نصف قرن على رحيل ” الثائر الرمز ” تشي جيفارا
يصادف اليوم التاسع من أكتوبر الذكرى ألـ 50 لإعدام المناضل الأممي تشي جيفارا ، ويعد جيفارا شخصية شهيرة خاصة في أميركا اللاتينية ، وقد جسدت شخصية جيفارا العمل الثوري أثناء الحرب الباردة، وقد تحولت شخصيته إلى أسطورة ورمز.
من هو تشي جيفارا ؟
إرنستو تشي غيڤارا (تشي لقب يعني الرفيق) أحد أشهر مناضلي أمريكا اللاتينية والمفكرين الثوريين في القرن العشرين، وهو من أصل أرجنتيني، وُلِدَ في مدينة روزاريو في الأرجنتين؛ وهو ابن عائلة من الطبقة المتوسطة في المجتمع، والده مهندس معماري ذو نزعات إصلاحية وطوباوية رومنسية في التفكير السياسي، كانت والدته سيدة مثقفة ذات اتجاه يساري، وهو الأخ الأكبر لإخوته الخمسة. أُصيب بالربو وهو في الثانية من عمره وبقي يعاني هذا المرض طوال حياته، ومع ذلك استمر في تأدية جميع المهمات التي اختارها بوصفه ثورياً مناضلاً.
تلقى معظم تعليمه الابتدائي على يد والدته، وقد أتاحت له مكتبة والده الاطلاع على أعمال هيغل Hegel وماركس Marx وإنغلز Engels وفرويد Freud، وكان من المعجبين بالشاعر التشيلي الشيوعي بابلو نيرودا P.Neruda، كل ذلك جعله يحظى بفكر متميز، وكان من الممكن أن يصبح رجل أعمال ناجحاً، ولكنه تحّول من رجل ثروة إلى رجل ثورة.
التحق بالمدرسة الثانوية عام 1941. وعاش الأزمات السياسية الخانقة في الأرجنتين إلى جانب الظلم الاجتماعي الذي كانت تعانيه شعوب أمريكا اللاتينية، مما جعله يضمر أشّد الحقد والاحتقار للإمبريالية. وفي عام 1951، قام برحلة مع أحد أصدقائه إلى عديد من دول القارة الأمريكية الجنوبية واطّلع عن كثب على أوضاع الشعوب المأساوية التي جعلته أكثر إصراراَ على التزام الدفاع عن قضايا الشعوب المضطهدة وتحريرها من الظلم والاستعباد.
تخّرج في كلية الطب في عام 1953م، وبدأ مرحلة جديدة في حياته، فقد غادر بوليفيا وغواتيمالا والتحق بالمناصرين للنظام الشيوعي بقيادة «جاكوبو أربنز غوزمان» Jacobo Arbenz Guzmán وبعد إسقاط غوزمان، ارتحل إلى المكسيك حيث التقى بالشقيقين فيديل وراؤول كاسترو.
توطدت عرى الصداقة بين غيفارا وكاسترو وقرر أن يخوض إلى جانبه معركة تحرير كوبا من الدكتاتور «باتيستا» الموالي للولايات المتحدة، وترأس مجموعة من المقاتلين وكان قائداَ موهوباَ ومقاتلاً شرساً يتمتع بصلابة فريدة ومعنويات قلّ نظيرها، وقد انتهت حرب التحرير الكوبية بالنجاح، وتمَّ إسقاط النظام الدكتاتوري عام 1959
وبعد انتصار الثورة؛ مُنح الجنسية الكوبية، وعُيِّن رئيساَ للبنك الوطني في كوبا، ثم عُهد إليه بمنصب وزير الصناعة، وكان يدعو باستمرار إلى قطع كل العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، مما جعل الولايات المتحدة تصنفه بأنه ألدّ أعدائها وأحد أهدافها.
وفي عام 1961م قام بزيارة معظم الدول الاشتراكية، بما فيها الاتحاد السوڤييتي والصين الشعبية، والتقى الرئيس جمال عبد الناصر، ومثّل بلاده في عدد من المؤتمرات الاقتصادية والسياسية التي عقدت في ذلك العام.
كان غيفارا من أبرز دعاة الخط الاشتراكي الشيوعي في الثورة الكوبية، ويؤمن بوحدة أمريكا اللاتينية وتحرير شعوبها، ولاسيما بلده الأرجنتين، ومن أجل هذا الهدف غادر كوبا وتخلى عن جميع مناصبه وعن الجنسية الكوبية، وكان إيمانه كبيراَ بخلق أكثر من فييتنام، كما كانت لديه قناعة كاملة بتنظيم الفلاحين وقيادتهم لبلوغ أهدافهم الكبيرة، وعلى هذا الأساس غادر كوبا عام 1965م ووجَّه رسالة إلى صديقه كاسترو يخبره فيها أن مهمته الثورية في الجزيرة قد أُنجزت وأن بلاداًَ أخرى في حاجة إليه، وإن من أقدس واجباته النضال ضد الإمبريالية ورموزها في القارة الأمريكية.
قاتل في الكونغو مع الثوار، ثم غادرها بعد شهور عدة، وفي عام 1966م انتقل إلى بوليفيا متخفيًّا لقيادة الثورة فيها، ولكن مجموعته الصغيرة لم تنجح، فقد وقع في كمين نصبته له القوات البوليفية، وعلى الرغم من شجاعة مقاتليه واستبسالهم فلم يستطيعوا الإفلات وأُصيب غيفارا في فخذه ثم قُبض عليه حياً بالقرب من مدينة سانتاكروز، وقد شاركت أطراف عديدة في مؤامرة القبض عليه وعلى رأسها المخابرات المركزية الأمريكية. وتمّ إعدام غيفارا بالقرب من قرية جبلية تبعد 770كم جنوب العاصمة لاباز، ودفن في نهاية مدرج قديم لهبوط الطائرات وبقيت الساعات الأخيرة من حياته غامضة، وقد كُشِفَ عن هذا الأمر في عام 1997 في إحياء ذكرى استشهاده الثلاثين، ونُقلت رفاته إلى العاصمة الكوبية هافانا، حيث دُفِنَ باحتفال جماهيري حاشد. ولا تزال شخصية غيفارا مثاراً للجدل، فقد عّده جان بول سارتر «أكمل إنسان في عصرنا»، ووصفه رفيق دربه «بوريغو» بأنه: «شخصية صريحة وصارمة وقاسية ولكنها محبة للناس، حمل كل صفات المناضل والمثقف الثوري، وكان أبعد ما يكون عن التطرف والانتهازية، ويكره المناصب والمال».
رأت فيه الملايين من شعوب العالم بطلاً ورمزاً للتضحية والعطاء. من مؤلفاته: «حرب المليشيات» (1959) و«الاشتراكية والإنسان في كوبا» (1966).
تدل كتاباته على أصالة فكره السياسي. كانت ماركسيته ثورية بروليتارية وعالمية، وكان هدف الاشتراكية عنده خلق إنسان جديد متحرر من جميع أشكال الاغتراب.
عبد الكريم العلي
مراجع للاستزادة:
ـ ريكاردو روجو، صديقي غيفارا (باريس 1968م).
ـ مجموعة من المؤلفين، البؤر الثورية والحرب الثورية (دار الطليعة، بيروت 1970م).
ـ هـ أروس وك.ب. فولف، أرنست تشي غيفارا، أحلامي لا تعرف حدوداً، تعريب نبيل الخطيب (دار الفارابي، بيروت 1987م).
المصدر : الموسوعة العربية