الخوف من مواجهة الحقيقة لا يوقف صيرورة التاريخ
هناك مسلمات لا يمكن التغاضي عنها في أي رؤية موضوعية، وأولها ان دوام الحال من من المحال، وان صيرورة التاريخ لا يمكن وقفها. وثانيها ان عدالة القضايا وحدها لا تحقق النصر فالامثلة على القضايا العادلة التي فشلت في تحقيق النصر كثيرة هناك مثلا القضية الشيشانية والقضية الكردية و الباسكية غيرهم كثير، ومهما اختلفت أسباب الفشل هي ان هناك حقيقة واحدة ان العدالة وقوة الحجة وحدهما لا يضمنان النصر.
ومن هنا وجب الأخذ بالأسباب التي تحقق النصر وعلى رأسها القوة الذاتية، وهاته تتطلب منا بل تفرض علينا الوقوف مع الذات ومواجهة الواقع بكل جرأة والعمل على مراجعة الاختلالات ومواكبة التطورات التي يفرضها علينا تسارع أحداث العصر.
نعرف جيدا ان كابوس الصراع الفلسطيني الفلسطيني والمشاهد المؤلمة لأحداث الربيع العربي تشكل حاجزا نفسيا امام المطالبة بالتغيير، لكن هذا الحاجز لا يجب ان يحجب عنا الحقيقة ان كل هذه الأحداث المؤلمة التي عرفتها البلدان العربية جاءت نتيجة لأزمة غياب المشاركة السياسية و إنسداد القنوات الطبيعية المؤدية الى التغيير.
وهذه الازمة للاسف نعيشها نحن اليوم بوجهيها الخارجي و الداخلي:
اذ نعيش على المستوى الخارجي انسداد ناصع الوضوح يتعاقب على قضيتنا الأمناء العامين و المبعوثين الشخصيين الواحد تلوى الآخر دون احراز اي تقدم يذكر ولا نمتلك أمامها سوى اسطوانة التلويح بالعودة الى الحرب التي أصبح الجميع يعلم أن قرارها لم يعد بأيدينا.
وداخليا نعيش على حالة من ترهل المؤسسات وإنتشار المحسوبية والفساد وسوء التسيير لم يعد معها السكوت ممكن او مفيد اضافة الى البطالة والشعور باليأس المسيطر على المزاج العام نتيجة انسداد القنوات الطبيعية لتغيير الواقع المرفوض، كون آليات المشاركة السابقة فقدت فعاليتها ولم تعد تنتج إلا نفس الوجوه المسؤولة عن الواقع المعاش. زيادة على تغول سياسة الاقصاء التي تجرم كل رأي مخالف أو مطالب بالتصحيح فكل من تجرأ على ذلك يجد نفسه على الهامش يتساوى في هذا الأمر الموظف البسيط والوزير.
هذه كلها مظاهر أزمة تفرض على الكل التوقف عندها والبحث لها عن حلول اذ كنا فعلا غيورين على القضية، ومساعدة كل من تجرأ وبادر بالبحث عن طريقة تصنع التغيير وليس تسفيهه وشن الحرب عليه، انا لا اذهب مع التصنيف الذي يقسم الاصوات المحاربة للتغيير الى صادق خائف من تكرار الكوابيس العربية، أومستفيد من الواقع يدافع عن مصالحه، أوبوق يكرر بصوت عالي ما يذاع في أذنه.
انا لا أراها هكذا بل اعتبر كل الأصوات صادقة وتعبر بهذه القوة بدافع الغيرة على المصلحة العامة، لكن هذا الخوف لا يجب ان يجعلها تعمل على تكريس الواقع الذي يقودنا بالضرورة الى الفشل و الاندثار.
هذه الحركة ” البوليساريو” التي نخشى عليها يعرفها مؤسسوها قبل غيرهم بأنها ليست حزبا بل حركة تضم كل تيارات المجتمع الصحراوي من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، وهذه الشمولية كانت لها ادواتها آنذاك التي تضمن مشاركة كل تيارات المجتمع الصحراوي داخلها إلا ان تلك الادوات من ” ندوات ومؤتمرات” لم تعد صالحة اليوم بسبب توسع ونمو المجتمع نوعًا وكمًا وبقاء تلك الأدوات على حالها دون تكيف مع تطور الأحداث والذهنيات، زد على ذلك غياب العمل الميداني الذي كان يوحد الكل حوله وهو الحرب.
ولضمان تمثيل كل المجتمع الصحراوي داخلها لابد للبوليساريو اليوم من التمدد مع المجتمع والبحث عن اليات جديدة تضمن تمثيل كل التيارات الصحراوية داخلها من خلال المؤسسات الدستورية لا الاجتماعية، وإذ لم تتطور مع نمو المجتمع ستكون بالضرورة هناك تيارات صحراوية خارج تلك الأطر التنظمية القديمة التي لم تعد متماشية مع عالم اليوم، ومن هنا وجب على الغيورين الصادقين عليها ان تتفتق افكارهم عن حلول لهذه المعضلة وليس كيل السباب والشتائم لكل المطالبين بالاصلاح والتغيير.
اما الذين يطالبون بتوفر صفات تعجزية في المطالبين بالتغيير فعليهم ان لا ينتظروا نزول أشخاص من القمر لقيادة قاطرة التغيير والإصلاح لأننا كلنا مشاركون في صناعة هذا الواقع بل متورطون فيه، قيادة ومواطنون إما بالمشاركة الفعلية أو بالصمت عنه أو التورط العاطفي مع العابثين فيه.
ومن هنا الحقيقة المرة التي يجب علينا مواجهتا هي ان مهاجمة التغيير لا توقف عجلة التاريخ وأن البوليساريو اليوم بين امرين اما مواكبة تطورات العصر والتمدد مع المجتمع أو الاقتصار على تمثيل بعض الصحراويين دون آخرين، لأن القضية قضية شعب وهو الذي سيبقى أما التيارات السياسية فهي مجرد وسيلة لأهداف تنتهي بتحقيقها أو الفشل في تحقيقها.
بقلم: محمد لحسن