بعد البيرو وسوتشي... هل ما زال ثمة حيز للاستهتار؟.
بقلم: سيد أبراهيم اعلي الناجم
وضعت قضية "السفيرة" الصحراوية المتجولة المناضلة خديجتو كينا أوزارها، بعد عشرين يوما من الاعتصام في مطار ليما في مشهد أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه لا يليق، بالقضية أولا، ولا يليق بالمرأة الصحراوية ثانيا. "اقتياد بالقوة، وتسفير اجباري على متن رحلة عائدة الى مدريد"، تماما كما يرحل أي مهاجر غير شرعي، أو شخص تحوم الشكوك حول سوابقه العدلية. انتهت فصول قضية تذكر عشاق الفن السابع بفيلم "تيرمينال" لتوم هانكس، لكن بنهاية مختلفة. بطل الفيلم يتمكن في النهاية من الوصول الى هدفه المتعلق بالحصول على شريط الموسيقى الوحيد المتبقي على اكتمال الألبوم الذي كان والده المتوفي بصدد تجميعه، اما "الدبلوماسية" الصحراوية فقد عادت من حيث أتت بخسارة مدوية؛ إعادة العلاقات مع البيرو الى ما قبل السبعينات، الى اللاشيء. والأسو، إعطاء الانطباع للرأي العام في المنطقة بأن الجمهورية الصحراوية ليست بالمختلفة كثيرا عن جمهورية "قراقوزيا" في الفيلم المذكور.
لقد كان من الواضح بالنسبة للجميع، بدون استثناء، أن قرار الاعتصام في المطار، ليس صائبا على الاطلاق، ومع ذلك تم الاستمرار فيه الى النهاية... فمن يتحمل المسؤولية؟
لا أحد يستطيع تحميل المناضلة خديجتو المسؤولية، فهي مناضلة قديمة لكنها وافدة جديدة على العمل الدبلوماسي، خاصة في أبعاده الرسمية والبروتوكولية، وكان من المفترض أن يتم تنبيهها الى الموضوع من طرف الوزارة الوصية، وزارة الشؤون الخارجية التي يوجد على رأسها أقدم وزير خارجية على الكرة الأرضية. ربما تكون خديجتو قد أخطأت في التقدير حين تصرفت كما لو كانت "ناشطة حقوقية" وليست دبلوماسية تقوم بمهمة رسمية لبلدها داخل دولة أجنبية. فطبيعة المهمة المسندة اليها تتطلب الكثير من الاحتراس، وحسن التقدير والعمل بالأعراف الدبلوماسية المتفق عليها، والتي كانت تقتضي أن تبلغ حكومتها بقرار سلطات الهجرة في البيرو وتعود أدراجها في صمت، وتترك للقنوات الدبلوماسية حل الاشكال. لنفترض جدلا، ونحن لا نعرف ماذا جرى بالتحديد، أن المناضلة خديجتو تكون قد اتخذت القرار بمفردها، بناء على اجتهاد شخصي، الا أن 20 يوما في "تيرمينال" كانت كافية لأن يتدخل أحد ما، من مكان ما، لحفظ ماء الوجه قبل أن تجر جرا الى سلم الطائرة وتجبر على ركوبها كمجرمة مرحلة، أو على الأقل، مشتبه فيها.
وضعت القضية أوزارها، وربما تنسحب تبعاتها من المشهد العام شيئا فشيئا، على وقع ملحمة "أبيدجان" القادمة، ويطالها النسيان، بالرغم من نتائجها الكارثية التي بدأنا نحصدها أسبوعا بعد ذلك مباشرة، وبالتالي "يتفرق دمها" بين الوزراء دون أن يتحمل أحد المسؤولية. فوزير الخارجية الذي "دشن حملة التضامن مع الاعتصام"، من خلال طلبه في مذكرة رسمية، حسب بعض المصادر المطلعة، الى جميع الممثلين والسفراء الانخراط في الحملة التاريخية من أجل "فتح البيرو"، يتبرأ الآن من "موقعة ليما" ويلقي باللائمة على وزير القطاع. هذا الأخير بدت مداخلته على أمواج إذاعة أميزيرات أقرب الى التبرير والتحريض منها الى شرح ملابسات القضية.
فاذا كانت مهمة المناضلة خديجتو كينا هي السعي لاسترجاع موقف البيرو الداعم، خاصة بعد لقاء الرئيس أبراهيم غالي الودي مع نظيره البيروفي يوم 24 ماي 2017 على هامش تنصيب رئيس الاكوادور الجديد، فإنها تكون بكل المقاييس قد "جات أتكحلها عورتها" أو بالأحرى أعمتها الى الأبد. يحدث هذا على مدار عشرين يوما، بالتمام والكمال، ولا أحد يتحرك لإيقاف المهزلة، لتجنب ما كان واضحا، لأبسط العامة، أنه النتيجة الحتمية. أهو مرض المحاباة المزمن، أم "الشعبية" "الشعبوية" التي أصبحت "نهجا" نضاليا قاد بعض كبار المسؤولين الى حجز غرف افتراضية دائمة في عالم "الواتساب" يتناقلون تسجيلات "الآوديوات" الحساسة مع الجميع على مسمع ومرأى من ياسين المنصوري؟
وإذا كانت مهمة اختنا المناضلة، التي اجتهدت مشكورة، تأتي في إطار أشمل وهو إعادة بعث العلاقات الثنائية مع أمريكا اللاتينية واستدراك الممكن بعد الاختراقات المغربية الأخيرة، فإنها تكون، قد خلقت السابقة، وساهمت في تقويض إمكانيات الفعل في تلك المنطقة، وأثارت انتباه العدو وحلفائه الى "الوضع القانوني" غير الواضح لتمثيلياتنا في أمريكا اللاتينية مما قد يؤدي الى مفعول "الدومينو". أول "حلبات الذيب" هو سؤال شرطة المطار في عاصمة دولة من المنطقة، لممثلنا لأول مرة، بعد أكثر من 7 سنوات من الدخول والخروج منها، عن طبيعة العمل الذي يقوم به. هل هو سائح أم يقوم بعمل آخر؟ والحقيقة أنه لا ينبغي استغراب أن ينتقل مفعول "الدومينو" الى مناطق أخرى، كأوروبا مثلا ! ! ففي السياسة، كما في القانون، "السابقة" لها قيمة كبيرة.
هناك اجماع وطني، على أن "حركية الخارجية" الأخيرة تشكل كارثة مركبة بجميع المقاييس، ومنذ الوهلة الأولى بدأ المتتبعون للشأن الوطني يتوقعون تطورات سيئة، لكن أكثر المتشائمين لم يكن يتوقع أن يصل بنا الاستهتار ما وصل في ليما، وأن تقودنا حسابات مؤتمر مازالت تفصلنا عنه سنتان بالتمام والكمال، الى الاختباء خلف "الأمر الواقع" لتبرير العجز، بل الهوان.
ما حدث في البيرو قبل شهرين، وما يحدث يوميا من "لافعل" في أغلب الساحات الخارجية، ينبغي أن يدفعنا الى الخروج من دائرة "الواتساب" والتوجه فعلا لأن يكون دبلوماسيونا أحسن محامين عن قضيتنا العادلة، فكم من قضية عادلة أفسدها محام فاشل. وكما لا نريد "لدم البيرو" أن يتفرق بين الوزراء، لا نريد كذلك لدم "سوتشي الروسية"، أن يتفرق بين المعنيين بمهزلة عودة طائرة الوفد الشباني الصحراوي أدراجها، بسبب التأخر غير المبرر لمدة ثلاثة أشهر في تعبئة بيانات أعضاء الوفد المشارك في صفحة المهرجان على النت. ما قيل، بعد ذلك، عن رفض روسيا إعطاء التأشيرات ليس سوى تبريرات واهية لا تصمد أمام التطور النوعي الحاصل في العلاقات الثنائية مع هذا البلد الكبير خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
الرئيس ومسؤول لجنة العلاقات الخارجية في الأمانة الوطنية، مطالبان بتحمل مسؤولياتهما في هذا الصدد. هامش الاستهتار لم يعد موجودا، وتلقف انتصارات دبلوماسية وتقديمها بلبوس شخصي متعلق بوزير معين، كالذي يحدث في عاصمة الاتحاد الافريقي، ملهاة لم تعد تروق لأحد. نحن مازلنا نخوض المباراة في ملعبنا (الشرعية الدولية)، لكننا نلعب، بعد 26 سنة على وقف إطلاق النار، في الوقت بدل الضائع، وفرصتنا التاريخية لتسجيل هدف الفوز النهائي هي اليوم. أما غدا، فقد، وأقول قد، نجبر على لعب المباراة في ملعب العدو (السياسة الواقعية)، بنتيجة محسومة مسبقا، فحينها سيكون "اللعاب أحميدة والرشام أحميدة".