشعب وقضاياه السياسية والفكرية والثقافية, فأصبحوا يلعبون دور المتفرج على كل ما يحدث في المشهد السياسي الصحراوي العام في ظل تلك الظروف التي يعانيها المواطن الصحراوي المتشعب فكريا والمهموم لحد الان عمليا وواقعيا, وهنا تتجلى الضرورة الملحة بوجود هذا الحراك الفكري والسياسي الذي لم يرقى بعد إلى درجة من الرسمية والوضوح في واجهة المشهد التنظيمي والسياسي للجبهة, إلا انه سيشكل بداية جديدة ومحمودة حتى الأن من طرف القيادة السياسية ذاتها مثلما عبرت عنه الاخت مريم السالك أحمادة والي ولاية أوسرد امس في ندوة لاماب المستقلة، وقد يلعب هذا الحراك الفكري دورا قياديا في تطوير العملية السياسية ويزيد من نضج تنظيميا السياسي, لاسيما حين إعادة النظر في تركيبة ومستوى ادوات تسييرنا السياسية ووقت الاقدام على قرارات جريئة تعزز مصداقية التنظيم السياسي للجبهة نمطا ووسائل.
بقلم الأستاذ:إبراهيم/محمد/أمبارك.
المحبس في:15/12/2016 .