-->

المغرب والبوليساريو والإستفتاء.. هل سيعود هذا الأخير غدا؟


قَبْل ربع قرن وقّع المغرب مع البوليساريو على استفتاء لتقرير المصير في الصحراء الغربية، يختار فيه الصحراويون بين استرجاعهم لإستقلالهم وبين بقائهم مع المحتل؛ وهبّت المخيمات شرق حزام العار المغربي تحزم أمتعتها فورا وتضعها في صناديق كبيرة مكعّبة مستطيلة الشكل، سُميَّت على بركة الله "صناديق العودة". لكن "العودة" التي عوَّل الشعب عليها في ذلك الوقت، مطلع التسعينيات في القرن الماضي، لم ترَ النور مثل "الإنطلاقة" قبل ذلك في السبعينيات والثمانينيات، وإنما ماتت وهي في الأرحام دون أن يفرح بها أحد، مما جعل تلك الصنايق الضخمة المصنوعة من الخشب والزنك تتحول إلى مخازن تصون تموين اللاّجئين من الأتربة والصراصير وأشعة الشمس!.
وكان من قتَل "العودة" وأعفى صناديقها منها، و وضع أمل الصحراويين في لَمِّ شملهم على وطنهم رهن الحبس أنذاك، هو الإستفتاء نفسه الذي تخلّى الخصم عنه، وما زلنا نحن ننتظره كمن ينتظر نزول المسيح عليه السلام!.فقد وضعت البوليساريو ثقتها في الأمم المتحدة، و وميثاقها وقراراتها، وملجسها للأمن، واتكأت على عدالة القضية الوطنية وحق الشعب الصحراوي الثابت في تقرير المصير، لذلك أنتظرت الجبهة بأمل طويل وأعصاب باردة أن يفرض مجلس الأمن قراره المتضمن بلإستفتاء، فيما وضع المغرب، الذي لم يلتزم بشيء، ثقته في جداره العسكري المعروف بـ"جدار العار"، وانتهج مخططا لشراء الذمم وتقديم الرُشَى على نطاق واسع عبر العالم، انكشف أمرها فصار يغلفها في شكل "مشاريع"، و"مساعدات" و"هدايا"!، كما نراه يفعل في بعض الدول الإفريقية الآن، معتمدا على عوائد نهبه لثرواتنا الوطنية.وهكذا بينما تراهن البوليساريو الآن على المبادئ والأسس القانونية، التي يفترض أن المجتمع الدولي يدافع عنها، لتصفية الإستعمار من الصحراء الغربية، ينتظر المغرب أن يأتيَ "البقشيش" أكله في التغلب على الشرعية الدولية وقوة الحق في تقرير المصير!.و رغم أن المغرب هجَر الإستفتاء منذ التسعينيات، وقال علنـًا بأنه "مستحيل التطبيق"، إلا أنه ظل يتحدث عنه في الكواليس، ويستغله دبلوماسيا كحجة، لإقناع الدول التي تعترف بالدولة الصحراوية بتجميد اعترافها مؤقتا، ريثما يقرر الصحراويون في الإستفتاء، ذلك الذي تخلّى هو عنه، بين دولتهم المستقلة وبين التبعية!!.ولم يكن الصحراويون، كشعب، يرون الإستفتاء عدا أنه "لصّ"، خدعهم وطاح على جزء من مكاسبهم، قبل أن يهرب ويتحول إلى سراب وهباء منثور!. لقد قلّص الإعترافات بالدولة الصحراوية، وأسكت بنادق الصحراويين لتحرير أرضهم أكثر من ربع قرن، وجاء بعملية تحديد الهوية التي تَعرَّف من خلالها الخصم على أحشاء مجتمعنا وجيناته، فضلا عن أنها نبشت في قبورنا المنسية عن كل ما يفرق ويمزق، من قبلية وجهوية وعنصرية ورموز أخرى أكل عليها الدهر.لقد عُرض "الوهم" المُسمَّى الإستفتاء على الصحراويين ثلاث مرات في خمسين عامْ؛ مرة قبل أن يذهب فرانكو إلى مثواه الأخير، فرفضه شعبنا وحمل ضده شعاره الثوري: "بالفداء نحطم لعبة الإستفتاء"، وهو ما حصل فعلا حين حمل الشعب الصحراوي السلاح ضد إسبانيا مطلع السبعينيات. ومرة حين قسَّمت المخالب وطننا في مدريد في ما يعرف بالإتفاق الثلاثي المشؤوم عام خمسة وسبعين، إذ أوصت "المعاهدة" الأطراف بإحترام إرادة الشعب محل "الصفقة" بأن تتم استشارته, عبر "جماعته" القبلية البائدة, ماذا يريد.ومرة إقترح الملك المغربي السابق، الحسن الثاني، على جبهة البوليساريو أمام الوحدة الإقريقية، قبل خمس وثلاثين سنة، الإستفتاء، قبل أن يُخْلِف الراحل وعده ويتلعثم في التزامه ويتقهقر إلى الخلف؛ أحيانا يقول بأن الإستفتاء الذي قصده هو "استفتاء تأكيدي" سؤاله واحد فقط: "ماكْ يَحُوتْ شرْبو واللّ موتْ"!، وحينا آخر قال بأنه إذا صوَّتت الأغلبية في الإستفتاء المزمع بـ"الإنفصال" فسيدعم هو "الأقلية المهزومة"، وسيُسلّحها لكي ترفع عنها الظلم!. وهكذا ظل الملك يلف ويدور ويتثعلب إلى أن رحل وترك وصمة عار احتلالهم لبلدنا تشوه المغرب وتعزله كالبعير الأجرب.وبعد ذهاب الحسن الثاني ومجيء محمد السادس، حيث تربع الإبن في مكان الأب على العرش العلوي في المغرب، "وقع الشاعر على الشاعر كما يقع الحافر على الحافر"!، إذ ورَّث الوالد لولده مشكلة احتلالهم للصحراء الغربية، جنبا إلى جنب مع عرش وقصور العلويين وممتلكات الشخصية الأخرى ونظام الحكم في المغرب، ولم يعرف الولد كيف يميِّز الحلال من الحرام، ولا كيف يُخلّص التمرة من النواة؛ وهكذا وقَّع على الإستفتاء لتقرير المصير في الصحراء الغربية، قبل أن يتلكأ فيه ويتراجع عنه هو الآخر، ليكون وعده كوَعد سلفه أشبه ما يكون بمواعيد عرقوب.محمد السادس نظامه الذي تنكر لإلتزاماته، وضرب عرض الحائط بكل قرارات الأمم المتحدة وميثاقها ومبادئها، وإجراءاتها، والذي خرق في الآونة الأخيرة اتفاق وقف إطلاق النار في الكركرات، وقبْله طرَد بعثة مينورسو الأممية من العيون عاصمة وطننا المحتل، وقبل ذلك أوقف التعامل مع المبعوث الشخصي للإمين العام الأممي، وتطاول حتى على الأمين العام السابق، بان كي مون، نفسه الذي اتهمه واحتقره وشتمه بأوقح العبارات، ودخل في حرب شعواء مع كل من يتحدث عن العدالة وحقوق الإنسان في الصحراء الغربية... هذا النظام هو الذي صادق بالأمس على جناح السرعة على ميثاق الإتحاد الإفريقي، دون دراسة هذا الميثاق، ولا حتى قراءته قراءة متأنية، لأن الهدف ليس احترامه وتطبيه، وإنما احتقاره والقفز عليه!!.وستنعقد غدا الإثنين، بالعاصمة الأثيوبية، قمة الإتحاد الإفريقي الثامنة والعشرين، التي استبقها إلى أديس أبابا كل من الرئيس الصحراوي ابراهيم غالي والملك المغربي محمد السادس، الأول يمثل الدولة العضو المؤسس في الإتحاد، والثاني الدولة طالبة العضوية؛ الأول جاء ليثبِّت العضوية ويدافع عن الشرعية، والثاني وهو الملك المغربي أتى لغاية في نفس يعقوب، وفي إطار "مد أيدك وابتعها": أولا لفك العزلة عن المغرب، وبعدُ محاولة اقتلاع الدولة الصحراوية من جذرها الراسخ في الإتحاد, وإلاّ فسيعمل لتقسيم إفريقيا إلى مجموعتين إحداهما تُسمَّى "الإتحاد المغربي الإفريقي"، وقد تقف افريقيا صفّا مع مبادئها وميثاقها، مما سيدفع النظام المغربي إما إلى الإنسحاب أو محاولة شراء الموقف بـ"مبادرة" أو مناورة، قد تكون جديدة ، وقد تكون فقط العودة إلى الإستفتاء!. وربما يتدخل ملك المغرب للأفارقة في ميثاقهم ويقول لهم بأن الميثاق هو الذي يجب أن يستجيب لشروط المغرب وليس العكس!، ومثلما قال لهم بالأمس أن منظمتهم "مريضة من الداخل"، فقد يقول لهم غدا بأنه هو الطبيب!.
بقلم: حسن مولود

Contact Form

Name

Email *

Message *